بسم الله الرحمن الرحيم
من مدارات الحياة
alkanzali@gmail.com
عبرت الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها عن غضبها وسخطها واستيائها وشعورها بالأسى والإهانة لفلم (The Innocence Muslims) الذي عُرضَ جزء منه (ثلاثة عشر دقيقة) على (اليوتيوب) نسب فيه مخرج الفلم أن محمداً طفل غير شرعي تبناه عبدالمطلب. وأنه تزوج بخديجة التي تكبره سناً بعد أن رأت منه صدفة ما لا تراه إلا الزوجة من زوجها. وأنه تعلم القرآن من ورقة بن نوفل ولكن بعد وفاة ورقة أصيب محمداً بشبه جنون لابتعاد مصدره، وكاد أن يرمي نفسه من شواهق الجبال. هدأت نفسه بعد أن وجد عوناً من قوم آخرين ( من عداس مولى حويطب بن عبدالعزي،ويسار غلام العلاء بن الحضرمي ، وحبر مولى عامر فقد كانوا من أهل الكتاب. ومن بعض اليهود، كما جاء في الروايات). وهذا القول الأخير ورد في سورة الفرقان، آية 5 (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً).
يظهر الفلم كذلك ولع محمد بالنساء، وعدم تَحَرُجه من إبداء رغبته في طفلة صغيرة، هي بنت صديقة، فلم يمانع والدها (ابوبكر) من زواجه منها، ولكن أمها اندهشت لهذا الأمر وظنت أن محمداً سيأخذها لتتعرف على إحدى بناته في عمرها. كما أن محمداً لم ير غضاضة عن مراودة زوجة ابنه بالتبني عن نفسها عندما رآها في ملابس تكشف جسدها وفي غياب زوجها. كما يتعرض الفلم لقصة (صفية) أم المؤمنين، وكيف أن محمداً استأثر بها لنفسه بعد أن أمر أصحابه بقتل زوجها وبطريقة وحشية وأمام عينيها.
هكذا ينظرُ هؤلاء الكفرة الفجرة لنبي الإسلام حسداً من عند أنفسهم. فنظرتهم له ستبقى ما بقت المآذن تردد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ولن ترعوي هذه الأنفس عن غيها حتى ينجز الله وعده، ويظهر دين الإسلام على الدين كله ولو كره المشركون. وسيبقى لكل زمان أدواته التعبيرية عن هذا البغض وذلك الحسد. فمرة بكتاب، وأخرى برسم، وثالثة بفلم، وما خفي أعظم. فهذا ديدنهم وديدن آبائهم الأولين. وهو ما أكده لنا القرآن في أكثر من موضع. فقد عُيْرَ نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله منذ أن أعلن نبوته، بأنه يتيم ( ألم يجدك يتيماً فأوى)، وأنه مجنون (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون)، أنه شاعر (ويقولون أننا لتاركوا أهلتنا لشاعر مجنون)، وأنه مسحور (إذ يقولُ الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً) وأن معلمه بشر (وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون # لقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر # ثم تولوا عنه وقالوا مُعلمٌ مجنون# وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً).
فالحكم على من أذى النبي وتجرأ عليه، لا يحتاج للاهتداء بفتوى الأمام الخميني التي أصدرها في حق سلمان رشدي. ولا بما قاله علماء أهل السنة في هذه الفتوى اختلافاً أو اتفاقاً معها. لأن الحكم في هذه المسألة صدر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرتان في حق من تجرأ وسبَ الله أو سب رسوله. ولا يجوز تعديل هذا الحكم بحكم آخر إلى قيام الساعة. ومن أراد معرفة حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في حق من سب الله أو سب رسوله فليراجعه في موضعيه من السيرة النبوية لأبن هشام، وصحيح البخاري، والبداية والنهاية لابن كثير. الحكم الأول وقع على كعب بن الأشرف الذي أذى الله ورسوله وهجا رسول الله شعراً. أما الثاني فهو عند فتح مكة وحكمه على رجال ونساء تعرضوا له بالشعر قدحاً في نبوته. ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل حكمه محصوراً على من أذاه، ولم يتعد أو يشمل غيرهم من الناس، أهل كتاب أو أهل ذمة أو عبدة أصنام.
