اعتداءات الولاة والسلاطين على أفراد الشعب المسكين … بقلم: محمد عثمان ابراهيم
25 December, 2009
في السودان، تستطيع بكل سهولة ويسر أن تلتقي برئيس الجمهورية وأن تصافحه إن سنحت الفرصة دون متاعب. أتذكر في أوائل التسعينيات خاطب السيد الرئيس حشداً جماهيرياً كبيراً في مدينة بورتسودان أمام ساحة ناديي الثغر ودبايوا وحين اعتلى الرئيس المنصة اشرأبت الكثير من الأعناق للإستماع للحاكم الذي لم يزل -حينها- جديداً، وعلا ضجيج الهتافات من مكبرات صوت متفرقة هنا وهناك. أذكر جيداً أن الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين كان بجانب الرئيس في ذلك الأصيل وكان المزاج العام في منطقة ديم العرب على وجه التحديد ضد حكومة الإنقاذ وكان الهدندوة يتداولون قصيدة شهيرة تعاير الحكومة الجديدة بأنها لا تجد من يقرضها المال من الدول الغنية كناية عن عدم ثقة العالم بها. أتذكر جيداً إن إجراءات الأمن كانت عادية تماماً، وقد رأيت سائق سيارة الرئيس يترجل عن سيارته ويجول ببصره حول الميدان الفسيح دون أن يكترث بالبقاء في سيارته، كما تقتضي شروط حماية وتأمين الشخصيات المهمة ، كما نرى في الكثير من بلدان العالم من حولنا. قام الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين بخرق أكثر فداحة إذ لوح للناس بكلتا يديه أن يقتربوا أكثر من المنصة حتى أصبح البعض وقد كنت منهم على مسافة تسمح بتبادل الحديث المباشر مع الرئيس. في رحلة أخرى لافتتاح ميناء أوسيف إحتشد المواطنون مع الرسميين لاستقبال الرئيس ومصافحته وقد عاد أحد اصدقائي بصورة له وهو يصافح البشير إثباتاً للقصة في حين كان العالم كله يدرك ما وصلت اليه العلاقات مع مصر المجاورة من سوء وتدهور أمني..
قبل ستة اشهر أو تزيد قليلاً دخلت وجماعة لا تقل عن المائتي شخص تقريباً الى بيت الضيافة للقاء الرئيس دون أن يتم تفتيشنا باجهزة الماسح الضوئي القادر على بث الرعب في الناس بصفيره. صحيح ان اللقاء كان مرتباً له من قبل وإن المدعوين كانوا معروفون تماماً -رغم عددهم الكبير- باسمائهم وعناوينهم وصورهم، لكن المهم انه لم تتم مضايقة أحد بترتيبات أمنية فوق العادة.
ذهبنا للقاء الرئيس في مكانه ولم يضايقنا احد فماذا إذا جاءنا الرئيس في مكاننا؟ لا بد أنه لن يتم فرض إجراءات أمنية علينا ونحن في مكاننا! تتحدث مجالس المدينة في الخرطوم أن الرئيس يزور بعض المواطنين في أحياء الخرطوم خلسة دون صفير صافرات ودون كاميرات تلفزيون ودون إعلام ودون ضباط شرطة يفتكون بخلق الله إن مشوا في مناكب هذه الأرض!
