اقترب الموعد: الوحدة .. خيار المواجهة المرتقب … تقرير: خالد البلوله ازيرق
26 April, 2010
ثمانية أشهر تفصل السودان عن الموعد المضروب لتنفيذ حق تقرير المصير لجنوب السودان، على خياري «الوحدة والانفصال» حسبما نصت اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا عام 2005م. وبعد أن طوت الدولة ملف الانتخابات المنتهية الأسبوع الماضي، تبدو مسألة «الوحدة» القضية الرئيسية التي تواجه الحكومة القادمة، وإن كانت القضية تتجاوز الحكومة الي كل مكونات المجتمع السوداني وقواه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي يملي عليها الواجب الوطني والاخلاقي أن تتضافر جهودها للعبور بالوطن من شبح الانفصال الذي يتهدده الى الحفاظ عليه موحداً بمثل ما كان عبر تاريخه السياسي الحديث.
كثيرون رغم علو صوت الداعين للانفصال، يعتبرون ان فرص الوحدة ومحفزاتها أكبر بكثير من رؤية الانفصاليين لها، ويشيرون الى جملة العناصر التي تعزز من فرص الوحدة وتبعد شبح الانفصال، فهناك عدد من القضايا اذا اختار الجنوب الانفصال ستكون محل شد وجذب بين الدولتين، بدءاً من عملية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وتحديد عملة الدولة الوليدة، والديون الخارجية وكيفية اقتسامها، والبترول وتحديد مساراته للتصدير، وملف الجنوبيين في الشمال، تقاسم مياه النيل، بالاضافة الى ما سيواجه الدولة الوليدة من المشاكل أشارت لها كثير من تقارير المنظمات العالمية ومراكز الدراسات، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الأمنية وانتشار السلاح في ايدي المواطنين، والنزاعات القبلية التي اشارت الأمم المتحدة الي أنها ستكون مهدداً كبيراً للدولة الوليدة حال اختار الجنوبيين الانفصال، بالإضافة الى ضعف الموارد وعدم وجود البنية التحتية للدولة بالجنوب، وعدم توفر الكادر البشري المؤهل لقيادة مؤسسات الخدمة المدنية والخارجية بها.
ويرى مراقبون على ضوء التحديات الماثلة امام مشروعي الوحدة والانفصال، أن فرص الداعين للوحدة من خلال ما يواجه الجنوب والشمال على حد سواء من عقبات في الاستفتاء، تبدو أكبر في تسويق مشروع الوحدة بكثير من الداعين للانفصال، الذين تحركهم عواطفهم ومراراتهم التاريخية أكثر من التفكير بعقولهم في مآلات ما يدعون له اذا حدث الانفصال.
وما يعزز من فرص الوحدة انها تحظى بدعم علني من المجتمع الدولي رغم بعض التحفظات وتشجيعات الانفصال التي تبدر هنا وهناك، ولكن مراقبين يشيرون الى أن أطروحات ودفوعات الوحدة تبدو أعلى كعباً من مسوغات الانفصال، كما ان الداعين للوحدة داخليا وخارجيا، يجدون أنفسهم في وضع نفسي أكثر راحة في الترويج لها، من المناصرين للانفصال الذين قد يجدون بعض الحرج أخلاقياً وسياسياً في الجهر بدعواتهم خاصة في المجتمع الدولي وبعض الدول الاقليمية. وبينما يشير الكثيرون الى أن الأغلبية في المجتمع السياسي والمدني يناصرون الوحدة في رؤاهم