الأساطير المؤسسة للانقلاب العسكري
بابكر فيصل بابكر
11 November, 2021
11 November, 2021
في البيان الذي تلاه عقب انقلابه على الحكومة الشرعية في 25 أكتوبر الماضي، قال قائد الجيش السوداني إن هناك عددا من الأسباب دفعته لاتخاذ الخطوة، من بينها الأسباب المعهودة التي قال بها كل قادة الانقلابات الذين وصلوا للسلطة في البلاد مثل صراع الأحزاب حول السلطة وتشظي القوى السياسية وتدهور الأوضاع الأمنية.
غير أنه أضاف أسبابا أخرى لخصها في أن مجموعة صغيرة من الأحزاب اختطفت الحكومة وتحالف قوى الحرية والتغيير الحاكم، كذلك قال إن الحكومة فشلت في القيام بالعديد من المهام المطلوبة منها وفي مقدمتها إنشاء المفوضيات الأساسية اللازمة لإكمال هياكل السلطة، فضلا عن زعمه أن تشكيل الحكومة نفسه جاء مخالفا للوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية لأنها تكونت من أحزاب سياسية بعكس ما تنص الوثيقة.
ومن المعلوم أن التحالف الحاكم أعلن في سبتمبر الماضي عن توسيع هياكله الداخلية وإعادة تشكيلها بحيث ضمت الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للسلام (عدا طرفان) بالإضافة إلى حزب الأمة الذي كان قد أعلن في مرحلة سابقة تجميد عضويته في التحالف، فضلا عن الأحزاب الموجودة سلفا في المجلس المركزي للحرية والتغيير، ليشمل التكوين الجديد أكثر من 40 تنظيما تغطي جميع الكتل الرئيسية التي بني عليها التحالف منذ تأسيسه عام 2019.
وفيما يتعلق بالتشكيل الوزاري فإن حقائق الواقع تقول إن الحكومة التي قام بحلها قائد الجيش في انقلابه الأخير كانت الأكثر تمثيلا للتنوع الثقافي والجهوي والفكري والنوعي من بين جميع الحكومات التي تشكلت منذ استقلال البلاد عن الاستعمار البريطاني وحتى اليوم، حيث شملت أحزابا في اليسار والوسط واليمين (34%), بالإضافة لممثلي المجتمع المدني (8%) والمهنيين (13%) والحركات المسلحة (25%) والكفاءات المستقلة (12%)، فضلا عن ممثلي الجيش والشرطة. (8%)
يتضح من النسب أعلاه أن الحديث عن اختطاف التحالف الحاكم والحكومة من قبل مجموعة صغيرة من الأحزاب ليس سوى فرية روجت لها بعض الأحزاب المرتبطة بنظام الإخوان المسلمين البائد والتقطها قادة المجلس العسكري الذين احتضنوا تلك الأحزاب وعملوا على شق صف التحالف الحاكم عبر دعم تحركاتها التي كان من أبرزها الاعتصام الذي أقامته تلك الأحزاب أمام القصر الرئاسي بتسهيل كبير من العسكر.
ومن ناحية أخرى، فقد اتهم قائد الجيش الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة بأنها عملت على عرقلة التجهيز للانتخابات وسعت لإطالة الفترة الانتقالية لأقصى مدة لأنها تفتقد للسند الجماهيري، وهو الأمر الذي أدى، بحسب زعمه، إلى فشل الحكومة (الجهاز التنفيذي) في إكمال هياكل السلطة الانتقالية وعلى وجه الخصوص تكوين المفوضيات المرتبطة بالانتخابات وصناعة الدستور.
وبالرجوع للوثيقة الدستورية سنجد أنها تنص على أن تعيين المفوضيات المذكورة هو من اختصاص مجلس السيادة وليس مجلس الوزراء، فقد جاء في المادة 39/3 ما يلي: (يعين مجلس السيادة رئيس وأعضاء المفوضيات التالية بالتشاور مع مجلس الوزراء: (أ) مفوضية السلام، (ب) مفوضية الحدود، (ج) مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري، (د) مفوضية الانتخابات).
ومن المعلوم أن مجلس السيادة يُهيمن عليه العسكر، فإن كان هناك تقصير في تكوين تلك المفوضيات فيجب أن يُسأل عنه قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان الذي يرأس مجلس السيادة ولا يجب أن يُلقى باللوم على الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء.
أما زعم قائد الجيش أن تكوين الحكومة قد خالف الوثيقة الدستورية لأنها ضمت وزراء ينتمون لأحزاب سياسية، فهو زعم لا يجد سندا دستوريا في الوثيقة التي نصت على أن مجلس الوزراء يتكون من "كفاءات وطنية" ولم تضع أي قيود أو شروط تمنع الكفاءات الوطنية المنتمية للأحزاب من المشاركة في الحكومة.
ويُضعف حجة قائد الجيش كذلك أن الوزراء الحزبيين قد أدوا اليمين الدستوري (القسم) للمصادقة على توليهم مناصبهم أمامه هو شخصيا بوصفه رئيس مجلس السيادة، ولم يتقدم العسكر حينها بأي طعن أو اعتراض على تنصيب هؤلاء الوزراء، بل أن المكون العسكري بمجلس السيادة تولى إجراء الفحص الأمني لجميع الوزراء وأعطى الموافقة على إجازة تعيينهم.
استشهد الفريق البرهان على حالة الانفلات الأمني التي قال إنها سادت في مختلف أنحاء البلاد بإغلاق ميناء بورتسودان الواقع على البحر الأحمر وكذلك قفل الطريق الذي يربط الميناء ببقية أنحاء البلاد من قبل سكان محليين يقودهم زعيم قبلي للضغط على الحكومة لتنفيذ مطلبهم الداعي لإلغاء الاتفاق الخاص بشرق السودان ضمن اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة مع الحركات المسلحة في جوبا في 3 أكتوبر 2020
ويدرك السودانيون أن عملية التفاوض التي أدت للوصول لاتفاق جوبا للسلام مع الحركات المسلحة والذي تضمَّن اتفاق شرق السودان المعروف باسم "مسار الشرق" قد قادها وأشرف على تفاصيلها الأعضاء العسكريين بمجلس السيادة، ولم يشارك فيها مجلس الوزراء الذين واجه نقدا شديدا من الرأي العام لتخليه عن ملف السلام، وبالتالي فإن المسؤول عن الانفلات الأمني الذي نتج عن ذلك الاتفاق هم العسكر وليس المدنيين في الحكومة.
وقد كان متاحا للعسكريين أن يتحركوا بشكل جاد لمعالجة أزمة الشرق، ذلك أن قائد الجيش يترأس المجلس الأعلى للسلام وكذلك مجلس الأمن الدفاع وهما المجلسان اللذان يشرفان بشكل مباشر على تنفيذ اتفاق السلام ومواجهة أي مخاطر تهدد الأمن القومي، ولكن بدا واضحا أن أجندة العسكريين كانت تتمثل في عدم السعي لحل المشاكل وخلق حالة من السخط العام على الحكومة التنفيذية.
ومما يعضد هذه القراءة أن الزعيم القبلي الذي وقف على رأس أزمة الشرق بدأ في رفع سقف مطالبه من مجرد إلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا إلى أمور ليس لها علاقة بشرق السودان حيث طالب بحل الحكومة وتكوين مجلس عسكري من ستة أشخاص لحكم البلاد، وبعد وقوع الانقلاب سارع بفتح الميناء والطريق القومي مع أن مطلبه بإلغاء مسار الشرق لم يتحقق مما يؤكد أن الرجل كان يعمل على خدمة أجندة العسكر.
