اتفاق النفط السوداني سينزع فتيل الحرب بين البلدين ولكن بشرط!

 


 

 



سيتم  نزع  فتيل  الحرب  بين  البلدين  بشرط  واحد  هو  ان  يصدق  الطرفان  هذه  المرة   ويبتعدا  عن  اساليب  المراوغات  والتكتيكات  قصيرة  النظر  ويفكرا تفكيرا  استراتيجيا  يكون  الهم  فيه  هو  مصلحة  الشعبين  السودانين  فى الشمال  والجنوب . هذان  الشعبان  اللذان  شقيا  بما  لا مزيد  عليه  من الشقاء  نتيجة  لمماحكات  ومداورات  قيادات  فرضت  نفسها  على  الشعبين  اولا  بقوة  السلاح  ولم  ينتخبها  احد . لقد  حملت  انباء  المفاوضات  الثنائية  بين  حكومتى السودان  وجنوب  السودان  ان  اتفاقا  بين  الدولتين   قد  تم  التوصل  اليه  فى  مدينة  اديس  ابابا  العاصمة  الاثيوبية يتم  بموجبه  تصدير  البترول  الجنوبى  عن طريق  انابين  التصدير السودانية . وقالت تسريبات  غير  رسمية  ان  الجنوب قد  رفع  سعر  تصدير برميل  البترول  الى  خمسة  وعشرين  دولارا  للبرميل   يدفعها  الى  حكومة  السودان  التى  كانت  تطالب  بمبلغ  اثنين  وثلاثين  دولارا   على  رأس  كل  برميل .  ويذكر  ان  الوضع  بين  البلدين  تأزم  جدا  ووصل  حافة  الحرب  عندما  اخذ  السودان  السعر  الذى  يطالب  به  عينيا  دون رضا الجنوب -  بالدارجى  الفصيح  اخذ  السودان  حقوقه  زندية  كما  يقول  الجنوبيون  بلهجتهم  العامية .  وقد  احتد الخلاف  بين  البلدين  الى  درجة  حملت  الجنوب  على  تجميد انتاج  البترول  فى آباره  حتى  لا  تستولى  حكومة  السودان  على  الكميات  التى  تطالب بها عنوة  واقتدارا . وقد  تضرر  السودان  وجنوب السودان  من قرار وقف انتاج البترول الجنوبى ضررا كبيرا . فالدولتان  اصبحتا  على  شفير  الافلاس حتى ان  السودان  اضطر ّ الى  وضع  و تنفيذ  برنامج  تقشف كان على  درجة  قاسية  جدا على الطبقات  الفقيرة   الامر  الذى ادى  الى  خروج  مظاهرات عديدة  فى  المدن   السودانية  اشتركت  فيها معظم طبقات  الشعب السودانى. وما زالت هذه المظاهرات  متواصلة  تعلو  وتهبط  و لا يعرف  على  وجه التحديد فى اى اتجاه  تسير  او  كيف  تنتهى . اما دولة  الجنوب ،  فقد اوقفت  من  جانبها  كل برامج  التنمية المتعثرة  اصلا . وعجزت عن تقديم  اقل الخدمات الى شعبها الذى  كان  ينتظر  الكثير  من  الدولة  الوليدة  باعتبارها دولة  تنتج كميات  كبيرة نسبيا  من البترول  لشعب  قليل العدد. الآن  وصل  الرهق  الاقتصادى  بالبلدين   شأوا  بعيدا ربما  اجبرهما  هذه  المرة  على  تنفيذ  ما  يتم  الاتفاق  عليه  فى  اديس  ابابا  من باب  مكره اخاك  لا  بطل .  ربما  صدق  المثل  الذى  يقول  طارت  السكرة  وجاءت  الفكرة  اخيرا  بالنسبة  للبلدين  مما  يدعوهما  الى  المزيد  من  التعقل  فى  المفاوضات  القادمة حول  الحدود والديون  وغير ذلك . والعودة  الى التفاوض  الجدى  لكى  يصلا  الى اتفاقات  نهائية طال انتظار  الشعبين  السودانيين  لها . واذا  تمكنت  الدولتان  من  التوصل  الى  هذى  الاتفاقات  فربما  خرجتا  معا من  جحر الضب  الذى دخلتا  فيه  من باب العناد  والمزايدة  والاستعلاء كل  على الاخرى  فى السنوات  الاخيرة . الشعبان  السودانيان  فى الشمال والجنوب  وقع عليهما الضرر الاكبر  اثناء  التشاكس  البغيض  