الإتحادى … توهان المصالح والمواقف

 


 

 

dolib33@hotmail.

في أول إطلالة صحفيه له منذ عودة زعيمه العائد الغاب منذ أيام، خرج الحزب الاتحادي الديمقراطي يلملم انفاس السنين ليظهر قادته أمام أجهزة الاعلام لشرح ما يدور في اروقة الحزب الكبير، واستراتيجيته لمواجهة التحدايات الماثلة..فالحزب الإتحادي يكاد يكون الحزب الوحيد في الساحة السياسيه الذي لم يفصح بعد سواء من خلال تحركاته السياسيه او تصريحات قادتها عن رؤيته لمخاطبة كثير من القضايا، فيما يتعلق منها بالرؤية التنظيميه للحزب كأكبر التعقيدات التى تواجه الحزب، أو القضايا القومية المتعلقة بالانتخابات والتحالفات المقبله والموقف من تكتل المعارضه الذي بدأ يتشكل مؤخراً بسند ودعم من الحركة الشعبيه.

 

فالمؤتمر الصحفي الذي أختير له قاعة "طيبة برس" دون مقر الحزب أو منزل زعيمه، الذي درج على ممارسة نشاط الحزب منه، بعد غيبة طويله كان مطالب بتوضيح شيئين تنتظرهما القوي السياسيه وأتباع الحزب، فالجميع كان يترقب ولو إشارات حول التحالف الانتخابي القادم للحزب لخوض الانتخابات، وموقف الحزب من اجتماع جوبا، ولكن الصحافيين الذين شاركوا في المؤتمر لم تسمعهم قيادة الحزب شئياً وبدأ وكأنهما ليسا من ضمن اجندة المتحدثين، وقبل ان يستدراكهما الصحافيين ضمن الأسئلة التى قاد للحديث عنهما بشكل مبهم، حيث قال حاتم السر الناطق الرسمي بإسم الحزب حينما سأل عن موقفهم من لقاء جوبا "ان الاتحادى تربطه علاقات استراتيجيه وتاريخيه بالحركة الشعبيه، التى قدمت دعوة من سلفاكير للميرغني لزيارة جوبا لتشاور حول القضايا المختلفه، مبيناً ان الحركة والاتحادي حليفان في التجمع الوطنى، واضاف "اذا كان اجتماع جوبا الهدف منه التشاور ووضع رؤي لحل الأزمة السودانيه سيكون الاتحادي حضورا بجوبا، أما اذا كان الاجتماع يتعلق بأمر تحالفات الانتخابات هذا من السابق لأوانه لاننا لم نعرف حتى الآن هل الانتخابات قائمه".

 

ويبدو الارتباك اكبر في خط الحزب الاتحادي حينما يتحدث عن التحالف الاستراتيجي مع الحركة الشعبيه والذي يدعمه بث شكواه من عدم تنفيذ اتفاق القاهرة الموقع مع المؤتمر الوطنى، وهى مؤشرات تذهب بإتجاه ان الحزب سيمضي في مع تكتل القوي السياسيه الذي تدعمه الحركة الشعبيه في الانتخابات القادمه ضد المؤتمر الوطنى..ولكن الحزب الإتحادي الديمقراطي يفاجأ الساحه بغير ذلك حينما وصف القيادي به الدكتور على السيد لقاء جوبا "بأنه تحالف عدوانى" في وقت لم يبدئ فيه الحزب موقف واضح من ملتقي جوبا في مؤتمره الصحفي.

 

وتبدو المفارقه اوضح حينما يعلن الحزب عن مشروع حوار كبير برعاية كريمه تتبناه مصر لجمع الفرقاء السودانيين بالقاهرة على غرار الحوار الفسلطيني بعد دعوة من السيد محمد عثمان الميرغني، في وقت يصف فيه حوار الفرقاء في جوبا بـ"العدوانى" البعض يفسر حالة التناقض التى يعيشها الاتحاديين الى أشواق بعضهم التى تجذبهم ناحية المؤتمر الوطنى ولكن تنفيذ مطالبهم يحول بينهم  واشواقهم، والبعض يسعي للحفاظ على صلات الوصل القديمه مع الحركة الشعبية والقوي السياسيه التقليديه لهم.

 

والقضية الأخري التى كان ينتظرها اتباع الحزب هى قضية طريقة خوض الانتخابات القادمه، فالمؤتمر الصحفي لم يقطع فيها بشكل جدي، ولم يتأكد ان كان سيخوضها أم لا، وان كان سيخوضها هل سيكون ذلك منفرداً أم وسط تحالف مع قوي أخري، في الوقت الذي بدأت فيه القوي السياسيه ترتيب صفوفها لإختبار خارطتها التحالفيه للإنتخابات المقبله. ولكن الحزب الاتحادي الديمقراطي، آثر في مؤتمره الصحفي أن يترك الباب موارباً أمام مشاركته في الانتخابات المقبله، ووضع جملة من الاشتراطات اعتبرها مستحقات لازمه لخوضه الانتخابات، منها توفر النزاهة والشفافيه والمناخ السياسي والأمنى، "المعلوم ان الاشتراطات التى ذكرها الاتحادي هي ذات المحاور التى تتكتل من اجلها القوي السياسيه لضغط لتوفرها في الانتخابات المقبله".

