اديس ابابا والدوحة وكاودا والخرطوم ؟
ثروت قاسم
24 June, 2012
24 June, 2012
Tharwat 20042004@yahoo.com
مقدمة !
دعنا نستعرض ونحاول تقييم الاوضاع في بلاد السودان في يوم الأحد الموافق24 يونيو 2012 ، لنعرف الى أين نحن مساقون ؟ وهذه ، لعمري ، عملية سيزيفية لأن الأوضاع في بلاد السودان في سيولة مستدامة ، تحاكي لوح الثلج الذي يتغير حجمه بمرور الدقائق ! تسمع صباح اليوم توكيدات من سادة الأنقاذ ، ليعودوا ويدلوا بعكسها في اليوم التالي ! يؤشرون يمين ، ويلفون شمال !
ولكن رغم هذه البهلوانيات أمام أي استعراض صحيح وتقييم منطقي للأحداث و البهلوانيات التي صارت مرجعيات ثابتة في ثقافة سادة الإنقاذ ، دعنا نحاول قراءة الأوضاع كما تظهر على السطح ، في يوم السبت 23 يونيو 2012 ، والبقية حمدها في بطنها !
نحاول استعراض الوضع في 4 محطات كما يلي :
أولا :
بدأت يوم الجمعة 22 يونيو 2012 ، اجتماعات الجولة الثانية من المفاوضات في أديس ابابا بين دولتي السودان في اطار الآلية السياسية والأمنية المشتركة ، بعد استراحة محارب استمرت لمدة أسبوعين !
قرار مجلس الأمن 2046 يعطي دولتي السودان مهلة للوصول الى اتفاق حول جميع المسائل العالقة بحلول يوم الخميس 2 أغسطس 2012 ! المتبقي على هذا التاريخ المفصلي حوالي 5 اسابيع ، ولم يصل الطرفان بعد الى اتفاق حول اي من المسائل العالقة ، وهي كثيرة ومعقدة !
وقف الطرفان (تود) حول خريطة ترسيم الحدود ، وأصر كل طرف على خريطته ! وقدم مبيكي خريطة توافقية ، شارحا أن ترسيم الحدود ليس نهائيا ، وغير ملزم لأي طرف ، والغرض منه تخصيص منطقة معزولة السلاح بعرض 10 كيلومترات من كل جانب من الحدود الفاصلة بين الدولتين !
هناك عشر مناطق متنازع عليها ، حاول كل طرف تضمينها داخل حدود دولته في خريطته ! جمع مبيكي وقسم على 2 ، مقحما 5 من المناطق داخل حدود كل طرف في حل عشوائي ، وحتى يتم تخصيص المنطقة المعزولة السلاح بين الدولتين ، الغرض الحصري من خريطة مبيكي التوافقية !
قبل الجنوب خريطة مبيكي التوافقية ، ورفضها الشمال !وهدد الرئيس سلفاكير من برلمان جوبا بتحويل القضية من أديس أبابا ومجلس الأمن لمحكمة فض النزاعات الدولية في لاهاي للحكم في العشر مناطق المتنازع عليها !
ولا تزال كرة البنق بونق تتقافز بين الطرفين ، ومبيكي يراقب في عجز تام عن وقفها !
تذكر أمام الطرفين 5 أسابيع فقط لحل هذه المشكلة ، وبقية المسائل العالقة ، وأهمها الملف الأمني ، وملف البترول !
الملف الأمني كلمة الدلع لطلب الشمال أن يجرد الجنوب قوات الحركة الشعبية الشمالية من السلاح ويسرحها ويفكها عكس الهواء ، ويطرد حركات دارفور الحاملة للسلاح من الجنوب !
طلب تعجيزي آخر في مسلسل العبث في أديس أبابا !
النقلة النوعية في مفاوضات أديس ابابا هذه المرة هي تلاحم طلاب الجامعات مع جماهير الشعب السوداني في مظاهرات مستدامة عمت القري والحضر ، الأمر الذي أضعف موقف مفاوضيه في أديس ابابا ، وأشعر المجتمع الدولي ان هذا النظام لايمثل الشعب السوداني بأي حال من الأحوال ! كما أن هيئة علماء السودان قد رفضت طلبأ لنظام البشير يدعوها لتهدئة الجماهير الغاضبة من فوق منابر الجمعة ، مما يعد سابقة حميدة في تاريخ الهيئة ، وينذر بقرب سقوط النظام !