بين  الدولتين . الفقراء  فى  الدولتين زادوا  فقرا   بعد  ان تعطلت  مصالحهما  المشتركة  البسيطة  بسبب  التازم  السياسى  على  الحود  المشتركة  وتوقفت  تجارة  الحدود  توقفا  كاملا . و كان  غريبا  ان  يصل  الحمق  بقيادات  البلدين   الى  الاضرار بالمصالح  المشتركة  لشعبيهما   الى هذا  الحد   وهما  الشعبان   اللذان   كانا حتى الامس القريب شعبا  واحدا  تشابكت   مصالحه  التجارية  والمالية  تشابكا  شديدا  قد  يكون  من  العسير  فصل  عرى  هذا  التشابك .  لقد  ظن  الشعب  السودانى  فى الشمال والجنوب  ان الانفصال اذا  تم  فلن  تصل  اضراره  درجة  فصم  عرى  التاريخ   المشترك  الطويل . و توقع  الشعبان  السودانيان  ان  تتم  التوأمة  بين  بلديهما  فى  كل  ضروب  الحياة  المتصلة  بمصالح  الجماهير  فى  سهولة  ويسر خصوصا  فى  المناشط  والمجالات  التجارية  والتعليمية  والمالية  . وان تظل  الحدود  بين  البلدين  مفتوحة  وسالكة باقل الاجراءات  الادارية  المنظمة  . وكان  امل الشعبين ان تحافظ  الدولتان  على  الحريات  الاساسية  لشعبيهما  كل  فى  بلد  الآخر ، مثل  حرية  التملك  والاقامة  والعمل مثلا. خصوصا  ان اكثر  من عشرة  مليون  نسمة  من الرعاة   الشماليين  يجوبون  مراعى  الجنوب  الغنية  فى  مواسم  الصيف  والجفاف .  وهذا  الواقع  يعكس  ان حاجة  الانسان  السودانى  الشمالى  للتفاهم   المشترك  حول  الحدود  اكبر  كثيرا  من  حاجة  الانسان  السودانى  الجنوبى  . فالرعاة  الجنوبيون  لا  يعبرون الحدود  الشمالية  شمالا  لانتفاء  حاجتهم  لمراعى  الشمال الاقل  خصوبة  فى  مواسم  الجفاف . القاسم  المشترك  الاعظم  بين  شعبى  البلدين  هو  ان  الشعبين  لا  يعترفان  بالحدود  الاصطناعية   بين  البلدين . وتتحرك  قبائل  البلدين  بسجيتها المستقلة  عما تفعله  الدولتان .  وتتبادل  مصالحها  فى  عفوية  ويسر لا تعرفه  الاضابير  الرسمية .
الآن  وقد  تواترت  الانباء  السارة   للانسان  السودانى  فى الشمال القديم  والجنوب  بأن اتفاقات  شاملة  بين  البلدين اصبحت  على  قاب  قوسين  او  ادنى  ، فان  الحق الذى   لابد  من  ان  يقال  هو  ان  حكومة الجنوب  كانت  اكثر استعداد  للتوأمة  بين البلدين  فى كل شئ  لادراكها  انها اكثر  حاجة  لهذه  التوأمة  من  حكومة  السودان . فدولة  الجنوب هى  دولة وليدة .  وتبدأ مشوارها   فى  المضمار  الدولى  من  درجة  الصفر . بينما  دولة  السودان  هى  دولة  قديمة  الوجود  وضاربة  الجذور .  وخبراتها   الدولية  والسياسية  لا تقاس  بخبرات دولة  الجنوب  شبه  المعدومة .  حكومة السودان  ، من  جانبها ،  قابلت  استعداد  وحماس   حكومة الجنوب  للتوامة  بفتور شديد . ورفضت  فى اباء  وربما  بازدراء  كل محاولات  الجنوب  لتخفيف اثر  صدمة  تصويت  الشعب  الجنوبى  باجماع  كامل  للانفصال  . وهو التصرف  الذى اعتبره  كثير  من  الشماليين  عقوقا  سياسيا  كبيرا .   ويفاخر  الشماليون  بالمستويات  العلمية  والاكاديمية  الراقية  التى   يظهرها قادة  الجنوب  اليوم  فى  المحافل الدولية   اليوم  ويقولون هاؤم اقرأوا  كتاب   الشمال   كيف  علم  هؤلاء  القادة  كل  هذا التعليم الراقى دون   تفريق  بينهم  وبين  بقية  الشعب  السودانى .
