استقالتك أكرم من الدغمسة يا دكتور

 


 

 

أشير لمقالي: "الدغمسة في المداخلة الأمريكية مع حمدوك" بتأريخ 08 مايو 2021
أنت تعلم يا دكتور، وبفكرك الثاقب الذي أشاد به العالم أجمع، إنك كنت شجاعاً جداً في قبول هذا المنصب الملتهب، ولا شك في أنك نلت به حب وتقدير الشعب السوداني مجتمعاً.
كما ونلت ثقة العالم أجمع
ولكن منذ بدء الخوض في مستنقعات الجوار، إنقضّت عليك الكوبرا المختبئة فيها وأعين صفّاريها تنصبُّ عليك، فأدخلتك في الدغمسة في حوارك مع المداخلة الأمريكية حول سد النهضة، فلم يكن هناك ما تقوله عن مشروعٍ لا عيب فيه، ولكنه كُرة ملتهبة تقاذفها محاور نشأت في عهد انهيار الدولة السودانية، غير دغمسة، والدغمسة برضه سترة.
ذلك جرح ضمير وكبرياء كل السودانيين، وأكيد قد جرح ضميركم الحيي، فاليدان مكتوفتان في خوضٍ غريق.
وأقول إنك دخلت في دغمسة ثانية عندما وضعك البرهان في فتيل، باعتقالك واعتقال وزرائك ونقض كل ما نسجت عليه أداءك الممتاز في تلك الخرق البالية من المواثيق الزائفة.
فوجدت نفسك أداةً هامة في استراتيجيات خبيثة ونتائجها أخبث .. فيها دماء تهدر بها وبدونها، أكثر وأكثر، وعزلةٌ وهيمنة ترميك فيما هو أخطر من الدغمسة: أنك بدلاً عن قائدٍ لشعبٍ في أهم حركاته النضالية، أصبحت درعاً لأعداء الشعب الذي أُختِرْتَ لتقوده.
إن السيناريو الذي فضح نفسه، هو أنه قطعاً محاولة للعسكر للاستيلاء على السلطة.
وهنا يتوجّب التوقّف عند هذا التعبير، فأنت على حق، كيف تقرأ تلك الخرق البالية بالنحو السليم؟
إن العسكرية هنا ليست الجيش، هذه أهم نقطة. قد يكون فيها جنرالات من الجيش أو أفراد موكلة إليهم مهمات مراقبة أفراد الجيش والتبليغ عنهم. لكن هم أساساً مجلس أمن ومليشيات النظام السابق ومساندات عسكرية من مصر كما في شكل كتائب عسكرية للمعاونة في "خبز العيش" في السودان مثلاً عند الاعتصام في القيادة العامة (ما كتبت عنه في مقالي: "مصر والسودان من منا العدو العاقل والصديق الجاهل" في خلق مسلسل فوز مرسي ثم إبعاده!)، (وعجبي – نفس الشيء، كتائب توزيع الرغيف، الذي فعلوه في حلايب قبيل احتلالها كما روى السكان هناك في برنامج "المسافة صفر" لقناة الجزيرة الغراء)
والاستيلاء على السلطة، ليس بالغزو، لا، ولكن بزراعة غشيم يتبع لمصر، أو على الأقل يتحالف مع مصر (كل واحد يحك ظهر الآخر)، ولكنه يسبب حروب يُزج فيها السودان زجّاً بهيمنتها عليه بعملائها بالداخل، طمعاً في مقاسمته أراضيه وثرواته، وفي ظروف الوضع المتدهور الذي عليه السودان بعد حكومة الإنقاذ، وحاله المزري الذي هو فيه.
والبرهان، في حساباته المتلهفة، وبالنظام المصري يحلّق فوق كتفه، أنكر للشعب السوداني ذكاءه وقدراته، وأما الجيش فقد استوعب أن إنقلاباً كانقلابات السودان السابقة لن ينجح، فهي شوفينية مؤقتة تتبعها ندامة وخسارة النفس قبل خسارة النوْل.
مصر في ذاتها أُمةٌ حبيبة وحضارية وشعبها مكافحٌ ومقتدر، وزينة الجوار تواجدت منذ الأزل خاصةً بين الإخوة وأبناء العمومة من النوبيين في شمال السودان وفي جنوب مصر.
إلا أن الاستعمار المملوكي الذي طال مصر، لم يؤذِ مصر وحدها، بل سمَّ جسم كل من تعامل مع مصر، ويكفي ما نفحته من سموم على السودان في عهد الرق (تابع التأريخ المكثف في فيديوهات الأستاذ طلحة عبد الجليل)، حيث كان الرق في مصر كغيره في العالم، ولكن بعد حظره عالمياً ندُر وارتفعت أسعاره فانجرف المماليك بمصر في تلك التجارة.
وأوقف لورد كرومر الرق، وصدرت فتاوى بأن المملوك لا يحق له الحكم لأنه لم يتحرر هو. وفي ذاك الشجار رحلت قبائل البقارة المتاجرة في الرقيق من مصر إلى بحيرة شاد، ومنها إلى دارفور.
