الأستاذ أحمد إسماعيل النضيف
أعلمت أشرف أو أجلّ من الذي .. يبني وينشئ أنفساً وعقولا
سبحانك اللهمّ خير معلم .. علّمت بالقلم القرون الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماته.. وهديته النور المبين سبيلا
أحمد شوقي
(1)
مربٍ من الجيل الثالث، الذين ورثوا كل تراث مؤسسة التربية والتعليم، أمجادهم أن لدى أصحاب العلم وأهله سطوة وشخصية مميزة، وأن المُعلم كاد بالفعل أن يكون رسولا . يغتني بأن يكون تلامذته وطلابه أصحاب علم وخير ممدود في الطريق ، عليهم حُلل الوفاء. لم يصبح أبداً ذلك الجيل وريثاً لنظام التعليم الاستعماري و استعماريين صغار، أو مقلدين، بل نابهين لهم شخوصهم لا تظهر إلا عند الملمات . فمؤسسة التربية والتعليم جاءت بالرعيل الذي حمل اللواء . ودخل الجيل مؤسسة الخدمة المدنية بذات رؤية النظام والضبط والدقة ، كما دخل كل مرافق الدولة . نهل سيدنا وأستاذنا من الدراسات العليا في اللغة الإنكليزية في بريطانيا ، وصار مستشاراً ثقافياً في سفارة السودان بتشيكوسلوفاكيا، وعاد منها للسودان . عندما دخلت مدرسة المؤتمر الثانوية ، وكان قد نُقل منها .
(2)
أول ما التقيته وجها، عندما كان وكيلاً لجامعة الخرطوم ، عندما كُنا أشبالاً في الخدمة المدنية ،مستجدين في خدمة الدولة، وكان الراحل " أحمد المرضي جبارة " يعمل في الخدمة بعد المعاش " مستشاراً للتنمية " بجامعة الخرطوم. من " أحمد المرضي" أخذنا الخبرة الواعدة في إعداد دراسة جدوى المشروعات التنموية ، وعليه تتلمذنا في الإدارة إضافة إلى الجانب المهني . كان " أحمد المرضي " رقماً إدارياً ضخماً ، وهو بشخصه مؤسسة لوحده، فقد درس و كان ، يسافر لبريطانيا العظمي ، يبحث في الجامعات عن أفضل الأساتذة ليستقدمهم لجامعة الخرطوم . ذراعه الإدارية تمرّ على سجاد الخدمة المدنية بأساطيلها وعناصرها البشرية ، ينسج حياة منتظمة ، تُصحح نفسها ، تُكافئ وتُحاسب وفق موازين العدل .
(3)
مكتب " الأستاذ / أحمد إسماعيل النضيف " في الطابق الأول من مبنى إدارة الجامعة عندما انتقلت قرب مجمع كلية الهندسة. هو شخصية لطيفة المعشر، لا تُقلل من هيبته. يعرف قوانين الخدمة المدنية ، ويطبقها على نفسه قبل الآخرين. متحرراً من كبرياء المناصب ، للوقت عنده ألف حساب ، يُدقق على أجندة الاجتماعات ويضبط وقتها ويفوز بثمار الاجتماعات ، بغير ما نشهد اليوم من تراخٍ. هو ودودٌ في غير تفريط . له كاريزما ناهضة . مكتبه مفتوح للجميع .
*
دعوته مرة لذبيحة كرامة للمولى بعد بؤس أصابني، فشكرني ، وقال إنه لا يساوم يوم الجمعة ، يقضيه مع جيل آخر من أصدقاء عمره ، من بُسطاء الناس ، وأكرمهم . يتبسط معهم، يقولون أي شيء بعفوية و طيب خاطر، ويرفه عن نفسه بعيداً عن أوجاع المتعلمين الذي يضج بهم مكتبه بقية الأسبوع .
(4)
أكثر ما رأيته وكبير المهندسين الراحل " حسن إمام " مرتجِّين لقضية كُبرى ظهرت عام 1983 في منتصف العام ، حين اكتشفنا عند المسح الدوري لأراضي الجامعة في منطقة سوبا أن أملاك الجامعة تحولت فجأة دون علمها لمُلاك آخرين ، رغم أن القرار الجمهوري عام 1975 حينها كان يحظر على جامعة الخرطوم إن رغبت التصرف فيها بالبيع أو الهبة . وكان المسروق من الأراضي تصل 2000 فدان من أصل 2700 فدان!! .
غادر الأستاذ " أحمد إسماعيل النضيف " والمهندس " حسن سيد أمام " إلى القصر الجمهوري . وتم فتح قضية في مواجهة مجموعة من الذين سطوا على الأرض ، ورفع الأمر للمحكمة وصارت من قضايا ذلك العصر.
*
انتقل وكيلاً لجامعة النيلين ، ثم من بعدها رجع إلى قواعده معلماً في القطاع الخاص .
(5)
جاء مساء السبت 22مارس 2015 بغير ما يتمنى المرء ، فقد غاب خيار من الذين عمِلنا معهم في العمل العام . هو الأسبق ،وإنها لنفائس جاد علينا الدهر بصحبتهم ، من كريم لُطف المولى أن يسّر لنا أن نلتقيهم. وما العُمر إلا مكرمة من الله عزّ وجل ، لن نستطيع أن نوفي صاحب الوقت ولو عبدناه الدهر كله . به يسر لنا وبه نحتمي ، وفي أنفسنا نتفكر في خلقه .
*
معه كانت الصحبة ، لا تنقضي بالبرهة التي يسرها مولانا ، فقد خلقنا المولى لنتعارف وأبان لنا أن أكرمنا هو أتقانا. وهو الذي يعرف البواطن ، وترك لنا الظواهر ، لندلف بنعيم التقوى إلى الدواخل . وكم أكرمنا ربنا ، ويسر لنا صحبة الأخيار من عُباده ، بغير ما يعرف الناس عنهم، فالظواهر تخفي البواطن، والعلماء الذين هم ورثة الأنبياء. منهم تعلمنا ، وهي صحبة طيبة ،أطعمنا المولى من إدامها طيب المنّ والسلوى.
*
ربنا ومولانا لك نرفع أكفنا أن ترزقه صحبة من أحببت ، وأخوة من نصرت ، فعزة نفسه ، قد استمدها من عبادتك ، وما ترطب لسانه إلا بذكر الله ، حين تكتشف دُنياه المغلفة بشرنقة لا يعرفها الجميع . فهو لربه عابد ومُحب ، لا يُخاتل في محبته . يطلبنا المولى في كل لمحة ونفس ونحن إزاء فضله مُقصِّرين على الدوام ، ولكن أملنا في رحمته، فهو أرحم الراحمين .
عبد الله الشقليني
22 مارس 2015
alshiglini@gmail.com
///////////////////
/////////////////