ولا تزال المظاهرات تهدر :
( نحن مرقنا مرقنا ... ضد الخونة السرقوا عرقنا ) !
ثانيا :
ذكرت مجلة الويكلي استاندرد الأمريكية أن إدارة أوباما تضغط على نظام البشير ليعقد صفقة جزئية مع الحركة الشعبية الشمالية ، على أساس اتفاقية نافع - عقار ( أديس ابابا – يونيو 2011 ) ؛ يرجع بموجب هذه الصفقة القائد مالك عقار واليا على النيل الأزرق ، وتعيين القائد الحلو واليا لولاية جنوب كردفان ، بعد تقسيمها الى ولايتين ، جنوب وغرب كردفان !
وفي رواية أخرى تعيين القائد مالك عقار مساعدا لرئيس الجمهورية ، وإعادة الإنتخابات لمنصب الوالي في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، ليكون من نصيب الحركة الشعبية الشمالية في الحالتين ! والبدء في اجراءات المشورة الشعبية في الولايتين حسب اتفاق نافع – عقار المذكورأعلاه !
الهدف الإستراتيجي من هذه الصفقة الجزئية هو :
+ وقف الحرب في الولايتين لظروف الدولتين الإقتصادية الحرجة ، ووقف معاناة النازحين واللاجئين من الولايتين ، الذين تجاوز عددهم نصف المليون !
ضغطت اللوبيات الأمريكية على أوباما لوقف الإبادات الجماعية لشعوب النوبة والإنقسنا ، والإنتخابات الرئاسية الأمريكية على مرمى 4 شهور ، فضغط اوباما بدوره على نظام البشير للوصول الى صفقة تنهي الحرب في الولايتين ، وتضمن بقاء الرئيس البشير في السلطة ، وتجميد مقطوع الطاري لأجل غير مسمى بدعم أمريكي ؛
+ تفكيك تحالف كاودا الثوري ، وتحييد حركات دارفور الحاملة للسلاح ، وارغامها على اللحاق بقطار الدوحة وهي صاغرة !
يتهم البعض تحالف كاودا الثوري ( الجبهة الثورية السودانية ) بأنها تركز على المقاومة المسلحة في جنوب كردفان ، أكثر منها في دارفور والنيل الأزرق ! المقاومة المسلحة في جنوب كردفان تشترك فيها قوات من حركات دارفور الحاملة للسلاح ! ولكن المقاومة المسلحة في دارفور لا تشترك فيها قوات من الحركة الشعبية الشمالية !
يعزي البعض ذلك التركيز المخل إلى مصلحة حكومة جنوب السودان في جنوب كردفان ، حيث توجد منطقة أبيي وهجليج والميرم ، ضمن مناطق أخرى متنازع عليها بين دولتي السودان في مناطق التماس بين ولاية جنوب كردفان ، ودولة جنوب السودان ! بالإضافة لكونها تمثل مناطق الدفاع الأولى ضد هجمات الشمال ، بعكس النيل الأزرق ودارفور !
هل لاحظت سقوط الكرمك ، وعدم سقوط كاودا في أيادي نظام البشير ؟ فقط لأن حكومة جنوب السودان ، تدعم القائد الحلو لأنه يمثل خط الدفاع الأول ضد هجمات نظام البشير على أراضيها ... بخلاف النيل الأزرق ودارفور !
+ عزل قوى الإجماع الوطني ، تمهيدا لكسب الشارع السوداني بعد الإجراءات الإقتصادية القاسية التي فعلها نظام البشير مؤخرا !
سنعرف عند الصبح إذا كان ادعاء المجلة الأمريكية ، المذكور أعلاه ، صحيحا أم لا !
أليس الصبح بقريب ؟
ثالثا :
حال الحول على اتفاقية البشير – السيسي ( الدوحة – يوليو 2011 ) ، والمحصلة النهائية عدة وظائف لحفنة من منسوبي حركة السيسي ... وبس !
لم يرجع لاجئ واحد الى حواكيره ؛ ولم يرجع نازح واحد الى قريته ! وتجاوز عدد النازحين واللاجئين حاجز ال 3 مليون ، يسأل كل واحد منهم سبحانه وتعالى أن يبقيه حيا حتى اليوم التالي ؛ و صارت بهم بلاد السودان البرنجي في عدد النازحين واللاجئين بين دول العالم قاطبة !
