الأمن (الإسلاموي) والعم حامد إنترنت!!
خالد عويس
روائي وصحافي سوداني
khalidowais@hotmail.com
مشهدٌ رآه العشرات في ميدان أبوجنزير وسط الخرطوم. سيارة نصف نقل تابعة لجهاز الأمن السوداني تقل نحو 8 شبان تحركت بسرعة من الميدان بعد اعتقال رجلٍ يبلغ من العمر نحو 65 سنة، هو العم حامد إنترنت أحد منسوبي حزب الأمة المعارض. الشبان الثمانية الذين لا يتجاوزون في أعمارهم أعمار أبناء العم حامد إنترنت، وقبل أن يبارحوا به ميدان أبوجنزير انهالوا عليه بخراطيم المياه السوداء التي كانت في أياديهم !!
هذا المشهد المروّع المأسوي يلخص بأمانة تامة الخلاصات (الأخلاقية) و(القيمية) لمفهوم إعادة صياغة الإنسان السوداني و(المشروع الحضاري) !! فعملية بناء كادر الحركة الإسلاموية أفضت طوال العقدين الأخيرين إلى خلق وحشٍ لا يأبه بالأخلاق ولا القيم، قيم توقير الكبير واحترامه، ورحمة الصغير.
هؤلاء الشبان الذين رأيناهم في الميدان كانوا يتصرفون بغلظةٍ مفرطة لا يمكن أن تمت للمهنية بصلة، وإنما إلى مفاهيم المليشيات المدربة على تنحية المشاعر الإنسانية الفطرية جانباً، والتصرف بما تمليه غريزة متوحشة فاقدة لأدنى قدر من التوجيه الإنساني.
(جريمة) العم حامد إنترنت هي الهتاف في قلب الميدان: الله أكبر ولله الحمد !
وإذا كان هؤلاء الشبان ضربوا رجلاً في عمر آبائهم بهذه الوحشية في قلب الميدان وتحت بصر العشرات بل المئات، ترى ماذا فعلوا به في مكاتبهم؟ ومثل هذه الممارسات الوحشية دمغت جهاز الأمن السوداني منذ بدايات الإنقاذ وأضحت سمة بارزة تحف مسيرته مذاك. ليس جهاز الأمن وحده، فضابط (شهم) من ضباط الشرطة، يبدو أنه أحد الذين صاغهم (المشروع الحضاري) شجّ في ديسمبر الماضي رأس شيخٍ آخر في عمر أجداده هو العم محمد أحمد غزالي (74 سنة) !!
سننحي جانباً في هذا المقال ما يجري بحق الشبان الذين يتم اعتقالهم والشابات اللواتي يُمنعن من ممارسة حقوقهن الدستورية بالاعتصام والاحتجاج السلميين، بل وما تتعرض له ناشطات داخل المعتقلات بلغت حد اتهام جهاز الأمن بمحاولة اغتصاب عدد منهن واغتصاب واحدة هي الفنانة التشكيلية صفية إسحق، سننحي كل ذلك جانباً، ماذا عن الشيوخ؟
أي مشروع حضاري وأي إسلام هذا الذي يعلّم ضباط جهاز الأمن والشرطة ضرب من هم في أعمار آبائهم؟ ولماذا؟ من أجل الحفاظ على المشروع الحضاري؟ من أجل الإسلام؟ أم من أجل (كراسي السلطة)؟
عمر البشير ونافع علي نافع ومحمد عطا وعلي كرتي وغازي صلاح الدين وغيرهم من قادة الإنقاذ يرون أن نظامهم هذا سيثبت أمام عاديات الزمان، لكن تُرى هل نسوا أم تناسوا الله؟ أتراهم فكروا ولو للحظة أن الواحد منهم يمكن أن يموت في لحظة، فكيف يلقى الله وعلى كاهله مثل هذه الجرائم؟ أتُرى أكان يقبلها البشير لوالدته؟ هل كان ليرضى أن يضربها شبانٌ في أعمار أحفادها؟ أترى هل يقبلها محمد عطا لوالده؟ هل يقبل أن يمر بخاطره فقط أن يعتدي شبان بيدهم السلطة والجبروت والبطش على والده وسط العشرات بل المئات؟ هل يقبل غازي صلاح الدين مثل هذه الإهانة لوالده؟
الله قادرٌ على أن يجعل من البشير ومحمد عطا وكرتي وقادة الإنقاذ عبرةً طالما أنهم لا يعتبرون ولا يخشون الله ولو بمقدار ذرة. لأن من يخشى الله لا يفعل هذا في عباد الله. ومن يخشى الله لا يمكن أن يدرّب رجال أمنه بانتزاع الرحمة تماماً من صدورهم وخلق وحوش آدمية منهم تدوس على كل القيم ولا تأبه بالأخلاق.
أسوأ ما فعله قادة الإنقاذ هو هذا التشويه المتعمد للآلاف من كوادرهم للدرجة التي جعلت من هؤلاء بشراً لا يمتون للبشر بصلة. أسوأ ما فعلوه هو أنهم طمسوا قلوبهم وأعموها حتى ليتجرأ الواحد منهم على ما كان أيّ سوداني ليفضل الموت قبل اقترافه، لكنهم يقترفونه دون أن يرمش لهم طرف.
هذه هي الهزيمة الكبرى للإنقاذ. هزيمة الأخلاق، فهم عراة اليوم من أدنى درجة من الأخلاق والقيم التي داسوها كلها طوال العشرين سنة الماضية.