الأمة القضبية
عوض سيد أحمد
25 September, 2012
25 September, 2012
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الموضوع : " الأمة القضبية "
من ضمن التساؤلات العديدة التى ظلت ترد الىّ من القراء عن مواضيع مختلفة , هناك جزء منها يدور حول الموضوع أعلاه , أخذ منحيين :
أولهما : يقول هولاء فيما معناه : " تكرر ايراد هذه الكلمة - ( الامة القضبية ) – فى معظم رسائلك التى اطلعنا عليها , ان لم تكن كلها , وذلك دون الدخول فى التعريف بها , وبيان حقيقتها "..... أٌقول لهولاء , ان الاجابة موجودة وبتفاصيل وشرح كافى ووافى , فى ذات الصفحة التى مررتم عليها : ( صفحة منبر الرأى بموقع سودانايل ) ولكن فات عليكم الاطلاع عليها , وهى منشورة بذات الصفحة تحت اسم : " أعرف عدوك " يمكنكم الاطلاع عليها فى حلقاتها الثلاثة .
ثانيهما : أما هولاء فقد اطلعوا على هذه الرسالة بالفعل , وعبروا عن امتنانهم , لأنهم وقفوا على حقائق خطيرة , ومزهلة لم تكن تخطر ببالهم من قبل , لهذا السبب فانهم يرون أن هذه الحقائق التى قيض الله لنا أن نقف عليها فى كشف وفضح أسرار وتفاصيل , المخطط الاجرامى لهذه الأمة الشريرة , والذى يستهدف فى عمومه , ليس أصحاب الديانات فحسب , بل يستهدف البشرية كلها , فكونه يكشف , ويعرّى , بهذه الصورة الواضحة , والدامغة لهم , رغما عن طوق السرية المحاط بهذه الأسرار , فهذا بلا شك يعد ضمن أحد المعجزات الكثيرة , والمتنوعة لكتابنا المنزل على رسول البشرية جمعاء , سيدنا وحبيبنا المصطفى , المصفى محمد صلى الله عليه وسلم , لأنه أول من عرفنا بهم وكشف حقيقتهم فى ثنايا سوره , وآياته , ومن ثم فان ما تم وكشف عنهم , وفضح لكامل لخطتهم السرية , بهذه التفاصيل الدقيقة والمزهلة لاحقا , يعد مصداقا لما أثبته الوحى الالهى فى هذا الكتاب العظيم : " القرآن الكريم " ....... لأجل هذا فهم يطالبون بايراد آيات أخرى من القرآن كتكملة , لما هو وارد فى ثنايا الرسالة عن هذه الأمة الشريرة !!!!!
استجابة لهذا الطلب فانى أورد فيما يلى بعضا مما جاء عنهم فى سورة : " البقرة " نقلا عن كتاب : " في ظلال القرآن "
ملاحظة : قبل الدخول فى الموضوع , يحتم على القول , والاشارة الى أنى قد شممت من بعض رسائل القراء , وأقول القليل , القليل منهم , من يحاول التشكيك فى حقيقة هذا المخطط الشيطانى , وهذه المؤامرة المستهدفة للبشرية جمعاء , ان أمثال هولاء ربما قد يكون لهم العذر لو قيل هذا الكلام فى الأزمان الغابرة , أما اليوم وقد انطوت البسيطة كلها وأصبحت كقرية واحدة , فلا عذر لهم البته , وهم يجدون الحقائق الثابتة , والتى تم توثيقها بصفة مؤكة بعيدا عن أى شك فيها , ..... يجدونها فى متناول أيديهم متى شاووا , أو عزموا للوقوف عليها من خلال :
(1) موجهات وتعاليم كتابهم السرى (التلمود ) والذى قيض الله سبحانه وتعالى أن يكشف ويفتضح فيه أمرهم , وبواسطة من ؟؟؟ ... بواسطة نفر من بنى جلدتهم أولا , ثم توالت عمليات الكشف والفضح من علماء أجلاء , وقامات كبيرة من جميع أنحاء البسيطة , ظلوا ولا يزال يتابعون رغما عن ما يتعرضوا له , ويصيبهم من أهوال ومآسى تشيب لها الولدان , وصلت حد التصفية الجسدية لكثير منهم .
