الأمة القومي.. أرمي لي قدام
23 March, 2010
بسم الله الرحمن الرحيم
Rabah Al Sadig [ralsadig@hotmail.com]
تبقت من يوم الاقتراع عشرون يوما فقط وحملة حزب الأمة القومي الرئاسية تبدأ طواف الولايات الأمس، ولا ندري لماذا نرى التوقعات إزاء الانتخابات بالنسبة للأمة القومي تشبه تجربة خاصة مررنا بها من قبل، ومع إنها خاصة لكننا نرويها للقارئ لمد خطوط التشابه ونرجو ألا يكون فيه من ظلال "الأنا" التي تعيب صاحبها أيما عيب.
والتجربة تتعلق بجلوسي وتوقعاتي لامتحانات الشهادة السودانية، وحينها –أي في عام 1985م- لم تكن ثورة التعليم العالي وليدة هذا النظام قد جاءت والحبيب الصادق المهدي يقول إنها نوت تطعيم برميل بملعقة سكر بينما الحقيقة إنها كانت أضل من ذلك سبيلا حيث قضت على التعليم العالي لكأنما كانت ثورة ضد مهنيته وكفاءته ومناسبته لاحتياجات البلد أطاحت بها جميعا. كانت المقاعد في الجامعات أقل كثيرا وفرص القبول وكان الغالب الأعم من الطلبة والطالبات يعيد السنة حتى يجد فرصته في إحدى الجامعات المرموقة حينها (لم تعد هناك أية جامعة مرموقة بعد الثورة إياها ومنذ العام 1995م أعلنت العديد من الجامعات العالمية عدم الاعتراف حتى بشهادة جامعة الخرطوم درة الجامعات وأعلاها).
كانت معنا زميلة من العائدات تخبرنا عن استحالة الحصول على الجميلة ومستحيلة –الخرطوم- من المرة الأولى وأننا لا بد سنعيد السنة، وفي تلك السنة بالتحديد تضافرت أسباب أسرية من منفى أمي وسجن أبي طيلة أولها ثم سجن الوالدة التي تربينا –مريم أحمد بشارة- الشهيرة بعرجون لاتهامها بالضلوع في تلقي المنشورات وتوزيعها، وتنقلنا وزعزعتنا لتجعل اليأس يدب ويعشعش في رأسي والتأكد أنني لن أتحصل على النتيجة التي تؤهلني للكلية التي أريد: الهندسة الكهربائية. ولكن قيض الله لي صديقتان شقيقتان تحولتا للمدرسة في السنة الثالثة ووجدت فيهما صداقة صدوقة ونصحتني إحداهما وكانت قد تبقت من الامتحانات عشرون يوما فقط والناس تقرأ وتحل الامتحانات منذ أول السنة وأنا عن ذلك منصرفة، قالت لي إن تلك الفترة كافية، وما علي إلا أن أجتهد فيها وأوزعها على المواد، وأنها أكيدة أنني سأستطيع.. اتبعت النصيحة وأنا غير مصدقة ولكن زرع في داخلي أمل ضئيل، وانكببت على الدراسة التي فارقتها بسبب اليأس طيلة السنة بل وكنت تعودت فيها عادات جديدة من الإهمال والجلوس في المقاعد الخلفية وأحيانا (دك) بعض الحصص التي لم أكن أستسيغ أساتذتها وهي خصلة لم أكن أتبعها في حياتي الدراسية كلها.. وحينما جاءت الامتحانات كنت قد ذاكرت جزءا من المقررات ولم يكفني الزمن لبعضها، توكلت على الله ودخلت امتحان الكيمياء، فشرد عني كل ما قرأت واحترت فيم أفعل، ثم قررت مقاطعة الامتحانات لأنني كنت أحضر نفسي للإعادة بنسبة تناسب تاريخي- الأولى مطلقا على عشرة فصول في مدرسة أم درمان الثانوية ولعلها كانت أكبر مدرسة في السودان- ولكني ظننت أن أدائي في امتحان الكيمياء سيجر لفضيحة، وقررت بالتالي ألا أعود للامتحانات مرة أخرى، وبالفعل تغيبت في اليوم التالي عن الامتحان حتى اكتشفت معلماتي الحقيقة وأبين تركي مع سجلي الأكاديمي المشهود وجئن اقتلعنني من المنزل وأخذنني لحضور الامتحان وأنا غير مستعدة له ولم أذاكر في مادته سطرا. وبالرغم من هذا الموقف (المعرّد) من الامتحانات واليائس منها، دخلت الكلية التي أريد بجامعة الخرطوم وكان يمكنني دخول الأعلى منها في المجموع لو أردت.