لم يتم تكوين مجلس السلطة الإنتقالية ( 67 عضوا ) بعد ، وهو بمثابة برلمان السلطة الإنتقالية التشريعي ! لم يتم ادراج اتفاقية الدوحة في دستور السودان ، حسب بنود الإتفاقية ! عقدت حركة السيسي اجتماعا يتيما في الخرطوم عند أداء القسم للسيسي في نوفمبر 2011 ، وبعدها تفرقت معظم عناصر حركة السيسي أيدي سبأ !
استقال القائد أحمد عبد الشافي ، نائب السيسي ، مغاضبا ، ولجأ الى امريكا ! لجأ القائد يعقوب مساليت ، نائب السيسي ، الي جوبا ! رجع القائد الدكتور هارون عبد الحميد الى بريطانيا كسير الجناح ! تفرقت مليشيات الحركة المنزوعة السلاح بين معسكرات اللجوء والنزوح ، ومهاجر الشتات !
ذكر وزير تم تعيينه في السلطة الإقليمية الإنتقالية ، أنه يخجل أن يرجع الى بلده الفاشر مقر السلطة الإقليمية ، لأنه لن يستطيع أن يقدم الشاي لأهله عند زيارتهم له ، لأنه لا يمتلك ثمنه ! ويتجول في الخرطوم بالرقشة ، وهو وزير في السلطة الإقليمية ... بدون راتب وبدون أي مخصصات !
دعنا نستعرض وقائع يوم من أيام السلطة الإنتقالية لنعرف مآلات اتفاقية الدوحة !
في يوم الأحد 17 يونيو 2012 ، تجمهرت بعض مليشيات وعناصر حركة السيسي في مقر السلطة الإقليمية في الفاشر ! قدم هؤلاء وأولئك من معسكرات النزوح ، وكل واحد منهم يحمل كلاشه ، بعد أن فقدوا كل شئ غيره ... عربات ومدافع ، وذخيرة ! ظنوا أن السيسي بالمقر ، وأرادوا الشكوي له بأنهم يعانون من الجوع والمسغبة ، ولم يصيبوا شيئا من فتات موائد اتفاقية الدوحة !
قابلهم الدكتور تاج الدين نيام ، وزير (التنمية والإعمار ؟ ) في السلطة الإقليمية ، وحاول تهدئة خواطرهم ! طرد المحتجون الدكتور تاج الدين نيام ، الذي فر هاربا لا يلوى على شيء ! واعتقل المتمردون عدة قيادات من حركة السيسي ! حاول القائد عبدالله بندة ( من حركة السيسي ) أن يفرق التجمهر ببعض مليشياته الحاملة للكلاش !
حدث اطلاق للنار بين عناصر حركة السيسي المتمردة ، عقبه هرج ومرج غوغائي ، واختلط الحابل بالنابل ، وفر مسئولو حركة السيسي وقياداتها ، الذين يعانون أنفسهم من الجوع والإحباط ، بل ربما أكثر من المتمردين ، ولكن لا يتكلمون...(مقطعينو في مصارينهم) ، ببساطة لانهم حرقوا جميع مراكبهم أملين في سراب قيعة السيسي !
أما الأستاذ بحر ادريس أبو قرضة ، الأمين العام لحركة السيسي ووزير الصحة المركزي ، فلم يزد أن قال معقبا على الحادث :
Everybody for himself?
وترجمتها بعربي الفاشر :
كل شاة معلقة من رقبتها ؟
وثالثة الأثافي ، أن يصرح السيد برنستون ليمان ممثل اوباما الخاص للسودان ( الخميس 14 يونيو 2012 ) ، بأنه بصدد اقناع بعض حركات دارفورية حاملة للسلاح بالتوقيع على اتفاقية الدوحة ، واللحاق بقطار السيسي الذي فقد رأسه ، والسيسي الذي فقد ظله !
أعلاه يختزل المحصلة النهائية لمهزلة الدوحة !
وبعد الإجراءات الإقتصادية الأخيرة ، التي سوف تتداعى على السلطة الإقليمية الإنتقالية سوف يتدحرج الوضع من القاع الى ما دونه ، وسوف يسعى كل دارفوري أن يشيل له شلية من دار فور الخربانة... وللأسف لن يجد غير قبض الريح !
ولا ينبئك مثل خبير ؟
رابعا :
نواصل مع المظاهرات والحركات الإحتجاجية وخطة الطريق التي اقترحها الاستاذ علي محمود حسنين رئيس الجبهة الوطنية العريضة لاسقاط النظام والاتفاق علي البديل الديمقراطي في حلقة قادمة بإذنه تعالى !