(2) لو نظرنا وتمعنا فى معنى ( بند ) واحد من البنود الكثيرة لهذا الكتاب المقدس فى نظرهم , والذى يعد الأساس الأول والأخير لتربية وتنشئة ابنائهم منذ الصغر , لن يخطرببالنا أى شك أو ريبة لما تم اكتشافه وهذا البند يقرر الآتى :
" كل ما على الأرض ملك لليهود , فما تحت أيدى الأميين ( أى غير اليهود ) مغتصب من اليهود , وعليهم استرداده بكل الوسائل"
هذا البند وغيره من البنود الكثيرة المضمنة فى هذه التعاليم والموجهات التلمودية ,ترجع فى الأساس , وتستند على اعتقادهم الضال والنابع من قولهم : " نحن أبناء الله " وأن غيرهم من : " الجويم " هم من نطفة الحيوان , خلقهم الله فى شكل انسان احتراما لهم كى يخدموهم !!!!!!! وكان هذا هو الدافع الرئيسى , الكامن وراء وضع هذه الخطة الشيطانية , فى بنودها المحدة التى يراد لها التنذيذ كاملا حتى يصلوا للهدف النهائى وهو : " حكم العالم كله برجل واحد من صلب داود " هذا هو الهدف والمقصد النهائى للخطة الموضوعة , وقد توارثوا الاضطلاع بعملية متابعتها وتنفيذ بنودها , قرنا, وراء قرن , دون كلل أو ملل , فالعبرة هنا فى عملية تكملة انجاز البنود كلها كاملة , بندا , وراء بند , دون اعتبار للزمن .
(3) ولونظرنا للتعاليم والموجهات المضمنة فى كتاب التلمود , نجدها تمثل بالنسبة لهم القانون الأساسى واجب التطبيق , ثم يلى ذلك الاجراءات , والوسائل التنفيذية له , أى : ( اللائحة التنفيذية ) وتتمثل هذه فى الخطط , والاجراءات السرية التى تم وضعها وصياقتها لاحقا , مع المتابعة والتعديل اللازم حسب الظروف , وتقلبات الاحوال خلال القرون المنصرمة , والتى نحمد الله سبحانه وتعالى أن غيض لنا اكتشافها لاحقا, والوقوف على حقيقتها , وثبت أنها تعبر تعبيرا صاقا عن كافة بنود : " التلمود "..... وهكذا تم نشرها تحت عنوان : " ( بروتوكولات حكماء صهيون )
هذا رغما عن المخاطر التى ترتبت على ذلك العمل , وما لقيه وعاناه العالم الكبير, والفارس المقدام ( سرجى نيلوس )... المحقق الأول لها : ( ظهرت أول طبعة لها بالروسية عام 1902 )..... وقد ثبت من خلال تدقيقه وبحثه لبنود الخطة الموضوعة , انها تحققت بالكامل عدا بندا واحدا لم يكتمل تحقيقه حتى ذلك التاريخ وهو البند المتعلق بالأديان والذى يقضى : " بمسحها من على الأرض أو جعلها غير فاعلة "...... وكان أول عمل قام به عملاء ودمى حكماء صهيون ( منفذى ثورة 1917 ) , ان اخضعوه للتعذيب والنفى حتى الموت فى أقاصى سيبريا كما هو معلوم ومحقق .
(4) ومالنا نذهب بعيدا فى عملية اثبات تنفيذ بنود هذا المخطط السرى , تعالوا معنا نصغى السمع لأبلغ وأعظم شهادة , من أكبر, وأقدر باحث عن الحقيقة , انه العالم والمفكر الكبير الفيلسوف الفرنسى : " رجاء جارودى " فالنستمع اليه يحدثناعن السيطرة الكاملة للصهائنة على وسائل الاعلام والدعاية بأمريكا وأوروبا , نقتطف هنا بعضا من اثباتاته الكثيرة فى هذا الخصوص فى شكل كتب , ومقالات , وحوارات , ..... الخ :
(1) يقول : " عندما نشر صديقى " فينسنت مونتى " كتابه : " الملفات السرية لاسرائيل " عارضا كشاهد عيان اغتيال الصهائنة ممثل الأمم المتحدة : " الكونت برنادوت " فى القدس لم يكتف الصهائنة بمنع توزيع الكتاب , ولكن دفعوا الناشر الى الافلاس . "
(2) يقول عن نفسه : " بالنسبة لى شخصيا عندما أنهيت كتابى : " المشكلة الاسرائيلية " لم أستطع أن أجد ناشرا ضمن شركات النشر الكبرى التى سبق أن اشترت منى عبر السنين الكتب : " الأربعين " التى ألفتها – (اضطر بنشره على حسابه ) - ثم أوقف توزيع الكتاب فى : " الولايات المتحدة , وبريطانيا , وفرنسا ) وتلقيت عدة تهديدات بالموت عن طريق البريد , وأقيمت ضدى قضيتان أمام المحاكم , ومنذ ذلك الوقت , منعت من الظهور فى التلفزيون , كما رفض كبار الناشرين شراء كتبى اللاحقة . "