هذه القصة تشبه كثيرا ما يحدث بالنسبة لحزب الأمة القومي والانتخابات القادمة. فالمؤتمر الوطني قد جعل الناس أكيدة من فوزه في الانتخابات بالتزوير أو بخلافه، وساروا يسربون استطلاعات الرأي المضروبة، ويقضون بنشر صورهم وصرفهم البذخي على الدعاية والإعلان على أي أمل في المنافسة، وكذلك بالحضور في أجهزة الإعلام المنحازة.. كثيرون دب في داخلهم اليأس، ونسوا تاريخ المؤتمر الوطني وأصحابه مع صناديق الاقتراع وكيف أنهم لم يحوزوا وهم موحدين على أكثر من 22 دائرة جغرافية في انتخابات 1986م برغم الأساليب التي اتبعوها حينها والتي تشبه الأساليب الحالية وإن كانت أقل في الدرجة ولم تكن بيدهم السلطة ولا اللجنة المشرفة على الانتخابات كما هو الحال الآن، ثم نسوا أن حال المؤتمر الوطني اليوم هو أسوأ من حاله حينها لأنه الآن منقسم ورأسه الأيديولوجي الحقيقي معاد له، وله سجل من عقدين من العذاب والقهر والإفقار المقصود للجميع والتمكين لمحاسيبه والتشريد والتجويع وغيرها مما سام به الناس، فهذه (أي السلطة والمال والصولجان) تهزمها تلك (أي السجل القذر والمظالم المتراكمة).. على الناس ألا ييأسوا من روح الله، وعلى حزب الأمة أن يتذكر أنه الأول في الشعبية الموروثة والمستحقة، وأن أداءه في مواجهة الشموليات يظل رصيدا عزيزا جلب له نصرة من خارج دوائره التقليدية في مناطق أمري والمناصير وكجبار وغيرها، كما بين المفصولين تعسفيا، ومتظلمي مشروع الجزيرة، وكافة أهل المظالم، فالحزب الآن يتمدد برغم الفقر المدقع الذي وصل له بعد الإفقار المقصود لقادته ولرأسماليته وابتعاد رأس المال الجبان عنه لئلا يمس من القربى. إن حزب الأمة برغم ضيق ذات اليد موعود بإذن الله –وبرغم خروقات التسجيل وبرغم انعدام الحرية وانحياز الإعلام والتدخلات الأمنية والمقصات المؤتمروطنجية في كل مكان وآن- موعود بأن يكون الرقم الانتخابي الأول بإذن الله، فقط لو توفر حد أدنى جدا من النزاهة صرنا نخاف ألا يتوفر بسبب طباعة بطاقات الاقتراع للتنفيذيين في مطابع تحت إمرة المؤتمر الوطني!
الشائعات حول أن موقف الحزب الضعيف في الانتخابات مصنوعة من قبل فعل فاعل يريد تسريب الحرب النفسية. بل في كثير من المناطق فإن حزب السلطة لن يكون منافسا لا في المقعد الأول ولا الثاني.
الأمة القومي وانتخابات الرئاسة
استطلاعات الحزب وتقديراته في الولايات المختلفة تبشر بإحرازنا نسبا تفوق في أحيان كثيرة ما تحصلنا عليه في الديمقراطية الثالثة.
أجرى الحزب استطلاعا في مناطق مختلفة في الخرطوم بعيدا من مناطق نفوذنا الحزبي (أم بدة ودار السلام والثورات وغيرها) وكانت نتيجة الاستطلاع إحراز مرشحنا على نسبة 31% من المستطلعين المسجلين. وهذا يعني إذا اعتبرت مناطق ثقل الحزب أن النسبة ستزيد بشكل مقدر، مع أن حزبنا أحرز في الخرطوم في انتخابات 1986م نسبة 23% فقط من أصوات الناخبين.
