ابو عمامة، محاولة أخري للإمبريالية الاستبدالية للأمارات (1/2)

 


 

 

للإمبريالية الاستبدالية للأمارات:
في هذا السياق يمكن أن نتعرف على استراتيجية الأمارات، إذا أخدنا في الاعتبار مجمل التغيرات التي المت بهذه المنطقة الجغرافية والمت بتغيرات السياسة فيها. لم يكن التدخل العسكري في اليمن – وهو تدخل ذو أبعاد وأهداف متعددة – بعيدا عن التحولات السياسية والعسكرية في المنطقة. فتركيا ترسل جيوشها وقنابلها المقذوفة إلى عمق سوريا، والى حلفائها الإسلاميين في ليبيا ترسل الآلة العسكرية المتطورة. اسرائيل تقصف العمق السوري بنية القضاء على التدخل الإيراني، أمريكا تجند الإسلاميين وتمدهم بالسلاح ينزل من السماء ببارشوتات الطائرات الحربية، تقول عنه الإدارة الأمريكية، لقد تم عن طريق الخطأ. وهي تحولات تعكس تحولات أعمق في عمليات وديناميكيات السيطرة الإمبريالية على العالم وعلى المنطقة في مجرى التنافس بين مكونات النادي الإمبريالي العالمي. وهو تنافس يتأسس على عمليات تراكم راس المال نفسها ، تعمل على خدمتها جهاز الدولة المرتبط بها بشكل بنيوي ، تعبر عنه وحدة السياسية والحرب .وهذا التنافس يتيح لدولة كالأمارات والسعودية وتركيا ، في موقعهم المتوسط في التراتبية الإمبريالية ( تجلس في سدته العليا أمريكا وغرب أروبا) التقدم للعب أدوار إمبريالية تناسب موقعهم المتوسط ، كامبرياليات استبداليه ، تنخرط في عمليات توسعية في إقليمها ، بعلم ورضاء وإشراف الإمبرياليات الكبيرة المتسيدة، لا يمنع من اشتراع اجندة خاصة للتوسع الإقليمي ، لا تزال تخضع للبنية الإمبريالية الكبيرة.
قادت السعودية والإمارات حرب اليمن ضد الحوثيين تحت لافتة إعادة الشرعية لحكومة الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى .لم تكن نوايا الإمارات دحر الحوثيين او دعم الشرعية - فقد انسحبت من الحرب في يوليو 2019 - بعد اربعه سنوات من بدء الغزو - لصالح ما اسمته استراتيجية جديدة !، استهدفت الموانئ الأساسية لليمن ، وكان الهدف الرئيسي هو هدم المنافسة لميناء دبى ولمدينة دبى ومنطقة جبل على كمركز أساسي إقليمي للتجارة ولحركة راس المال العولمي ، يتيح شراكات عملاقة ومؤثرة مع اكبر الشركات العالمية ، وبالتالي مع اكبر مواقع التأثير ألسياسي ـ ومع راسمي السياسات و الاستراتيجيات الدولية التي تتقاطع في الإقليم ومنطقة الشرق الأوسط .
يمكن متابعة ملامح الاستراتيجية الجديدة للإمارات بعد سحب جيشها الصغير، من خلال رصد سريع لمجريات الأحداث في اليمن. في 2008 تم توقيع اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي لمدة 25 عامًا قابلة للتمديد لمدة عشر سنوات. نتج من تلك الاتفاقية انخفاض أداء ميناء عدن الذي كان يصنَّف سابقًا بأنه ثاني أهم موانئ العالم بعد ميناء نيويورك فيما يخص تزويد السفن بالوقود. كان إلغاء الاتفاق منطقيا بعد سقوط الدكتاتور على صالح وبعد التحديد الواقعي للسؤال: كيف تقوم الإمارات بتطوير ميناء هو المنافس الرئيسي لميناء دبي؟ فعلا، فقد شهد ميناء عدن انخفاض عدد الحاويات والتي تراجعًت من 492 ألف حاوية في 2008 إلى 146 ألف حاوية في العام 2011. وقد الغت الحكومة اليمنية التي أتت على أثر الربيع العربي تلك الاتفاقية التي عقدها الدكتاتور على صالح، فذهبت الشركة الإماراتية غاضبة وهي تبيت النوايا.
