الإنتخابات وآمال التغيير

 


 

عمر الترابي
2 November, 2009

 

قراءة: على ضوء تدشين مولانا الميرغني حملة الحزب الإتحادي الإنتخابية

alnahlan.new@hotmail.com

التغيرات نحو الديمقراطية منذ القرن الماضي بإعتبارها شارةً للحرية ورمزاً للمؤسسية وسبيلاً إلى حكم الشعب وتداول الأمر بالحُسنى وكتطبيقٍ رشيدٍ للشورى، خلقت حاجة وضرورة للبحث عن نماذج لمؤسسات تمثيلية تُقام على منهاج يكتسب أعلى نسبة من مواءمة الأهداف المرعية التي تعود بالرضا الشعبي وتحقق التسيير الأفضل لأمر الأمم ، فشهد العقد الأخير من القرن الماضي إصلاحاً مؤسسياً (نظرياً) ضخماً في تقعِيد النُظم المؤدية للديمقراطية فانتظمت الصيغ المُرشِدة لإصلاح حقيقي في النظم الانتخابية، خاصة في الأمم التي كانت حديثت عهد بالممارسة الجديدة فكانت تنتخب تجارب الآخرين وتصهرها في نسقٍ جديد وتُعَدلها وفق حماس وتنظير قوى التغيير نحو الديمقراطية ليُنمِي ذلك نُظماً ديمقراطية جديدة حاول أهلها تجنب بعض ثغرات القديم، وتم ذلك عقب دراسة واقتباس التجارب من المحيط الذي كان ممارساً عميداً للديمقراطية المتميزة لتدعيم تجربتها بالعظات و لتقتدي بالمناقب و تتبعها وتهتدي إلى المثالب وتتجنبها.

والحق أن الانتخابات المستقيمة النزيهة تُعد مدخلا مهماً ومؤهلا حقيقيا للنظام الديمقراطي، ولكن يُشير الكثير من الباحثين إلى أن ذلك المدخل المهم وتلك الممارسة التي سيُؤَهِل لها هذا المدخل يجب أن ينضبطا بضوابط عدة تبتدئ بتحديد المبادىء المحورية والآليات التمثيلية الصحيحة التي تسلكها وتتبعها الأمة بما يضمن صون الديمقراطية لئلا تكون الديمقراطية وسيلة اسمية ومجرد حِلس وستار للتستر على قيم تخالف الديمقراطية ومبادئها. ولما كان (كمال النهايات في صحيح البدايات) كان ولابد من أن يكون جُل الإهتمام بدراسة الأنظمة الانتخابية إذ أن النظام الانتخابي هو المؤسسة السياسية الأدق والأكثر عرضة للفساد، والتلاعب فيها يُحدث فرقا عظيما وجوهريا في النتائج ربما لا يعكس تمثيلا حقيقياً مما يترتب على ذلك من تراتيب قد تكون سالبة، و للأسف الشديد فإن عملية اختيار هذا النظام -كما يذكر الباحثون- يُعيبها أنها غالبا ما تكون عملية سياسية بحتة لا تعتمد على خبرات المتخصصين المحايدين واجاباتهم بأن هذا النظام أو ذلك هو الأفضل. بل في الواقع تلعب المصلحة السياسية دورا دائماً وأساسياً في الاختيار بل أحيانا تكون الدور الرئيسي والوحيد، وكثيراً ما تلعب حسابات المصلحة الخاصة على المدى القريب دورا تخريبياً وتعطيلياً للمصلحة العامة على المدى البعيد، ولربما يمكن تحميلها مسؤولية كبيرة النسبة في عدم استقرار المناخ الذي يعقب الإنتخاب إذا وجد –لا قدر الله- ، لذلك تظل هذ النقطة محوراً للتجديد والتعديل أبداً وفق معطيات عدة.

بإعتبار هذه المقدمة فإن قرار مشاركة أي تنظيم سياسي في أي انتخابات يُتخذ وفق معطيات عدة تتضافر مجموعة منها ليغلب الرأي بالمشاركة أو بالمقاطعة، وتتفاقم تعقيدات القرار إذا ما كان هذا التنظيم أو الحزب قد غُيب جزئياً من عملية اختيار النظام الأساسي، أو أن تراتيب التنظيم للإنتخابات لم يتم برضى تام من الحزب المعني بالقرار أو أن التنظيم يتخوف من مماراسات مخالفة تتم تغطيتها ، إذ أن المشاركة في العملية الإنتخابية قد تعني وأحياناً بالضرورة الإعتراف بها.

في بلادنا اليوم و بعد سلسلة من العقبات الكأداء أصبحنا اليوم - و بفضل اتفاق السلام الشامل الموقع في نيفاشا- على مرمى حجر من إنتخابات رئاسية وبرلمانية واسعة النطاق، وهذا التحول تم بعد تفهم جميع الأطراف بأن السودان يحتاج لجميع بنيه لتتم له النهضة المرجوة وأن السبيل إلى ذلك لا يتم إلا عبر ترسية نظام ديمقراطي حقيقي وممارسة حرة نزيهة تمهد لحركة تنموية واسعة تلم شمل أطراف الوطن بتوزيع متوازن للثروات وإستغلال مناسب للطاقات، وهذا في حد ذاته فتحٌ يجب أن نشكر الله عليه وهو خطوة في سبيل السودان الأسلم والأكمل فالتحية لكل من ساهم في ذلك.

