احذروا.. الأحذية المتسخة!! … بقلم: ضياء الدين بلال
11 May, 2010
diaabilal@hotmail.com
الخطأ الأكبر الذي ظَلّت تقع فيه الإنقاذ في فترات حكمها السّابق، ان تجاوزات منسوبيها - في كل مستويات إدارة شأن السلطة - كانت ترحل (للحساب العام) ولا يسددها المخطئون من حساباتهم الشخصية بالجزاء والعقاب..!
وأفضل تلخيص توصيفي لهذا الأمر، ما قاله الأستاذ أمين بناني في حوار صحفي أُجري معه عندما كان يشغل منصب وزير الدولة بوزارة العدل، قال بناني، إن الإنقاذ كانت دوماً تسعى لممارسة (فضيلة الستر) مع أخطاء وتجاوزات منسوبيها ولكنها - من حيث لا ترغب - وقعت في (جريمة التستر)..!
يبدو أنّ حديث مُعارضي الإنقاذ وشانئيها المتكرّر عن الفساد والتجاوزات واستخدام ذلك في معركة السياسة، جعل الإنقاذ تتعامل مع هذا الملف بقليلٍ من الحساسية، باعتبار أن كل ما يُقال ما هو إلاّ مُحاولات عدائية لضرب مشروعها الوجودي، بتشويه صورتها الأخلاقية.
وبذا أصبحت (المناعة) التي اكتسبتها ضد أخبار واتهامات الفساد، مظلة مناسبة لبعض المفسدين لتمرير أخطائهم وتجاوزاتهم بهدوءٍ، لا سيما وأنّ الجسد السياسي أنتج من الأجسام المضادة ما هو كفيل بدحر كل الاتهامات بتصويرها مكائد سياسية.
الدكتور أمين حسن عمر في حوارٍ تلفزيوني ببرنامج الصديق/ الطاهر حسن التوم (مراجعات)، وصف التجاوزات التي تتم تحت سقف الإنقاذ بأنها ليست دليلاً على فساد الحكم، ولكنها دليلٌ على ضعف منظومة النزاهة. هذه إفادة تستحق الكثير من النقاش..!
في الصين عندما كَثُرَ الحديث عن فساد بعض قيادات الحزب الشيوعي في الولايات، لم يكن أمام قيادة الحزب سوى أن تطلق أقلام الصحافة لتقوم بتنظيف صفوف الحزب من المفسدين، ونقل الحزب ملفات المتجاوزين إلى القضاء لتصدر أحكاماً بالإعدام في مُواجهة قيادات نافذة داخل الحزب، كان في السابق يحاسب أمثالهم في الغرف التنظيمية المغلقة، ويتحمّل تسديد الفواتير السياسية نيابةً عنهم..!
في قضية (سوق المواسير) بالفاشر ظَل والي الولاية محمد عثمان كبر يبذل كل ما استطاع من جهدٍ وأُوتي من حِيلةٍ، في إقناع الرأي العام بأنّ ما كان يحدث بالفاشر وما يُثار في صحف الخرطوم ما هو إلاّ جولة من جولات استهداف الحكومة والمشروع الحضاري من أعداء بالداخل وآخرين من وراء الحدود، بل الرجل حاول إلقاء الكرة بعيداً، لتصل إلى الكيان الاسرائيلي ومطابخ مؤامرته ضد السودان..!
نعم، إلى الآن الواضح أنّ حزب المؤتمر الوطني قد بدأ يستفيد من دروس الماضي، فلم يسارع في تبرئة كبر من مسؤولية الإسهام في بلوغ أزمة (سوق المواسير) إلى ما وصلت إليه.
ملف (المواسير) هو الآن في يد الجهات العدلية. والجميع في انتظار كلمتها الأخيرة.
صحيحٌ وزارة العدل قد نفت عن كبر المسؤولية الجنائية، أو قالت لم يثبت عليه ذلك، ولكن بعض الأخطاء السياسية قد تَتَرتّب عليها مضار تفوق بعض الجرائم الجنائية المباشرة.
أقصى ما يعطيه حُسن الظن لكبر، انه أراد أن يُحقق بعض المكاسب السياسية لحزبه، عبر الترخص في التعامل مع مشبوهين اقتصادياً، أراد أن يستفيد منهم في المعركة الانتخابية فخسر الرجل البيع، ولم يَبقَ أمامه إلاّ مواجهة الحقائق وحيداً بسيف خشبي مكسور..!
من مصلحة المؤتمر الوطني في عهده الجديد أن يجعل كل فرد من عضويته حاكماً أو محكوماً يدفع فواتير أخطائه من حسابه الشخصي لا من حساب الحزب.
وقبل ذلك من حَق كل حزب أن يدعو الجميع للانضمام إليه. ولكن يجب أن يتفقد (أحذيتهم) قبل أن يُسمح لهم بالدخول، (فالأحذية المتسخة) تفسد رائحة البيت، مهما كان حرص أهله على النظافة..!