استشراف المستقبل:العلاقات السياسية والاقتصادية بين الشمال والجنوب بعد الاستفتاء: ترجمة: غانم سليمان
استشراف المستقبل: العلاقات السياسية والاقتصادية بين الشمال والجنوب بعد الاستفتاء
بقلم: جيرارد ماكوه
ترجمة: غانم سليمان غانم *
G.Ghanim@hotmail.com
إن الخيارات الفنية للاحتواء السياسي بين الشمال والجنوب بعد الاستفتاء هي نتيجة عملية عصف ذهني واختبارات للمسارات المستقبلية الممكنة للسودان وتقوم علي تحليل مؤشرات سياسية ومصالح عالمية.
الخيارات السياسية فى حالة انتصار خيار الوحدة
هناك ثلاثة سيناريوهات إذا ما كانت نتيجة الاستفتاء لصالح الوحدة:
الخيار أ : تبنى الوضع الراهن
هذا الخيار ينطوي علي استمرارية نظام الحكم الحالي القائم علي اتفاقية السلام الشامل بمؤسسات وأطر تمثيل نيابي وآليات وإجراءات اتخاذ قرار شبيهة بتلك التي كانت سائدة فى الفترة الانتقالية. وستكون التغييرات فى نظام الحكم حسب ما هو محدد فى اتفاقية السلام الشامل جزءا من مراجعة الدستور القومي الانتقالي والتي يتم تنسيقها بواسطة لجنة مراجعة الدستور القومي.
الخيار ب : الشراكة العادلة
هذا الخيار ينطوي علي استمرارية نظام الحكم الحالي القائم علي اتفاقية السلام الشامل ولكنه يشمل تغييرات لتأمين أكبر قدر من العدالة والمساواة بالنسبة لعملية صنع القرارات خاصة علي مستوي الحكومة الاتحادية. وتشمل خصائص الشراكة العادلة توسيع نطاق القرارات (المركزية) التنفيذية التي تقتضى الموافقة الصريحة للنائب الأول لرئيس الجمهورية واستحداث إجراءات مصادقات ضمنية لعمليات صنع القرارات (تقتضى مراعاة خيارات الكتل الجهوية) فى المجلس الوطني.
الخيار ج : نظام فيدرالي اتحادي لا مركزي
يشمل النظام الفيدرالي الاتحادي اللامركزي حكوميتين إقليميتين: حكومة جنوب السودان وحكومة شمال السودان بترتيبات اتحادية تشمل مجلس اتحادي مركزي ومجلس اتحادي. المجلس التنفيذي الاتحادي يضم رئاسة من عضوين ومجلس اتحادي يضم ثمانية مستشارين. عضوي الرئاسة هما الرئيسين المنتخبين للشمال والجنوب وكل منهما يتولي منصب الرئاسة لنصف الفترة الرئاسية المحددة. الأعضاء الثمانية للمجلس الاتحادي يتولي كل منهم حقيبة وزارية مهمة بحيث يمثل أربعة مستشارين الجنوب وأربعة مستشارين الشمال. تكون عملية اتخاذ القرار فى المجلس التنفيذي الاتحادي بالإجماع وإذا استحال ذلك يمكن إحالة المسألة للمجلس الاتحادي. يشمل المجلس التشريعي الاتحادي 60 عضوا، ستة وثلاثين منهم يمثلون الشمال و أربعة وعشرين عضوا يمثلون الجنوب. القرارات الخاصة بمشروعات القوانين فى المجلس التشريعي الاتحادي تتم بالموافقة بأغلبية الأعضاء بمراعاة توجهات الأقلية.
الخيارات السياسية فى حالة انتصار خيار الانفصال
هناك أربعة سيناريوهات إذا ما كانت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال:
الخيار د : العزلة من الطرفين
هذا الخيار ينطوي علي تفاعلات سياسية واقتصادية محدودة للغاية بين الدولتين المنفصلتين والمستقلتين ذاتا السيادة.
الخيار هـ : علاقات متبادلة بين دولتين مستقلتين
خيار العلاقات المتبادلة بين الشمال والجنوب يتضمن ترتيبات يدرك فيها الشمال والجنوب بأن كل منهما يحتاج للأخر وبالتالي يتفاعل سياسيا واقتصاديا علي أساس المصلحة المتبادلة. ويمكن تقسم هذا الخيار إلى خيارين فرعين: أ) علاقات متبادلة علي أساس المسائل الفردية بين الدولتين المستقلتين و ب) علاقات متبادلة مؤسسة ومهيكلة بين الدولتين المستقلتين.
ينطوي خيار العلاقات المتبادلة علي أساس المسائل الفردية بين الدولتين المستقلتين علي تفاعل الجنوب والشمال سياسيا واقتصاديا بشكل تلقائي علي أساس النظر إلى كل مسألة علي حده. تتم التفاعلات وتنتج حسب الاتفاقيات الدولية أو الاتفاقيات الأخرى بين الشمال والجنوب ولكن فيما يتعلق بمسائل محددة. الوزارة المعنية فى كل دولة تكون مسئولة عن إدارة التفاعلات مع الوزارة النظيرة. وترتبط العلاقات المتبادلة المؤسسة والمهيكلة بين الدولتين المستقلتين علي تنسيق التفاعلات السياسية والاقتصادية فى نطاق الشمال وفى نطاق الجنوب من خلال إنشاء مؤسسة واحدة ذات اختصاص فى كل من الشمال والجنوب.