هكذا الحال مع رئيس الجمهورية، فلماذا إذن يُضرَب سائق ركشة سوداني من الدرجة الأولى -ككل أفراد الشعب السوداني- بالقلم على وجهه لأنه اوقف ركشته المملوكة ملكاً خاصاً -أمام احد المساجد حيث تصادف أن والي ولاية الخرطوم كان يؤدي الصلاة ويجامل إحدى العائلات بحضور عقد قران أحد أفرادها. أوقف السائق سييء الحظ (ركشته) بالقرب من السيارة الحكومية المخصصة للوالي د. عبدالرحمن الخضر فانتظره ضابط شرطة مسئول برتبة ملازم من فريق الحراسة وعاقبه عقاباً سريعاً ومباشراً بشكل مخالف للقانون والأعراف والسلوك القويم. ضربه بالقلم على وجهه أمام بيت الله الذي ليست فيه تفرقة بين سائق ركشة ووالي إلا بالتقوى. حدثت هذه القصة أمام مسجد النيل العتيق بأم درمان كما نشرت الزميلة الوطن (19/12/2009). لئن كان السيد حارس الوالي أو الوالي ذاته يستنكف ان تقف ركشة بجوار سيارته أمام أحد البيوت التي لا يدعى فيها مع الله أحداً، فليكف الوالي وحارسه (الأمين) عن إرتياد مساجد الشعب وحضور حفلات عقد القران فيه. يمكن للوالي -حتى ينتهي أجل سلطته- أن يصلي في بيته او في مساجد في بروج مشيدة لا يرتادها سائقو الركشات وزبائنهم. أما وقد ارتاد مساجدهم فعليه أن يعلِّم حراسه أن يحتملوا فداحة الإحتكاك بالجماهير! إن الوالي مطالب قبل غيره بإنصاف المواطن المظلوم بالرغم من أن الضرب بالقلم في (سنة) أهل السودان مهانة لا تزول وترافق صاحبها الى قبره. على مواطني الخرطوم أن يتبينوا موطن وقوف دوابهم قبل ارتياد المساجد وإلا فلا عذر لمن أنذر. في مصر القريبة هذه يكتفي كبار المسئولين في الدولة وكبار ضباط القوات النظامية بإرسال بطاقات التهنئة وباقات الورد الى مناسبات الأصدقاء لأنهم يعملون كثيراً بحيث يضيق زمنهم عن تلبية كل الدعوات ولأنهم لا يرغبون في إفساد مناسبات الناس ومضايقتهم بإجراءات الأمن الزائدة.
يا سيادة الوالي وكبار المسئولين لكم أماكنكم ولنا أماكننا، لكم مناسباتكم وأفراحكم ومساجدكم ، فلا تفسدوا علينا-بحراسكم- مناسباتنا وأفراحنا ومساجدنا. ليت هذا يصبح عقداً بيننا وبينكم..
لكن مالنا ووالي الخرطوم والولاة في غير ولاية فوق القانون وهم وعائلاتهم استثناء من كل النظم والأحكام. إن الحكم الفيدرالي الذي قاتل المواطنون من أجله أصبح- بجور الولاة- عالة على هؤلاء المواطنين يسومهم الحيف ويسلط عليهم من لا يحفل بالقوانين السارية عليهم ولايرحمهم.
في الأبيض عاصمة شمال كردفان تقول الحكاية التي نقلتها الزميلة (الوطن) أيضاً وتم تداولها في مجالس المدينة وحول العالم على شبكة الإنترنت إن الوالي محمد أحمد أبوكلابيش وابنه بدين دخلا بسيارتهما العادية (لا سيارة السلطان) في طريق مخصص للسير في إتجاه واحد فأوقفهما الشرطي المسئول. لم يرض هذا ابن الوالي فدخل في مشادة مع الشرطي ورئيسه الملازم و الرائد المسئول عن كليهما. يخالف القانون ويجادل من أجل حقه -كإبن والى- في مخالفة القانون! لا بد إن مخالفة الوالي وابنه للقانون قد راقت لمدير الشرطة الذي ما إن تم الإتصال به حتى أصدر أمره بإيقاف رجال الشرطة الثلاثة عن العمل. لماذا إذن يحرص رجال الشرطة على تطبيق القانون اذا كان هذا يوردهم موارد التهلكة . يا رجال الشرطة اسمعوا واعوا: إن والي شمال كردفان وابنه (بدين) فوق القانون وليست هناك سلطة تسألهم مهما فعلوا. القانون مخصص للشعب أما الولاة وأبناؤهم فيحق لهم السير في الإتجاه المخالف، ونسأل الله ألا يصادف سيرهم المخالف مواطناً بريئاً او طفلاً على دراجة يفقد حياته جراء نزق السلاطين وعجلتهم.
