استحالة تسويق الأخوان جبرا في الشرق الأوسط !
اتفهم عدم قبول الولايات المتحدة لازاحة الرئيس المنتخب محمد مرسى بوسيلة لا تمت بصلة مباشرة للوسائل الديمقراطية المتعارف عليها فى عوالم الديمقراطيات الراسخة فى امريكا والغرب عموما . ففى تلك العوالم الديمقرطية يزاح الرئيس المنتخب إما بالموت الطبيعى ، وإما بهزيمته فى انتخابات مشهودة ، واما باكماله كل فرصه الدستورية التى ينص عليها دستور البلد المعنى. أى تغيير لرئيس منتخب خارج هذه الأطر المذكورة ، هو تغيير غير دستورى وغير مقبول بصرف النظر عن فشل ذلك الرئيس أو نجاحه فى ادارة شئون الدولة والعباد. لا خلاف أن الرئيس مرسى ازيح من الرئاسة بوسيلة من خارج تلك الاطر الديمقراطية التى اشرت اليها فى الفقرة المتقدمة ، رغم الملايين الكثيرة التى خرجت فى الثلاثين من يونيو 2013 مطالبة بازاحته . من هنا علينا ان نفهم أن امريكا لم تستطع أن تبلع الغصة التى غاصت فى حلقها من ازاحة رئيس منتخب بوسيلة ليست من وسائل العرف الديمقراطى لأنها تموت فى حب فى الرئيس مرسى ،او تاييدا لسياسته ، أو رغبة منها فى اقامة حلف معه فى المستقبل. السبب ابسط من كل هذا . السبب هو الحرص على احترام التقاليد والنواميس الديمقراطية التى اسستها امريكا وارستها قبل الآخرين جميعا واهدتها للعالم . الانسان الامريكى الذى نشأ وترعرع فى حضن هذه المفاهيم والقيم يعذر اذا غلبه أن يبلع الحكاية التى شاهدها فى الثلاثين من يونيو فى مصر. و يجب أن لا يعد موقفه من ذلك التغيير موقفا معاديا للوضع الجديد فى مصر على اطلاقه. عودة الاعلام العربى الى نهجه المتفلت فى توليد واستنساخ نظريات المؤامرة ، و استولاد حكايات وحواشى جديدة لهذه النظريات تعيدنا الى عهد حسن البنا وعلاقته مع الغرب ، وتحديدا مع بريطانيا ، و جرنا من رقابنا عنوة لكى نؤمن بعودة ابناء واحفاد اليوم الى السير فى طريق الآباء القدامى ، هو افراط واستسهال للامور والحيثيات ، وتفريط فى الاحترام الواجب لعقل الانسان العربى الذى يطالع هذا الاعلام و يوفر له اسباب البقاء . لو سارت الاوضاع السياسية فى مصر كما كان مرجوا لها ،إذن لما احتاج احد للحديث عن حلف بين امريكا و الاخوان يخطط له بليل . لأنه لا أحد يريد أن يضيّع وقته وجهدة فى محاولات مستحيلة لجمع الاضداد . الرئيس مرسى عندما حصّن قراراته دستوريا بحيث لم يعد أحد قادرا على تحدى ما يصدر عنه من قرارات ، او حين اغلق اذنيه عن سماع اعتراضات واحتجاجات شعبه على الطريقة التى أعد بها الدستور ، او احتجاجات فئات كثيرة من شعبه من مواد فى الدستور اعتبرتها مهددة لمصالحها ، عندما وقع الرئيس مرسى فى تلك الاخطاء والتجاوزات ، لم يكن يتعمد الايقاع بنفسه فى المهالك السياسية التى اوردته المورد الذى هو فيه اليوم تنفيذا لمؤامرة . إنما قدر أنه كان ينطلق من منطلق صحيح . فحدث الذى حدث بدون البحث عن تآمر ومتآمرين شركاء ، ولا البحث عن احلاف وحلفاء محليين ، مما دار فيه اعلام نظرية المؤامرة العربى .
الولايات المتحدة تعلم يقينا أنها لن تستطيع تسويق جماعة الاخوان المسلمين فى هذه المنطقة من وطننا العربى بالإكراه والتآمر فوق رغبة شعوبها وقادتها . و تعلم يقينا أن مصالحها الحقيقية والاستراتيحية هى مع دول الخليج العربى التى لها موقف معلوم و ثابت من هذه الجماعة . خلاصة القول للمرة الاخيرة هى أن الموقف الامريكى الراهن من الاوضاع فى مصر ، والذى بدا للبعض أنه غير متجانس مع الموقف المصرى ، لا يصدر عن حب ووله فى الرئيس مرسى و جماعته ، بقدر ما هو حرص على التقاليد والنواميس الديمقراطية التى اسستها امريكا قبل الآخرين , و نشأ وتربى عليها الانسان الامريكى. واصبح لا يطيق بديلا عنها .
alihamadibrahim@gmail.com