الخيار و : رابطة اقتصادية لدول مستقلة
هذا الخيار يظهر درجة عالية نوعا ما من التفاعل الاقتصادي والسياسي بين دولتي الشمال والجنوب المستقلتين ذاتا السيادة. ينطوي خيار الرابطة الاقتصادية للدول المستقلة علي اتفاق الشمال والجنوب علي مجال وأسس تفاعلات اقتصادية أولية وكذلك سياسية من خلال معاهدة دولية أو اتفاقية ثنائية. هذا الخيار يشمل ترتيبات للقاءات رئيسي الدولتين علي مستوي القمة وبعض السيناريوهات فى هذا الخيار تشمل ترتيبات اجتماعات مجالس وزراء الدولتين. بالإضافة إلي ذلك، يشمل هذا الخيار ترتيبات للتفاعل بين المجالس التشريعية للدولتين لإدراج قوانين و تشريعات عامة فيما يتعلق بدساتيرهما الوطنية.
الخيار ز : اتحاد دولتين مستقلتين
يظهر هذا الخيار إمكانية تبني اتحاد دولتين مستقلتين ذاتا سيادة. يتم الاتفاق علي الوضعية والهياكل المؤسسية واختصاصاتها بين الدولتين من خلال معاهدة دولية أو اى شكل آخر من الاتفاقيات.
تشمل أنواع التفاعلات علي المستوي التنفيذي اجتماعات قمة لرئيسي الدولتين وكذلك مجالس الوزراء لمناقشة مسائل فى مجالات محددة.
ينطوي شكل المؤسسة أو الجهاز المشترك الذي يتم إنشاؤه بواسطة الدولتين علي إنشاء مؤسسة/جهاز مشترك يقوم باتخاذ القرارات ويكون من ممثلين معينين من الشمال والجنوب يقوم بالنظر وباتخاذ القرارات فى مسائل يتم تحديدها بشكل مشترك بين الشمال والجنوب باعتبارها مسائل ذات أهمية عالية مشتركة. يجب ان تعتمد إجراءات اتخاذ القرارات المستخدمة فى التفاعلات التنفيذية علي الإجماع بينما يجب ان تعتمد تلك المستخدمة فى المؤسسة/الجهاز المشترك على قرار الأغلبية التي تراعي توجهات الأقلية أو اى شكل آخر الأغلبية.
تقييم خيارات الاحتواء السياسي
الخيارات السياسية فى حالة انتصار خيار الوحدة
لم يؤدي نظام الحكم الذي قام علي أساس اتفاقية السلام الشامل إلى درجة عالية من العدالة والمساواة فى التمثيل السياسي فى مؤسسات الحكم خاصة في المجلس الوطني (وكذلك فى المجالس التشريعية الولائية) وليس هذا بالضرورة نتيجة لهيكلية المؤسسات التي أنشأتها اتفاقية السلام الشامل ولكنه كان نتيجة لبعض الجوانب الفنية للنظام الانتخابي المحدد فى قانون الانتخابات القومية لعام 2008م.
هذه الجوانب الفنية جعلت من الصعب جدا للأحزاب من غير الأحزاب الرئيسية الحصول علي مقاعد فى المجلس الوطني. ونتيجة لإجراءات عملية اتخاذ القرار المستخدمة فى المجلس الوطني وتنفيذ نظام الحكم المنصوص عليه فى اتفاقية السلام الشامل فإن ذلك لم يحقق درجة كبيرة من العدالة فيما يتعلق بتأثير القرارات السياسية.
إن عدم عدالة القرارات السياسية الكامن فى مؤسسات الحكم التي أنشأتها اتفاقية السلام الشامل (باستثناء المجالس التشريعية الولائية) يمكن معالجتها ببعض الترتيبات حسب ما هو وارد فى خيار الشراكة العادلة. إن توسيع نطاق القرارات التي تتطلب الموافقة الصريحة للنائب الأول لرئيس الجمهورية وإجراءات الموافقة علي القرارات فى المجلس الوطني والمجالس الولائية يمكن ان تسهم بشكل كبير فى مزيد من الاحتواء السياسي الفعال. علي أية حال، فان العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة جنوب السودان تظل علاقة غير عادلة حيث أن بعض الاختصاصات الرئيسية تظل ضمن المستوي الاتحادي المركزي.
يمكن ان يعالج خيار النظام الفيدرالي الاتحادي اللامركزي مسألتي العدالة السياسية وتأثير القرارات وعدم التوازن الاتحادي – الإقليمي فى الاختصاصات والكامن فى نظام الحكم القائم علي اتفاقية السلام الشامل. إن التمثيل القوي للكتل الجهوية من الجنوب والشمال في المجلس الاتحادي وفى السلطة التنفيذية وصنع القرارات بمراعاة توجهات الأقلية يمكن ان تضمن درجة عالية من الاحتواء السياسي فى كل من فرعي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ويوفر خيار النظام الفيدرالي الاتحادي اللامركزي فرصة موازنة الاختصاصات على مستويات الحكومة الاتحادية والحكومة الإقليمية.
