اخلعوه يرحمكم الله (ولوموا الجزيرة)!!

 


 

 


(1)

الأخ الصديق مصطفى البطل اتهمني والأخ عبدالباري عطوان بأننا كما قال "نثير الفتن" ولا نحب أن نرى الأمور مستقرة في بلاد العرب حماها الله. هذا مع العلم بأنني مقارنة مع عبدالباري وأمثاله من "الاستشهاديين" رجل مسالم، وعلى "أد حالي"، لا أنازع الأمر أهله ولا أشغب على أولي الأمر، هداهم الله وكفانا شرهم.

(2)

مهما يكن، فإن ولاة أمورنا، نفع الله بهم، كفونا مؤونة إثارة الفتن، لأنهم يقومون بالواجب على أحسن وجه. وقد كان موضوع مقالي الذي أثار غضب البطل هو تحديداً الإشادة بالحكام الراشدين الذين ينبغي أن يشكرهم الثوار لما أسدوا من خدمات جلى للثورة والثوار، بما يرتكبون من حماقات يحسدون عليها.

(3)

نحن من المتفائلين بحتمية سقوط أنظمة البغي والعدوان في العالم العربي وغيره، لأن مثل هذه الأنظمة البربرية تدمر نفسها بنفسها كل يوم، بحيث تحولت، بشن الحرب على شعوبها، إلى وارثة للمغول وغيرهم من أعداء الحضارة والإنسانية. ولكن حتى أكثر الناس تفاؤلاً بيننا لم يكن يتخيل أن يسارع النظام السوري  إلى ارتكاب العملية الانتحارية التي تبرع بها في مدينة درعا، ويسقط نفسه هذا السقوط المزري الذي رأيناه خلال اليومين الماضيين، خالعاً عن سوءاته كل قناع.

(4)

كنت قبل أمس الأول سأكون غاية الدهشة لو ترنح النظام السوري وتداعى للسقوط خلال هذا العام. وبحسب توقعاتنا كنا نضع ذلك النظام في الصف الثاني والاخير بين الأنظمة المهرولة إلى مقابرها. ولكننا اليوم سنكون في غاية الدهشة لو استمر هذا النظام شهرين آخرين. وشكراً جزيلاً للزعيم المحترم المحبوب وأصهاره وجلاوزته.

(5)

ولكنني مع ذلك اعترف بأن هناك حالة واحدة كنت فيها المبادر بإطلاق الدعوة إلى رحيل حاكم عربي، وهي حالة اليمن. فقد كنت ابتدرت قبل كثيرين الدعوة إلى تنحي الرئيس علي عبدالله صالح عن سدة الحكم في اليمن الذي سيعود بالفعل اليمن السعيد برحيله. وقد جاءت هذه الدعوة (نعم يا أخ مصطفى) في أحد البرامج الحوارية في قناة الجزيرة التي ناقشت الأزمة في اليمن. وقد قلت حينها إن جذور الأزمة تعود إلى الرئيس وحكمه، حيث أنه في سبيل توريث الحكم لم يعد يبالي بالعواقب، حتى لو كانت تفتيت البلاد.


(6)

كنا قد بدأنا، كما هو ديدننا، بالتنبيه والتحذير والموعظة الحسنة، بعد أن لا حظنا قبل أكثر من ثلاث سنوات تنامي التيار الانفصالي في جنوب اليمن يأساً من إصلاح الحال، وقناعة من الغنيمة بالإياب، تماماً كما حدث عندنا في سوداننا الحبيب، حيث اعتصم البعض من الطغيان بالانفصال. ثم أعدنا التحذير مراراً وتكراراً، لأن اليمن كانت ما تنفك تتصدر الأخبار بتتابع كوارثها ومصائبنا فيها. وقد ختمنا إحدى مداخلاتنا في نفس هذا الموقع قبل عامين بالقول "فليرتب السيد الرئيس الانتقال إلي الديمقراطية قبل أن يكتب في صحائفه أنه أشرف علي الانتقال إلي الصوملة، والعياذ بالله ". ولكن صاحبنا لم يكن من أهل السمع والبصر، بل تمادى في أمره، هدانا الله وإياه. وعليه لم أجد بداً حين دعيت إلى مناحة أخرى مما أتحفنا به إلا أن أنادي بسرعة إقالته عسى المولى أن يجنب اليمن الشرور.

(7)

ولكن من الواضح أنه، وحتى بعد هذا الاعتراف، فإن اللوم المستحق علينا هو أننا تأخرنا أكثر من اللازم في "إثارة الفتنة"، وظللنا نمني أنفسنا الأماني الكاذبة بأن الرئيس اليمني وأمثاله مؤهلين لإصلاح ما أفسدوه رغم صريح النص القرآني بأن الله لا يصلح عمل المفسدين. فلسنا نحن من أوعزنا إلى على صالح وأقاربه وزبانيته لكي يفسدوا في اليمن، ويمارسوا القمع والإقصاء والنهب حتى أصبحت غالبية أهل الجنوب ترى الخلاص في الانفصال. ولسنا من أفتاه بإنشاء تنظيم الحوثيين ثم شن الحرب عليهم، ولسنا من زين له تحويل الديمقراطية اليمنية الوليدة إلى جملوكية وراثية وتعيين أبنائه وإخوانه وأصهاره وبني عمومته في كل وظائف الدولة العليا من مدنية وعسكرية وشركات نفط وطيران وغيرها. كلا، والله، نشهد الله واشهدوا أننا من كل ذلك برءاء.

(8)

سمعت أحد المعلقين يقول إن أولى علامات تداعي نظام ما  للانهيار هي حظر صحيفة "القدس العربي" وحجب موقعها الإلكتروني كما فعلت كل من مصر وتونس. وأنا أضيف هنا، إن إغلاق مكتب الجزيرة، كما فعلت اليمن قبل يومين، يعني أن النظام قد سقط فعلاً، كما حدث في مصر ثم ليبيا. فالإعلام ليس سوى مرآة، كما ذكرنا سابقاً. وعندما يبلغ الحال بنظام أنه أصبح لا يطيق رؤية وجهه في المرآة، فمن باب أولى أن يكون من يراه بدون الحاجة إلى مرآة أشد ضيقاً بمنظره، وأقل احتمالاً لقبح مظهره ومخبره. فلا تلومونا معشر الحكام، بل لوموا أنفسكم.

(9)

في مصر كما ف تونس، كان كل خطاب يلقيه الرئيس يزيد غضب الشعب اشتعالاً، ويدفع بملايين أكثر للخروج إلى الشارع. نفس الحال في ليبيا، حيث أصبح إلقاء الأحذية باتجاه الشاشة التي يظهر عليها العقيد بتخرصاته هو رد الفعل الأول على ظهوره. إذن فالإعلام الرسمي، لا الجزيرة أو البي بي سي، هو الذي "يثير الفتن" ويدفع الشعوب إلى الانفجار غيظاً. ونحن نرى بالعكس أن الجزيرة ساعدت الأنظمة، لأن ملايين العرب كانوا لحقبة طويلة يفضلون الجلوس في منازلهم ومتابعة فيصل  القاسم حتى يفشوا غلهم على الأنظمة ويرون في ذلك الجهاد الأكبر. وعليه فإن من واجب الثوار التشويش على الجزيرة حتى يخرج الناس إلى الشارع، تماماً كما فعل النظام المصري حين حجب الانترنيت فخرج شباب الفيس بوك إلى ميدان التحرير.

Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com]

 

آراء