لا شك أن الأسباب التي ساقها الفريق البرهان لتبرير الانقلاب على السلطة الشرعية لا تصمد أمام الحقائق على أرض الواقع وإنما تكشف عن النوايا التي كان يضمرها المكون العسكري للانقضاض على الحكم المدني وقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي عبر وضع العراقيل أمام عمل الحكومة التنفيذية وتشويه صورة الأحزاب السياسية.
غير أنه أضاف أسبابا أخرى لخصها في أن مجموعة صغيرة من الأحزاب اختطفت الحكومة وتحالف قوى الحرية والتغيير الحاكم، كذلك قال إن الحكومة فشلت في القيام بالعديد من المهام المطلوبة منها وفي مقدمتها إنشاء المفوضيات الأساسية اللازمة لإكمال هياكل السلطة، فضلا عن زعمه أن تشكيل الحكومة نفسه جاء مخالفا للوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية لأنها تكونت من أحزاب سياسية بعكس ما تنص الوثيقة.
ومن المعلوم أن التحالف الحاكم أعلن في سبتمبر الماضي عن توسيع هياكله الداخلية وإعادة تشكيلها بحيث ضمت الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للسلام (عدا طرفان) بالإضافة إلى حزب الأمة الذي كان قد أعلن في مرحلة سابقة تجميد عضويته في التحالف، فضلا عن الأحزاب الموجودة سلفا في المجلس المركزي للحرية والتغيير، ليشمل التكوين الجديد أكثر من 40 تنظيما تغطي جميع الكتل الرئيسية التي بني عليها التحالف منذ تأسيسه عام 2019.
وفيما يتعلق بالتشكيل الوزاري فإن حقائق الواقع تقول إن الحكومة التي قام بحلها قائد الجيش في انقلابه الأخير كانت الأكثر تمثيلا للتنوع الثقافي والجهوي والفكري والنوعي من بين جميع الحكومات التي تشكلت منذ استقلال البلاد عن الاستعمار البريطاني وحتى اليوم، حيث شملت أحزابا في اليسار والوسط واليمين (34%), بالإضافة لممثلي المجتمع المدني (8%) والمهنيين (13%) والحركات المسلحة (25%) والكفاءات المستقلة (12%)، فضلا عن ممثلي الجيش والشرطة. (8%)
يتضح من النسب أعلاه أن الحديث عن اختطاف التحالف الحاكم والحكومة من قبل مجموعة صغيرة من الأحزاب ليس سوى فرية روجت لها بعض الأحزاب المرتبطة بنظام الإخوان المسلمين البائد والتقطها قادة المجلس العسكري الذين احتضنوا تلك الأحزاب وعملوا على شق صف التحالف الحاكم عبر دعم تحركاتها التي كان من أبرزها الاعتصام الذي أقامته تلك الأحزاب أمام القصر الرئاسي بتسهيل كبير من العسكر.
ومن ناحية أخرى، فقد اتهم قائد الجيش الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة بأنها عملت على عرقلة التجهيز للانتخابات وسعت لإطالة الفترة الانتقالية لأقصى مدة لأنها تفتقد للسند الجماهيري، وهو الأمر الذي أدى، بحسب زعمه، إلى فشل الحكومة (الجهاز التنفيذي) في إكمال هياكل السلطة الانتقالية وعلى وجه الخصوص تكوين المفوضيات المرتبطة بالانتخابات وصناعة الدستور.
وبالرجوع للوثيقة الدستورية سنجد أنها تنص على أن تعيين المفوضيات المذكورة هو من اختصاص مجلس السيادة وليس مجلس الوزراء، فقد جاء في المادة 39/3 ما يلي: (يعين مجلس السيادة رئيس وأعضاء المفوضيات التالية بالتشاور مع مجلس الوزراء: (أ) مفوضية السلام، (ب) مفوضية الحدود، (ج) مفوضية صناعة الدستور والمؤتمر الدستوري، (د) مفوضية الانتخابات).
ومن المعلوم أن مجلس السيادة يُهيمن عليه العسكر، فإن كان هناك تقصير في تكوين تلك المفوضيات فيجب أن يُسأل عنه قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان الذي يرأس مجلس السيادة ولا يجب أن يُلقى باللوم على الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء.
