منصة حرة
ظللت أتابع خلال الفترة الماضية كل ما يدور في الساحة، وما ينشر عبر منصات التواصل الأجتماعي، وما تكتبه كثير من الصحف الإلكترونية والورقية الممتدة منذ العهد البائد، ورصدت خلال المتابعة، محاولات بائسة وفطيرة في توجيه السهام المسمومة نحو مجلس الوزراء، وخصوصاً مكتب رئيس الوزراء، وشخصية المحترم الدكتور حمدوك، وطعن متواصل في "ظل الفيل" في مشهد مضحك يقوده الفلول من القيادات الصحفية والإعلامية ومنتسبي الشركات الأمنية التي تدير المليارات، ومعهم عدد كبير من البسطاء الذين تأثروا بالإشاعات والأكاذيب ومحاولات تشتيت الأنظار عن الأزمة الحقيقية التي تتسبب فيها "الشركات العسكرية".
الشعب السوداني الذي ناضل 30 عاماً لاسقاط أعتى وأسوأ دكتاتورية دموية مرت على تاريخ السودان، ليس هو الشعب الذي يتنازل عن كل هذه الإنجازات - التي قدم خلالها مئات الشهداء والجرحى والمفقودين والمهجرين قسرياً والمعتقلين والمشردين والمفصولين للصالح العام، وفقد جزء عزيز من أرض الوطن، واستحمل كل "أوساخ" العنصرية والجهوية التي كان يمارسها "النظام الساقط" - مقابل بعض الكتابات المسمومة، والبرامج التلفزيونية والإذاعية، التي يتم إعدادها في بيوت الأشباح التي تحولت من التعذيب إلى صناعة خطط التدمير، مضافاً إليها صرخات عدد من ناشطي الميديا المأجورين فاقدي الأخلاق والضمير الوطني.
هذا الشعب العظيم أعزائي، يعرف جيداً حقيقة الأزمة الماثلة أمامنا، ويدرك جيداً أن الفلول المتحالفين مع المؤسسات العسكرية هم الذين يسيطرون على الاقتصاد، ويتسببون في الأزمات مع سبق الإصرار والترصد، وظللنا نكتب ونناقش ونتحدث عن ضرورة إعادة سيطرة وزارة المالية على المال العام، لأن وجود دولتين باقتصادين منفصلين، دولة عسكرية تسيطر على 82% من المال العام الذي يدار بعيداً عن ولاية الدولة المدنية، التي تدير فقط 18% من هذا المال العام، وتصرف منه على الصحة والتعليم والكهرباء، وتستورد منه الخبز والدقيق، وتدفع مرتبات الجيش والشرطة وجهاز الأمن وبقية الموظفين في الوزارات والهيئات، وتستقطع منه للمعاشات، وتسير به ميزانية المجلس السيادي ورواتبهم ووقود سياراتهم وأجور خدمهم وحشمهم، وتسير القصر الجمهوري بميزانية سيادية ضخمة، ولا ننسى رواتب الوزراء، وبنود البنزين لسيارات الوزراء ومدراء مكاتبهم والمحسوبين عليهم.. إلخ.. وكل هذا من الميزانية التي لا تتجاوز 18% من المال العام الذي يصل خزينة الدولة كما ذكر رئيس الوزراء المحترم خلال اللقاء الإذاعي.
وفي الجانب الآخر تسيطر الدولة العسكرية على 82% من المال العام عبر "الشركات العسكرية" التي لا تدفع الضرائب، ولا تخضع لرقابة الدولة، ومغلقة بسياج من السرية وعدم الشفافية، يجلس على قمة الهرم الإداري فيها منتسبي النظام البائد من "الكيزان" وأسرهم وأقاربهم، وأصحاب الولاء الذين تم تعيينهم أيام التمكين، وهذه الشركات لا يقربها أبناء الشعب، لانها ملك حر وخاص لكوادر الحركة الإسلامية التي أرهبت وقتلت ونهبت وما زالت رغم سقوط نظامها.
بالله عليكم هل توجد أزمة اقتصادية أكثر من أن يكون 82% من المال العام خارج الميزانية لا يستفيد منه الشعب السوداني في أبسط البنود مثل "الخبز والوقود"، لا بل وتصل مرحلة التخريب إلى مشاركة الشعب حتى في الـ18% في مشهد قبيح لا يشبه تاريخ وثقافة السودانيين، ويحق لنا هنا إعادة إنتاج سؤال الأديب الحاضر الغائب الطيب صالح: من أين أتى هؤلاء؟.
عزيزي المواطن، لك أن تتخيل، عندما يكون حجم الضرائب 6% فقط من الدخل القومي، بسبب التهرب الضريبي والإعفاءات، وعندما لا تدفع أكثر من 600 شركة تابعة للمؤسسات العسكرية من جيش وشرطة وأمن ودعم سريع، الضرائب للدولة، ولايحق لوزارة المالية أو ديوان الضرائب أو الزكاة، الدخول إلى هذه الشركات ومراقبة أدائها، وأين تستثمر مليارات الدولارات، والجميع يعرف أنها تسيطر على سوق تجارة العملة الذي يدمر الاقتصاد، والإنتاج صفر، وشاهدنا في فيديو تم نشره بمناسبة العيد الـ66 للقوات المسلحة، بعض الأحذية والكاميرات والأجهزة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، يعني الصناعات العسكرية مجرد دعاية بدون إنجاز حقيقي للبلد، وعلى هذا قس بقية الشركات، لصالح من ولماذا يحدث كل هذه.
هل تريدون أعزائي حقيقة معرفة الأزمة، ولماذا هناك شح في الخبز والدقيق؟ ببساطة لأن 40% من هذه السلع المدعومة تهرب إلى دول الجوار عبر المنافذ الحدودية، والسؤال لماذا لا يتم ضبطها؟.. بذات البساطة لأن مكافحة التهريب مسؤولية من لا يريدون للدولة المدنية النجاح، ويعملون ضد مبادئ ومطالب الثورة.
ونكتفي فقط بما سبق، ومن يصر على عدم الفهم، والاستمرار في مهاجمة مكتب رئيس الوزراء ومستشاريه، متجاهلاً مكتب رئيس مجلس السيادة ومستشاريه، ومكتب نائب رئيس مجلس السيادة ومستشاريه وخدمه وحاشيته، وبقية أعضاء مجلس السيادة ومستشاريهم، له هدف واضح هو ضرب الدولة المدنية، واستدعاء العسكر لاستلام السلطة، وهذا بالضبط هو هدف "الفلول" ومن تبعهم من أحزاب التوالي السياسي وغيرها من المنظمات والهيئات الانتهازية، وسيظل التصعيد الثوري في الشارع داعماً للحكم المدني من أجل التغيير الحقيقي لا الشكلي كما يريده البعض.. دمتم بود
الجريدة
نورالدين عثمان
manasathuraa@gmail.com