(3) يقول أيضا : " عندما نشر كتابى : " الاسلام مستقبلنا " اثيرت ضدّى حملة دعاية واسعة بهدف خنق الكتاب , وفى نفس الوقت روجوا الدعاية لتأمين نجاح كتاب آخر ألّفه : " نايبول " وتعامل فيه مع الاسلام كدين : " منقرض " . "
(4) ويختم الأمثلة قائلا : " عندما تمكنت أخيرا من اعادة نشر كتابى : " المشكلة الاسرائيلية " ووجهت بنفس الرفض لتوزيعه , وبنفس الحملة الدعائية المضادة لى , والمروجة فى ذات الوقت لكتاب : " بيروهوجوز " الذى يحمل عنوان : " Le rad eau de Mohammet “
ان تلك الاّ غيض من فيض , ولكنها تكشف الحقائق , لأنها تبين : " المقاطعة الصهيونية المنظمة فى وسائل الاعلام ضد أى هجوم على " اسرائيل " أو أى محاولة لاظهار الوجه الحقيقى للاسلام , بالاضافة لترويج واسع النطاق , لأى شىء يسىء للاسلام , ويستهىء به . "
(من مقال للمفكر الفرنسي جارودى. جريدة الخليج 8/12/1985)
وفى موضع آخر ينقل لنا هذه الشهادة الدامغة من داخل أمريكا :
اللوبى الصهيونى فى أمريكا :
" ..... حسب المصادر الرسمية , فان اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة , هو السيد الأوحد لصناعة السينما فى هوليود , ولشبكات التلفزون الرئيسية ول. 95% من الناشرين الأمريكيين , وهو يتحكم بأصوات (70) سنتورا من أصل مائة , وهو قوى لدرجة أن أحدا لا يمكن أن ينتخب رئيسا لأمريكا دون أن يوافق عليه الصهائنة "
( من محاضر التحقيق الذى أجرته لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى التى كان ير أسها حينها السنتور : " فولبرأيت " فهى تكشف الطبيعة الحقيقية لأنشطة التنظيمات الصهيونية فى الولايات المتحدة , وكافة دول الغرب , .... استعرض السنتور المذكور نتائج التحقيق فى برنامج : " واجهة الأمة " فى 7/10/1973 وجمع فى مجلد يحوى 300 صفحة . )
( المصدر السابق )
............... وفيما يلى نتابع الموضوع :
قصة اليهود (الأمة القضبية) منهم فى سورة البقرة :
لقد كان اليهود هم أول من اصطدم بالدعوة في المدينة , وكان لهذا الاصطدام أسبابه الكثيرة . . كان لليهود في يثرب مركز ممتاز بسبب أنهم أهل كتاب بين الأميين من العرب - ( الأوس والخزرج ) - ومع أن مشركي العرب لم يظهروا ميلا لاعتناق ديانة أهل الكتاب هؤلاء , إلا أنهم كانوا يعدونهم أعلم منهم وأحكم بسبب ما لديهم من كتاب . ثم كان هنالك ظرف موات لليهود فيما بين الأوس والخزرج من فرقة وخصام - وهي البيئة التي يجد اليهود دائما لهم فيها عملا ! - فلما أن جاء الإسلام سلبهم هذه المزايا جميعا . . فلقد جاء بكتاب مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه . ثم إنه أزال الفرقة التي كانوا ينفذون من خلالها للدس والكيد وجر المغانم , ووحد الصف الإسلامي الذي ضم الأوس والخزرج , وقد أصبحوا منذ اليوم يعرفون بالأنصار , إلى المهاجرين , وألف منهم جميعا ذلك المجتمع المسلم المتضام المتراص الذي لم تعهد له البشرية من قبل ولا من بعد نظيرا على الإطلاق .
ولقد كان اليهود يزعمون أنهم : " شعب الله المختار " وأن فيهم الرسالة والكتاب . فكانوا يتطلعون أن يكون الرسول الأخير فيهم كما توقعوا دائما . فلما أن جاء من العرب ظلوا يتوقعون أن يعتبرهم خارج نطاق دعوته , وأن يقصر الدعوة على الأميين من العرب ! فلما وجدوه يدعوهم - أول من يدعو - إلى كتاب الله , بحكم أنهم أعرف به من المشركين , وأجدر بالاستجابة له من المشركين . . أخذتهم العزة بالإثم , وعدوا توجيه الدعوة إليهم : " إهانة واستطالة " !!!!!!!
