الأمارات بين الاتهام والبراءة في السودان

 


 

 

تواجه دولة الأمارات العربية المتحدة إتهاما بأنها الداعم الرئيس لمليشيا الدعم السريع في السودان، و بإنها وراء الحرب الدائرة الآن بين القوات المسلحة و مليشيا الدعم السريع، و أغلبية الشعب السوداني يتهم الأمارات و لا يقبل الجدل فيه، و يستندون في الاتهام لأسباب عديدة بدأت منذ سقوط الإنقاذ في 11 إبريل مرورا 2019م، عندما قدمت الدعوة لعدد من القيادات السياسية لزيارة أبوظبي، إلي جانب دور الأمارات في اتفاق جوبا، الذي كان الهدف منه هو توطيد العلاقة بين العسكر و الحركات المسلحة، حيث كان هناك خلافا بين الحركات و تحالف الحرية المدني و كان المكون العسكري يبحث له عن نصير داخل الصراع الذي كان دائرا في ذلك الوقت بين العسكر و المدنيين. و أيضا حصول مليشيا الدعم على مدرعات مكتوب عليها أسم الأمارات إنتهاء بالمدرعات الأمارتية التي تم الاستيلاء عليها من قبل الجيش السوداني في معارك القتال، إلي جانب وجود أسلحة متطورة عليها أسم الأمارات و تشوينات لمليشيا الدعم السريع، و اتهامات أخرى أخرى نتناولها في داخل المقال. و عندما كاد الاتهام يتحول إلي يقين، جاء التقرير الاخباري لقناة ( CNN) لكي يقدم قراءة أخرى تضعف الاتهامات، خاصة التي تتعلق بالامدادات اللوجستية.
هناك ثلاث قضايا يشكلوا قاعدة لانطلاق أي باحث في هذه القضية، الأولى دور الفريق أمني طه عثمان الذي كان وزير الدولة لشؤون رأسة الجمهورية، و في نفس الوقت مدير مكتب الرئيس البشير، و هو منهدس إرسال قوات للحرب في اليمن. سؤال لم يجد الإجابة... كيف تم تجنيد طه عثمان الذي لعب دورا كبيرا في إقناع البشير أن يرسل قوات تقاتل إلي جانب السعودية و الامارات في اليمن؟ و اقنع البشير أن حل أزمة البلاد الاقتصادية في مشاركة السودان في حرب اليمن, و بالفعل سافر البشير للسعودية و التقى بالملك عبد الله و فيما بعد سافر للأمارات و التقي محمد بن زايد الذي كان وليا. القضية الثانية العلاقة التي خلقت بين الأمارات و السعودية و قائد الدعم السريع من خلال إرسال قوات باعداد كبيرة للحرب تحت مظلة القوات المسلحة، ثم إرسال أيضا قوات من مليشيا الدعم بطلب من الأمارات إلي الحرب في ليبيا تقاتل مع خليفة حفتر المدعوم من الأمارات و روسيا. القضية الثالثة اللقاء الذي تم في أديس أبابا بين صلاح قوش و مو إبراهيم و صلاح مناع و حمدوك كانت للأمارت يد طولى فيه بحكم علاقتها مع مو إبراهيم و صلاح مناع و أيضا صلاح قوش الذي كانت الأمارات مركزا تجاريا مهما له قبل رجوعه للجهاز.
بعد سقوط نظام الإنقاذ قدمت الأمارات دعوات عديدة لقيادات سياسية في قوى الحرية و التغيير قبل ما تتشظى لمجموعات، و كان الحزب الشيوعي قد اتهم أن هناك دول تريد أن تتدخل في شأن السودان. هناك البعض يعتقد أن الدعوات كان وراءها الفريق أمني طه عثمان رغم أنه يحمل الجنسية السعودية لكن كان وجوده باستمرار في دولة الأمارات، و هذا يعود للسياسة السعودية التي لا تقبل العمل المخابراتي الذي يخص دولة أخرى يتم في أراضيها. و كانت الأمارات قد ساندت المكون العسكري و دعمت عملية مفاوضات السلام التي تمت في جوبا و دفعت كل تكاليفها، و أن العملية كانت خصما على المكون المدني، باعتبار أن الأمارات كانت تدعم ميزان العسكر دون المدنيين. و دعها للعسكر نابع لخوفها من قيام نظم ديمقراطية تحدث لها قلقل في المستقبل.
في فبراير الماض زار رئيس مجلس السيادة البرهان الامارات و اشاد بدورها في السودان، و بعده بأيام قلائل ذهب محمد حمدان نائب رئيس مجلس السيادة لدولة الأمارات و أجرى محادثات مع منصور بن زايد رئيس مجلس الوزراء. قال حميدتي أنه شرح شرحا مفصلا للمسؤول الأماراتي حول الأوضاع السياسية الراهنة بالسودان على ضوء الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه في ديسمبر 2022 م، و بين له كل الجهود المبذولة لاستعادة مسار الحكم المدني، و خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي، و قال هذا هو المخرج من الأزمة. و السؤال هل منصور كان يريد شرحا للعملية السياسية و سفيره يرفع تقارير يومية عنها؟ و كان حميدتي قد مكث قرابة الإسبوع في الزيارة، هل سخر حميدتي كل هذا الزمن في التداول السياسي مع صناع القرار في الأمارات؟ إذا استغرق حميدتي كل هذا الزمن مع صناع القرار في الأمارات تصبح هناك قضايا سرية لم يكشف عنها و التحضير لانقلاب يحتاج هذا الزمن ربما أكثر. لكن من يقول أن حميدتي له أسرة تقيم في الأمارات ربما يكون هذا هو السبب في طول الزيارة الأسرية. المعلوم كانت الزيارة قبل شهرين من عملية الانقلاب الفاشلة من أجل استلام الحكم. و أيضا الملاحظ أن السفير الأماراتي لم يكن مفرقا من أجل متابعة قضية الاتفاق الإطاري مثل نظيره السعودي. و في يوم الانقلاب كان السفير خارج السودان. و إذا كانت دولة الأمارات مشاركة في الانقلاب و تعلم بساعة الصفر لماذا سمحت لسفيرها مغادرة السودان إليس من الأفضل أن يبقى في السودان لمتابعته من الداخل؟
السؤال المهم جدا: أن حميدتي قال لرئيس الوزراء الأماراتي أنهم بصدد سحب المكون العسكري من السياسة. هذه الرغبة تتناقض مع الميل الأماراتي المتهم بأنه مقوض النظم الديمقراطية التي تأسست بفاعلية ثورات الربيع العربي، و التي أتت بنظم عسكرية أو شبه عسكرية؟ فالميل الأماراتي للعسكر هل كان هو السبب في إقناع حميدتي أن يستلم السلطة و يحدد بعد ذلك الاتجاه الذي يريد؟ هذه اسئلة أي محاولة على الإجابة عليها تعتمد على الاتهامات التي سقناها في المقال. و إذا كانت دولة الأمارات لا ترغب في عودة الإسلاميين للحكم فهل مليشيا الدعم السريع خالية من القيادات الإسلامية؟ الملاحظ أن أغلبية العناصر التي تم دفع لها أموال من إعلاميين و مثقفين و سياسيين خارج السودان العنصر الإسلامي فيهم يمثل 60 % منهم.
أن التقرير الذي بثته شبكة CNN)) عن مجموعة فاغنر الروسية و التي قدمت فيه دعما كبيرا لمليشيا الدعم السريع في المعارك المستمرة في السودان قدم حقائق جديدة، و يقول التقرير أن مسؤوليين استخبارتين و شهود عيان قولهم إن فاغنر تقوم بتسليح قوات الدعم بالأسلحة عبر طريق الإمداد في منطقة دارفور، و أيضا يقول أن طائرة اليوشن تهبط في الحدود السودانية لليبية، و من هناك تستلم مليشيا الدعم الاسلحة و تهربها لدارفور، و أن الأمداد بالسلاح و العتاد بدأ قبل الحرب. و تضيف أيضا أن فاغنر تنقل العتاد العسكري بطائرات اليوشن الروسية الصنع و يمتلكها الآن خليفة حفتر من ميناء الازقية في سوريا إلي المنطقة التي يسيطر عليها حفتر، و أيضا تنقل إلي أفريقيا الوسطى. و دخول خليفة حفتر كلاعب أساسي في تزويد مليشيا الدعم بالاسلحة و التشوين. ربما يكون حفتر هو الذي أرسل العتاد الذي كانت قد أرسلته له الأمارات اثناء المعارك بين الفصائل في ليبيا إلي الدعم السريع منها المدرعات و بنادق القنصو الوجبات الغذائية. و هو الطريق الذي كان لمليشيا الدعم وجود فيه بكثافة تحت غطاء محاربة الهجرات غير الشرعية. و دلالة على أن خليفة حفتر داعم للمليشيا حضور إبنه إلي الخرطوم في إبريل أثناء شهر رمضان، تحت غطاء رياضي و التقي بقيادة مليشيا الدعم السريع في حفل إفطار في رمضان أقامته له المليشيا. و وجود ليبيا الجزء الذي يسيطر عليه حفتر يضعف إتهام الإمارات بإنها قامت بدور التمويل المباشر لمليشيا الحرب، إلا إذا كانت ألمارات أصدرت قرارا لخليفة حفتر أن يمد قوات الدعم بأ الأسلحة الأماراتية التي يمتلكها و ليس هناك دليلا، أو أن الإستخبارات العسكرية السودانية تملك أدلة دامغة أخرى. و أيضا عقد مؤتمر صحفي بعد يومين من الحرب في دولة الأمارات شكل أتهام من البعض باعتبار أن دولة الأمارات كيف سمحت بعقد هذا المؤتمر المتعلق بالشأن السياسي في أراضيها، و هناك من يتهم بعض رجال الأعمال السودانيين الذين لهم مصالح مرتبطة مع دولة الأمارات لهم ايادي في العملية العسكرية لميلشيا الدعم باعتبار أن هناك قيادات عسكرية كانت رافضة المشروع الاقتصادي الذي قدمته الأمارت لاستغلال أراضي الفشقة، و أيضا الاعتراض على مشروع المواني و ربط السودان بشبكة للسكك الحديدية مع عدد من الدول الإفريقية، ظهور رجال الأعمال مع حمدوك يشير لوجود أماراتي. إلي جانب الزيارة التي قام بها محمد بن زايد إلي القاهرة قبل 48 ساعة من انقلاب مليشيا الدعم أيضا له علاقة بأن أبن زايد لا يريد مصر أن تتدخل إذا حدث عملا للتغيير في الخرطوم. لكنها كلها افتراضات تحتاج لدلائل. رغم أن أي باحث لابد أن يجعلها جزءا من عملية البحث.
و تقرير شبكة ( CNN) الذي اعتمدت عليه من خلال الاقمار الاصطناعية في متابعة الحرب في السودان و خاصة في دارفور، هو الذي أجبر وزارة الخارجية الأمريكية توجيه الاتهام بشكل مباشر لمليشيا الدعم السريع، بأنها وراء حرب تهجير السكان و الاغتصاب و القتل و السرقات و التعدي على منازل المواطنين. هذا الاتهام الصريح ربما يحدث تغييرا في مجريات السياسة في الساح السودانية. و إذا أخذنا حديث الفريق ياسر العطا عن اجتماع حميدتي بقيادات المؤتمر الوطني و على رأسهم (على كرتي) لمساندته و الوقوف معه كقوى عسكرية و رفضهم ذلك، ثم ذهاب حميدتي للطرق الصوفية و رجال الإدارات الأهلية لكي يكونوا سندا له، و توزيع عربات نصف نقل لهم جميعا، تؤكد أن الرجل يبحث عن قوى اجتماعية داعمة له، و عندما يلتقي برجالات الطرق الصوفية و الادارة الأهلية كان يشن هجوما عنيفا على الحرية و التغيير. و عندما انتقل للتحالف مع قوى الحرية و التغيير المركزي شن هجوما عنيفا على المكون العسكري معلنا أنه يسعى للديمقراطية. كل هذا يؤكد أن الرجل كان مشوشا سياسيا، و لم يستطيع أن يحدد هدفا واضحا، بل الهداف كان يتحدد وفقا للتحالف الجديد الذي يدخل فيه. لا اعتقد دولة تقبل أن تتحالف مع شخص لم يحدد هدفه بشكل واضح. لكن فكرة حميدتي بناء دولته بجمع شتات الآعراب في عدد من الدول الأفريقية يلتقي معه خليفة حفتر من ناحية المرجعية العسكرية و في نفس الوقت التمرد على السياسيين و خلق دولة داخل دولة إلي جانب الالتقاء بالتحالفات الخارجية، خاصة أن فاغنر هي التي ترعي ليس المليشيا حتى طريقة التفكير فيها.
الملاحظ أن دولة الأمارات لم ترد على الاتهامات، رغم أن الاتهام كاد يكون يقين في الشارع السوداني، رغم أن البعض يعتقد أن الاتهامات تنشرها الآلة الإعلامية لعناصر النظام السابق الذين يعتقدون أن الأمارات لها دور كبير في إسقاط نظام الإنقاذ لأنها هي التي اقنعت حميدتي أن يقف إلي جانب الثورة في السودان، و بالتالي تصبح الحرب الدائرة الآن فرصة لتصفية الحسابات، إلي جانب أنها دولة معادلية للحركات الإسلامية. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء