اتفاق جوبا – عقبة أمام التحوّل المدني..!! بقلم: اسماعيل عبدالله
اسماعيل عبدالله
17 September, 2022
17 September, 2022
ما أدلى به محمد حمدان دقلو نائب عبد الفتاح البرهان، حول اعتزامهما واكتمال توافقهما كرأسين يقودان المؤسستين العسكريتين – الجيش والدعم السريع – اللتين تتسيدان المشهد السلطوي والسياسي بالكامل، من بعد ارتكابهما لحماقة انقلاب الخامس والعشرين من شهر اكتوبر الماضي، يؤكد أن هذا العزم على الخروج من المشهد ولو شكلياً أملته ضرورة فشلهما المريع في إحداث الاختراق المطلوب في انسداد الأفق السياسي، وإخفاقهما الكبير في كسر الجمود الذي أعقب الإنقلاب، فيكاد المراقب للأوضاع المأساوية التي تلت القرار غير الصائب باستيلاءهما على سلطة الشعب الانتقالية، أن يقول لهما إنّ دخول الحمام ليس مثل خروجه، فحينما اختطفا حكومة رئيس الوزراء المستقيل كان طريق الخروج سالكاً وممهداً مقارنة بأحوال ورطتهما اليوم، وهذا الطرح المقبول مبدئياً كلفته باهظة الثمن بالرجوع لحقبة رئيس الوزراء المتوافق عليه قبل اندلاع الكارثة الانقلابية، وقد كان هنالك على الأقل اعتبارات وتقديرات وجود رئيس حكومة يحظى باجماع الغالب الأعم من الشعب، لا كما هو حاصل اليوم من انقسام عميق بين القوى السياسية واستقطاب حاد في أوساط الكيانات الوارثة لعقدة الخلاف القديم، فحال البرهان ونائبه وهما يحاولان الخروج من المأزق الذي أوقعا نفسيهما فيه، يجسده مقال لكاتب ساخر وحاذق في ذات الوقت عنوانه (البرهان وخروف أمبررو).
أولى عقبات أطروحة خروج العسكر من سلطة الأمر الواقع هي قوى التوافق الوطني – جماعة جوبا، لاحتمال خسرانها المبين للامتيازات الكبيرة التي حصلت عليها على مستوى أفراد تنظيماتها المسلحة، فلن تفلح عملية خروج الجيش من السلطة لو لم يتم تصفير عدّاد اتفاق جوبا، الذي خدم شريحة واحدة من شرائح المجتمعات المستهدفة بأجندة الاتفاق المستفيدة منه هذه الشريحة الوحيدة حصراً، ولا أظن أن الغريم الأساسي لقوى التوافق الوطني – مركزية الحرية والتغيير - سيقبل بخروج العسكر هكذا مع احتفاظ ذراعهم الطويلة – التوافق الوطني – بالامتيازات والحصص الوزارية المكتسبة من مخرجات صفقة جوبا بشقيها (التي فوق التربيزة والتي تحت التربيزة)، فهذه الصفقة التآمرية قد قصمت ظهر الانتقال ولولاها لما تعشّم العسكر ولا استمرأوا تنفيذ الإنقلاب، فخروج العسكر من سلطة الانتقال دون خروج هذه الذراع الطويلة يكون أبو زيد القوى المدنية لا راح ولا غدا، فمثل قوى التوافق الوطني ومثل العسكر كمثل جحا ومسماره الذي دقه على حائط المنزل، فمن السهل أن يخرج العسكر من السلطة لكن ليس من السهولة بمكان انتزاع مسمارهم الذي غرسوا أنيابه عميقاً في حائط السلطة، ولو ارتكبت قوى الحكم المدني اللّاهثة وراء أي شكل من أشكال الشراكة في حكومة ما بعد الانسحاب الصوري للعسكر، سيتكرر ذات السيناريو الذي ارتضى أصحابه أن يكون مشروع السلام حكراً على أنصار جوبا.