تقديرات التصويت لمرشحنا الرئاسي تزيد على نسب التصويت في الديمقراطية الثالثة في بعض الولايات برغم الفقر والقهر والمضايقات المتخذة من قبل حزب السلطة. والتقدير بعد الدراسة أن يحرز مرشحنا الرئاسي نسبة 34% في أسوأ الفروض وقابلة للزيادة لأكثر من 40% كلما زادت فرصة الحركة في الأيام الأخيرة. ومع وجود مرشحين رئاسيين كثر فإنه لن تحسم الانتخابات في الجولة الأولى في الغالب وسيحوز مرشحنا إما على الترتيب الأول أو الثاني (هذا بافتراض أن يكون الاقتراع نزيها) أما إذا أجريت الانتخابات لاقتراع ثان ففوز مرشحنا حتمي لأن تشتيت أصوات المعارضة ليس تشتيتا للمؤتمر الوطني، بل هو تشتيت لنا على عكس ما يرى المؤتمر الشعبي.
انتخابات الولاة
للحزب أمل كبير في الغالب الأعم من الولايات في الشمال. إذ له ثلاثة مرشحين لمنصب الوالي هم الأكثر حظا من منافسيهم بطريقة كبيرة وهم: مرشح والي شمال كردفان- محمد المهدي حسن، مرشح والي النيل الأبيض- مرتضى هباني- ومرشح والي سنار- مالك الحسن أبو روف. وهناك خمسة مرشحين لديهم فرصة كبيرة للفوز: مرشح والي الجزيرة- خلف الله الشريف، مرشح والي جنوب دارفور- موسى مهدي إسحق، مرشح والي القضارف- أحمد الدابي، مرشح والي الشمالية- البشرى عبد الحميد، ومرشح والي جنوب كردفان الظاهر خليل. وهناك أربعة ولاة لديهم فرصة ظاهرة تحتاج لعمل دؤوب لاغتنامها : مرشح والي كسلا: عمر الحسن أونور- مرشح والي غرب دارفور- تاج الدين محمد بحر الدين، مرشح والي شمال دارفور- إسماعيل كتر عبد الكريم، ومرشح والي النيل الأزرق- عصام البشير الجبلابي. وقد يتعجب البعض من ضمنا لكسلا بين الولايات التي فيها فرص، ولكن العاملين في الانتخابات هناك يقولون بوجود تغيرات ديمغرافية لصالح الأمة، وبوقوف بعض منسوبي المؤتمر الوطني الغاضبين من طريقة فرض مرشح الوالي هناك في دعم مرشحنا، علاوة على أنه من الضرهباب وهي أكبر بطن من بطون الهدندوة بينما منافسه الاتحادي الذي يتمتع بالثقل التقليدي من بطن أصغر.. أما مرشح الوطني فليس ممن يذكرون لدى التنافس!
انتخابات المجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية
الأمة القومي يخوض الانتخابات في 91% من مستويات المجلس الوطني (جغرافية وقوائم مرأة وحزبية) و86% من مستويات المجالس التشريعية المختلفة على مستوى شمال السودان. تقديرات العاملين في الانتخابات في حزبنا في الولايات المختلفة أننا سنفوز بـ110 دائرة من جملة الـ213 دائرة في الشمال أي 52% من الدوائر الجغرافية بالشمال . وهذا سينسحب بدرجة أقل على الدوائر التشريعية الولائية حيث لم نخضها بنفس النسبة. وسنحصل بالتالي على عدد مقدر من مقاعد القوائم النسبية.
لذلك أقول، تبقت عشرون يوما فقط وعلى الأمة القومي أن يستثمرها بأقصى ما يستطيع، لن يغطي كل شيء، ولن تسمح له الإمكانيات ولا الزمن بمجاراة الآخرين، ولكن الأحزاب مثلما الناس لها استعدادات فطرية ومقدرات متفاوتة وإمكانيات تختلف، الحقيقة إننا إذا ضمنا درجة من نزاهة الاقتراع وبالرغم من انعدام نزاهة التسجيل وانعدام كامل للحرية فإننا سنكون بإذن الله الرقم الانتخابي الأول، وسنكنس الفساد والاستبداد ونخلص الوطن.
وليبق ما بيننا