اشتهينا الجرتك والدلوكة وفركة القرمصيص

 


 

 

عاشت المدن السودانية، في الآونة الأخيرة، فترات عصيبة من الأحداث السياسية المؤلمة التي كست بشكل سلبي كل مناحي الحياة...ولم تعد المدينة السودانية هي المدينة التي نعرفها بالوداعة والهدؤ والسكينة والأمن والأمان...لقد عبث بها الزمن وأهلها الجائرون من الساسة المتنطعون .
ولكن الوجه الكئيب المؤلم حقا، كان من نصيب المشهد الثقافي الذي تدهور وقد انطفأت كل انواره ومباهجه ولم يعد مذكورا في ذاكرة الإعلام والقنوات الفضائية إلا علي استحياء.
لقد اختفت فعاليات كثيرة ومتعددة ،واسدلت ستائر المسرح وانطفأت انواره وبات مهجورا ..وغابت عن الإذاعات والفضائيات الرسمية والخاصة كل مباهج الحياة السارة التي كنا نعشقها بحب طفولي لا يوصف..
المشهد الثقافي الآن، بتعدد مجالاته، أصبح كئيبا ،فقد اغلقت الخلافات السياسية كل منافذ الفرح فيه..حتي أصبحت مباهج الحياة ،رغم بساطتها، ترفا ممنوع الاقتراب منه.
لقد نسينا كيف نبتسم او نضحك ،فلم تعد الطرفةتسعدنا كما كانت ،لقد فقدنا لحظة الاستمتاع بوقتنا والجلوس متفرجين علي المارة اوقات العصاري أمام بيوتنا...فالشارع لم يعد آميننا كما تعودنا..لقد نسينا فرحنا وكيف نضاحك ونلاعب أطفالنا فهم لم يعودوا أطفالا لقد شابوا من هول الصدمة..والذين شبوا عن الطوق لم يعودوا شبانا..لقد هرموا قبل يوهم وارتحلوا قبل اوانهم ولا زالوا ،بحكم الزمن، في ريعان شبابهم ..
عندما اطبقت جحافل الظلام علي أوروبا خلال العصور الوسطي، كان النس تبحث عن نسمة الهواء النقية الباردة ،وعن كلمة الحب الصادقة، وعن الخلاص الذي لم يعد متوقعا في ظل هيمنة الكنيسة وطغيانها.. ظلت الفلسفة والفكر التنويري تبشر بذلك الصباح المرتقب الذي أشرق بالفعل بعد رحلة طويلة من المشاق.
وها نحن في السودان، نعيش الآن عصورنا الوسطي الخاصة ،بكل امتيازاتها المآسوية..
تري متي يأتي الخلاص ومتي نفيق من هذا الكابوس الخانق؟ متي تحس الخرطوم ،ومدن السودان الأخري بالعافية وبنسمة الهواء الباردة التي تهب من خزان جبل الأولياء حتي تصل كبري المنشية صافية ندية ومعطرة بطيبة الوطن دون أن تعترضها بندقية؟ متي تعود ليال الخرطوم الحالمة الشذية دون أن يعكر صفوها عربيدا شقيا..ومتي يطل علينا الفن الجميل وتغرد بلابله ،ومتي تضأ خشبة المسرح ويستأنف الدوري المحلي منافساته الندية والكل آمن علي حياته داخل وخارج ميدانه؟ومتي تبتهج المدن وتتلألأ مداخل بيوتها وتفرح عرائسها بجديدها وينشدون بفرح خرافي اغاني الجرتك وفركة القرمصيص...متي؟
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@hotmail.com
//////////////////////////////

 

آراء