ليست هذه هي الحادثة الأولى التي يتورط فيها السيد والي ولاية شمال كردفان المنقسمة بحدة على خطين قبليين متوازيين وأحد أبنائه فمنذ حوالي ستة أشهر خلت (21 يوليو 2009)، اصدر الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال د. كيلي جرمليلي رومان بياناً إتهم فيه الوالي أبوكلابيش عينه وأحد أبنائه (لم يسمه البيان) بالإعتداء بالضرب على سكرتير الحركة الشعبية بمحلية سودرى عبدالقادر مخاوى ابراهيم ومن ثم حبسه. المثير للتساؤل هو الظهور المتزايد للسادة أبناء الوالي أو لعله ابن واحد له على مسرح الشؤون العامة للولاية التي لم تعلن -حتى الآن- سلطنة او ملكاً للسيد الوالي. إن القرار الرئاسي بتعيين السيد/ محمد أحمد أبوكلابيش والياً على ولاية شمال كردفان كان واضحاً بحيث انه اقتصر عليه وحده ولم يكلف أياً من أبنائه بتدبير الشؤون العامة للولاية وربما وجب على السلطات المعنية تذكيره بذلك؟
في مركز (أبو شريف) بمحلية كوستي صفع الوزير الدكتور محمد عبدالله ماهل وزير الثقافة والشباب والرياضة بولاية النيل الأبيض المواطنة هالة احمد ابراهيم أمام مراقبي التسجيل وضباط المركز والمسئولين. لم يترفق سيادة الوزير بالقوارير ولم يتبع سلوكاً عند اهل السودان يوقع صفع النساء تحت دائرة العيب. يترفع الكثير من أهل السودان عن ضرب النساء وإن أخطأن وإن فعلن ما فعلن لكن وزيرثقافة النيل الأبيض يضرب النساء بالقلم ثم يأوى إلى فراشه فخوراًً بما فعل. القصة ننقلها عن صحيفة (أجراس الحرية ) الصادرة يوم 24/11/2009.
لم يصل إلى علمنا حتى الآن أن الوزير اعتذر لضحيته الضعيفة، أو أن حصانته التي ضرب بها مواطنته (المسكينة) قد رفعت أو أنه في سبيل دفع مستحقات مخالفته للقانون. ترى ماذا كان سيحدث لو كان العكس هو الصحيح ولو أن المواطنة هالة هي التي (تكرمت) بصفع معالي الوزير؟
إن حواء يا سيادة الوزير ولدت في إيطاليا من يصفع رئيس الوزراء الداهية سيلفيو برلسكوني ويكسر أنفه أمام مرأى العالم. رقد الإمبراطور المتعجرف وهو يلعق جراحه ليتداوى في أحد المشافي وهو الرجل الذي لم يحصل إيطالي واحد على سلطة مشابهة لسلطته في تلك الرقعة من جنوب أوروبا منذ عهد موسوليني. حصل بيرلسكوني على المال وطول العمر والسلطان والشهرة والزوجات والصديقات الجميلات لكنه وقع ضحية لمواطن لم يستطع كبح جماح غضبه.
??????
لحسن حظ سائق الركشة في ولاية الخرطوم ورجال الشرطة في ولاية شمال كردفان ومراقبة التسجيل في ولاية النيل الأبيض أن خصمهم لم يكن الوزير علي عبداللطيف البدوي رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة بولاية القضارف وإلا لكان نصيبهما الضرب بالرصاص! إذ نقلت الأنباء أن الوزير المعني قام بإطلاق النار من مسدسه (الحكومي بالطبع) على أبناء وأقارب زميل آخر له في الحزب والسلطة. لحسن الحظ أن أحداً لم يمت جراء الحادثة التي شهدت ضاحية حي النصر الراقية بالمدينة فصولها . هذه ، لا شك، جريمة جنائية من النوع الفادح. تم إلقاء القبض على معالي الوزير ثم أطلق سراحه وكأن شيئاً لم يكن. مثل هذا الوزير خطر على أمن وسلامة المواطنين والتعامل معه يتطلب الحصول على سلاح رادع من أجل الحماية وإلا فإن الموت لا شك ملاقٍ كل من يوقعه حظه العاثر في مدار الوزير المسلح.
????