وتفكيرهم، تتحفظ فئة أخرى كذلك خاصة من ابناء الجنوب ومناصري الحركة الشعبية على مسألة دعم الوحدة مطلقاً بشكلها الحالي، ويشيرون الى انهم ووفقاً لبرنامج مانفستو الحركة الشعبية يريدون وحدة علي اسس جديدة قائمة على العدالة والمساواة وإزالة التهميش والغبن السياسي، ويتفق معهم في هذه الرؤية كثيرون ممن يشايعونهم ذات الرأي باشارتهم الى أخطاء تاريخية واجتماعية اصابت كثيراً من شرائح المجتمع خاصة الجنوبية. وكان فرانسيس دينق، مساعد الأمين العام لشؤون الانسانية، قد قال في ورقته المعنونة «آفاق للتوفيق بين تقرير المصير والوحدة في السودان» في الثاني من نوفمبر الماضي في سمنار «الوحدة والانفصال» الذي نظمته مؤسسة اتجاهات المستقبل بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة بالخرطوم، قال إن جعل الوحدة خيارا جاذبا يتطلب العمل على أرضية مادية وأخرى أخلاقية، أما العمل على الأرضية المادية فيتطلب جعل ثمار السلام دانية ومتاحة فوراً: البدء في عمليات بناء ضخمة للطرق وغيرها من مشاريع البنى التحتية، توفير الخدمات الاجتماعية للمواطنين، لا سيما في الجوانب الصحية والتعليمية، والتبشير برسالة النوايا الحسنة، وتغيير النفوس عملاً لا قولاً، والاستعداد التام لمعالجة المظالم التي قسمت البلاد منذ الاستقلال. وأما العمل على الأرضية الأخلاقية فيستدعي توجيه رسالة واضحة مفادها أن السودان قد بدأ رحلة بحث جادة وصادقة لإيجاد أرضية مشتركة مبنية على ما يوحد لا على ما يفرق، وفي هذا الخصوص فإن إبداء هذا الأمر من قبل الزعماء الوطنيين وإفشائه من شأنه أن يؤدي فوراً لخلق مناخ مواتٍ لتنامي قضية وطنية في هذا الإطار وخلق أرضية جديدة للوحدة الوطنية المنشودة. وأضاف فرانسيس «أفضل ضمانة للوحدة هو أن تترفع القيادة، لاسيما على المستوى القومي، عن الجهوية وأن تمنح الأمة بأسرها رؤية ملهمة عبر المكونات القطاعية لأغلبية الشعب السوداني، بغض النظر عن أعراقهم وإثنياتهم ومناطقهم ودياناتهم للتمسك بالهوية الوطنية الواحدة والوقوف صفاً واحداً في مسعىً مشترك نحو مصير مشترك..... فلا يمكن للسودان كافريقيا مصغرة، وكجسر بين القارة الأفريقية والشرق الأوسط أن يحقق السلام الدائم ويلعب الدور المنوط به إلا بالاعتراف المتبادل بين كافة مكوناته واحترام هذه المكونات لبعضها البعض مع الانسجام التام والتفاعل الحقيقي بين هذه المكونات الأفريقية والعربية. وللأسف الشديد، فقد ظل هذا الأمر سراباً منذ الاستقلال». واضاف فرانسيس «منذ أن أصبحتُ ذا وعيٍ سياسيٍ، كنتُ داعماً قوياً للوحدة، ولكن على أساس المساواة التامة والشعور المشترك بانتمائنا بصفتنا مواطنين إلى هذه الأمة بفخرٍ وكرامةٍ. وأيضاً قد دعمتُ حق تقرير المصير للجنوب لا من أجل أن ينفصل الجنوب وإنما من أجل تحفيز القيادة الوطنية، خاصةً في الشمال لإيجاد ظروفٍ مناسبةٍ تجعلُ الوحدة جذَّابةً للجنوبيين في استفتاء تقرير المصير».
