الأطفال مخلوقات أبرياء … بقلم: د . أحمد خير / واشنطن
9 February, 2010
فى سبعينيات القرن الماضى كنت من مدمنى الذهاب إلى السينما " الخيالة " وكانت دور العرض المفضلة بالنسبة لى وأصدقائى من أفراد الشلة التى كانت بحق تعرف ملذات الحياة " البريئة طبعا " هى كلوزيوم والوطنية غرب وسينما النيل الأزرق . كانت دور العرض فى ذلك الزمان تعرض إعلاناً يقول : الأطفال مخلوقات أبرياء . وكان المشهد عبارة عن طفل موفور الصحة ، ينتمى إلى أصحاب العيون الزرقاء ! الإعلان فى مجمله كان من إعلانات الخارج مع تعليق بالعربية . كان الطفل فى ذلك الإعلان " كلبوز" كما كنا نقول ، بينما يقول البعض " مكلبز " والبعض الآخر يطلق على ذلك النوع من الأطفال " دبدوب " أى يشبه الدب فى ملمسه وكذلك فى صحته .
المهم ، ذلك الطفل كما فى الإعلان كان يضحك سعيدا بما تقدمه له والدته . ذلك الإعلان كان يلقى الإرتياح من قبل مرتادى السينما وكان يبدو ذلك من الصمت الذى تتلمسه فى أثناء الإعلان ، ثم تعليقات الإستحسان التى تسمعها بعد الإعلان . ربما كان الجميع يتمنى أن يشب أطفالهم فى مثل ذلك الجو الذى يغمر الطفل بالحنان .
أسوق ماذكرت آنفا نتيجة رسالة إلكترونية تسلمتها تحت عنوان " هل لى أن أقترض خمسة دولارات ؟ أعادتنى تلك الرسالة إلى الماضى المتمثل فى ذلك الإعلان !
كمدخل لتلك الرسالة سأحاول رسم مشهد يساعد فى إبراز ماتحتويه . أم تصل إلى منزلها فى وقت متأخر ، منهكة القوى بعد عناء يوم طويل قضته فى العمل لتجد وليدها البالغ من العمر خمسة أعوام ينتظرها بجوار باب المنزل . بمجرد أن لمست قدميها عتبة الدار يسألها الطفل قائلا : هل لى أن أسألك سؤالا ياوالدتى ؟!
الأم : بالتأكيد ، ماهو ؟!
الطفل: كم تتقاضين فى الساعة ؟
بكل الغضب الذى فى الدنيا صرخت الأم : هذا ليس من إختصاصك ، ثم لماذا تتدخل فى شأن لايخصك ؟
الإبن : فقط أريد أن أعرف ، من فضلك أخبرينى ، كم تتقاضين فى الساعة ؟
الأم : إذا كان لابد لك أن تعرف ، أنا أتقاضى عشرون دولارا فى الساعة !
الإبن : آه ، قالها ورأسه مطأطأة إلى الأرض ، وأضاف : ياوالدتى من فضلك هلا أقرضتينى خمسة دولارات ؟
الأم وبكل نرفزة قالت: إذا كان السبب الوحيد الذى دعاك لتسألنى كم أتقاضى هو لتقترض منى خمسة دولارات لتشترى بها لعب تافهة أو أشياء أخرى ليست ذات قيمة فعليك التوجه إلى غرفتك وتذهب إلى فراشك مباشرة ، وأن تفكر فى الأسباب التى جعلتك لتكون بهذه الأنانية " وأضافت " أنا لا أعمل بكل الجهد كل يوم من أجل تلك الخزعبلات الطفولية !
فى هدوء سار الطفل إلى غرفته وأغلق الباب من خلفه .
جلست الأم ، إزداد غضبها كرد فعل لأسئلة طفلها . وتساءلت: كيف تطاول وتجرأ ليسألنى كم أتقاضى فقط ليقترض خمسة دولارات ؟!
بعد حوالى مايقارب الساعة ، هدأت الأم وبدأت تفكر قائلة : ربما كان هو فى حاجة ماسة ليبتاع شيئا مهما ، انه عادة لايسأل عن نقود ! عندها ذهبت الأم إلى غرفة طفلها . فتحت الباب وسألت : هل أنت نائم ياولدى ؟
أجاب الطفل : لا ياوالدتى ، أنا مستيقظ .
قالت الأم : لقد فكرت كثيرا فيما حدث ، وتوصلت إلى أننى ربما كنت غليظة معك ، تعلم أن يومى كان طويلاً وشاقاً ونتيجة لذلك فقد أخرجت مابداخلى عليك . هاك ، هذه هى الخمسة دولارات التى سألتنى عليها .
جلس الطفل على سريره مع إبتسامة على شفتيه وصاح قائلاً : شكرا ياوالدتى . ثم دس يده تحت وسادته وسحب بعض الدولارات !
شاهدت الأم مافعله الطفل . وبمجرد مارأت ما أخرج من دولارات من تحث وسادته ، تملكها الغضب من جديد !
قام الطفل بعد الدولارات التى بين يديه ، ثم تطلع إلى والدته ، وقبل أن ينطق بكلمة عاجلته والدته بغضب قائلة: لماذا تريد المزيد من النقود وأنت تملك كل هذا ؟!
قال الطفل : لأننى لم أكن أملك المبلغ الكاف ، ولكن الآن لدىَ ما أريد . وهو يناولها الدولارات قال : ياوالدتى ، لدىَ الآن عشرون دولارًا ، ً هل لى شراء ساعة واحدة من وقتك ؟ يرجى أن تحضرى غدا مبكرا ، أود لو سنحت الفرصة أن نتناول العشاء سويا !
أسقط فى يدى الأم وإنعقد لسانها . ضمته إلى صدرها فى حنان طالبة الصفح والمغفرة !
أسوق تلك الرسالة ليس لتأكيد أن الأطفال مخلوقات أبرياء ، فهذا لايحتاج إلى تأكيد ، ولكن لحث أفراد ألأسر لعدم التسرع وهم يتعاملون مع أطفالهم ، كما أن عليهم معرفة أن الطفل من الذكاء مايستعدى معاملته بعقلانية تؤكد خصوصيته وإستقلاليته فى التفكير .
هناك مثل عربى يقول " ان كبر إبنك خاويه " وهذا يؤكد عامل ثقافى قائم على عدم النظرة الكلية للطفل على أنه كائن قائم بذاته ، له شخصيته وكيانه الخاص الذى يستوجب الإحترام والمشاركة فى التفكير وفى الحوار . الإنتظار إلى حين أن يكبر الطفل كى نشاركه التفكير هو الخطأ الذى يرتكبه البعض من الذين يعتقدون بمحدودية تفكير الطفل ، من الذين يعاملونه معاملة المتلقى وليس الشريك الذى يعيش معهم تحت سقف واحد ! أولئك الذين ينتظرون حتى يكبر الطفل ليؤاخى لاحقا! ليتهم يعلمون أن سنوات من العمرتضيع من بين أيديهم ، يفقد فيها كل طرف مايقربه للآخر، وتزداد الفجوة ومعها يصعب العلاج ! ان الأطفال بحق هم مخلوقات أبرياء ، وعلينا مراعاة ذلك فى تعاملنا معهم ليشبوا فى جو صحى وسليم .
Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]