rafeibashir@gmail.com
الكتابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تستلزم إستحضار الأدب والإيمان والطُهر في القلب وفي اللسان وفي الجنان ، وتستوجب الحضور الذهني والمنطقي والتديني والفقهي وتستلهم الدهشة والعجب والتعجب وتتطلب النباهة والانتباه وتوخي الحيطة والحذر ، وتدعو للإسترسال في الحديث عن مهمة ورسالة وعن شخصية إنسانية تلتزم بإنسانيتها ، وبحذافير حياتها وافعالها الفريدة و أقوالها النواهي والزواجر والأوامر والنواذر ، والبشائر ، وأبهة رسالتها والإقتدار عليها تحملا للتنزيل من القول الثقيل ، إستقبالا وقبولا لها وعملا بها وايصالها ، رسالة ليست ككل الرسالات ، بها من لقدسية الإلهية في المحتوى والمستوى الى العنت في الإلتزام بها وتحمل تبليغها كما جاءت وكما هي ، الكثير المرير ، إنه لقول رسول كريم ، ذي قوة عند ذي العرش مكين ، مطاع ثم أمين ، جمع التأهل لها الكرم والإكرام والقوة والتمكين والطاعة والأمانة ، وتشتحذ الإستيعاب من الكاتب للمعاني والمقاصد وابراز الحكم والموازنة والتحكم عند من بتحدث عنه ، بين مطامع النفس البشرية في الهوى والرغبة في الشخصنة والظهور وبين معنى الرسول في حمل الرسالة كمحتوى مقدس ومُوصِّل أمين يترفع عن الأنا والنفس ، وما ينطق عن الهوى إنه هو إلا وحي يوحى.
فإن لم يك هذا الرسول رسولا ، وأن الأمر ذو شجون خفية ، فكيف وربي يتأتى له الخروج على بيئة مجتمعية لا تعرف إلا جبروت اللسان والمقال ، فيخرج وهو الأمي يملك نواصي الكلم وعذب الحديث وطاهره وظاهره ، حديث ليس من قوافي المعلقات في شيء لكنه أعظم جرسا وأنصع بيانا وأرقى معنى وأحلى وأعظم وقعا ، وليس من الوقوف على الأطلال والتباكي عليها وعلى تجارب الضلال فيها والحب والنزق البشري ، من شيء ، إلا أنه أرفع للنفس قدرا وأقدر منه تساميا وتوجيهها ،وليس له من رصد التكبر والصلف والتجبر شيء ولكنه يحشو النفس كبرياء وعزا تخوض به غمار البحار وتتحمل فيه الصخور العاتيات على الصدور العاريات ، حديث خرج عن مألوف قريش في صناعة الشعر وتجويده ،وما علّمناه الشعرَ وما ينبغي له ، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ، وإختلف عن توهم الكهنة والمتزلفين ، والمستجدين ووجه الناس ممن وصفوهم بأراذل القوم الى السمو وعفو النفس وأخرجهم من عبادة العباد إلا عبادة الله الواحد القهار ، وقول خرج من التركيز على وصف وجوه الغواني والقيان والدنان والإنسان ، إلى حديث مركوز من لوح محفوظ تحمله الملائكة وتنزله على قلب بشر رسولا يرجف من عظمته ، ويتنزى جسمه من ثقل رسالته وجهد تبيلغه ، تقشعر له الأبدان وتخشع له الجبال وتتصدع ، حديث تصفه جبابرة قريش، وأسيادها ( والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه ليحطم ما تحته) ، واذا تحدث سما وعلاه البهاء ، وكأن حديثه خرزات نظم يتحدرن ، وتصفه الجن ، أنّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ، وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به ، ومن يؤمن بربه فلا يخاف بخسًا ولا رهقا ، تحدى مجتمعه في تخصصه وتفرده ، خرج من منطق المتمنطقين والفلاسفة لمنطق الله وحكمته في خلقه ، وضع الله به الآصار العقول ولهثنا في البحث عن الله ، وأخرج الله الناس به من ظلمات القهر وتقتيل البنات وقطع الطريق وخيانة الرفيق ، للترقي في الحواس والمشاعر والبكاء والنحيب في السَحْر وفي العَسس والنَفس، ووضع الله به جباه المتجبرين خشوعا وخضوعا لله ، تسجد له على الطين والتراب ، ويغيّر حتى وجدان الناس تقريبا للأنثى وتعلية لمكانتها وحافظا على نعومتها وخصوصيتها وإنسانيتها بعد أن كنّ يدفن حيات من الشعور بالعار ، وإذا بُشّر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوّداً وهو كظيم ، إلى الرفق بالقوارير وأصيكم بالنساء خيراً إنهُنّ عوان لديكم ، وما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا ليئم .