فيما يرى مراقبون ان من الاشكاليات التي أحدثت كثيراً من الخلط في قضية الحفاظ على الوحدة، طرح كثير من الشعارات التي تناقض بعضها بعضاً في مخاطبتها لقضايا الجنوب ومستقبله السياسي من قبل النخبة السياسية الجنوبية. وقد أحدثت تلك الشعارات ربكة في مفاهيم المواطن العادي الذي اصبح متنازعاً بين تلك الشعارات، ومنها شعار «الجنوب للجنوبيين» وطرح «الجنوب لسودان جديد» التي أحدثت كذلك حالة غموض حتى لدى الأحزاب والقوى السياسية الأخرى في كيفية التعامل معها، وقاد هذا التناقض في الطرح السياسي الجنوبي الى بروز مشكلة دور الجنوب القومي الذي له وزن متناقض مع دور الجنوب الجهوي، بحسب السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي في حوار سابق مع «الصحافة» الذي قال فيه إن وجود الحركة الشعبية بوزن في كل السودان هذا عربون للوحدة، وانكماشها في اطار حدود الجنوب هذا عربون للانفصال، والآن لا يمكن لقيادات الجنوب ان تدفع العربونين مرة واحدة، واضاف «عندما ذهبنا لجوبا كثيرون كانوا يرفعون شعار الجنوب للجنوبيين قياسا على شعار السودان للسودانيين اي الانفصال، وهناك آخرون بحماسة شديدة يطرحون السودان الجديد القائم على الوحدة ضمن معادلة جديدة، ونحن من جانبا نقول لقيادة الحركة الشعبية في الشمال إننا مستعدون لنتعامل معكم بصيغة افضل ونهج ارحب من المؤتمر الوطني، وهناك مجال لصيغة اخرى للتعامل مع الشمال»، وأشار المهدي الي أن «انفصال الجنوب سيؤدي لمخاطر، تتمثل في ضغوط تفتتية في الشمال، وضغوط تفتتية في الجنوب، وكذلك ضغوط تفتتية في الجنوب مع دول الجوار لأنه سيغري عناصر في شرق الكنغو وشمال يوغندا وغرب اثيوبيا بتوجهات انفصالية» وقال المهدي «انا ارى مشاكل الانفصال اكثر من مشاكل الوحدة لكن الحاصل أن الناخب الجنوبي سيغلب العاطفة على المصلحة في هذه المرحلة، لأنه شاعر بمرارة شديدة حسب التجربة التاريخية، لذلك هناك مأساة، وهى انهم يعرفون الهاوية لكنهم سيقعون فيها» وقال «ان الجنوب عنده قيمة للشمال لأنه ينبه الشمال لاحتواء الغلو الديني، والجنوب في علاقته بالشمال يحتوي له الغلو القبلي، ففي الانفصال سيختفي هذا المناخ ويبقى واردا جدا الغلو الديني في الشمال، والغلو القبلي في الجنوب، لذا لا بد أن تناقش تبعات الانفصال، لكن علي اية حال لا بد من صيغة توافق اذا حدث الانفصال ما يكون اعلان حرب بل اعلان مرحلة جديدة في التعاون».
ويشير كثيرون الى ان محفزات الوحدة في المجتمع من حيث المصالح المشتركة والمزاج العام لدى المواطن الجنوبي ذي «الهوي» الشمالي ترجح كفة الوحدة على الانفصال الذي تنطوي عليه جملة من المخاطر، أهمها ان يحدث الانفصال حالة من عدم الاستقرار في المناطق الحدودية التي تتداخل فيها القبائل مع بعضها البعض، خاصة القبائل الرعوية التي تمضي بمواشيها الى عمق الجنوب بحثاً عن الكلأ والمياه، كما أن بعض المراقبين يشيرون الى أن المخاوف الحقيقية في عملية الاستفتاء المرتقبة تتعلق بالكتلة الجنوبية الضخمة الموجودة في الشمال التي تقدر بحوالي «3» ملايين جنوبي، وكيفية حدوث اتفاق محدد حولها ومصيرهم اذا اختار الجنوب الانفصال، باعتبار هذا خيارا لا بد من حسمه، ويشيرون الى ان هذه الكتلة «جنوبيو الشمال» بالاضافة الى شرائح أخرى ذات ارتباط حقيقي بالشمال سيرجحون كفة الوحدة في الاستفتاء القادم مطلع العام القادم. ومن جهته قال الاستاذ محمد ابراهيم نقد، في آخر حوار له مع «الصحافة» إنه مطمئن لمستقبل السودان، واضاف «ما بينفصلوا حا ينفصلوا يمشوا وين، لكن ما لم يحدث استقرار، المشاكل المتفجرة موجودة حتى ما بعد الاستفتاء، واذا افترضنا الجنوب انفصل، الحكومة كيف تحكمه؟ وهل الجنوبيون الموجودون في الشمال كلهم حايرجعوا الجنوب، هذا سؤال مهم جدا جدا، واذا كان حايرجعوا كيف، قبل الاستفتاء ام بعده، هذه عملية مهمة، واذا رجعوا في أكل وشراب وفي شغل ومرتبات ام سيدخلون معسكرات لاجئين!!» وقال نقد، ان المجتمع الدولي سيكون ضد الانفصال «مش حباً في السودان ولكن خوفا علي افريقيا من التفتت ونزاعات الحدود». وكان الاستاذ عمر الفاروق شمينا قد كتب بالزميلة «السوداني» في مارس الماضي عن «مخاطر انفصال جنوب السودان واضراره علي الشمال والجنوب» وقال ان المخاطر التي تترتب على انفصال الجنوب وتضر بمصالحه ومصالح شمال السودان والمصالح المشتركة مخاطر كثيرة، منها ان الجنوب سيفقد نصيبه في البنيات الاساسية القائمة في الشمال التي هى في ظل السودان الموحد ثروة مشتركة لكل القوميات والكيانات، وهذا يلقى على عاتق الجنوب مهمة انشاء بنياته الاساسية. وأن دولة الجنوب دولة مغلقة لا منفذ لها الى البحار، وسلبيات هذا الوضع عدة، وذلك من وجهات النظر الاقتصادية والحضارية، كما أنه يضعف اتصال الجنوب بالعالم العربي، ويفقد الجنوب ولو جزئيا السوق المحلي لتسويق منتجاته الزراعية الاستوائية. وأضاف ان ما يوحد القبائل الجنوبية هو تحالفها لمواجهة الشمال، وهذا التحالف يؤجل المواجهة والحروب بين قبائل الجنوب، فإن انفض التحالف بانفصال الجنوب فمن المرجح ان يصبح الجنوب مسرحا لحروب قبلية لا تكفل الاستقرار الذي ينشده الجنوب. وقال كان من المؤمل ان يكون السودان مثالا لافريقيا والعالم ان نجحت فكرة الوحدة مع التنوع، ونجح السودان في ان يكون بوتقة تنصهر فيها الاعراف والثقافات، فإن انفصل الجنوب عن الشمال حرم الجنوب نفسه من المشاركة في هذا الدور الحضاري الذي يجذب انظار العالم ويؤهل الجنوب والشمال لمهام عظيمة تساعده في تحقيق التنمية والتقدم للسودان، وان البترول الذي يعتمد عليه الجنوب حاليا قد ينضب خلال عقد بعد عام 2011م، ومن ثم فإن بعد النظر والتخطيط السليم يوجبان ان لا يرهن مستقبل الجنوب منفصلا عن الشمال بعائدات البترول.
وما يعزز من الخيار الداخلي في توجهه نحو الوحدة المرتقبة، دعم المجتمع الدولي الذي يجاهر بتأييده وتحفيزه لمشروع الوحدة من خلال عملية حق تقرير المصير والاستفتاء المتوقع مطلع العام القادم، كما تبرز الدول الإفريقية باعتبارها داعما قويا ومؤثرا في دعم وتأييد خيار الوحدة المطروح في الاستفتاء بناءً على ما نص عليه ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية الداعي الى التعامل مع الحدود التي تركها الاستعمار كحد أدنى لتحقيق الاستقرار والتنمية في القارة وتعزيز التعاون المشترك بين دولها، وكان آخر المجاهرين بذلك، الرئيس التشادي ادريس ديبي الذي قال إنه يرفض انفصال الجنوب لأنه خطر على المنطقة والقارة الافريقية، فيما تبدو مصر من خلال تحركاتها السياسية في الساحة السودانية اكبر الداعين لتعزيز خيار الوحدة، ونشطت في الفترة الاخيرة في تعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي من خلال تنفيذ بعض المشاريع في جنوب السودان وانشاء قنصلية مصرية بعاصمة الجنوب جوبا، وكانت القاهرة قد عقدت ورشة حول «الوحدة وتقرير المصير» استضافت فيها الشريكين بوفدين رفعي المستوى بقيادة الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني، والسيد باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية، وذلك بغرض تقريب وجهات النظر وتضييق شقة الخلاف بينهما لتمهيد الطريق للوحدة.
khalid balola [dolib33@hotmail.com]