ثم إنهم حسدوا النبي [ ص ] حسدا شديدا . حسدوه مرتين: مرة لأن الله اختاره وأنزل عليه الكتاب - وهم لم يكونوا يشكون في صحته - وحسدوه لما لقيه من نجاح سريع شامل في محيط المدينة .
على أنه كان هناك سبب آخر لحنقهم ولموقفهم من الإسلام موقف العداء والهجوم منذ الأيام الأولى: ذلك هو شعورهم بالخطر من عزلهم عن المجتمع المدني الذي كانوا يزاولون فيه القيادة العقلية والتجارة الرابحة والربا المضاعف ! هذا أو يستجيبوا للدعوة الجديدة . ويذوبوا في المجتمع الإسلامي . وهما أمران - في تقديرهم - أحلاهما مر !
لهذا كله وقف اليهود من الدعوة الإسلامية هذا الموقف الذي تصفه سورة البقرة , [ وسور غيرها كثيرة ] في تفصيل دقيق , نقتطف هنا بعض الآيات التي تشير إليه . . جاء في مقدمة الحديث عن بني إسرائيل هذ النداء العلوي لهم:(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم . ولا تكونوا أول كافر به , ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا , وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون . وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ? وأنتم تتلون الكتاب ? أفلا تعقلون ?). . وبعد تذكيرهم طويلا بمواقفهم مع نبيهم موسى - عليه السلام - وجحودهم لنعم الله عليهم , وفسوقهم عن كتابهم وشريعتهم . . ونكثهم لعهد الله معهم . . جاء في سياق الخطاب لتحذير المسلمين منهم:( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ? وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا:آمنا , وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا:أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ? أفلا تعقلون ?). .( وقالوا:لن تمسنا النار إلا أياما معدودة . قل:أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ? أم تقولون على الله ما لا تعلمون ?). .( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به , فلعنة الله على الكافرين). . . ( وإذا قيل لهم:آمنوا بما أنزل الله . قالوا:نؤمن بما أنزل علينا , ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم). . .( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) ..... ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ). . . (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق). . . (وقالوا:لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى . تلك أمانيهم). . . (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم). . . الخ الخ .
وكانت معجزة القرآن الخالدة أن صفتهم التي دمغهم بها هي الصفة الملازمة لهم في كل أجيالهم من قبل الإسلام ومن بعده إلى يومنا هذا . مما جعل القرآن يخاطبهم - في عهد النبي [ ص ] كما لو كانوا هم أنفسهم الذين كانوا على عهد موسى - عليه السلام - وعلى عهود خلفائه من أنبيائهم باعتبارهم جبلة واحدة . سماتهم هي هي , ودورهم هو هو , وموقفهم من الحق, والخلق , هو موقفهم على مدار الزمان ! ومن ثم يكثر الالتفات في السياق من خطاب قوم موسى , إلى خطاب اليهود في المدينة , إلى خطاب أجيال بين هذين الجيلين . ومن ثم تبقى كلمات القرآن حية كأنما تواجه موقف الأمة المسلمة اليوم وموقف اليهود منها . وتتحدث عن استقبال يهود لهذه العقيدة ولهذه الدعوة اليوم , وغدا كما استقبلتها بالأمس تماما ! وكأن هذه الكلمات الخالدة هي التنبيه الحاضر والتحذير الدائم للأمة المسلمة تجاه أعدائها الذين واجهوا أسلافها بما يواجهونها اليوم به من دس وكيد , وحرب منوعة المظاهر , متحدة العقيدة !
بعد هذا يبدأ السياق جولة واسعة طويلة مع بني إسرائيل - أشرنا إلى فقرات منها فيما سبق - تتخللها دعوتهم للدخول في دين الله وما أنزله الله مصدقا لما معهم مع تذكيرهم بعثراتهم وخطاياهم والتوائهم وتلبيسهم منذ أيام موسى - عليه السلام - وتستغرق هذه الجولة كل هذا الجزء الأول من السورة .
