اختراق

 


 

 

د. أحمد جمعة صديق
كتب محمد فضل علي 16 April, 2024 في (سودانايل) عن رد الفعل علي الاعتراض الذي أبدته حكومة الامر الواقع السودانية، علي مجهودات المجتمع الدولي والدوائر الاقليمية العربية والافريقية من أجل وقف الحرب السودانية، وآخر هذه المجهودات مؤتمر باريس، الذي ييدف الي انقاذ مايمكن انقاذه علي صعيد الكوارث الانسانية المترتبة علي الحرب السودانية. أورد محمد فضل أن الرئيس الفرنسي ماكرون قال إن حكومة بلاده لم توجه الدعوة الي الحكومة السودانية لحضور مؤتمر الدول المانحة، الذي انعقد في العاصمة الفرنسية باريس، لأنها فقدت شرعيتها بعد انقلابها علي السلطة المدنية الانتقالية في اكتوبر 2021، علي حد تعبيرة فيما تداولته العديد من الصحف ووكالات الانباء وصحيفة السوداني التي نشرت نص الخبر وتصريحات الرئيس الفرنسي في هذا الصدد .
وكانت وزارة الخارجية السودانية قد اصدرت بيان عدائي حول مؤتمر باريس قالت فيه : انها تعبر عن بالغ دهشتها واستنكارها أن ينعقد هذا المؤتمر حول شأن من شؤون السودان؛ الدولة المستقلة وذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة، دون التشاور أو التنسيق مع حكومتها وبدون مشاركتها ".
ونتيجة لنجاح هذه المجهودات الضخمة التي قادتها الدبلوماسية الشعبية المدنية السودانية الهادئة بقيادة (تقدم) ورئاسة حمدوك، فقد سقط أول ضحايا سياسة وزارة الخارجية الفاشلة، وزير الخارجية علي الصادق. فكما أورد تلفزيون السودان حسب الخبر الذي ورد عن رئيس التحرير طارق الجزولي اليوم 17-4-2024 في صحيفة سودانيل الالكترونية ذائعة الصيت. فقد أفاد التلفزيون السوداني، الأربعاء، بإنهاء تكليف وزير الخارجية علي الصادق، وتكليف حسين عوض علي بمهام الوزير.
ما وراء هذا الخبر لا يحتاج الى اجتهاد لاثبات أن الدبلوماسية الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية قد فشلت فشلاً ذريعاً في وضع خطوط واضحة للتعامل مع العالم فيما يفيد مصلحة الوطن اولاً، وليس مصلحة الجهات السيادية التي تأتمر بامرها وزارة الخاجية. فعندما تتقاطع مصالح (الاوليجاركية) مع المصالح العامة؛ علي العاملين في وزارة الخارجية إعمال الموازانات التي تفيد الوطن. فقد فشلت الدبلوماسية السودانية الرسمية في تسويق مشكلة السودان حتى بين الاشقاء الافارقة، فبدلاً من استثمار مجهوداتهم لخدمة مصالح السودان كانت الخارجية السودانية تؤلبهم للوقوف في عداء للسودان لارضاء الحاكمين. لقد أفلحت الخارجية في منح الوسطاء الافارقة العذر في عدم الحماس لكل قضايا السودان.
وفي مقاله الضافي في 17-4-24 في (سودانايل) تناول الاستاذ زهير عثمان حمد سيرة وزارة الخارجية السودانية باعتبارها محوراً رئيسياً في تشكيل السياسة الخارجية للبلاد. ولكنها – كما قال - واجهت تحديات جمة بسبب تأثيرات الأنظمة الشمولية ونفوذ الإسلاميين. وفي السياق السوداني، غالباً ما تُطرح تساؤلات حول مدى استقلالية الخارجية السودانية وتأثرها بالتوجهات الإيديولوجية للأنظمة المتعاقبة. ويواصل الاستاذ زهير فيقول إن الخارجية قد (تغافلت) عن الهم الوطني والمصالح العليا للسودان، متأثرة بقرارات تخدم مصالح قادة الأنظمة الشمولية. هذه الأنظمة، التي حكمت بالحديد والنار، لم تُقّدر الدور الحقيقي للدبلوماسية السودانية كأداة لخدمة السودان دبلوماسياً.
ونعود لتصريح الرئيس الفرنسي ماكرون في عدم اعترافهم بحكومة الخرطوم مما ادى لتغييبها وعدم تقديم بطاقة (العزومة) لحضور مؤتمر باريس الاخير، فهذا التصريح - في الواقع - لا يعبر عن موقف فرنسا فقط؛ بل هو رأي جميع الدول التي رعت المؤتمر، بما فيها دول الاتحاد الاوربي. وقد عبر الاستاذ صلاح الباشا في 17-4-2024 بصحيفة (سودانايل) بقوله (لقد لاحظنا كثافة الهجمة الشرسة والنقد الذي فاق حد التصور للدول والمنظمات المشاركة -27 منظمة عالمية ومجموعة دول الاتحاد الاوربي في مؤتمر باريس تجتمع لدعم الجهود ولتوفير العون اللازم للاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الحرب في السودان. فالأمر لاعلاقة له بالحكومة أو بالمعارضة.. بل هو لبذل عمل سريع وكبير لإنقاذ الشعب السوداني. ومبدئياً سيتم تخصيص 2 مليار يورو عاجلة للبدء في تجهيز المساعدات من مواد
غذائية وأدوية وخلافه. لذلك فإن الهجمة الحالية (شايتة ضفاري) ساي. مرحب بالعون الإنساني أكثر وأكثر. والجمرة بتحرق الواطيها).