قامت حكومة جيبوتي بنزع حق موانئ دبي العالمية في إدارة ميناء دوراليه، بعد أن أممت حصة شركة ميناء جيبوتي والبالغة الثلثين، وما تبقى من ثلث يذهب لموانئ دبي العالمية. اتخذت الحكومة هذا القرار بعد معارك قانونية شنتها الشركة الإماراتية ضد الحكومة الجيبوتية في محاكم دولية، فضمنت سيطرة الحكومة على موانئ بلدها، كان الاتفاق يمنح الشركة الإماراتية حق إدارة الميناء لمدة خمسين سنة! ويمنح شركة ميناء جبل على - التابعة لشركة موانئ دبي العالمية- حصريا الإدارة المالية للميناء الجيبوتي! في اسباب التأميم ذكر الرئيس الجيبوتي أن الاتفاق مثل انتهاكا للسيادة الوطنية لجيبوتي، حيث انه يمنع الحكومة من أي أعمال تعمل على تطوير الميناء و/او تطوير البنية التحتية على طول الساحل الجيبوتي كاملا لمدة 50 سنة، او إنشاء موانئ أخزي! كما أشار لعمليات الفساد التي منحت مدير شركة ميناء جيبوتي – مهندس الاتفاق – ومدير عام موانئ دبي العالمية ما يساوى ال 20% من دخل الميناء سنويا. بلغ ما يناله المدير الجيبوتي مليون دولار سنويا! فسيرة الفساد والاتفاقات السرية هي سمات تجربة شركة موانئ دبي مع الموانئ المطلة على باب المندب، ومنها وبالقرب منها الموانئ السودانية.
ذهبت موانئ دبي العالمية إلى إرتريا، وقعت معها اتفاقا تستخدم بموجبه ميناء ومطار عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عاما. ومع الميناء، حصلت الإمارات على مطار، يمكن لطائرات النقل الكبيرة من استخدامه في كل العمليات الممكنة بما فيها استخدامه لإرسال الطائرات الحربية إلى تحطم البلد وتقتل ناسها في كل يوم. وللإمارات كإمبريالية استبداليه قاعدة عسكرية، مثلها ومثل الإمبرياليات الكبرى والأصلية، بما فيها القواعد العسكرية الأمريكية في بلدها، وفى بلد حلفائها السعوديون! وقد استغلت الإمارات والسعودية ميناء وقاعدة عصب بشكل فعال للغاية في عميلة سميت ب “عملية السهم الذهبي عام 2015" لتدمير أجزاء واسعة من اليمن الشمالي وقتل المثات من الابرياء.
ومارست سيناريو مماثلا في ارض الصومال، ففي مايو 2017، تسلمت موانئ دبي العالمية إدارة ميناء "بربرة" في جمهورية أرض الصومال، وهي الجمهورية التي لا يعترف بها أحد، عدا الإماراتيين. ويقع ميناء بربرة على ممر بحري هو الأكثر استخداماً على مستوى العالم.
في مصر وبعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، أصبحت الإمارات أحد أهم الحلفاء الإستراتيجيين للسيسي، كما هو حالها مع القوى المضادة للثورة في السودان من قوي الحرية والتغيير(قحت) وعساكر. حصلت شركة موانئ دبي على مشروع تطوير ميناء المياه السخنة الواقع على الساحل الغربي لقناة السويس. ولم يأخذ الأمر وقتا طويلا حتى ظهرت تهم الفساد وعلى لسان دكتور ممدوح حمزة وهو استشاري المشروع. ففي 2011، صرح الرجل في مؤتمر صحفي أن "هناك فساد في مشروع العين السخنة حيث تم تخصيص أراض مصرية لشركات أجنبية بالمخالفة للقانون" معلناً إطلاق "حملة لاسترداد ميناء العين السخنة من شركة موانئ دبي" داعياً إلى "ملاحقة شركة موانئ دبي قانونياً" بسبب الخسائر التي سببتها لمصر. (جريدة الرأى https://alrai.com/article/485250/إقتصاد/دبي-العالمية-تغلق-ميناء-العين-السخنة-في-مصر-بعد-إضرابات) .