محاولات  الجنوب  تخفيف الشعور  بالمرارة  لدى  الشماليين  حكومة وشعبا من جراء  حماس  الجنوبيين  للتصويت  للانفصال  لم  تجد القبول  الكافى  من الشماليين  على  المستويين  الرسمى  والشعبى  بما  فى  ذلك  مقترحات  تنازل  الجنوب  عن  ديونه  على السودان .  ودفع سعر مجز لاستغلال  خط  انابيب السودان  فى تصدير  البترول الجنوبى .  اكبر مظاهر  الشطط  السودانى  تجاه  محاولات  التطبيع المشترك التى تقدم  بها الجنوب  تمثل فى الغاء الرئيس البشيرو بجرة  قلم  وبدون استشارة  مجلس  وزرائه  او برلمانه  او  قيادة  حزبه - الغاء  اتفاق  الحريات  الاربعة  بين  السودان وجنوب السودان  كان تحت  التوقيع  بسبب  تصرف  خاطئ  من  قبل حكومة  الجنوب  كان  يمكن  معالجته  بصورة اخف مراعاة  لمصالح  الشعبين  لاسيما  على  الحدود  المشتركة . المهم  الآن  ان  اتفاق  النفط   الجديد  بين  البلدين  يمكن  البناء  عليه بتاءا جادا  يحلحل  مشاكل الشعبين , وهو امر  يسر  على القادة  فى الطرفين   لوصدقت  النوايا . وابتعد  الجميع  عن  التكتيكات قصيرة المدى   وقصيرة  النظر التى عانى  منها  الشعبان  السودانيان  فى  الشسمال  والجنوب . النفس  الامريكى  كان  واضحا   وحاضرا  فى  المفاوضات  بين  الطرفين   هذه المرة . فامريكا  باتت اكثر  خوفا  على  مصير  دولة  الجنوب  الوليدة  لما رأت  دلائل  كثيرة  تشير  الى ان العالم  على  وشك ان  يعايش   مولد  دولة  فاشلة  فى جنوب  السودان . لعل اهم  هذه  الدلائل  الفساد  الذى  استشرى  فى  الدولة  الوليدة  ولما  يسمع العالم  صرخة  ميلادها  بعد. كما ان  سؤ  التقدير  الاستراتيجى لازم  قرارات القادة  الجنوبيين  بصورة  اثارت   شكوك و خوف اصدقاء  هذه  الدولة  الوليدة   الذين  جهدوا  انفسهم  ليحققوا  ميلادها . ابرز الاخطاء  الاستراتيجية التى  وقعت  فيها القيادات  الجنوبية  تمثلت  فى القرار  القاصر  اقتصاديا  واستراتيجيا  و سياسيا  وهو قرار  ايقاف ضخ وانتاج البترول  الجنوبى  عبر  انابيب التصدير  السودانية  بسبب الخلاف مع السودان  حول  سعر تصدير  برميل  النفط عبر هذه الانابيب. وكان  امرا  مثيرا للعجب ان الجنوب  فكر  بصورة  جدية  فى  مسألة   تصدير نفطه  عن  طريق   بشاحنات  تجارية  برية  و عبر مسافات طويلة  الى الموانئ  الكينية  على  المحيط   الهندى  .  ولكن   اصدقاء  الجنوب  الذين  يعلمون  اكثر  من  حكومة  الجنوب  نصحوا الحكومة  الجنوبية  بالاقلاع عن  هذه الفكرة  الفطيرة  الخطرة  حتى  لا  ينهب  بترول الجنوب من  قبل  جماعات  القراصنة  الذين تعج  بهم هذه  المنطقة  من صوماليين  وغيرهم ،   الذين اعتادوا  ان يختطفوا سفنا عملاقة بكامها  ولا يتم  الافراج عنها الا  بعد دفع  فديات  مالية  كبيرة  بالدولار  ستكون  فى حالة  بترول الجنوب  اكبر  من قيمة البترول  المصدر عن طريق  شاحنات  محدودة  الطاقة   التحميلية .  