وذكر الاستاذ محمد الربيع في مقال له في نفس الصحيفة، أن المؤتمر كان مطلبياً بحتاً لوضع حدٍ للكارثة الإنسانية والمخاطر الجيوسياسية التي تهدد الإنسان السوداني، وقد شارك فيه كل قطاعات الشعب السوداني وممثلين حتي لأطراف النزاع ….لقد كان في المؤتمر الدكتور عبدالله حمدوك رئيس وزراء الثورة علي رأس وفدٍ من قادة تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية "تقدّم" كما كان في المؤتمر المحامي نبيل أديب عبدالله (محامي الفريق البرهان الخاص)!! وكان في المؤتمر الأستاذ محمد ذكريا (الأمين السياسي) لحركة العدل والمساواة برئاسة دكتور جبريل "وزير مالية البرهان" وقد كان في المؤتمر الأستاذ حسين أركو مناوي (الرجل الثاني) لحركة تحرير السودان جناح مناوي، وكان في المؤتمر الدكتور التجاني السيسي والدكتور خالد التجاني وجميعهم حزب (المؤتمر الوطني) ! وقد كان في المؤتمر الأستاذ المحبوب عبدالسلام الإسلامي المعروف (المؤتمر الشعبي) وقد كان في المؤتمر الدكتور الوليد مادبو، الأكاديمي وخبير الحوكمة المستقل (شخصية وطنية) مؤثرة وآخرين يمثلون الإعلام والثوار ومنظمات المجتمع المدني الخ...
والشاهد في الأمر أن البلابسة وداعمي الحرب من جماعة بل بس وسدنة السفارة في باريس حاولوا كالعهد بهم التخريب والصبيانية (حاولوا إقتحام المؤتمر) بدون أي دعوة أو صفة فقط بنية التخريب وإثارة الفوضي وبعضهم إحتالوا علي الدخول وتم طردهم شرّ طردة. وهذا شاهد آخر على قوة الفعل الشغبي ان صلحت النيات.
ولكن في مقاله في سودانايل في 16-4 يقول الدكتور عبد الحميد أن قائمة المدعوين من منسوبي ما (يُسمى) بالمجتمع المدني مثيرة للريبة وهم في معظمهم سياسيون لم تسبق لهم خبرات عملية في ميدان العمل الإنساني لا من ناحية مهنية ولا من ناحية عملية ولا معرفية ولم تضم القائمة أسماء معروفة في محيط العمل الإنساني ممن كان يمكن أن يكون لهم اساهم حقيقي في جعل عملية التدخل الإنساني أكثر فعالية و التوصل لعملية إغاثة تنقذ أهل السودان من سرادق العذاب الذي ضربته عليهم الحرب موتاً وخوفاً ومرضاً وجوعاً وتشريداً وإملاقاً.) ومع احترامنا لوجهة النظر هذه فان القائمة ان كانت كما ذكرت بهذا الطيف فهذه محمدة بأن السودان كله قد مثل. ولكن في رأي ليس في الامر ريبة أو شك لان مخرجات اللقاء في باريس كانت على صفحات الصحف ولا تغيب عنا تصريحات السيد رئيس الوزراء نفسه بما حققوه من انجازات في هذا المؤتمرفما الذي يريب؟ والمؤتمر كما فهمنا بانه كان (مطلبياً بحتاً لوضع حدٍ للكارثة الإنسانية والمخاطر الجيوسياسية التي تهدد الإنسان السوداني)،كما ذكر الاستاذ محمد الربيع في 17-04-2024 بصحيفة (سودانايل).
نخلص من كل ذلك أن الدبلوماسية الشعبية بقيادة حمدوك قد أنجزت ما يمكن ان نسميه (إختراقاً) في أن تصل الى جمع ومخاطبة ما يزيد عن 27 دولة ومنظمة اقليمية في باريس. هذا المجهود لم يكن وليد الصدفة اذ كان وراءه مجموعة من أبنائنا وبناتنا الذين حذوقوا العمل السياسي والدبلوماسي، وأصبحوا يتكلمون بفصاحة لغة المجتمع الدولي، كنظراء وليسوا متسولين. فقد نجحت االدبلوماسية الشعبية فيما فشلت فيه وزارة الخارجية في مخاطبة العالم بقضايا السودان. وقد استمع العالم لهم رغم انشغاله بقضايا أخرى في فلسطين واوكرانيا.
وقد لخص الاستاذ زهير موقف وزارة الخارجية (بان المشهد الذي لا يريد عباقرة خارجية كرتي أن نراه على حقيقته، وهو أن المجتمع الدولي يتعامل مع القوي المدنية "تقدم" كجهة محترمة و موثوقة؛ اذ خصصوا وقتاً كافٍ لها في مؤتمر في قلب باريس العاصمة الأوربية، ذات الثقل السياسي الكبير، وسط انشغال أوربي محموم بالحرب في أوكرانيا). ويردف الاستاذ زهير بالقول بانه ( متي نجد العلاج الناجع لهؤلاء الاسلاميين الذين يسطرون علي الخارجية نقول إن غداً لقريب، اذ أن الامل معقود في شباب الثورة والقوي الحية، لإنهاء هذا الغيبوبة واستعادة وزارة الخارجية لتكون صوت السودان الخارجي الذي يمثل السودان بقيمه الراقية).
ما تم في باريس – يا سادتي - يتوافق علي تسميته في علم وفن الدبلوماسية (بالاختراق) وهو ان تصل الى مبتغاك باسلوب مبسط يحفظ حقك وكرامتك ويحقق ما تريد بقل جهد وتكاليف ممكنة. وهذا ما فعلته الدبلوماسية السودانية اذ اخترقت الدبلوماسية الشعبية المدنية الحصار الذي يفرضه عليها النظام الحاكم وحققت الوصول - رغم العوائق - الى مخاطبة العالم، بل والنجاح في الحصول على وعود بمساعدات لوجستية ومالية تعدت ال 2 مليار يورو.
هذا الانتصار رد حقيقي على بطلان المماراسات التي يمارسها النظام لاعاقة السلام في السودان، وليس آخرها القائمة المشينة التي أصدرها النائب العام التي (تجّرم) هؤلاء الدبلوماسيين السودانيين الشعبيين وتمنعهم من لعب أدوارهم الطبيعية في خدمة أوطانهم. ولقد استنكر المجتمع السوداني هذا (العبط)، ولم يقف العالم أيضاً مكتفياً بالنظر الى ذلك، فقد شجب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك،النمط المستمر للاعتقالات والاحتجاز التعسفي، فضلاً عن الترهيب والتهديدات التي يواجهها ممثلو المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان والصحفيون، من بين آخرين. وشدد على أنه“ لا يمكن أن يكون هناك مسار مستدام للمضي قدماً في السودان دون مشاركة منظمات المجتمع المدني".