كان صلى الله عليه وآله وسلم شديد الحرص على مراعاة المواثيق والعهود والالتزام بنصوصها. والسيرة النبوية تفصحُ عن ذلك في مواضع متعددة. ويتجلى الأمر في الآية 59 من سورة الأنفال، وفيها يعلمنا الله ورسوله (إن الله لا يحبُ الخائنين). أي خائني العهود. يروى أن معاوية بن أبي سفيان، أراد يوماً أن يغزوا أرض الروم، وكان بينه وبينهم عهداً، فأراد أن يسير إليهم ليدنوا منهم فإذا انقضى أمد العهد غزاهم، فانبرى له الصحابي عمرو بن عنبسة وكان شيخاً وهو يقول: الله اكبر الله اكبر، وفاء ولا غدر يا معاوية، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من كان بينه وبين قوم عهداً فلا يحلّن عقده ولا يشدها حتى ينقضي أمدها. وتحت هذا الغطاء تدخل سفارات الدول الأجنبية المقيمة ببلاد المسلمين والعاملين بها وأملاكهم، وكل إنسان دخل أي دولة مسلمة من أبوابها (أي بتأشيرة دخول) فهو صاحب عهد وميثاق دعانا القرآن في أكثر من آية لمراعاة عهدنا معه، سورة الأنعام آية 152 (... وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون). والمعنى يصبح أكثر وضوحاً في الآية 4 من سورة التوبة (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدته إن الله يحب المتقين).
لهذا أي تصرف جاء في حق من أعطيناهم عهداً وميثاقاً بالأمن والأمان، وممارسة حياتهم دون التعرض لهم في أنفسهم أو دورهم أو أموالهم هو خيانة للعهد الذي قطعناه معهم، وهو خيانة لله ولرسوله وعدم الامتثال لما أمر به (إن الله لا يحبُ الخائنين). فمن كان محباً لله والرحمة المهداة محمد بن عبدالله، فليهتدي بهديه في حالة الرضا والغضب. ألم يقل النابغة الذبياني قولاً جرى مثلاً: لو كنتَ تصدقُ حبه لأطعتَهُ، إن المحبَ لمن يحبُ مطيعُ.
أما الذين تجرؤوا على الله ورسوله فلن يفلتوا من عقاب الله في الدنيا قبل الآخرة. ألم يتعهد الله لنبيه في سورة الحجر آية 95 قائلاً (إنا كفيناك المستهزئين). فليصدع كل مسلم بالحق وليعرض عن الجاهلين، حتى يظهر الله دين الحق على الدين كله ولو كره المشركون.
أختم مقالي مبشراً كل مسلم ومسلمة، وهي بشارة أعيش زخمها كل يوم وليلة. فقد جئت لهذه البلد الآمن أهلها، منذ ثلاثة عقود وكان فيها مسجدين، ومنذ مجيء فتئتُ متردداً على المسجد الكبير. وكان المصلون يومها لا يملأون المسجد حتى في صلاة العيدين لا يتجاوز عددهم الخمسمائة بما فيهم الأطفال والنساء. أما الآن ففي صلاة الجمعة لا يتسع المسجد لكل المصلين لهذا تم إلحاق مربط السيارات تحت الأرض وباهته لمواقع الصلاة. وأصبح هناك أكثر من خمس مساجد بدل مسجدين. وفي عيد الفطر الذي مضى زاد عدد المصلين عن عشرين ألفاً، وجاءت سلطات البلد العليا لمصلى العيد وخاطبت المسلين وهنأتهم بعيد الفطر وانقضاء رمضان.