جلست إلى البحر ، عند جزء من شاطئه . تفرّست في الماء الأزرق ، والريح الهادئة تُكسّر أمواجه . تذكرت قول الذكر الحكيم {...وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) الأحزاب . غمرني جلال وصفاء واستقرار نفسٍ كنت من أحوّج الناس إليه. أحسست بأني ذرة في هذا الكون المُترامي ، واحدٌ من أمم كثيرة . تذكرت الأوراد التي كان أبي يُرددها كل ما سنحت له سانحة ، في الصبح وفي المساء. أهو الذكر بالجوارح أم بالقلوب أم بهما معاً ؟.
* هكذا جاء النص المُقتطف من رواية " موسم الهجرة إلى الشمال " للكاتب " الطيب صالح"، وهو يتحدث عن الأوراد: { وجاءت أمي تحمل الشاي . وفرغ أبي من صلاته وأوراده فجاء . وجاءت أختي ، وجاء أخواي ، وجلسنا نشرب الشاي ونتحدث، شأننا منذ تفتحت عيناي على الحياة . نعم ، الحياة طيبة ، والدنيا كحالها لم تتغير }
(2) ما هي الأوراد ؟ من تعريف و معنى الأوراد في معجم المعاني الجامع: (أَوراد: (اسم أَوراد : جمع وِرد (وِرد: (اسم الجمع : أَورادٌ الوِرْدُ : الإِشرافُ على الماء وغيره ؛ بدخول أَو بغير دخول. الوِرْدُ : وقتُ يوم الوِرْد بين الظَّمْأين. الوِرْدُ : الماءُ الذى يُورَدُ. الوِرْدُ : القومُ يَرِدُون الماءَ. الوِرْدُ : الإِبلُ الواردة. الوِرْدُ : النَّصيبُ من الماءِ. الوِرْدُ : القَطيع من الطير. الوِرْدُ : الجيشُ. الوِرْدُ : الجزءُ من الليل يكون عل الرَّجُل أَنْ يُصلّيَهُ. الوِرْدُ : النصيبُ من القرآن أَو الذِّكر. الوِرْدُ : الوظيفةُ من قراءةٍ ونحو ذلك. الوِرْدُ : اسمٌ من أَسماء الحُمَّى ، أو يومُها إِذا أَخذت صَاحبَها لوقت. الوِرْدُ : وثيقةٌ يسجِّل فيها الصرّافُ ما على الأَرض الزراعية من الأَموال وما سُدِّد منها. جمع أوراد :ماءٌ يُورَد ، إشراف على الماء وغيره بدخول أو غير دخول : وقيل : معناه : قومٌ عطِاشٌ. وثيقة يسجِّل فيها الصَّرّاف ما على الأرض الزِّراعيّة من الأموال وما سُدِّد منها جزء من القرآن الكريم أو الذِّكر يتلوه المسلم يحافظ على قراءة وِرْده اليوميّ من القرآن ، قرأت وِرْدي قبل أن أنام. شَرِبَ وِرْدَهُ : الْمَاءَ الَّذِي يُورَدُ ، النَّصِيبَ مِنْهُ. أُصِيبَ بِالوِرْدِ : بِالْحُمَّى. قِرَاءةُ الوِرْدِ : جُزْءٌ مِنَ القُرْآنِ أَوِ الذِّكْرِ يَتْلُوهُ الْمُسْلِمُ. وِرْدُ الأَرْضِ : وَثِيقَةٌ يُسَجَّلُ فِيهَا مَا عَلَى الأَرْضِ الزِّرَاعِيَّةِ مِنَ الأَمْوَالِ وَمَا سُدِّدَ مِنْهَا.
