الأديان كمدخل للتعددية في تثبيت أركان الهوية : جنوب افريقيا مثالا
rafeibashir@gmail.com
تعجبني سماحة جنوب أفريقيا ، في الدين ، ومنذ أن حضرت الى هذه البلاد السمحاء .... أحضر برامج ايام الآحاد في التلفزيون عند الصباحات ، إنهم يتحدثون عن صلب الدين ، وصلب الإيمانيات عن الإسلام ، عن المسيحية وعن اليهودية ، بكل سماحة وقبول ، بعض البرامج يسمونها ( همس القلوب The whisper of hearts ) ويبدأون بكلمة ، السلام عليكم ، شلوم ، وغيرهما ، ويقاربون بين أهل الملل والنحل في الديانات ، يربطون بينها بما ربط الله بينها به ، ويقربون بين النفوس وألوان قوس قزح شعب جنوب أفريقيا ، محافظة على ألوانه وتقوية لوحدة الدولة وهويتها ، المتعددة ، المختَلَفة The diversified وليس المختلِفة the contradicted ، وأنا بين هذا وهذا ألتقط حكم الله في جمال ونبل وقوة الحبل السري الذي يربط بين تلكم الديانات ، حبلا قويا نحو الواحد الأحد بإختلاف التفاسير وطرق الوصول ، ومعنى متقاربا في صفاته ، الخالق ، الرازق ، الواجد ، الواحد مع إختلاف الفهم ، وأتحرى اللمم والاختلاف في التعبد ، والتلاقي في الكليات ، في وحدة الوجدان نحو الله ، لأعرف أيضا ما معنى خاتمة الرسالات وخاتم المرسلين وأقف بعقلي على التكميل والتجميل وسلسل ومسلسل الرسل والرسالات وحبلها السري ، إنهم يشبهوننا ونشبهم ، و(وإلهنا وإلهكم واحد ونحن لهم مسلمون )، وأتطلع وأتشوق لإيصال هذه الآية ومعناها ، بنالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، ما استطعت ، فأدخل في الحدائق وأماكن التجمعات التي تستأنس بالله وبالدعوة من جميع الأديان بجميع انواع الدعاة لنوصل لهم بسماحة الاسلام ..... واحدية الإله وواحدية الكد والكدح نحوه ، إيصالا لكلمة الحق، لا إله إلا الله .
كان البرنامج اليوم ، الأحد ، ١١/٢١ في القناة رقم (١) SABC1 عن أركان الاسلام the pillars of Islam ، وكانت المقدمة شابة مسيحية في ريعان الشباب تتحدث عن الصيام وماهية الصيام وعن ربطه بأوامر الله والرسول صلى الله عليه بكل جمال وعلم وأريحية وتحبيب ، وتستقصى من معرفة الناس عن الصيام بضيوف في التلفزيون أطفال وكبار وفي الشوارع وفي الحارات .
وكثير من البرامج التلفزيونية في هذه القناة ، تجمع في برامجها للأحد ، بين فَقِيه وداعية مسلم ، وبين باستر مسيحي وبين ربّاي يهودي ( من ربانيين )، فترى العجب العجاب من السماحة ، المسلم يتحدث عن وحدة الأديان وروابطها والمسيحي واليهودي يستشهدان بآيات القران والإنجيل والتوراة فيما نلتقي فيه كما هو منزّل من الله ، ويتحدثون عن إشارات الترابط وطرق التعبد في هذه الديانات بجميل العبارات ونير العقول وواسع الصدور .
والناس هنا تتسع قلوبهم وصدورهم لقبول الآخر ، المساجد ومآذنها والكنائس ومسلاتها ومعابد اليهود (السيناقوغز ) كلها ملأي ومنتشرة بكل مدن البلاد ، الكوفيات والطواقي وقلنسوات (الزد سي سي ) والمسيحيين وانصاف كوفيات اليهود تعمر الشوارع .
أن تكون مسلما او مسيحيا او يهوديا وأن تخرج من هذا لهذا لذاك فالأمر متروك لك ، أن تصلي وأن تجهر بالدعوة في الشوارع والأزقة والميادين والحدائق ، أن توزع كتبا ، وأن تحاور ، وتجادل بالتي هي أحسن فالأمر متاح ومباح .
ملاحظاتي الخاصة أن الإسلام كدين شامل لا يختلف مع كل الديانات في كلياتها ومعناها ، في تنزيلها من الله ، في طرق وحيها في قدسيتها ، وفي انها حق ، بل في كثير جدا من طرق التعبد نفسها ، بل يأتلف معها ويحتويها في باقة واحدة هي الإسلام ، الذي جاء به إبراهيم واسحق ويعقوب والأسباط ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين ، مؤيدا لما جاء به عيسى وموسى ونوح عليهم الصلاة وأتم التسليم ، وهي سلسلة من الرسالات والرسل والإيمان الواحد ، بطرق مختلفة تقود الى الله ختمها القرآن وختمها نبي البيان وأتمها وأكملها الله به ، في الرسالة والعالمية ، وعندما يكتشف أخوتنا في الديانات الأخرى هذه الآصرة ، وعندما يكتشفون أن محمدا جاء مكملا لما عندهم ، ومؤيدا لرسالات رسلهم ، ومؤمناً بهم ، لا يكتمل إيمانه وإيماننا نحن المسلمون إلا بالإيمان برسلهم وكتبهم ، وعندما يكتشفون أن الإسلام ليس دينا للعرب وليس حكرا لمحمد وآله ، ولا لأبيض عن أسود إلا بالتقوى ، وعندما نوفقهم على عالمية الإسلام ، وأنه حق من حقوقهم أيضا ، يدخلون في دين الله زرافات ووحدانا ، منشرحة قلوبهم للحق وصدورهم للتقوى ، وقلوبهم تلين وآذانهم تصغى .
إنها جنوب أفريقيا بلد التعددية ، واحترام البشر وحقوقهم والأديان وحدودها
الرفيع بشير الشفيع
جنوب افريقيا
٢٠١٥/١١/٢١