{جاءوا في أول أيامهم وعيونهم حارة و"متحنفشين"، و رفعوا شعارات في تلك الأيام وظنوا بأنهم يصلحون الكون للمرة الأخيرة، وقالوا للناس إسلامكم كان ما هو نافع، نحن نعلّمكم الإسلام. والجنيه سيعود 3 دولارات كما كان في السابق. ولسوء حظهم كل هذا لم يتحقق منه شيء. ادعوا ادعاءات ونحن سنجيب لكم الجنة في الأرض، وانتهى بهم الأمر بإرسال الشباب للجنة الأخرى. وكل ما يموت واحد، يقولوا نحن عقدنا عليه لواحدة من حور الجنة، كأن ربنا سبحانه وتعالى أعطاهم مفاتيح الجنة. هذا غرور أنا لا أفهمه, على أي حال ضيعوا زمننا في أباطيل }
في لقاء مع الطيب صالح (1) هاجم طلاب الإخوان المسلمين في الجامعات " الطيب صالح " في شخصه، وليس نقداً لروايته، وبدأوا يشتمونه. كانت " موسم الهجرة إلى الشمال" تدرّس باللغة الإنكليزية في كلية الآداب. أصبحنا في زمن سلطة الإخوان المسلمين، يشتمون الشعراء والأدباء، لأنهم لا يعرفون ما الأدب وما الشعر، وكافة أنواع الفنون لا يعرفها الإخوان. ورواية "موسم الهجرة إلى الشمال" لها حميمية في بعض جوانبها حين يصف الكاتب مواقف معينة، وهي تجربة عميقة، وليست ضرباً من الرواية الجنسية، في عالم يحتاج لفض غلاف الحياة وتفاصيلها، بكل تجلياتها. قدم القرية بصورة جديدة نائرة، رغم أنه كتب بلغة عربية يفهمها الجميع. وحاجته للرجوع للقرية وفاء وحباً لها. وحازت روايته إلى أكثر من اثني عشر رسالة دكتوراه تحليلاً ودراسة ونقداً. استقدمته السلطة ورحبت به بعد أن حفيت أقدام أذنابها، من أجل قدومه إلى السودان عندما كانت الخرطوم عاصمة الثقافة. حضر " الطيب صالح" إلى السودان، وقال قولته التي ذكرنا في أول المقال. (2) نهج الجماعة: أورد الدكتور" عبد الرحمن إبراهيم الفوزان" في ( دروس عن الثقافة الإسلامية)، ما نرى أنه جزء من توصيف الجماعة، مثل: الخلط في مفهوم خوف الفتنة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خشية الفتنة. الخلط بين الحزبية والانتماء، فحوربت الجماعة والوحدة والائتلاف، مع أن من الانتماء ما هو محمود ومنه ما هو مذموم. الخلط بين الوسائل والغايات . الخلط بين الثوابت والمتغيرات. الظن بأن حب السلف والدفاع عن منهجهم يكفي أن تترجمه جماعة الإخوان المسلمين. هنالك الخلط بين الكرم وبين الإسراف. الخلط بين الرفق واللين وبين الضعف. الخلط بين المداراة وبين المداهنة. الخلط بين المصلحة وبين المفسدة. الخلط بين النصيحة وبين التشهير. الخلط بين الإسرار وبين السكوت عن الحق. الخلط بين الغيرة وبين الاندفاع غير المنضبط. الخلط بين العزة وبين التكبر. الخلط بين التواضع وبين الذل. الخلط بين التأني وبين البرود والخمول والكسل. الخلط بين الشجاعة وبين التهوّر. الخلط بين خوف الفتنة وبين الجبن والخوف. (3) ماذا ننتظر من الإخوان المسلمين أن يفعلوا؟، وقد امتلكوا المال والسلاح والسيارات واللبس العسكري بألوانه وتنظيمهم الأمني لم يزل ممسكاً بالمفاصل الأمنية. إن الأجهزة الخاصة بالسلطة السابقة لم تزل في حالها. لقد عطل المجلس العسكري الانتقالي، خلال أكثر من شهر من اسقاط رئيس النظام السابق، كل شيء، و ترك كما هو في كل شيء، بل ترك الباب موارباً للكتائب السرية أن تستعيد المبادرة بعد دهشة الضربة الأولى، واستضاف أركان النظام البائد إلى مؤتمراته الصحفية الأولى. لقد امتص التنظيم الهزيمة المؤقتة، ومن ثمة شرع التنظيم الأسود في استعمال كتائبه لقتل الثوار. فإن كان المجلس منحازاً للثورة والتغيير حقيقة، ويمارس سلطته التي ورثها من النظام البائد، فعليه تحمل المسئولية الكاملة في وقف ومحاسبة كتائب التنظيم. * يجب أن يتحلى الثائرين والثائرات باليقظة، وتتبع تمشيط القوات التابعة للجيش للمباني الخالية قرب القيادة العامة، وما بعدها من مباني. إن الثورة مصيرها عسير وبطيء لأن جذور التنظيم لم تزل غاطسة في بطن الأرض. لقد أسهم التمكين في خلق طبقة جديدة، انتشرت سلطتها التنفيذية طوال ثلاثين عاماً. (4) لن ننسى أرتال البشر من دافور والشمالية والجزيرة والشرق، في قدومهم للاعتصام عند القيادة العامة، كما لا ننسى عاصمة الحديد والنار، تأتي بشعوبها بقاطرة من عطبرة. وعند " الكدرو" أبطأت وسارت مشياً على الأقدام كسير البشر، من "الكدرو" إلى الخرطوم. تأخر الوصول ساعتين، وكانت النُصرة فوق التوقعات. قطار الشوق يأتينا من عطبرة، لا إليها. قدمت الشعوب السودانية من شمال الوادي لتنصر المعتصمين، جاءت الشعوب والتحمت بالمعتصمين. وسالت رغوة النضال بسائل صابوني أراد أن يغسل ماضينا من دنس الإخوان المسلمين. ولكن صبراً سادتي، فالليل أظلم مما ينبغي، والصبح آت ولو تأخر. هذا الشعب المعلم أثبت أنه فوق التوقعات، أكثر ثورة وأصبر حالاً. لن تهزمه استصراخ ثعابين العهد القديم، ولا مؤتمراتها الصحافية، تدعي أنها جزء من الثورة، وجزء من حراك الشباب. ونحن نعلم انتهازيتها، فظلت متمسكة بأستار كعبة النظام إلى أن سقط مليكهم. وصدق المولى وهو خير القائلين: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) آل عمران} * بدت شرارة النضال قادمة بأفواجها من عطبرة، فتغيرت رمانة السلطة، فقد أذاها التنظيم، بعد أن قلّم أسنانها، بعد أن كانت مدينة الحديد والنار. وأحال دور التصنيع والورش إلى ركائب مهجورة. أحال التنظيم عمالها والسواقين وموظفيها المشتعلين عافية ونضار، إلى التقاعد بدعوى ( الصالح العام )، بعد أن أذلهم في الدفاع الشعبي.