أما زعم قائد الجيش أن تكوين الحكومة قد خالف الوثيقة الدستورية لأنها ضمت وزراء ينتمون لأحزاب سياسية، فهو زعم لا يجد سندا دستوريا في الوثيقة التي نصت على أن مجلس الوزراء يتكون من "كفاءات وطنية" ولم تضع أي قيود أو شروط تمنع الكفاءات الوطنية المنتمية للأحزاب من المشاركة في الحكومة.
ويُضعف حجة قائد الجيش كذلك أن الوزراء الحزبيين قد أدوا اليمين الدستوري (القسم) للمصادقة على توليهم مناصبهم أمامه هو شخصيا بوصفه رئيس مجلس السيادة، ولم يتقدم العسكر حينها بأي طعن أو اعتراض على تنصيب هؤلاء الوزراء، بل أن المكون العسكري بمجلس السيادة تولى إجراء الفحص الأمني لجميع الوزراء وأعطى الموافقة على إجازة تعيينهم.
استشهد الفريق البرهان على حالة الانفلات الأمني التي قال إنها سادت في مختلف أنحاء البلاد بإغلاق ميناء بورتسودان الواقع على البحر الأحمر وكذلك قفل الطريق الذي يربط الميناء ببقية أنحاء البلاد من قبل سكان محليين يقودهم زعيم قبلي للضغط على الحكومة لتنفيذ مطلبهم الداعي لإلغاء الاتفاق الخاص بشرق السودان ضمن اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة مع الحركات المسلحة في جوبا في 3 أكتوبر 2020
ويدرك السودانيون أن عملية التفاوض التي أدت للوصول لاتفاق جوبا للسلام مع الحركات المسلحة والذي تضمَّن اتفاق شرق السودان المعروف باسم "مسار الشرق" قد قادها وأشرف على تفاصيلها الأعضاء العسكريين بمجلس السيادة، ولم يشارك فيها مجلس الوزراء الذين واجه نقدا شديدا من الرأي العام لتخليه عن ملف السلام، وبالتالي فإن المسؤول عن الانفلات الأمني الذي نتج عن ذلك الاتفاق هم العسكر وليس المدنيين في الحكومة.
وقد كان متاحا للعسكريين أن يتحركوا بشكل جاد لمعالجة أزمة الشرق، ذلك أن قائد الجيش يترأس المجلس الأعلى للسلام وكذلك مجلس الأمن الدفاع وهما المجلسان اللذان يشرفان بشكل مباشر على تنفيذ اتفاق السلام ومواجهة أي مخاطر تهدد الأمن القومي، ولكن بدا واضحا أن أجندة العسكريين كانت تتمثل في عدم السعي لحل المشاكل وخلق حالة من السخط العام على الحكومة التنفيذية.
ومما يعضد هذه القراءة أن الزعيم القبلي الذي وقف على رأس أزمة الشرق بدأ في رفع سقف مطالبه من مجرد إلغاء مسار الشرق في اتفاق جوبا إلى أمور ليس لها علاقة بشرق السودان حيث طالب بحل الحكومة وتكوين مجلس عسكري من ستة أشخاص لحكم البلاد، وبعد وقوع الانقلاب سارع بفتح الميناء والطريق القومي مع أن مطلبه بإلغاء مسار الشرق لم يتحقق مما يؤكد أن الرجل كان يعمل على خدمة أجندة العسكر.
لا شك أن الأسباب التي ساقها الفريق البرهان لتبرير الانقلاب على السلطة الشرعية لا تصمد أمام الحقائق على أرض الواقع وإنما تكشف عن النوايا التي كان يضمرها المكون العسكري للانقضاض على الحكم المدني وقطع الطريق أمام التحول الديمقراطي عبر وضع العراقيل أمام عمل الحكومة التنفيذية وتشويه صورة الأحزاب السياسية.