احداث دار الهــاتف 76 … بقلم: محمد الحسن محمد عثمان

 


 

 

سبق وان نوهت فى مقال سابق باننا لانوثق لتاريخنا ووعدت بتناول احداث دار الهاتف كما رواها شاهد عيان ........ كانت تلك الاحداث فى ليله من ليالى يوليو 76 عندما اقتحمت الجبهه الوطنيه المعارضه الخرطوم وكانت تتكون من الانصار كقوه رئيسيه والاتحاديين ومنسوبى الحركه الاسلاميه وكانت الخطوه جريئه وشجاعه وكانوا قادمين من ليبيا وكان من ضمن المرافق التى احتلوها دار الهاتف والتى من خلالها امكنهم السيطره على الاتصالات ........ كان داخل دار الهاتف مجموعه من العاملين احتجزهم المقتحمون ولم يسمحوا لهم بمغادره المبنى واظنهم فكروا بالاستعانه بهم عندما تستتب لهم الامور وكان من ضمن العاملين فى تلك اللحظه التاريخيه اخى وصديقى وزميلى المرحوم اسماعيل شاهين والذى كان مثلنا من الذين لم تمكنهم ظروفهم للتفرغ للدراسه فكنا نعمل ونواصل دراستنا فى

الجامعه وبعد التخرج عمل اسماعيل محاميا وبعدها غادر للشارقه حيث اسلم الروح هناك ..... كان اسماعيل رجلا امينا وصادقا وشجاعا ووطنيا مخلص وحكى لى ماراه فى دار الهاتف فى تلك الايام عندما استولى عليها حوالى خمسه من الشباب او يزيدون قليلا وسيطروا على الدار واحتجزوا من فيها وطلبوا منهم عدم المغادره واظنهم فكروا بلاستعانه بهم بعد ان تستب الامور وكان تعاملهم مع العاملين راقيا وقد دخل معهم اسماعيل فى نقاش تبين من خلاله انهم من الحركه الاسلاميه ومن خلال استمرار الاحتلال ليومين او ثلاثه تعرف على قائدهم حسن الذى كان يدعوزملائه لاجتماع منفردين بين فتره واخرى ليناقشوا بعض الامور وكانوا مطيعيين لاميرهم ...... كان بعضهم قد اتخذ من البلكونه ساترا وآخرين بالداخل يتناوبون المواقع وفى صباح اليوم التالى زارتهم عربه ولم تمدهم بالطعام ولم تعد بعد ذلك وتناولوا طعامهم من بقايا طعام الموظفين وبعدها اصبحوا يقتسمون اللقمه مع العاملين من بقايا طعام البوفيه من العيش الناشف لم تصلهم امدادات وقابلتهم ازمة طعام لم تفت فى عضدهم ......... احاطت قوات الجيش بالمبنى تتسلح بلاسلحه الثقيله ويقودها اللواء الباقر نائب رئيس الجمهوريه وطلبوا من بالداخل الاستسلام....رفض حسن ورفاقه الاستسلام فقطعوا عنهم الماء والكهرباء وبدات المعركه وكانت غير متكافئه بين قذائف المدرعات والمدفعيه من الخارج والاسلحه الخفيفه من الداخل ........ كان حسن ورفاقه يخوضون المعركه ببساله وجساره ادهشت اسماعيل وكانوا يكبرون ويهللون وهم يتقدمون للموت ويطلبون من الموظفين التقهقر للداخل لحماية انفسهم من الرصاص المنهمر ... اصيب احد المقاتلين وكان الدم ينزف منه بغذاره ادخله رفاقه للداخل ...... عندما افاق طلب من رفاقه بحزم ان يخرجوه الى البلكونه ويضعوا المدفع بين يدييه ليموت شهيدا فاستاجبوا لرجائه الاخير فى الدنيا واخرجوه ليواصل القتال حتى استشهد

لم يتوقف المقاتلون عن الضرب ولكن خذلهم الرصاص الذى نفذ واجتمعوا وقرروا عدم الاستسلام حتى يهدم المبنى فوقهم ويموتوا شهداء واستمر ضرب المدافع وهنا تدخل الموظفون راجين منهم الاستسلام خوفا على ارواحهم لانهم ليسوا طرف فى المعركه واجتمع المقاتلون وبعد نقاش قرروا الاستسلام من اجل العاملين وتبرع اسماعيل برفع فنلته البيضاء فتقدم الجميع والرصاص منهمر وخرجوا فى صف وبينهم المقاتلين ووصلوا الى حيث الباقر ولم يتعرف رجال الجيش على المقاتلين وتمت معاملة الجميع على اساس انهم من المقاتلين حتى خرج احد الموظفين وكان اصغرهم شاب فى العشرين والده يعمل مهندس فى دار الهاتف فتم تعيينه فى اجازة المدرسه فارشد على المقاتلين فتم ضربهم وارشدهم على قائدهم حسن الذى ضرب بكثافه وكان ينزف ويقرا فى القرآن فطلب منه الباقر الصمت وعندما رفض امر العساكر بضربه فى فمه حتى يصمت فسال الدم من فمه وتورم الفم ومازال يتلو فى القرآن حتى وقع مغشيا عليه ......... وقد اعجب اسماعيل ايما اعجاب بهؤلاء الشباب وقائدهم حسن وبدا فى القراءه عن الحركات الاسلاميه وفكرهم وبدا يسال عن حسن وماحدث له فحدثه احد ضباط الجيش من الذين كانوا يقومون بحراسة دار الهاتف ان حسن اقتيد للقصر من محبسه ليقابل نميرى فشتمه نميرى وقال له انت ماسودانى انت ارترى فرد عليه حسن انا سودانى اكثر منك واشتبك مع نميرى فى عراك بالكلمات وساله نميرى من اى قبيله فقال له انا دنقلاوى فطلب منه ان يرطن فرطن ونميرى ايضا دنقلاوى فعرف ان حسن دنقلاوى وبعدها تم ذبحه فى القصر امام رفاق نميرى ....... لقد عرفت ان الاستاذ غازى صلاح الدين كان من ضمن هؤلاء الشباب فلماذا لايوثق لهذه الاحداث لاننا حتى الآن وللاسف لا نعرف من هؤلاء الشباب وماذا حدث بالضبط وماذا كان مصير هؤلاء الشباب وهل مصيرهم كان مصير قائدهم حتى لا نفاجا بعد زمن بهيكل او غيره يتحدث عن هذه الاحداث حديثا مخالفا لما وقع كما اتمنى على حزب الامه ان ينشر لنا على الاقل اسماء شهداء هذه الاحداث والغريب ان الجبهه الاسلاميه بعد استيلائها على السلطه لم تكرم شهدائها وتتحاشى سيرتهم بينما كرمت واحتفت واطلقت اسماء البعض على الشوارع وهم اقل منهم تضحيه ! ان ذكرى تضحية شهداء يوليو 76 على الابواب فلماذ لانكرمهم ونكرم اسرهم ونزيل هذا الاسم الوصمه (المرتزقه ) الذى التصق بهم ونكشف عما جرى فى تلك الايام

محمد الحسن محمد عثمان

قاض سابق

Omdurman13@msn.com

 

آراء