الخيارات السياسية فى حالة انتصار خيار الانفصال
لا يوفر خيار العزلة من جانب الطرفين آمالا لتحقيق احتواء مباشر للمصالح السياسية نظرا لأن هذا الخيار قائم علي قدر محدود جدا من التفاعلات السياسية والاقتصادية. إن الاحتواء غير المباشر للمصالح والتفاهمات السياسية ممكن إذا قام الطرفان – شمال وجنوب السودان – بمشاركة طرف ثالث (رابطة محددة غير سودانية أو أي اتحاد دولي آخر).
فى إطار خيار العلاقات المتبادلة بين الشمال والجنوب فإن الخيار الفرعي المتمثل فى العلاقات المتبادلة علي أساس المسائل الفردية بين الدولتين المستقلتين يوفر فرص لاحتواء المصالح السياسية ولكن هذه المصالح يمكن تحقيقها فقط من خلال الاتفاقيات التي ستبرم فيما يتعلق بمسائل محددة. ونظرا لأن الاتفاق حول مسائل رئيسية محددة يقتضى موافقة جنوب وشمال السودان فان هذا الخيار يوفر درجة عالية من المساواة فيما يتعلق بتأثير القرارات. إن الخيار الفرعي المتمثل في العلاقات المتبادلة المؤسسة والمهيكلة بين الدولتين المستقلتين يوفر فرصا لمزيد من الاحتواء السياسي فى نطاق شمال وجنوب السودان أكثر مما يتيحه الخيار الفرعي المتمثل فى العلاقات المتبادلة علي أساس المسائل الفردية بين الدولتين المستقلتين.
توجد العديد من المزايا فى خيار الرابطة الاقتصادية لدولتين مستقلتين توفر إمكانية تحقيق درجة عالية نوعا ما من الاحتواء السياسي. وفيما يتعلق بالعدالة والمساواة فى التمثيل السياسي فإن ترتيبات اجتماعات القمة علي المستوي التنفيذي توفر المساواة فى التمثيل السياسي. ونظرا لأن القرارات فى اجتماعات القمة تقتضى الإجماع توجد هناك درجة عالية من المساواة فى عملية صنع وتأثير القرارات. وبالمثل، فإن التفاعلات بين المجالس التشريعية فى شمال وجنوب السودان توفر درجة عالية فى المساواة فيما يتعلق بتأثير القرارات نظرا لأن الاتفاقيات تتطلب موافقة ممثلي الدول الأعضاء فى الرابطة. إن مقدرة هذا الخيار فى تحقيق الإجماع فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية حيث يكون هناك تناغم كبير فى المصالح يساعد فى تحقيق درجة كبيرة من الاحتواء فيما يتعلق بالمسائل السياسية.
يوفر خيار اتحاد دولتين مستقلتين ذاتا سيادة فرصا كبيرة للاحتواء السياسي فى المؤسسات المشتركة (خاصة فى الجهاز المشترك المؤسس بواسطة الدولتين) ومن خلال اجتماعات قمة رئيسي الدولتين. سيكون التمثيل فى الجهاز المشترك إما من خلال ممثلين متساوي العدد من الشمال والجنوب أو من خلال التمثيل النسبي. طبيعة إجراءات صنع القرار فى الجهاز المشترك (الموافقة بالأغلبية بأخذ توجهات الأقلية فى الاعتبار) تضمن درجة عالية من الاحتواء السياسي. تعتمد اختصاصات الجهاز المشترك وطبيعة قراراته علي اتفاقيات رسمية بين الدولتين المستقلتين ذاتا السيادة. يقوم شمال وجنوب السودان بترتيباتهما الداخلية لتحقيق الاحتواء السياسي الفعال فى نطاق الشمال و فى نطاق الجنوب. الميزة الفريدة لخيار اتحاد الدولتين المستقلتين هي انه الخيار الوحيد الذي يوفر فرص لاحتواء أقاليم/جهات محددة علي مستوى كل دولة.
خاتمة
بضمان المزيد من الاحتواء السياسي يمكن ان تعزز هذه الخيارات إمكانية الاستقرار وتوفر الآليات العملية لمنع وحل النزاعات بين الشمال والجنوب خلال ما تبقي من الفترة الانتقالية وما بعدها. لذلك فإن خيارات الاحتواء السياسي تعتبر عناصر ضرورية لاستشراف مستقبل السودان.
* هذه ترجمة بتصرف للملخص المختصر لورقة بالعنوان أعلاه قدمها الأستاذ/جيراد ماكوه ضمن مبادرة مركز كونفليكت ديناميكس انترناشونال (Conflict Dynamics International) المسماة الاحتواء السياسي فى السودان وتطرح الورقة الخيارات المحتملة للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الشمال والجنوب بعد الاستفتاء.