كيف وإن لم يك رسولا، أن يُجتبي فيخرج شابا من أعظم وأقوى وأعز قبيلة جاها ومالا وأكثر عيالا ، يخرج من أفضل فخذوها نسبا وأكثرها نعمة ودعة وجاها ، كان له إن يكون طفلا مدللا ، فصقله الله باليتم ، وكان له أن تكون ملاعقه من ذهب ، وجلابيبه من إستبرق ولكنه أختار التحنث في حراء و الوحدة مع الخالق الواجد يتحسس طريق الحق إلى أن أهديّه ، وأختار الأديم والتراب على جميل الثياب ، وغض الشباب ، وعظيم الأنساب ، وأختار الرعي والفاقة والمسكنة عن التملك للدنيا وذهب الأخشبين ، من التي لا تسوى عند الله جناح بعوضة ، تهيؤاً لرسالة الله ، وطهرها وقدسيتها وعظمها ومسؤوليتها ، وأخرج الله من صدره سخائم البشر وهيأه لمقابله الأكابر وأصحاب الجاه بحسن الخلق والتواضع وسلاسة القول ومدهشه وعجيبه وغريبه عنهم ، لم يتحدث عن شخصه ولم يصف نفسه إلا بما وصفه الله به ، من خلق عظيم ، وأخلاق غريبة عن هؤلاء الأكابر ، فهزّ الرؤوس وزحزح المواقف وزعزع الكبر والتكبر في النفوس ووجهها لشيء جديد لا يشبه تصرفات وجهل ورعونة قريش ومن حوله من الإمم ، حيث طغى كيل الظلم والجبروت وكثرت الدماء والفواحش ونسي الناسُ اللهَ ، وأبِقوا عن الحق حتى أظلمت الدنيا حولهم ، فجاء بالحق الذي تقاصرت عنه جباه الأكاسرة والأباطرة وهانت له مكة وقريش إستسلاما وتسليما بعد عناء وعند وعنى ، وتواطأت له الأوس نفوسا ورضوا بإقتسام الزوجات والمؤآخاة في الله مع المعدمين عن زخرف الدنيا ونعيمها، فرفعهم الله به ، وأظلم على اليهود الرؤية وذهب الله بسمعهم وأبصارهم بعد إن كانوا يستوقدون ضياءه بإنتظارهم الشهير في يثرِب ، كيف يحدث هذا من رجل واحد إن لم يك نبيا رسولا ،، إنه لرجل أمة ، وإذن فهذه أفعال وأخلاق رسول أمة ، أخرج الله الناس به من الظلمات إلى النور.
ما يدهشني في كل هذا هو كيف لبشر مثلنا ، لو لا إنه يوحى إليه ، كيف يتحمل الكلام والتحدث والجلوس للملائكة حجبت عنا ولا نراها وإن تخيلنا فقط ظل ملاك لأقشعرت له أبداننا وطارت عن تهيبه والخوف منه والدهشة به جناننا وعقولنا ، وكيف لبشر مثلنا أن يتلقى هذا وهو وحيد في حراء يتنزل عليه النور وتتدلى عليه الرحمة ، وأن يستقبل شيء من الغيب والمغيبات ويخاطب ويثبت وكيف له أن يحفظ قرآنا وقولا ثقيلا من الله ، ولم يحدثه قَبْلُ أحدهم عن الله ، ولم تعهد الناس لقاء الملائكة بعظمها وجلالها وهيبتها كيف له أن يتقبل الموازنة بين بشرا ، رسولا ، وكيف لنفسه بعدئذ وهي نفس بشر إلا تتفرعن والأ تشخصن وألا تستولى على الرسالة على انها صنعه وملكه وحقه ،ويترقى بهذه النفس لقدسية وعصمة وعصامية الرسل ليؤدي هذه الرسالة بأمانتها وكما هي ، وبشهادة من الله بالأداء والتبليغ كما هو مطلوب منه ، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا .... ، كيف له وهو بشر والنَّاس حوله إما سارق وإما مغتصب وإما مفاخر ومفتخر بقوله في سوق عكاظ ، سوق الرياء والفرعنة والتفاخر ، كيف له كل ذلك ، لولا أن في الأمر شيء فوق عادات البشر وطوقهم وطاقتهم من تهيئة وإختيار لنفس خلقها الله من أطهر النفوس ومن أقربها للحق ولتحمل الرسالة وأمانة الله ، كيف؟
وما يدهشني أنه صلى الله عليه وسلم لم يغّل ولم يغلُل ، بل قابل الظلم بالإحسان ، والجفاء بالعطف واللين ، والإجحاف بالعطاء ، الرسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم ..... إنّه الرسول وربي ، فلن تؤتى هذه العظمة إلا لنبي وخير الأنبياء وخاتمهم ، فَلَو كان بشرا ومال إلى ميراث وأخلاق وتخذيل الطين فحسب ، لثأر لنفسه ولطغى ولكنه بشرا رسولا وغلبت فيه معاني وهيئات وأخلاق و عظمة الرسل وجلالهم وجمالهم عن تخذيل النفس والطين الأذب ، ولكنه أيضا مشى بيننا في الأسواق وعمل بيده ، وسعى لرزقه ، فإن االسماء لا تمطر ذهبا ، فقط لأننا مسلمين ومؤمنين ، وأكل القديد وربط الحجر على بطنه جوعا حتى تلوى ، لكي يعلمنا جانب رسالة الله الإخرى ، أن الدين ليس أوهام ومنطق فقط ولا تشدق فلاسفة وأنه عقلٌ ثم توكل ، وليس تواكلا دون عقل وحكمة وتعقل ، وأن إعمار الأرض بالإحتطاب وبالسعي وإن عبادة الله عمل بالجوارح ، وعمل بدني وعقلي وعمل بالنيات وعمل بالفعل وعمل بالاتباع الحق ، وعملا بسد الذارئع ، ذرائع النفس ومنافذ الشيطان والغواية والهوى وما يؤدي للضلال والشرك وإلانحطاط وأن نعبد الله على بصيرة ، وعمل بالعقل الذي لا ينافي النقل وأن نسعى للدنيا بما يهيء لنا طريق الله وعبادته وإتباع رسوله ، وما آتَيتكم فخذوا منه بقدر ما إستطعتم ، وأن نسعى فيها بنور الله وهدايته وسبيله وطريق رسوله ، على هدى وعلم وبصيرة ، أَفَمَن يمشي مُكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ؟
وما يهزمني تسليما وإستسلاما أنني سوف لن أصفه بأعظم مما وصفه ربه به ، وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم ، وصف جامع تتقاصر عنه العقول ولا يصفه إلا إله عالم ، لرسول عظيم .
صلى الله عليه وسلم
الرفيع بشير الشفيع
الثلاثاء
2015/11/3