ولتحقيق اتفاق نيفاشا الوارد أعلاه القاضي بقيام انتخابات عامة رُسِّم نظام انتخابي - مختلط - جديد على الناخب و المنتخَب، هذه الإنتخابات تعتبر الأهم في تاريخ - السودان الموحد - و تعتبر الأبرز وهي مليئة بالتحديات الجسام وتضع الجميع في اختبار حقيقي للإرادة السياسية و الرغبة الحقيقية في التحول الديمقراطي و تحقيق التداول السلمي للسلطة، و التحديات تتعاظم ومنها ما هو شكلي و منها ماهو فني و منها ما يتعلق بفهم الممارسة! إذ أن الناخب على سبيل المثال طال عهده بالممارسة الانتخابية مما زادها على تعقيدها تعقيداً وراكم التحديات.

تعددت أوجه التفاعل مع هذه الإنتخابات وانتظمت فعاليات سياسية متعددة لمناقشتها ودراستها ولها في ذلك وجهات نظر نرعاها ونحترمها، فالقراءة الأولية للخارطة السياسية وجدية الإنتخابات من عدمها ربما تقود إلى توجس أو تخوف أو حتى ربما تفضي إلى مقاطعة، فالأمر كما أسلفنا تحدٍ صعب ومعقد وخطير.

الحزب الإتحادي الديمقراطي صاحب الحظوة الجماهيرية التي بلغت 5 مليون ناخب في آخر انتخابات وصاحب الأرضية السياسية الواسعة درس هذه الأمور بعناية ودقة شديدتين، و كما هو دأبه بادر  حزب الحركة الوطنية إلى التصدي لهذه التحديات وظل مراقباً ودارساً لكل تفاعلاتها ومراحلها فشكل لجنة ضمت خيرة خبراء الحزب و خُلَص رجالاته الأوفياء، ترأسها الرجل العالم البروفسور بخاري الجعلي، فظلت ترفد الجهات المسؤولة بالمعلومات والمذكرات سعياً للوصول إلى ممارسة مثلى وحفاظاً على نزاهة الممارسة، وظلت قيادة الحزب وعبر منابر الحزب الإعلامية تشير دوماً إلى أن الحزب يستعد للإنتخابات ويغالب الصعاب لأنه قدر التحدي ولأن الأصيل أصيل بطبعه.

ولأن الحزب مؤمن بأن النضال يستوجب التعاطي الواعي مع معطيات الحياة السياسية أعلن صاحب السيادة العظمى مولانا السيد محمد عثمان الميرغني –حفظه الله- بصفته رئيساً للحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بدء حملته الانتخابية ودشنها بكلمات استجمعت عبق التاريخ المجيد وذكريات خالدة في وجدان الوطن منذ أن رفرف العلم ذي الألوان الثلاث على سارية القصر معلناً أن هذا الوطن أصبح مستقلاً حراً لا يملك قراره إلا بنوه، ومنذ أن صدح الرئيس الشهيد الأزهري بقوله (لولا الأسد الرابض بحلة خوجلي لما تحقق الإستقلال) ويعني بذلك السيد علي الميرغني طيب الله ثراه.

 ضم خطاب مولانا لحظتها نضالات اليوم و سجلاً حافلاً من البطولات جعل كل الحاضرين مليئين بالفخر لوجودهم في هذه المنظومة السياسية الفاعلة القاصدة لوحدة الوطن وخيرية المواطن، تراءت للجميع  بين ثنايا كلمة مولانا الميرغني صور أبطال النضال بدايةً بالزعيم الأكبر (الأسد الرابض بحلة خوجلي) بطل الإستقلال صاحب السيادة السيد علي الميرغني طيب الله ثراه و مروراً بالشهيد الرئيس البطل اسماعيل الأزهري و المناضل الشريف حسين الهندي و المناضل الصبور محمد عثمان أحمد عبدالله و الشيخ تاج السر منوفلي و الحاج مضوي محمد أحمد و  حكيم الأمة الملك مولانا السيد احمد الميرغني طيب الله ثراه وختاماً أستاذ الأجيال الدكتور أحمد السيد حمد رحمهم الله جميعا وآخرين لا يسعهم المقام و لا تسعهم إلا جنات عرضها السموات والأرض، كانت كلمات مولانا الميرغني بقدر الحدث وبقامة المقام صادقة كعادتها هادئة حكيمة موزونة تلامس شغاف القلوب، أثبتت أن الإتحادي لا يزال هو الآصل في النضال والأصل في المبادئ و طيب الخصال، وأنه هو الأقدر على التعاطي مع الجماهير التي لم تجد بُداً من أن تهتف لحياة زعيمها وحزبها، كانت الوجوه القديمة والجديدة حاضرة والمشاهد لم تغب ولكأن التاريخ يعيد نفسه فمولانا السيد محمد عثمان الميرغني هو (ذو الدول) الميرغني الثابت كالطود لا تغيره الأشياء صافياً نقياً راسخاً لا يتزحزح عن المبادئ والأصول راقياً مراقي المجد لا يزيده الإبتلاء إلا تجلياً و نوراً على نوره، أمينٌ على نضالات هذا الحزب ومجاهدات هذه الأمة، فلا غرو أن مدح الشيخ البرعي رضي الله عنه  والده قائلاً –أهلاً وسهلاً بالأمين- فها هو خليفته  أمينٌ على عهده مع الشعب و أمين على دينه ودنياه، ولا غرو أن قال له شاعر الشعب:

قابِض جمرك وين ما رُحتّ ... إتْجَرَّحت جَدعْ ما نُحْتّ

شِنَّ النار يا صندَل فُحْتّ ... بي سر ألَقَك بُحْتَ ولُحْتَ

أثبت الخطاب إدراك القيادة السياسية للحزب لمتطلبات المرحلة إذ ذكّر الناس بأن الهم الأهم والمبدأ الأصيل في هذه المرحلة، هو الحرص على الإجماع الوطني والتوافق، والبعد عن الجزئية والانتقائية في التعامل والتحالفات. وذلك يجدد تصريحاته –حفظه الله- بضرورة الوصول إلى حد ادنى من الإجماع الوطني حتى نضمن لهذا الشعب سلامته واستقراره، فإن قدر الحزب الإتحادي في هذا الوطن أن يقوم على الجمع لا التفريق، وعلى الوحدة لا الانفصال، وعلى الكليات لا الجزئيات. وبهذا فقد ظل سيادته  على هذا العهد في تعامله مع كافة قضايا الوطن؛ فإن تاريخ هذا الحزب قائم على الوحدة والاتحاد، ولا بد أن تظل مسيرته ونضالاته تقوم على النهج الديمقراطي، وقال مؤكداً (سنظل دوماً وأبداً اتحاديون ديمقراطيون)  .

إذاً فالوصول بحالة الإنتخابات التنافسية إلى حالة صحية تُنمي العمل الوطني الواعي وتُرَسِّخ مبادئ الوحدة هو أمر مهم وضروري ويحتاج إلى عمل جاد، وهو ديدن الأحزاب الوطنية دوماً نسأل الله أن تتخذه بقية الأحزاب السودانية مسلكاً ودرباً فهو ما سيعصمنا بعون الله من التفرق و موارده.

هذا شأن حزب الحركة الوطنية وهذه دعوته وقد أعد لتبينها كتيباته الرسمية الشارحة لرؤاه وبرامجه، وهو مسلك حميد آخر، وأملي في كل الأحزاب الأخرى أن تسلك هذا المسلك في إيجاد حراك سياسي واتصال مباشر بالجماهير يراعي فيه وحدة الوطن وسلامته أرضاً وشعبا، فإن في ذلك خير كثير يجعل المواطن أكثر كرامة وأعمق إدراكاً لقيمته الحقيقية إذ أن كل هذا الأمر للوصول إلى سبيل أقوم لإدارة شأنه.

وهنا نلقى بالمسؤولية على عاتق المثقف الوطني أن يكون أكثر فعالية و يسهب في نقاش برامج و خطط الأحزب بل وصياغتها فيكون عنصراً إيجابياً في دفع عملية التحول الديمقراطي لأنها مفتاح رئيسي للرضا العام الذي يمهد لعطاء أطيب وصولاً إلى تنمية حقيقية، وهذه المسؤولية هي مسؤولية أخلاقية فلا بد من أن يشارك الجميع وخاصة المثقفين في صناعة مستقبل الوطن ورفد الساحة بالآراء – أياً كانت – فإن ذلك سيسهل على كل الأحوال في وضع تصور واضح للقرار السديد –أياً كان متخذه أو واضعه-  بإذن الله، إن الفعاليات الرسمية وعدت ببراح واسع من الحريات وأكدت أن الممارسة ستكون حرة ونزيهة وعادلة وهذا أمر يشكرون عليه ونسأل الله أن يعينهم على تنفيذه فينبغي بذلك على الجميع أن نتواضع على جعل الوطن أولوية، المطلوب الآن هو وعي وتوعية لتأهل المواطن لممارسة الإستحقاق الديمقراطي.

إننا لا نحتاج لتذكير القارئ الكريم بأن أمر هذا الوطن يبدأ منه هو وأن القرار قراره والرأي رأيه، فها هو الفتح الديمقراطي الموعود بإذن الله والشكر كل الشكر لمن ساهم في الوصول إليه، فأعد العدة للوصول إلى اختيار سليم ومسؤول للقوي الأمين.

 

آراء