إننا نود فقط التساؤل عما إذا كان ضرب المواطنين سياسة تم التوافق عليها وإقرارها بواسطة حزب المؤتمر الوطني الحاكم لأننا لم نسمع حتى الآن عن منسوب للحزب تم (طرده) كما يستحق من بين الصفوف. لم نسمع حتى الآن كلمة واحدة من مسئولي ومتنفذي الحزب في المركز وفي الولايات المعنية بأن هذا السلوك المستهجن لا يمثل إرادة الحزب الحاكم ولا يعبر عن سياسته. إن الحزب الحاكم بحاجة ماسة الى مواجهة جيوب المتنفذين الذين يستخدمون السلطة وهي وديعة لا تدوم نعلم تماماً إن الحزب الحاكم يملك في قمة هرمه القيادي رجالاً لا تنقصهم الشجاعة والقوة والصلاحيات لأن يعيدوا للمواطنين الذين تعرضوا للضرب والمهانة حقوقهم وأن يطمئنوا الشعب بأن الولاة والوزراء والمتنفذين يعملون على خدمتهم لا على قهرهم وترويضهم بالسياط وتطويعهم.
?????
لو دامت لغيركم لما آلت إليكم. أما رأيتم شيعة الشيخ حسن الترابي من قبل أفسدوا في الأرض وافتروا على الناس أيضاً يضربونهم ويذلونهم، ثم ذهب عنهم مالهم وهلك عنهم سلطانهم من حيث لا يحتسبون. طردت تلك الجماعة من جاه السلطان الى غضبة الشعب فخسروا المنازل الحكومية والسيارات الرسمية والهواتف النقالة وأجهزة التكييف مرة واحدة، اللهم لا شماتة. لسنا في متسع من أمرنا لنقص على حكام اليوم في الولايات قصص من سبقوهم في هذا البلد الآمن بإذن الله، ولكنا نذكرهم أن رأسمال هذا الوطن هو إنسانه الكريم العفيف النقي بكبريائه وعظمته وفقره. هذا الشعب لا يمكن تطويعه بالضرب وثمة حكمة يمكن للحكام المفترين قراءتها في البصات الشعبية والمركبات تقول « إذا دعتك قدرتك الى ظلم الناس فتأمل قدرة الله عليك». حين يطرد السلاطين إياهم من دفء الحكومة الى هجير الشعب سيكون لديهم متسع من الوقت ليقرأوا هذه الحكمة وهم يجولون بالبصات -غير المكيفة- في شوارع الخرطوم، او حين يأوون الى منازلهم غير المكتملة البناء في أطراف المدينة، إنه يمهل فقط ولايهمل.
إن على المؤتمر الوطني وقد برهن حتى الآن، على انه الحزب الأكثر استعداداً للإنتخابات من غالبية القوى الأخرى، أن يطهر صفوفه من مثل هؤلاء وعليه ان يترفق بعباد الله المحكومين. هذه مرحلة حرجة تتمايز فيها الصفوف والمواقف وعلى الحزب الحاكم أن يستغلها ليبقي ضمن منسوبيه أفضل العناصر الراشدة والمؤهلة لأن تسوس مصالح الناس بالحسنى والحكمة والعدل والرفق والقسط والموعظة الحسنة.
???
روي أن ابناً لوالي مصر في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، عمرو بن العاص اشترك مع غلام من الأقباط في سباق للخيول فسبق القبطي مما أغضب ابن عمرو بن العاص فصار يضرب القبطي بالسوط ويصرخ فيه: أنا ابن الأكرمين!
غضب القبطي -وقد استُغضِب- فسافر الى المدينة المنورة حيث أمير المؤمنين ليشكو إليه.استمع الفاروق الى الشاكي ثم استدعى الوالي وابنه فلما وصلا أعطى السوط للقبطي وقال له: اضرب ابن الأكرمين فصار القبطي يضرب حتى استوفى حقه وشفا ما بنفسه. وحين انتهى التفت إليه عمر وقال له: أدرها على صلعة عمرو فإنه ما ضربك إلا بسلطانه، فقال القبطي: إنما ضربتُ مَن ضربني .