اتفاق جوبا الذي أقصى قوى معتبرة من الفاعلين في ميدان الكفاح المسلح، باقأليم جبال النوبة ودارفور وجنوب النيل الأزرق، ومكّن لمجموعات إثنية منكفئة على ذاتها قبلياً، لم يُحدث أي نقلة نوعية في موضوع السلام، فهو التحدي الأول والأخير للقوى المدنية المتهيئة لتسلم زمام أمور السلطة من العسكر، وعليها أن تحيل ملف السلام إلى وساطة جديدة تكون مضمّنة في الوثيقة أو الدستور الانتقالي، فتحدي الانتقال ومنذ يومه الأول يكمن في تعقيدات تحقيق الركن الأوسط من أركان الثورة الديسمبرية المجيدة، ألا وهو (السلام)، فإرساء دعائم السلام في الأقاليم الثلاثة – المثلث الملتهب – لن يتم إلّا بإعادة تدشين منبر جديد للمفاوضات والتفاهمات والنقاشات الناشدة تحقيق حلم النازحين واللاجئين في الاستقرار الحقيقي، لا الاستقرار الكذوب الذي اتخذته جماعة جوبا كحصان طروادة لولوج دوواين الحكم، والاكتفاء بالمقاعد الوزارية ونسيان القضية التي حملتهم أجندتها للسلطة، فلو أهملت القوى المدنية المنوط بها إجراء عملية التسليم والتسلم من العسكر هذا الركن الركين من بنيان الحكم المدني، سوف تُسقى هذه القوى المدنية من نفس الكأس الحنظلي الذي تجرعته حاضنة رئيس الوزراء المستقيل، فلا فرق بين العسكر وربيبتهم التوافق الوطني التي هتف رمزها الشهير بميدان اعتصام القصر وقال بأعلى صوته: لن نرجع بيوتنا حتى خروج بيان العسكر، هذا للتذكير لمن أراد الذكرى.
اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
17 سبتمبر 2022
أولى عقبات أطروحة خروج العسكر من سلطة الأمر الواقع هي قوى التوافق الوطني – جماعة جوبا، لاحتمال خسرانها المبين للامتيازات الكبيرة التي حصلت عليها على مستوى أفراد تنظيماتها المسلحة، فلن تفلح عملية خروج الجيش من السلطة لو لم يتم تصفير عدّاد اتفاق جوبا، الذي خدم شريحة واحدة من شرائح المجتمعات المستهدفة بأجندة الاتفاق المستفيدة منه هذه الشريحة الوحيدة حصراً، ولا أظن أن الغريم الأساسي لقوى التوافق الوطني – مركزية الحرية والتغيير - سيقبل بخروج العسكر هكذا مع احتفاظ ذراعهم الطويلة – التوافق الوطني – بالامتيازات والحصص الوزارية المكتسبة من مخرجات صفقة جوبا بشقيها (التي فوق التربيزة والتي تحت التربيزة)، فهذه الصفقة التآمرية قد قصمت ظهر الانتقال ولولاها لما تعشّم العسكر ولا استمرأوا تنفيذ الإنقلاب، فخروج العسكر من سلطة الانتقال دون خروج هذه الذراع الطويلة يكون أبو زيد القوى المدنية لا راح ولا غدا، فمثل قوى التوافق الوطني ومثل العسكر كمثل جحا ومسماره الذي دقه على حائط المنزل، فمن السهل أن يخرج العسكر من السلطة لكن ليس من السهولة بمكان انتزاع مسمارهم الذي غرسوا أنيابه عميقاً في حائط السلطة، ولو ارتكبت قوى الحكم المدني اللّاهثة وراء أي شكل من أشكال الشراكة في حكومة ما بعد الانسحاب الصوري للعسكر، سيتكرر ذات السيناريو الذي ارتضى أصحابه أن يكون مشروع السلام حكراً على أنصار جوبا.
اتفاق جوبا الذي أقصى قوى معتبرة من الفاعلين في ميدان الكفاح المسلح، باقأليم جبال النوبة ودارفور وجنوب النيل الأزرق، ومكّن لمجموعات إثنية منكفئة على ذاتها قبلياً، لم يُحدث أي نقلة نوعية في موضوع السلام، فهو التحدي الأول والأخير للقوى المدنية المتهيئة لتسلم زمام أمور السلطة من العسكر، وعليها أن تحيل ملف السلام إلى وساطة جديدة تكون مضمّنة في الوثيقة أو الدستور الانتقالي، فتحدي الانتقال ومنذ يومه الأول يكمن في تعقيدات تحقيق الركن الأوسط من أركان الثورة الديسمبرية المجيدة، ألا وهو (السلام)، فإرساء دعائم السلام في الأقاليم الثلاثة – المثلث الملتهب – لن يتم إلّا بإعادة تدشين منبر جديد للمفاوضات والتفاهمات والنقاشات الناشدة تحقيق حلم النازحين واللاجئين في الاستقرار الحقيقي، لا الاستقرار الكذوب الذي اتخذته جماعة جوبا كحصان طروادة لولوج دوواين الحكم، والاكتفاء بالمقاعد الوزارية ونسيان القضية التي حملتهم أجندتها للسلطة، فلو أهملت القوى المدنية المنوط بها إجراء عملية التسليم والتسلم من العسكر هذا الركن الركين من بنيان الحكم المدني، سوف تُسقى هذه القوى المدنية من نفس الكأس الحنظلي الذي تجرعته حاضنة رئيس الوزراء المستقيل، فلا فرق بين العسكر وربيبتهم التوافق الوطني التي هتف رمزها الشهير بميدان اعتصام القصر وقال بأعلى صوته: لن نرجع بيوتنا حتى خروج بيان العسكر، هذا للتذكير لمن أراد الذكرى.
اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
17 سبتمبر 2022