(3) دخلت كهفاً مُظلماً في مكان ما من هذا العالم . كان السواد حالكاً ولا رؤية تستبين . قرأت أوراد اخترتها من آي الذكر الحكيم ، جزء من آيات وحكم . كانت ضربات قلبي مسموعة، كأنها مطرقة ساعة حائط عندما تصيح أجراسها على رأس كل ساعة. بدأتُ بتكرار الأوراد ، وبدأت الطمأنية تعود ، والخوف يزوي إلى أن تلاشى . أحسست بأني قوي أكثر من المُعتاد ، وبدأت أتقدم جسوراً ، أتلو الأوراد بالنبر الواضح وإطلاق العنان للفظ والصور المبطنة فيه . مرة بعد مرة . اتسع صدري أكثر، وكأنني أصرخ في قاعة تُردد صوتي. * الباء : بهاء الله ، السين : سناء الله ، الميم ملك الله ، باسمه تجري الكائنات وتدور . وبه يتسع الكون وتتكاثف المادة ، ويستبين الفراغ مكانه. في كل خليّة صغيرة لا تُرى بالعين : مادة وفراغ . تدور المادة كما تشاء وتنجذب كما يشاء موقعها من الكون وكتلتها. وتَجذب إليها الكائنات الأصغر .الكون عباءة واسعة مثل الخيال . تنزلق عليها الكائنات الخائفة والواجفة والحائرة . المادة والروح صنوان. يقتربان ضمن الحياة ويفترقان بعد انقضائها. يلتقيان عندما تُريد الحياة أن يلتقيا. ويفترقان عندما تحلّ ساعة الآجال .العُمر كائن هُلامي .يتمدد ويقصُر حين يشاء الله ، فهو الذي ييسّر الأسباب.
(5) يقول الراتب الذي اختاره" محمد أحمد "صاحب المهدية في سودان القرن التاسع عشر: أولاً : الراتب هو دعاء، وتسبيح، وتحميد، وذكر، وصلاة على النبي . تقرأ في وقتين أمر الله أن يخصصا للتسبيح والذكر هما، الأول: ما بعد الفجر وقبل طلوع الشمس، والثاني: ما بعد العصر وقبل غروب الشمس. أما الآيات التي تحث على الذكر، والدعاء، والصلاة على النبي بإكثار فهي: قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ) . وقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ). وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). والآيات التي تخصص الوقتين المذكورين المختارين لهذا الذكر والتسبيح والدعاء هي: قال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ). وقال: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا). وقال: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ). وقال: (فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) .
(6) يقولون عن" محمد عثمان "الختم أن له أدعية منها : إذا سلّم المصلي من الصلاة المفروضة يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام ، فحيّنا ربنا بالسلام وادخلنا الجنة دارك دار السلام، تباركت وتعاليت ياذا الجلال والإكرام ، استغفر الله العظيم الذي لا إله هو الحي القيوم وأتوب إليه (ثلاثاً) بسم الله الذي لا إله غيره هو الرحمن الرحيم (مرة واحدة) ، ثم تضع يدك على رأسك قائلاً : اللهم أذهب عني الهمّ والحزن آمين (ثلاثاً)، اللهم انى اقدم إليك بين يدي كل نفسٍ ولمحة ولحظة وطرفة يطرف بها أهل السموات وأهل الارض، وكل شئ هو في علمك كائن أو قد كان ، أقدم إليك بين يدي ذلك كله (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
(7) قلت لنفسي ، أليس هناك من أدعية وأوراد أخرى، أعيد صياغتها وأجتهد ؟، فالآية تقول { ..والذاكرين الله كثيراً والذاكرات ..} . وإن الكثرة لم تُحدد وإن النص مفتوح على كل الأدعية والأوراد. نعم يجوز لي تخيل الذكر والأوراد والأدعية واستنطاقها من بطون اللغة ، ونثر معانيها ، واختيار الذي تناسبني. من القصير والأقرب للحفظ لسهولته ومن الحِكم وتجارب الحياة. وندع الباب موارباً لفعل الخيرات، والمسلم نقّاء ليختار. يتقلب الكون بين أصابع الرب حين يشاء ، يغمض العاشق عينيه ، ويستفتي قلبه.