وصادق كرومر بالاحتفاظ بالنساء وكبار السن من الرجال والأطفال من المسترقّين، تجنّباً لتشريدهم بعد عتقهم. وبالنسبة لتجار الرقيق كان القناع هو تحريف معنى ما ملكت الإيمان من رقيق غير مقتدر على إعالة نفسه، وأما من يستطيع أن يقدر على إعالة نفسه أن يدفع لمن سباه تكاليف سبيه لحين انتهاء الحرب، حسب الآية " اذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما منا بعد واما فداء حتى تضع الحرب اوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل اعمالهم" سورة محمد آية .4
وهكذا قامت تجارة الرقيق المزيّفة في دارفور من سلاطينها، وهكذا عمّقت جذور الفُرقة وسط السودانيين، وهو ما استغله نظام الإنقاذ في الإتجار بالرقيق كما يحدث في كتائب الجنجويد وتصدير الرقيق لدول الخليج محاربين أو خادمات منازل.
أن ينكأ الجرح مجدداً ليس من العقلانية، ولكن عندما ينكؤه من سبب الجرح، فهو إسرافٌ في التمادي.
إن البرهان لا يريد أن يستقى العبر من تلك الدروس، ولا يريد بنرجسيته العسكرية أو شوفينيته الشخصية في علاقته مع حميدتي وسط حسابات عصابات الجنجويد، وبحس نزوته بحلم والده بأن رآه رئيساً في المنام، علماً بأن الغيب هو علم الله وحده ولا يُعلم به أحداً حتى رُسُلِه، فقد ذكر لسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم بأن عدداً من صحابته منافقون يعلمهم الله ولا يعلمهم هو (سورة 9 - آية 101)، وذلك الداء جاء للسودان تحريفاً من المسيحية حيث يعتقدون أن الله يوقظ انتباه من يحبه بأن يرسل إليه علامة (ساين الإنجليزي) تدلّه بما في الغيب، وهذا طبعاً باطلٌ في الإسلام. ولكنها مصيبة التحويرات التي لوّثت الطرق الصوفية التي نشأت عند احتلال المغول وتحطيمهم الدولة العباسية، التي لُوّثت بالطقوس السحرية والشعوذة الإفريقية.
هنا البرهان عليه الترفع من تلك العقائد ومن ذاك الذي يحلّق فوق كتفه، وأكيد أنه حصل له غسيل دماغ، فهؤلاء محترفون في ذلك. لكنه ليعلم أن ما يقبضه من حكم بيده، إن كان رجلاً ورِعاً، فهو يقبِض على جمر، ليس فقط في حساسية من يتمسك بالفضيلة ويخاف أن يضل وهو موهومٌ، بل بما أن الحكم الذي مُنح ببيعة أهل الملك (الرعية) بالطريقة الصحيحة التي تحفظ لكل فردٍ حقه، تعفيه في إزهاق أي روحٍ بشرية ما دامت نُظِرت بالاحتكام العادل بدءاً من تفويضه هو، مروراً بإدارته للعدالة كممثل للأمة، فإن كان غير ذلك فإنه سيدخل في حساب الله تعالى لقتل أي نفس بغير حقٍّ كأنما قام القاتل بقتل كل البشر. إن المسئولية جسيمة ويجب حسابها بالحق.
إن تزوير البرهان لوثيقة البيعة بانتهاكها وتقديم حمدوك بديلاً لها ما هو فقط بمخادعة للسياسيين والقوى المحلقة حولهم، والتي قد يبررها بدراساتٍ واستراتيجياتٍ يؤيدها آخرون، ولكنه مخادعة مع الله تعالى في النية الكاذبة.
فالبرهان عليه التوبة والتراجع، نعم.
ولكن حمدوك ليس من الحكمة في حقه أن ينجرف في تلك اللعبة الخبيثة والتي تنضح بشرورها.
إن دماء من استشهد وإيذاء من لم يستشهد إثمٌ كبير ولعنة أيضاً في التأريخ وفي الضمير.
المقالات التي ورد ذكرها:
الدغمسة في المداخلة الأمريكية مع حمدوك
https://sudaneseonline.com/board/505/msg/1620332877.html
مصر والسودان من منا العدو العاقل والصديق الجاهل
https://sudanile.com/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86-%D9%85%D9%86%D9%91%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%82%D9%84-%D9%88%D9%85%D9%86-%D8%A7/

izcorpizcorp@yahoo.co.uk
//////////////////////

 

آراء