جاء فى الأمثال " مُجبر أخاك لا بطل"، وفى روايةٍ أُخرى " مُكره "، بدلاً عن " مُجبر"، وهو مثل يُضرب لمن فعل شىء مُضطرّاً، ودون قناعة منه، فأقدم على فعل ذلك " الشىء "، بينما هو فى الحقيقة، لا ينوى، ولا يُريد فعله أبداً، إنّما فرضته عليه ظروف خاصّة. وهذا بيت القصيد.
بلا شك، فإنّ هذا المثل، ينطبق تماماً على نظام الإنقاذ، الذى أُجبر على اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وقد جاء التنفيذ على دُفعتين، كانت الدفعة الأولى فى مساء يوم الأحد 18 فبراير الماضى، حيث تمّ إطلاق سراح بعض المعتقلين، وهم معتقلى حزب الأمة، مُضافاً إلى المعقلات من النساء و" بعض " الطلاب "، ثُمّ أبقى جهاز الأمن، على بقية المعتقلين كـ(رهائن) فى معتقلاته، ظنّاً منه أنّه يستطيع أن يقايض ويبتز بهم القوى السياسية الأُخرى، وفى مقدمتها الحزب الشيوعى، حيث اشترط مدير جهاز الأمن، بأن يظل اطلاق سراح المعتقلين (رهين) بـ"تحسين سلوك أحزابهم "، ولكن، هيهات، فقد آن أوان اطلاق سراح المعتقلين، دون أن يُحٌّق النظام شيئاً من أجندته الخبيثة، والمتمثلة فى شق وحدة قوى المعارضة، أو فرض شروطه عليها – وهى الاستسلام والدخول الكامل فى مسلسلات " حواراته العبثية - وقد تمّ اطلاق سراح الدفعة الثانية – وربّما الأخيرة - من المعتقلين، يوم الثلاثاء 10 أبريل 2018، وقد خرج الأبطال من المعتقلات مرفوعى الرؤوس، معزّزين مكرّمين، دون تنازلات. قلنا أكثر من مرّة ، أنّ نظام الإنقاذ، لا يؤمن بالحريات ولا يعترف بالحقوق، ومنها الحق فى التعبير والتنظيم، والحق فى معارضة النظام، ولو (( سلمياً )) عبر تسيير المواكب والمسيرات واقامة الاحتجاجات والتظاهرات، وجميعها حقوق يكفلها الدستور، وتحرسها المواثيق الدولية، التى أصبح السودان طرفاً فيها، قبل مجىء الإنقاذ. وسنظل نقول أنّ الحقوق – وبخاصةً فى ظل الأنظمة الشمولية – تُؤخذ كفاحاً، وتُنتزع انتزاعاً، وهى – من قبل ومن بعد- حق وليست مِنّة أو منحة من أحد. نستطيع أن نؤكّد أن اطلاق سراح المعتقلين، لم يأت منحة مجانية من أحد فى الإنقاذ- لا مدير جهاز الأمن، ولا الرئيس- إنّما هى فعل قوى، ساهمت فى انضاجه وتحقيقه عوامل عدّة، أهمها صُمود وجسارة المعتقلين فى المعتقلات، و تنامى حركة المطالبة بـ( اطلاق سراح المعقلين)، التى قادتها وشاركت فيها أُسر وعائلات المعتقلين، ونشطاء وناشطات حركة حقوق الإنسان السودانية فى الداخل والخارج، وحركة حقوق الإنسان العالمية، والقوى السياسة السودانية، والصحافة الجديدة والبديلة، والميديا الإجتماعية، وجميعها شاركت وساهمت فى حملات اطلاق سراح المعتقلين، كما أنّ هناك " الضغوط" العالمية، والتى تمثلت - دوماً - فى سياسة " العصا والجزرة "، و" وعود من لايملك، لمن لا يستحق"، بتيسير وتجسير مسارات " الهبوط الناعم"، وقد رضخ لها النظام، ولكل التفاعلات الأُخرى، على طريق " مُجبر، لا بطل"، لأنّه وجد كل الطرق أمامه مغلقة، ولم يبق سوى الخضوع للسير فى طريق " تكتيك " ادعاء الإيفاء بالتعهدات والالتزامات الدولية، علّه ينجح - فى المرحلة المقبلة - على الأقل، فى اخراج السودان من ( البند العاشر)، فى دورة مجلس حقوق الإنسان المقبلة، ومعلوم أنّ زيارة الخبير المستقل لحقوق الإنسان الخامسة، للخرطوم، والمقررة بين ( 14- 24 أبريل 2018)، لتقييم تنفيذ التوصيات المقدمة إلى الحكومة من آليات حقوق الإنسان، وحتماً، ستكون فى مقدمة مطلوباتها، التأكُّد من أوضاع حقوق الإنسان والحريات فى البلاد، وبلا شك فإنّ ملف اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، يبقى واحد من أهم القضايا فى الملفات التى لا يُمكن - للخبير المستقل- تجاوزها. لهذا كُلّه، فقد جاء قرار اطلاق سراح بقية المعتقلين السياسيين، وتنفيذه فى العاشر من أبريل الجارى، على قاعدة " مجبر أخاك، لا بطل"، وبغض النظر عن ما سيأتى به تقرير الخبير المستقل أريستيد نونوسى، من خُلاصات وتوصيات، ستتواصل معركة انتزاع الحقوق والحريات، حتّى اسقاط النظام، عبر الإتفاضة والثورة الشعبية، وإقامة البديل الديمقراطى، وماهذا على شعبنا ببعيد.