 

ولكن الحزب قبل أن يؤكد للحاضرين توفر تلك الاشتراطات أو عدمها وبالتالي تحديد موقفه منها، فاجأ الصحافيين بان شعاره للانتخابات المقبله سيكون "العصا" لكل مرشحي الحزب، قبل أن يعلن خوض الحزب للإنتخابات على كافة مستوياتها بما فيها رئاسة الجمهورية، وهو ما رسم حالة من الارتباك وسط المشاركين في المؤتمر الصحفي ضاعت معها تأكيد موقف الحزب من الانتخابات والتحالفات القادمه هل سيخوضها ام سيقاطعها!

 

وهى ذات الحالة التى تصيب كل من يتابع اخبار الحزب وتصريحات قادته، فحديث الحزب عن عدم تنفيذ اتفاق القاهرة يعني تباعد في المواقف بينه والمؤتمر الوطنى...ورفض الحزب لتحالف جوبا يعني البعد من تحالف المعارضه...ثم الحديث عن اشتراطات لخوض الانتخابات يعني عند البعض عدم الرغبة في خوضها...ثم يعود الحزب ويؤكد خوضه للانتخابات في كافة مستوياتها. ويرجع محللون ذلك الى ان الحزب الاتحادي الديمقراطي مازال يعيش حالة توهان في تحديد مصالحه، يبحث عنها كثيراً عند المؤتمر الوطنى ويناور فيها أحياناً الحركة الشعبيه ويريد في ذات الوقت أن يحتفظ بشعرة معاوية مع القوي السياسيه المعارضه، ما ينعكس على مواقفه في الساحة السياسيه.

 

ضبابية الرؤي في خط الحزب الاتحادي الديمقراطي يرجعها البعض الى سياسه المناورة التى ينتهجها السيد محمد عثمان الميرغني مع شريكي نيفاشا، فبيده تمتد للمؤتمر الوطنى لتحقيق جملة من المصالح السياسيه والاقتصادية للحزب من خلال التقارب معه، وريثما يطمئن لذلك يضع قلبه مع الحركة الشعبية والمتحالفين معها بإسم التجمع الوطنى اولاً للحفاظ على علاقاته القديمه وتحالفاته التقليديه، ومن الجهة الأخري التقارب أكثر من هذا التحالف بهدف الضغط على المؤتمر الوطنى لتقديم مزيد من التنازلات لصالح الحزب. ويمضي بعض المراقبين الى أن حديث السيد محمد عثمان الميرغني مؤخراً حول عدم تنفيذ اتفاق القاهرة..في الحقيقته هو حديث عن عدم تنفيذ مطالب ذاتيه وعد بها وليس اتفاق القاهرة الذي لم يكن اتفاق مشمول بآليات ضمان لتنفيذ بل ان المؤتمر الوطنى يتحدث ان تنفيذه بلغ اكثر من "90%".

 

فحالة التناقض التي تظهر في رؤية وخط الحزب الاتحادي في مواجهة القضايا المختلفه والتنسيق حولها، تعكس ما يعانيه الحزب من تباين وسط قادته حول خط الحزب ورؤيته لمواجهة القضايا المختلفة التى تشهدها الساحه خاصة فيما يتعلق بالانتخابات والتحالفات لخوضها، وتبدو حالة التباين في الرؤي بين قادته اكثر وضوحاً في النفي المتكرر لتصريحات فما يعلنه قيادي ينفيه قيادي آخر. ومن ناحية اخري يبدو ان نائب رئيس الحزب الاستاذ على محمود حسنين، يحتفظ لنفسه بموقف خاص داخل الحزب من الخط الذي تقوده مجموعة الميرغني فآثر الابتعاد ريثما تتضح الإمور، خاصة حول التقارب مع المؤتمر الوطنى الذي يرفضه حسنين، والذي يبدو كذلك أن مولانا الميرغني مايزال يضع من ضمن خياراته التحالف مع المؤتمر الوطنى، ويمارس ضغوط عليه أحياناً بالاستعانة بمصر راعي اتفاق القاهرة وأحياناً بالمناورة ومغازلة الحركة الشعبيه لتحقيق تحالف ذو مكاسب افضل للحركة الاتحاديه.

  وحينما يصرح مولانا الميرغني بمقدرة حزبه، الذي يحصل على متوسط "5" مليون صوت في كل الانتخابات الماضية، كمؤشر على قدرته لإكتساح الانتخابات المقبله، فإنه يتجاهل بذلك أكبر معضلة لم يخاطبها الحزب بعد وهى توحيد فصائله قبل الانتخابات، حيث هناك اكثر من "7" احزاب اتحاديه فرقتها المصالح واختلاف التقديرات السياسيه، فتوحيد تلك القوي تحت عباءة واحده كفيلة في التحكم في نتيجة أى انتخابات قادمه، ولكنه قطعاً ليس ممكناً بـ"7" احزاب تتقاسم نفس الدوائر والناخبين. 

 

آراء