ومن خلال هذه الجولة ترتسم صورة واضحة لاستقبال بني إسرائيل للإسلام ورسوله وكتابه . . لقد كانوا أول كافر به . وكانوا يلبسون الحق بالباطل . وكانوا يأمرون الناس بالبر - وهو الإيمان - وينسون أنفسهم . وكانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه . وكانوا يخادعون الذين آمنوا باظهار الإيمان وإذا خلا بعضهم إلى بعض حذر بعضهم بعضا من إطلاع المسلمين على ما يعلمونه من أمر النبي وصحة رسالته ! وكانوا يريدون إن يردوا المسلمين كفارا . وكانوا يدعون من أجل هذا أن المهتدين هم اليهود وحدهم - كما كان النصارى يدعون هذا أيضا - وكانوا يعلنون عداءهم لجبريل - عليه السلام - بما أنه هو الذي حمل الوحي إلى محمد دونهم ! وكانوا يكرهون كل خير للمسلمين ويتربصون بهم السوء . وكانوا ينتهزون كل فرصة للتشكيك في صحة الأوامر النبوية ومجيئها من عند الله تعالى - كما فعلوا عند تحويل القبلة - وكانوا مصدر إيحاء وتوجيه للمنافقين . كما كانوا مصدر تشجيع للمشركين .
ومن ثم تتضمن السورة حملة قوية على أفاعيلهم هذه ; وتذكرهم بمواقفهم المماثلة من نبيهم موسى - عليه السلام - ومن شرائعهم وأنبيائهم على مدار أجيالهم . وتخاطبهم في هذا كأنهم جيل واحد متصل , وجبلة واحدة لا تتغير ولا تتبدل .
وتنتهي هذه الحملة بتيئيس المسلمين من الطمع في إيمانهم لهم , وهم على هذه الجبلة الملتوية القصد , المؤوفة الطبع . كما تنتهي بفصل الخطاب في دعواهم أنهم وحدهم المهتدون , بما أنهم ورثة إبراهيم . وتبين أن ورثة إبراهيم الحقيقيين هم الذين يمضون على سنته , ويتقيدون بعهده مع ربه ; وأن وراثة إبراهيم قد انتهت إذن إلى محمد [ ص ] والمؤمنين به , بعد ما انحرف اليهود وبدلوا ونكلوا عن حمل أمانة العقيدة , والخلافة في الأرض بمنهج الله ; ونهض بهذا الأمر محمد والذين معه . وأن هذا كان استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وهما يرفعان القواعد من البيت :( ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك , وأرنا مناسكنا , وتب علينا , إنك أنت التواب الرحيم . ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك , ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم , إنك أنت العزيز الحكيم )
الصورة الثانية فهي تتمثل في صفات الكافرين , ومقومات الكفر في كل أرض وفي كل حين:
(إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم , وعلى أبصارهم غشاوة , ولهم عذاب عظيم). .
وهنا نجد التقابل تاما بين صورة المتقين وصورة الكافرين . . فإذا كان الكتاب بذاته هدى للمتقين , فإن الإنذار وعدم الإنذار سواء بالقياس إلى الكافرين . إن النوافذ المفتوحة في أرواح المتقين , والوشائج التي تربطهم بالوجود وبخالق الوجود , وبالظاهر والباطن والغيب والحاضر . . إن هذه النوافذ المفتحة كلها هناك , مغلقة كلها هنا . وإن الوشائج الموصولة كلها هناك , مقطوعة كلها هنا:
(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم)....... ختم عليها فلا تصل إليها حقيقة من الهدى ولا صدى .
(وعلى أبصارهم غشاوة). . فلا نور يوصوص لها ولا هدى . ! وقد طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وغشي على أبصارهم جزاء وفاقا على استهتارهم بالإنذار , حتى تساوى لديهم الإنذار وعدم الإنذار .
إنها صورة صلدة , مظلمة , جامدة , ترتسم من خلال الحركة الثابتة الجازمة . حركة الختم على القلوب والأسماع , والتغشية على العيون والأبصار . .
(ولهم عذاب عظيم). . وهي النهاية الطبيعية للكفر العنيد , الذي لا يستجيب للنذير ; والذي يستوي عنده الإنذار وعدم الإنذار ; كما علم الله من طبعهم المطموس العنيد .
(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه , ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل , ويفسدون في الأرض . أولئك هم الخاسرون). .
فأي عهد من عهود الله هو الذي ينقضون ? وأي أمر مما أمر الله به أن يوصل هو الذي يقطعون ? وأي لون من الفساد في الأرض هو الذي يفسدون ?