كان للعمال المصريين في الشركة معركة أخزي ضد الشركة الإماراتية، فقد خاضوا إضرابا مؤثرا يطالبون بتحسين مستويات الأحور، ودفع بدلات تقابل مخاطر العمل، وإقالة مدراء عرفوا بإساءة المعاملة واضطهادهم الممنهج المتقن للعمال، فأرسل السيسي خليطا من الجيش والبوليس في قوات مشتركة حطمت إضراب العمال وإزالتهم من محيط الميناء.
الحرب كوسيلة للتراكم والسيطرة الجغرافية-السياسية
كان استبدال الإمارات لاستراتيجيتها مشهودا بعد استعادة عدن من الحوثيين بواسطة ما سمى حينها بالمجلس الانتقالي الجنوبي. وهي نفسها القوات التي شنت - وبدعم إماراتي - حملات قمع شرسة ضد أنصار الرئيس عبد ربه هادي والحكومة الشرعية في عدن، وواصلت سيطرتها على مدن الجنوب وصولًا إلى شبوة، قبل أن تستعيدها قوات الحكومة الشرعية. وبعدها انطلقت صوب عدن لاستعادتها، لكن الإمارات – للغرابة - تدخلت مستخدمة سلاح طيرانها الأمريكي المتفوق، استهدفت تجمعات الجيش الشرعي على مشارف عدن، وهي العاصمة المؤقتة للرئيس الهادي، وهي الدولة التي تدخلت لاستعادة حكومته ما فقدت من شرعية!!
عند استقبال القوات الإماراتية العائدة من اليمن، خاطب نائب القائد العام الجمع المحتشد قائلا إن " استراتيجية الاقتراب غير المباشر " - الاسم البراق لاستراتيجية الإمارات – هي أن تقوم القوات اليمنية التي دربتها دولته _ والتي تبلغ في قوامها أكثر من 200 ألف جندي – باستعادة الشرعية! فإذا أخدنا هذا الرقم في الاعتبار يمكننا موافقة العديد من المراقبين والصحفيين الذين تناولوا بالتحليل الأهداف المحتملة و/أو الحقيقية لرغائب التدخل الإماراتي ضمن تحالفها مع السعودية. من ضمن هؤلاء وزراء في حكومة عبد ربه هادى الشرعية والذين حددوا أهداف التدخل الإماراتي بالرغبة في تفكيك البلد من الداخل، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، والعمل على تغيير تركيبتها الديموغرافية، وخلق المليشيات من الأشلاء الممزقة تأتمر بالأوامر الإماراتية، تنفذ لها ما ترغب، فاليمن الآن ضعيف، محطم ومنقسم، يقترب جنوبه من الانفصال، تتناوشه المليشيات تتلقى رواتبها والسلاح من الإمارات في دورها المستجد كإمبريالية استبداليه. اشترت اليمن والسعودية السلاح الأوربي والأمريكي طوال خمس سنوات أثبتت فيها للعالم بشاعة الجريمة واكتمالها، وأكدت للإمبريالية القائدة نجاعة أسلحتها عندما استخدمت اليمن كحقل للتجربة المطلوبة. وقد انتجت نعمة الباقر تقريرا مصورا لقناة (سي أن أن) عكست فيه حجم الأسلحة الجبارة والمتطورة الأمريكية بعضها محطم وملقى على قارعة الطريق، تسيطر عليها قوات الحوثي، والتي أخذتها من المليشيات التابعة للإماراتيين. وهي الأسلحة التي دفعت فيها الإمارات ما يفوق ال اثنين بليون دولار، ارسلت الملايين من أطفال ونساء ورجال اليمن إلى الردى وإلى ارض خراب.