ما نريد أن نؤكده في هذا المقال أن (تقدم وقحت) اثبتت انهما حقاً برلمانات سودانية كاملة الدسم، والمأمول أن تلعب ادواراً حاسمة على الارض، فقد بلغ السيل الذبي وضاقت الارض على السودانيين رغم براحتها ووصلت الحلقوم. لابد من استنفار كل الجهود الدولية وكل وكالات الامم المتحدة ومواثيقها لتفعيل القوانين التي تحمي الارض والعرض والروح. وفي نظري أن هذا التجمع (مفوّض) بصورة جلية من قبل السودانيين في استدعاء وعمل كافة الحيل التي تطفئ نيران هذه الحرب العبثية الى الأبد.
والأمر الآخر الذي نريد أن نؤكده بأن لا أحد بعد اليوم يملك الحق في التشكيك أو المزايدة في جدوى جهود الدبلوماسية الشعبية السودانية، بل ونضجها في خدمة قضايا الوطن. كما نؤكد أيضاً بأن حواء السودانية بخير، فهي لن تتوقف عن انجاب العلماء والأدباء والدبلوماسيين والوطنيين الحادبين على مصلحة بلادهم من كل المهن والسحن.

كسرة،،،
لم لا يباشر (حمدوك) اعماله كرئيس للوزراء فهو لا زال الرئيس الشرعي في السودان؟؟؟

aahmedgumaa@yahoo.com

 

آراء