اطلاق سراح رموز النظام البائد..!!

 


 

 

بعد أن تم اطلاق سراح الواليين اللذين حكما ولايتي شمال دارفور وسنار، في العهد (البائد)، على الدهشة ان لا تعلو حواجب المنتظرين للمحاكمات العادلة بحق البائدين، مثل تلك التي بشّرنا بها وجدي صالح ورفاقه الميامين، المستبدلين لزنزانات الذين اطلق سراحهم بنفس المعتقلات والسجون، تراجيديا الصراع الحزبي حول السلطة بهذه البلاد يجبرك على الجهوزية الدائمة لاستقبال الصدمات العالية الفولتية، التي لا يمكن أن تخطر على بال اكبر محلل سياسي، ولا يمكن أن تعبر بخيال ابرع خبير (استراتيجي)، ما بعد عاصفة ديسمبر العاتية لم يدر بخلد الثوار أن قاطرة الثورة سوف تعود القهقرى، لتضع الناس في مواجهة أخرى مع سدنة النظام البوليسي الذي سقط رأسه، كيف لحاكم حكم ولاية شهدت حاضرتها في زمانه ما اشتهر على تسميته بسوق (المواسير)، اكبر جريمة نصب واحتيال استهدفت موارد المواطنين فافقرتهم، بعد أن رهنوا ممتلكاتهم لمجموعة من اللصوص الذين لا يمتلكون حقاً قانونياً لممارسة التداول والاستثمار، سوى الغطاء الحكومي الذي حمى ذلك النشاط الاقتصادي غير المشروع.
بعد الانقلاب الاكتوبري تماهى الانقلابيون مع حالة الضعف والوهن التي لحقت بالمؤسسات الحكومية، ولم يعلم الناس عن ما تم تدبيره سراً باعادة كل ما هو قديم بائد، ولكن الحقيقة قد بانت واستبانت في القرارات القاضية باخراج بعض رموز الحزب (المحلول) من السجون، وبعيداً عن تعقيدات الشئون القانونية هنالك عدد مهول من جرائم الفساد التي ارتكبت خلال العهد البائد، وبطبيعة الاشياء ومن البديهي أن يكون رأس الحكومة الولائية هو المسؤول الأول عمّا كان يجري في مؤسساته الحكومية، فلو كانت الرأس الكبيرة قد وُجد في خزانتها المنزلية كتل مالية ضخمة من العملة الصعبة، ما بالك بالرؤوس الأدنى؟!، من المؤكد أنها ضربت الدف بنفس الطريقة التي كانت تضرب بها الرأس الكبيرة، وانه لمن المحزن أن يرى هذا الشعب الأبي رموز النظام الذي اذاقه الويل والعذاب يحلقون طلقاء من غير محاسبة، كل الانظمة السياسية المنهارة يعقب انهيارها محاكمات قضائية للطبقة التي كانت حاكمة، خاصة لو أن هذه الطبقة قد اشرفت على الفساد المالي والاداري، وهتكت الاعراض باشعال الحروب اللعينة.
هل خدعتنا لجنة ازالة التمكين بتصريحاتها النارية، وهل شغلتنا بمؤتمراتها الصحفية التي كانت تنعقد منتصف الليالي الثورية الحالمة؟!، هل كنا في حلم أم اننا في علم ولكننا لم نكن نعلم شيئاً؟، مثل ذلك الرجل الذي لا يدري ولا يدري أنه لا يدري حسب ما جاء في تلك المقولة الشهيرة، فذهاب السنتين الماضيتين دون تحقيق ضلع واحد من اضلع مثلث الشعار الثوري العتيق – الحرية والسلام والعدالة – يعني أن من استأمنهم الشعب ليسوا على قدر أهل العزم، ولا من الذين يستحقون أن يوكل اليهم أمر القصاص وانصاف الذمم، الآن، كيف هي حال الشارع وهو يرى بأم عينيه الذين جثموا على صدره ثلاثة عقود طلقاء يصولون ويجولون؟، ماهو مصير شعار الثورة: الدم مقابل الدم لا نقبل الديّة؟، إن مشهد اطلاق سراح رموز العهد الظلامي لهو مدعاة لربط الاحزمة ثم الاستعداد لاقلاع جديد لطائرة الثورة التي لم يحن الزمان لأن يمدد ركابها سيقانهم للراحة والانجمام، فطفل ديسمبر ما زال صغيراً يحبو وبحاجة للرعاية والحماية، حتى يشتد ساعده ليرمي بمن فسدوا وافسدوا الى حيث الجزاء المستحق.
كيف يتم فك أسر من كان يوماً مسؤولاً رفيعاً في حكومة دخلت تاريخ حروب الابادة الجماعية من اوسع الابواب؟، ولاة دارفور كانوا على رؤوس اللجان الأمنية المعنية بتنفيذ تعليمات القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبالضرورة أن هذه التعليمات أودت بحياة عشرات الآلاف من مواطني الاقليم المنكوب، باعتراف كبيرهم، وكما اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق هذا القائد العام للجيش ورئيس البلاد حينها، والذي كان يأتمر بأمره هؤلاء الولاة، فانه من باب أولى أن ينتظروا داخل معتقلاتهم حتى تتم محاكمتهم المحاكمة العادلة، لا أن يطلق سراحهم هكذا دون تحقق أو تثبت مما ورد الى مكاتبهم من فاكسات ومكالمات واوامر تنفيذية مكتوبة، لها علاقة بالعمليات العسكرية البرية والجوية التي استهدفت السكان المدنيين فاحرقت قراهم وقتلت ذريتهم، ما تم من اطلاق لسراح رموز الحزب المحلول هو مؤشر قوي وخطير على أن دولة الظلم ما زالت قائمة.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
24 فبراير 2022

 

آراء