تقول صحيفة الوطن العدنية على الإنترنت في عددها لأربعاء - 10 يوليه 2019: “يبقى من الثابت أن أطماع أبو ظبي في موانئ اليمن ما تزال قائمة، وتشهد عليها ممارسات القوات الإماراتية في المخا والمكلا وعدن والحديدة ذاتها. ولذلك لم يكن مستغرباً أن التخفيض (أي تخفيض الجيش) لم يشمل مناطق في شبوة والساحل الغربي (فهي مناطق البترول والغاز)، بل جرى العكس عملياً، وتم تعزيز القوات في هذه المناطق". تتحدث تقارير، عن أن الإمارات أنفقت أموالا طائلة على تسليح وتدريب قوات "موازية" لقوات الحكومة الشرعية، بلغت نحو 200 ألف مقاتل، موزعين على العديد من التشكيلات القتالية التي تتخذ قراراتها باستقلالية شبه كاملة، عن قرار مؤسسات الحكومة الشرعية العسكرية والأمنية التي تتخذ من مدينة عدن، جنوب اليمن، عاصمة "مؤقتة" لها.
مسؤولون يمنيون محليون، تحدثوا عن أن دور القوات الإماراتية في اليمن طوال خمس سنوات، اقتصر على لعب أدوار غير قتالية، من خلال تمويل تشكيلات قتالية "موازية"، حاولت أن تجعل منها بديلا عن مؤسسات الحكومة الشرعية، الأمنية والعسكرية. ففي سلسلة تغريدات نشرها محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو على تويتر، اتهم فيها الإمارات "بتمويل الفوضى عوضا عن إنفاقها في تقديم خدمات أو عون للناس". كما اتهم محافظ سقطرى رمزي محروس، في بيان، الإمارات بـ "دعم واضح وصريح لتمرد عسكري على شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي". (موقع وكالة الاناضول على الانترنت )
في مقال بعنوان” الانسحاب الإماراتي من اليمن.. خروج الرأس وبقاء الذراع" نشرت القدس على موقعها على الانترنت ( HYPERLINK "https://www.alquds.co.uk/"https://www.alquds.co.uk) مقالا رصدت فيه انتشار القوات الحليفة للإمارات في محافظات عدن ولحج وأبين والضالع (جنوب)، والحديدة (غرب)، وغيرها من محافظات جنوب اليمن، ضمن إطار "قوات الدعم والإسناد" التي تضم قوات "الحزام الأمني"، التشكيل الأكبر والأكثر فاعلية من التشكيلات الأخرى الممولة والمدعومة من الإمارات. ومن بين التشكيلات المنضوية تحت "قوات الدعم والإسناد"، قوات "النخبة" مثل النخبة الحضرمية في محافظة حضرموت (جنوب شرق)، والنخبة الشبوانية في محافظة شبوة (جنوب شرق)، والقوات المشتركة التي تضم ألوية العمالقة، والمقاومة التهامية، وألوية حراس الجمهورية، التي يقودها طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقوات أخرى مثل "كتائب أبو العباس" التابعة لتنظيم القاعدة في محافظة تعز (جنوب غرب)، وغيرها من القوات والتشكيلات التي تمارس دور الدولة بعيدا عن المؤسسات التي تمثلها حكومة عبد ربه هادي.
كتب المقال كذلك عن تجنيد "مرتزقة" واستقداما للقتال غير المقيد، مثل المرتزقة التشاديين والنيجيريين المنحدرين من أصول عربية، ومرتزقة آخرين من كولومبيا، ومن شركات الحماية العسكرية والأمنية الخاصة، مثل شركة "بلاك ووتر"، وفق تقارير لصحف غربية. كما استقدمت الإمارات بشكل خاص قوات سودانية، شاركت في معارك الساحل الغربي ومعارك الحديدة، منذ بداية تشكيل التحالف الدولي، قبل بدء انسحابها التدريجي من اليمن.
اختلفت الاستراتيجية الإماراتية عن الاستراتيجية السعودية. إذ إن الهدف السعودي الأساسي كان إضعاف الحوثيين من أجل تسليم مقاليد السلطة من جديد إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترَف به دولياً، وتوسيع نفوذ الرياض، وتحسين الأمن عند الحدود السعودية-اليمنية. أما الإماراتيون، فقد سعوا إلى كسب النفوذ في المناطق الساحلية اليمنية وفي جنوب البلاد، بهدف تعزيز حضورهم عند خطوط الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، باتجاه القرن الأفريقي. https://carnegie-mec.org/diwan/79561

isamabd.halim@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء