ادمان الخذلان: الصادق المهدي مثالا
مالك جعفر
28 May, 2019
28 May, 2019
في الستينات خذل عمه الهادي المهدي وشق حزب الأمة، وهو بالكاد يفقه أولويات السياسة.
بعدها بقليل خذل ديمقراطية ثورة أكتوبر الوليدة، بتآمره مع نسيبه حسن الترابي، مما تسبب في طرد الشيوعيين من قبة البرلمان. النتيجة انقلاب نميري.
في السبعينات خذل الشريف يوسف الهندي والجبهة الوطنية لإسقاط نميري، بتوقيعه اتفاقا انضم بموجبه للاتحاد الاشتراكي ونظام مايو.
في الثمانينات خذل انتفاضة أبريل برفضه الغاء قوانين سبتمبر الجائرة. بسبب ذلك تعمقت حرب الجنوب. وحتى حين توسط الخيِّرونْ من أهل السودان لوقف نزيف الدم، بتوقيع اتفاق أبوجا بين قرنق والميرغني، رفض الصادق المهدي رئيس الوزراء وقتها، بصحبة نسيبه الترابي، قبول الاتفاق. لا لسبب سوى الغيرة أن الاتفاق من صنع غريمه التاريخي محمد عثمان الميرغني. النتيجة انقلاب البشير. لا ليس انقلابا، بالأحرى تسليم الصادق المهدي السلطة لنسيبه الترابي في واحدة من أكبر الجرائم التي ارتُكِبَتْ في حق أهل السودان شمالا وجنوبا.
في التسعينات خذل الصادق المهدي التجمع الوطني المناهض لنظام (الكيزان) في الخرطوم. ذهب الى اسمرا بدعوى النضال وهو يضمر تفكيك المعارضة بعد انتزاع القيادة من غريمه الميرغني. ولفائدة (الكيزان) نجح بجدارة في المسعيين. سريعا عصفت الخلافات والصراعات بالتجمع. والنتيجة تقسيم، تفكيك، شرذمة وانفضاض قوى المعارضة لتنضم تباعا لنظام الخرطوم.
الآن في القرن الحادي والعشرين يتوالى المنوال. ويبدو أن من شب على خلقٍ شاب عليه.
خذل الصادق المهدي شباب السودان. سخر من ثورتهم ووصفها ب (دخان المرقة). عقد في لندن صفقة (هبوط ناعم) مع (الكيزان)، ولم يتحرج في نوفمبر من العام الماضي في الإشهار عنها والتبشير بها قبل عودته الى الخرطوم. وهذا مثبت بشهادة دبلوماسيين مرموقين جادلوه في جدواها. لم يكن مستعجلا أو متحسبا لاحتمالات سقوط البشير. لذا ارتباكه وتخبطه الآن حين تخطته الأحداث وتجاوزته الثورة. وحتى حين نقلت الفضائيات مؤخرا جدا أنه انضم للحراك، بسيره خطوات وسط المكبرين، من مسجد الأنصار الى منزله، أبى إلا أن يفند وينفي. ربما بسبب ايمانه أن (الهبوط الناعم) الذي يضمره، وما زال، أضمن وأبقى.
ذلك أضاف صفحة جديدة لخذلانه شباب السودان.
الآن وبدلا من الانسحاب، وترك الشباب يستكملون ثورتهم، عاودته نوبة التخذيل من جديد. وآخر ما تفتقت عنه بصيرته المسدودة أن مفاوضات المجلس العسكري وثوار الميدان يجب أن تتوقف للمراجعة. فالوقت ليس ملائما لإشهار سلاح الإضراب الآن. متى الوقت الملائم؟ "ينبغي مراجعة تركيبة فريق التفاوض، فالأولوية لإقرار مجلس رئاسي أعلى لقوى الحرية والتغيير وهو أمر يجري التشاور لتكوينه".
لكن فريق التفاوض الحالي حقق 95% نسبة نجاح في ظروف قاتلة وهو قاب قوسين أو أدنى من استكمال الخمسة في المائة المتبقية! وقوى الحرية والتغيير، وميدان الاعتصام (الطرف الأهم) في المعادلة، يؤيدون جميعا تنفيذ الإضراب. وبحسب تصريحات الناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير عشية الإضراب، فإن قرار الإضراب الملزم حُظيَّ بإجماع كل الموقعين بما فيهم حزب الأمة.
إذن لماذا الحديث مجددا عن تغيير فريق التفاوض وتحريك قضايا طُرحت من قبل، وقُتلت بحثا من قوى الحرية والتغيير، في حضور الصادق المهدي وتم رفضها.
الأفضل مواجهة السبب الحقيقي لرفض رئيس حزب الأمة الطائفي الإضراب. أكثر ما يخشاه الصادق المهدي أن يتحقق، في غيابه ودون مشاركته، اتفاقٌ نهائي بشأن (مدنية الدولة). ذلك إن تم سيدفن صفقة (الهبوط الناعم) التي ما زال يأمل في تحقيقها، وربما دق آخر مسمار في نعش حزبه الطائفي.
لذا لا يهم آلاف الجرحى ولا مئات الأرواح التي أُزْهِقَتْ ظلما وبغيا، سيواصل زعيم الأنصار (الفرفرة) والتفنن باختراع وغرز أسافين جديدة تباعا لتطويل أمد التفاوض عسى ولعل.
ثمة سؤال أخير مستعصي؟
ما هو مُؤهِّلْ الصادق المهدي، أو ما هو الإنجاز الذي حققه في تاريخه الطويل، والذي يعطيه الحق في أن يتربع ويحتكر مرارا وتكرارا مسرح السياسة السودانية بهذه الصورة الغريبة والمحيرة؟!!
وآمل ألا يكون للإجابة علاقة بالجينات.