اتركوا لإسرائيل ما تعمله، يرحمكم الله

 


 

 



(1)

كما هي عادتنا معشر العرب، فقد سارع الكثيرون إلى الحديث عن "مؤامرة" من الجهات إياها تقف حول حادثة قتل الجنود المصريين في منطقة رفح الحدودية يوم الأحد الماضي. وهذا يذكرنا بأن أفعال كثير من الفئات التي تنتسب إلى العروبة والإسلام هي أكثر ضرراً على مصالح الأمة من كل مخططات الأعداء الجهنمية. وهؤلاء ممن قال عنهم القرآن أنهم ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.


(2)

هذه الأيام، يحق للمسؤولين الأمنيين والسياسيين في إسرائيل أن يذهبوا في إجازة مفتوحة ومدفوعة الأجر، حيث يسترخون على البلاجات وهم يتفرجون عبر هواتفهم النقالة على العرب وهم يقومون ب "الواجب" على خير وجه. ففي سوريا، يقوم الطيران السوري والمدفعية السورية بما حاولته إسرائيل من قبل في لبنان وغزة، ولكن هذه المرة بدون أن تدفع إسرائيل مليماً أو تتغبر لها أقدام جندي واحد. سوى أن الحملات الدولية والإعلامية وقتها حرمت إسرائيل من الاستمرار في "مهامها" أكثر من شهر أو شهرين، بينما يستمتع الأسد وزبانيته بزمن لا محدود لمسح سوريا من خارطة العالم، ويقتل في أيام معدودة ما تحتاج إسرائيل لشهور لتنجزه. وهكذا يؤدي "الجيش العربي السوري" الواجب بحرفية ومنهجية وارتياح دولي تجعل جنرالات إسرائيل يتلظون غيرة ويموتون حسداً.


(3)

في مصر المحروسة، يتولى الجيش المصري المغوار والقوات الأمنية تشديد الحصار على غزة، وتنفيذ ما عجز عنه من قبل نظام مبارك وأصدقاؤه الإسرائيليين من إغلاق كل المنافذ التي تتنفس منها غزة. ولكن هذه المرة، بدعم شعبي و "مشروعية ثورية"، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


(4)

تذكرنا مصر هذه الأيام بأمريكا بوش بعد الحادي عشر من سبتمبر، حين أثيرت المشاعر ضد عدو مجهول-معلوم، وأصبح كل إنسان إما هو معنا أو مع الإرهابيين. وكما هو الحال في تلك الأيام، اتخذ أصحاب أجندات مسبقة من الأزمة غطاء لتنفيذ مآرب أخرى. وليس أدل على ذلك من أن عدداً من أنصار النظام السابق الذي لم يذل ويعذب ويقتل من المصريين مثلما قتل لا إسرائيل ولا غيرها، أصبحوا اليوم يقودون الهياج حول قتل الجنود، ويتخذون ذلك تبريراً لاستهداف غزة.


(5)

كل المعلومات تشير إلى أن الجناة المفترضين كانوا مصريين وغير مصريين، وقد يكون بعضهم جاء من غزة. ولكن ما المبرر لعقاب جماعي ضد كل أهل غزة دون مصر عموماً وسيناء خصوصاً؟ وإذا فهم قرار إغلاق الأنفاق لأن هناك مظنة أن تستخدم من قبل العناصر المطلوبة، فما هو المبرر لإغلاق معبر رفح الرسمي؟ هل سيأتي الإرهابيون بأسلحتهم وبنادقهم عبر المعبر؟ ثم لماذا يمنع الفلسطينيون القادمون إلى غزة، والنساء والأطفال والطلاب وغيرهم من أصحاب الحاجات من العبور إلى غزة؟


(6)

غير بعيد من غزة وغيرها، هناك "مجاهدون" في اليمن، وآخرون في العراق، وغيرهم في ليبيا، يمارسون القتل والترويع في حق المواطنين الآمنين ممن لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. وهذه الأعمال بطبيعتها تؤدي إلى آثار عكسية، لأنها تستهدف المواطنين بدون تمييز، وبالتالي تجعلهم يتحولون ضد المجموعات التي تقف وراءها، مما ينتج عنه هزيمة مشروعها بغض النظر عن وجاهته. وهذا بالضبط ما حدث للنظام السوري الذي أدت هجماته العشوائية ضد المدنيين إلى تحول مدن بكاملها ضده.


(7)

هناك مشكلتان تطرحهما هذه الوضعية المقلوبة، حيث يصبح "المجاهدون" أفضل حلفاء إسرائيل، وأنجع قواتها الضاربة، وحين تتحول "الممانعة" ستاراً شفافاً للإجرام الطائفي. المشكلة الأولى مشكلة العقل، حيث يتورط أشخاص "مثاليون" بدون قصد في أعمال يراد لها أن تدعم قضايا الأمة، ولكنها تؤدي إلى أثر عكسي. ولكن المشكلة الأكبر هي المشكلة الأخلاقية، حيث نرى في سوريا والعراق مثلاً فئات ذات توجه طائفي في الأساس، ولكنها تتدثر بدعاوى المقاومة لدعم مخططها الإجرامي. وقد فرق الإمام علي بن أبي طالب بين الفئتين في مقولته المشهورة حين قال: ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه.


(8)


ولكن في المحصلة النهائية، وفي ميزان العدل الإلهي، كما يؤكد القرآن الكريم، فإن الإثم واحد. فمن يقتل بريئاً، مهما كانت حجته، فهو كمن قتل الناس جميعاً، وكفي به إثماً مبيناً.


(9)

في هذه الأيام الرمضانية، وفي بعض مناطق سوريا، تتواجه فئتان، واحدة من "الجهاديين" الشيعة، وثانية من "الجهاديين" السنة، وكل يطلب "الشهادة" ويعتقد أنه في طريقه إلى جنات الخلد. ومنطق العقل ومقتضى الدين يؤكدان أن الطرفين لا يمكن أن يدخلا الجنة معاً، مع احتمال أن ينتهي المقام بكليهما في سقر. وإذا أردنا التمييز بين الحق والباطل في هذا المقام، فيمكن أن نستدل بمقولة المسيح عليه السلام: بثمارهم تعرفونهم. فليس من يؤيد الظلم والطغيان والحكم الطائفي، ويساهم في قتل الأبرياء ودك المدن على رؤوس أهلها، في مقام من يدافع عن الأبرياء ويقتص من المجرمين. وهنا تصدق في حق الأوائل الإدانة القرآنية: قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين.

(10)

مرة أخرى، نأمل أن تكون الأخيرة، نقول لكل طوائف البغي والإجرام: اتركوا بربكم شيئاً لإسرائيل حتى تعمله، فإن صديقكم نتنياهو هذه الأيام في كمد من هذه المزاحمة التي تعوقه عن أداء مهامه.
Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com]

 

آراء