وبحث  الجنوبيون  كذلك  فى  خيار بناء خطوط انابيب  جنوبية من مناطق الانتاج الجنوبية   الى   ميناء  ممبسا  الكينية . وكان هذا الخيار  بيعا  بعيد المنال . خذ – مثلا – الزمن الذى  ياخده  مشروع بناء خط  انابيب جديد  وانتظار  الشعب  الجنوبى  الجائع  اكتمال هذا  المشروع  الحلم  على  بطون  خاوية . قطعا  سيسبق  الربيع  الجنوبى  اولا  ويحيل  حكومة الجنوب  الى معاش  قسرى . الامريكيون  وهم الادرى  بعمليات  الحساب  البترولى  من  الجنوبيين  نصحوا الجنوبيين  بالتخلى  عن هذه  الاوهام .  وضغطوا على الشماليين  لكى  يتخلوا عن  المماحكات  مع الجنوبيين  وهم يرفعون عصا القرار الاممى 2064 الذى جعل من نهاية  شهر اغسطس موعدا نهائيا  تنتهى  عنده  مماحكات  الجانبين  حول  كل القضايا  العالقة  بينهما .  والمتبقية  من  عقابيل اتفاقية  السلام السودانية  الشاملة  التى  لم  تأت بسلام بقدر  ما انتجت  حربين  جديدتين  فى  جنوب  النيل  الازرق  وفى  جنوب  كردفان. السيدة  كلينتون  اختارت ان  تجلس  فى  جوبا عاصمة  دولة  الجنوب  لتكون  قريبة  اثناء  المفاوضات  التى كانت  تجرى  فى اديس ابابا . ومن هناك  شعللت اتصالاتها  بالمتفاوضين . و لابد  انها رفعت لهم العصا  والجزرة  كثيرا .الم يتناقل الاعلام  الدولى تصريحاتها التى نصحت  فيها الطرفين  ان يتذكرا انهما لن يستطيعا فصل عرى  العلاقات التاريخية  المتجذرة  بين  شعبى السودان  وجنوب السودان.  وان بلادها تريد ان ترى حلولا عاجلة  وحاسمة  ونهائية  لكل القضايا العالقة  بين  البلدين .  وانها ترغب  كذلك  فى تطبيع علاقاتها مع السودان  متى  توصل السودان الى اتفاقات  تحلحل  القضايا العالقة  مع  الجنوب . من جهة ثانية  دخل  الرئيس اوباما  على الخط  مباشرة  وقال ان اتفاق النفط  بين  البلدين  سيدعم اقتصاديات  البلدين . هذه اشارة  مباشرة  للبلدين  تقول لهما  بالدارجى   الفصيح  أنه ماحك  جلدك  مثل  ظفرك . صحيح  ان امريكا لا تقدم  عونا اقتصاديا  يذكر  للسودان بخلاف  مساعدات انسانية  لمعسكرات النازحين  والمتضررين  من حروب السودان الطويلة  والكثيرة  فى دارفور وجنوب  كردفان  وجنوب  النيل الازرق . اما بالنسبة  للجنوب فقد اتضح  ان عشم  الجنوب  فى امريكا  كان اكبر  من اللازم . فقد انتهى الامر الى  وعود  توقفت فى  منتصف  الطريق  . المهم الآن  هو ان  يصدق  الطرفان  هذه  المرة وينفذا  اتفاق النفط السودانى الجنوبى الاخير  لينطلقا  منه  الى بقية  الموضوعات الاكثر تعقيدا مثل  موضوعات الحدود  والامن المشترك  ومصالح  الشعبين  المرسلة. ومما يساعد  على هذا  الانجاز  ان الطرفين   لا يتفاوضان  تحت   ظل  سيف  البند  السابع  او  القرار 2064 بعد ما اعلن مجلس   انه   ليس  فى  عجلة  مكن امره   لكى  يجر  الطرفين  الى  طاولة  العقوبات الى عقوبات  الدولية. ان اى  تمديد  جديد  يمنح للطرفين  هو دفع  ايجابى لصالح  المنتظرين  من شعبى  السودان .
Ali Ibrahim [alihamadibrahim@gmail.com]

 

آراء