لقد جاء السياق هنا بهذا الإجمال لأن المجال مجال تشخيص طبيعة , وتصوير نماذج , لا مجال تسجيل حادثة , أو تفصيل واقعة . . إن الصورة هنا هي المطلوبة في عمومها . فكل عهد بين الله وبين هذا النموذج من الخلق فهو منقوض ; وكل ما أمر الله به أن يوصل فهو بينهم مقطوع ; وكل فساد في الأرض فهو منهم مصنوع . . إن صلة هذا النمط من البشر بالله مقطوعة , وإن فطرتهم المنحرفة لا تستقيم على عهد ولا تستمسك بعروة ولا تتورع عن فساد . إنهم كالثمرة الفجة التي انفصلت من شجرة الحياة , فتعفنت وفسدت ونبذتها الحياة . . ومن ثم يكون ضلالهم بالمثل الذي يهدي المؤمنين ; وتجيء غوايتهم بالسبب الذي يهتدي به المتقون .
وننظر في الآثار الهدامة لهذا النمط من البشر الذي كانت الدعوة تواجهه في المدينة في صورة اليهود والمنافقين والمشركين ; والذي ظلت تواجهه وما تزال تواجهه اليوم في الأرض مع اختلاف سطحي في الأسماء والعنوانات !
(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه). .
وعهد الله المعقود مع البشر يتمثل في عهود كثيرة: إنه عهد الفطرة المركوز في طبيعة كل حي . . أن يعرف خالقه , وأن يتجه إليه بالعبادة . وما تزال في الفطرة هذه الجوعة للاعتقاد بالله , ولكنها تضل وتنحرف فتتخذ من دون الله أندادا وشركاء . . وهو عهد الاستخلاف في الأرض الذي أخذه الله على آدم :-
)الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أمر اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27
كما سيجيء : ( فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). ........ وهو عهوده الكثيرة في الرسالات لكل قوم أن يعبدوا الله وحده , وأن يحكموا في حياتهم منهجه وشريعته . . وهذه العهود كلها هي التي ينقضها الفاسقون . وإذا نقض عهد الله من بعد ميثاقه , فكل عهد دون الله منقوض . فالذي يجرؤ على عهد الله لا يحترم بعده عهدا من العهود .
(ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل). .
والله أمر بصلات كثيرة . . أمر بصلة الرحم والقربى . وأمر بصلة الإنسانية الكبرى . وأمر قبل هذا كله بصلة العقيدة والأخوة الإيمانية , التي لا تقوم صلة ولا وشيجة إلا معها . . وإذا قطع ما أمر الله به أن يوصل فقد تفككت العرى , وانحلت الروابط , ووقع الفساد في الأرض , وعمت الفوضي .
(ويفسدون في الأرض). .
والفساد في الأرض ألوان شتى , تنبع كلها من الفسوق عن كلمة الله , ونقض عهد الله , وقطع ما أمر الله به أن يوصل . ورأس الفساد في الأرض هو الحيدة عن منهجه الذي اختاره ليحكم حياة البشر ويصرفها . هذا مفرق الطريق الذي ينتهي إلى الفساد حتما , فما يمكن أن يصلح أمر هذه الأرض , ومنهج الله بعيد عن تصريفها , وشريعة الله مقصاة عن حياتها . وإذا انقطعت العروة بين الناس وربهم على هذا النحو فهو الفساد الشامل للنفوس والأحوال , وللحياة والمعاش ; وللأرض كلها وما عليها من ناس وأشياء .
إنه الهدم والشر والفساد حصيلة الفسوق عن طريق الله . . ومن ثم يستحق أهله أن يضلهم الله بما يهدي به عباده المؤمنين .
الوحدة الثالثة آياتها:40 - 74 موضوعها: قصة بني إسرائيل ونكثهم عهد الله وحرمانهم من الخلافة فى الأرض
ابتداء من هذا المقطع في السورة يواجه السياق بني إسرائيل , وأولئك الذين واجهوا الدعوة في المدينة مواجهة نكرة ; وقاوموها مقاومة خفية وظاهرة ; وكادوا لها كيدا موصولا , لم يفتر لحظة منذ أن ظهر الإسلام بالمدينة ; وتبين لهم أنه في طريقه إلى الهيمنة على مقاليدها , وعزلهم من القيادة الأدبية والاقتصادية التي كانت لهم , مذ وحد الأوس والخزرج , وسد الثغرات التي كانت تنفذ منها يهود , وشرع لهم منهجا مستقلا , يقوم على أساس الكتاب الجديد . . هذه المعركة التي شنها اليهود على الإسلام والمسلمين منذ ذلك التاريخ البعيد ثم لم يخب أوارها حتى اللحظة الحاضرة , بنفس الوسائل , ونفس الأساليب , لا يتغير إلا شكلها ; أما حقيقتها فباقية , وأما طبيعتها فواحدة , وذلك على الرغم من أن العالم كله كان يطاردهم من جهة إلى جهة , ومن قرن إلى قرن , فلا يجدون لهم صدرا حنونا إلا في العالم الإسلامي المفتوح , الذي ينكر الاضطهادات الدينية والعنصرية , ويفتح أبوابه لكل مسالم لا يؤذي الإسلام ولا يكيد للمسلمين !
ولقد كان المنتظر أن يكون اليهود في المدينة هم أول من يؤمن بالرسالة الجديدة ويؤمن للرسول الجديد ; مذ كان القرآن يصدق ما جاء في التوراة في عمومه ; ومذ كانوا هم يتوقعون رسالة هذا الرسول , وعندهم أوصافه في البشارات التي يتضمنها كتابهم ; وهم كانوا يستفتحون به على العرب المشركين .
وهذا الدرس هو الشطر الأول من هذه الجولة الواسعة مع بني إسرائيل ; بل هذه الحملة الشاملة لكشف موقفهم وفضح كيدهم ; بعد استنفاد كل وسائل الدعوة معهم لترغيبهم في الإسلام , والانضمام إلى موكب الإيمان بالدين الجديد . نجد فى هذا الدرس نداء علوي جليل إلى بني إسرائيل , يذكرهم بنعمته - تعالى - عليهم ويدعوهم إلى الوفاء بعهدهم معه ليوفي بعهده معهم , وإلى تقواه وخشيته ; يمهد بها لدعوتهم إلى الإيمان بما أنزله مصدقا لما معهم . ويندد بموقفهم منه , وكفرهم به أول من يكفر ! كما يندد بتلبيسهم الحق بالباطل وكتمان الحق ليموهوا على الناس - وعلى المسلمين خاصة - ويشيعوا الفتنة والبلبلة في الصف الإسلامي , والشك والارتياب في نفوس الداخلين في الإسلام الجديد . ويأمرهم أن يدخلوا في الصف . فيقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويركعوا مع الراكعين , مستعينين على قهر نفوسهم وتطويعها للاندماج في الدين الجديد بالصبر والصلاة . وينكر عليهم أن يكونوا يدعون المشركين إلى الإيمان , وهم في الوقت ذاته يأبون أن يدخلوا في دين الله مسلمين !
ثم يبدأ في تذكيرهم بنعم الله التي أسبغها عليهم في تاريخهم الطويل . مخاطبا الحاضرين منهم كما لو كانوا هم الذين تلقوا هذه النعم على عهد موسى - عليه السلام - وذلك باعتبار أنهم أمة واحدة متضامنة الأجيال , متحدة الجبلة . كما هم في حقيقة الأمر وفق ما بدا من صفاتهم ومواقفهم في جميع العصور !
ويعاود تخويفهم باليوم الذي يخاف , حيث لا تجزيء نفس عن نفس شيئا , ولا يقبل منها شفاعة , ولا يؤخذ منها فدية , ولا يجدون من ينصرهم ويعصمهم من العذاب .
ويستحضر أمام خيالهم مشهد نجاتهم من فرعون وملئه كأنه حاضر . ومشهد النعم الأخرى التي ظلت تتوالى عليهم من تظليل الغمام إلى المن والسلوى إلى تفجير الصخر بالماء . . ثم يذكرهم بما كان منهم بعد ذلك من انحرافات متوالية , ما يكاد يردهم عن واحدة منها حتى يعودوا إلى أخرى , وما يكاد يعفو عنهم من معصية حتى يقعوا في خطيئة , وما يكادون ينجون من عثرة حتى يقعوا في حفرة . . ونفوسهم هي هي في التوائها وعنادها وإصرارها على الالتواء والعناد , كما أنها هي هي في ضعفها عن حمل التكاليف , ونكولها عن الأمانة , ونكثها للعهد , ونقضها للمواثيق مع ربها ومع نبيها . . حتى لتبلغ أن تقتل أنبياءها بغير الحق , وتكفر بآيات ربها , وتعبد العجل وتجدف في حق الله فترفض الإيمان لنبيها حتى ترى الله جهرة ; وتخالف عما أوصاها به الله وهي تدخل القرية فتفعل وتقول غير ما أمرت به ; وتعتدي في السبت , وتنسى ميثاق الطور , وتماحل وتجادل في ذبح البقرة التي أمر الله بذبحها لحكمة خاصة . . .
وهذا كله مع الإدعاء العريض بأنها هي: " وحدها المهتدية ; وأن الله لا يرضى إلا عنها , وأن جميع الأديان باطلة وجميع الأمم ضالة عداها " ..... ! مما يبطله القرآن في هذه الجولة , ويقرر أن كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا من جميع الملل , فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . .
حكمة الحديث المطول عن اليهود :
هذه الحملة - سواء ما ورد منها في هذا الدرس وما يلي منها في سياق السورة - كانت ضرورية أولا وقبل كل شيء لتحطيم دعاوى يهود , وكشف كيدها , وبيان حقيقتها وحقيقة دوافعها في الدس للإسلام والمسلمين . كما كانت ضرورية لتفتيح عيون المسلمين وقلوبهم لهذه الدسائس والمكايد التي توجه إلى مجتمعهم الجديد , وإلى الأصول التي يقوم عليها ; كما توجه إلى وحدة الصف المسلم لخلخلته وإشاعة الفتنة فيه .
ومن جانب آخر كانت ضرورية لتحذير المسلمين من مزالق الطريق التي عثرت فيها أقدام الأمة المستخلفة قبلهم , فحرمت مقام الخلافة , وسلبت شرف القيام على أمانة الله في الأرض , ومنهجه لقيادة البشر . وقد تخللت هذه الحملة توجيهات ظاهرة وخفية للمسلمين لتحذيرهم من تلك المزالق كما سيجيء في الشطر الثاني منها .
وما كان أحوج الجماعة المسلمة في المدينة إلى هذه وتلك . وما أحوج الأمة المسلمة في كل وقت إلى تملي هذه التوجيهات , وإلى دراسة هذا القرآن بالعين المفتوحة والحس البصير , لتتلقى منه تعليمات القيادة الإلهية العلوية في معاركها التي تخوضها مع أعدائها التقليديين ; ولتعرف منها كيف ترد على الكيد العميق الخبيث الذي يوجهونه إليها دائبين , بأخفى الوسائل , وأمكر الطرق . وما يملك قلب لم يهتد بنور الإيمان , ولم يتلق التوجيه من تلك القيادة المطلعة على السر والعلن والباطن والظاهر , أن يدرك المسالك والدروب الخفية الخبيثة التي يتدسس فيها ذلك الكيد الخبيث المريب . . .
توجيهات قرآنية لليهود:
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم , وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم , ولا تكونوا أول كافر به , ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا , وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون . وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ? أفلا تعقلون ? واستعينوا بالصبر والصلاة , وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين . الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم , وأنهم إليه راجعون ).
إن المستعرض لتاريخ بني إسرائيل ليأخذه العجب من فيض الآلاء التي أفاضها الله عليهم , ومن الجحود المنكر المتكرر الذي قابلوا به هذا الفيض المدرار . . وهنا يذكرهم الله بنعمته التي انعمها عليهم إجمالا , قبل البدء في تفصيل بعضها في الفقر التالية . يذكرهم بها ليدعوهم بعدها إلى الوفاء بعهدهم معه - سبحانه - كي يتم عليهم النعمة ويمد لهم في الآلاء:
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم , وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم). .
فأي عهد هذا الذي يشار إليه في هذا المقام ? أهو العهد الأول , عهد الله لآدم: (فإما يأتينكم مني هدى , فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). . ? أم هو العهد الكوني السابق على عهد الله هذا مع آدم . العهد المعقود بين فطرة الإنسان وبارئه:أن يعرفه ويعبده وحده لا شريك له . وهو العهد الذي لا يحتاج إلى بيان , ولا يحتاج إلى برهان , لأن فطرة الإنسان بذاتها تتجه إليه بأشواقها اللدنية , ولا يصدها عنه إلا الغواية والانحراف ? أم هو العهدالخاص الذي قطعه الله لإبراهيم جد إسرائيل . والذي سيجيء في سياق السورة:(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن , قال:إني جاعلك للناس إماما , قال:ومن ذريتي ? قال:لا ينال عهدي الظالمين). . ? أم هو العهد الخاص الذي قطعه الله على بني إسرائيل وقد رفع فوقهم الطور , وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة والذي سيأتي ذكره في هذه الجولة ?
إن هذه العهود جميعا إن هي إلا عهد واحد في صميمها . إنه العهد بين الباريء وعباده أن يصغوا قلوبهم إليه , وأن يسلموا أنفسهم كلها له . وهذا هو الدين الواحد . وهذا هو الإسلام الذي جاء به الرسل جميعا ; وسار موكب الإيمان يحمله شعارا له على مدار القرون .
ووفاء بهذا العهد يدعو الله بني إسرائيل أن يخافوه وحده وأن يفردوه بالخشية:
(وإياي فارهبون). .
والى هنا لا يسعنا الاّ أن نختم بالآية الكريمة :
(( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين . ))
awadsidahmed@yahoo.com
23/9/2012