الإنفصال والفطام: (نعم، آن أوان التغيير والعودة لمنصة التأسيس) .بقلم: مهدي إسماعيل مهدي/ بريتوريا
مهدي إسماعيل مهدي
8 July, 2011
8 July, 2011
أيها الناس/ سلام
كتبت ونشرت هذا المقال قبل أكثر من عام (13/أبريل/ 2010) وقبل ظهور نتائج الإنتخابات العامة، وقبل إجراء الإستفتاء، وفحواه الدعوة إلى فك الإرتباط بين دُعاة السودان الجديد بالشمال، ومن إختاروا الإنفصال بالجنوب، ثُم واصلنا الدعوة عبر مُراسلات خاصة ومتعددة مع بعض قادة قطاع الشمال بالحركة الشعبية، وقُلنا ذلك شفاهة وفي ندوة عامة للسيد/ باقان أموم في بريتوريا، وكُل ذلك من أجل أن لا يصل قطاع الشمال للمأزق الحالي.
وعموماً أرجو إعادة قراءة المقال وعدم التلكوء في فك الإرتباط، فالقائد الحق هو من يعرف توقيت القرارات الحاسمة في اللحظات الصعبة، وقراءة مجريات الأحداث جيداً، وقد كان قرار سحب ترشيح السيد/ ياسر عرمان لرئاسة الجمهورية، اللحظة الذهبية لفك الإرتباط، ولاحت الفرصة مرة اُخرى بعد إعلان نتيجة إستفتاء تقرير مصير جنوب السودان.
(مهدي/ بريتوريا 8/يوليو/2011)
الإنفصال والفطام
(نعم، آن أوان التغيير والعودة لمنصة التأسيس)
مهدي إسماعيل مهدي/ بريتوريا
13/ أبريل/2010
mahdica2001@yahoo.com
لن يكسب المؤتمر الوطني ولن تخسر أحزاب المُقاطعة شيئاً من كذبة إنتخابات أبريل، فالمؤتمر الوطني لن يكتسب شرعية لُسُلطة قاهرة ظل يُمارسها لأكثر من عقدينً ونيف، عبر إنتخابات صورية لا تختلف عن هذي شيئاً، فحتى ولو إنتخب الشعب السوداني عن بكرة أبيه، المُرشح/ عُمر البشير، رئيساً للجمهرية وبنسبة 100% في إنتخابات حُرة ونزيهة فلن يُفيده ذلك شيئاً في مواجهة تُهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي لن تُسقط عنه إلا في حال مثوله أمام المحكمة الدولية المُختصة وتمكنه من إثبات براءته مما نُسب إليه من إتهامات. أما أحزاب المُقاطعة (وعلى رأسها حزب الأُمة) فلن تخسر شيئاً بمقاطعتها للإنتخابات، إذ أنها لو شاءت مُهادنة الإنقاذ لفعلت ذلك تحت أي مُسمى كالوفاق والتراضي والمُصالحة ولربما نالت أكثر مما قد تتحصل عليه من مهزلة الإنتخابات، وبحمد الله فإن اللُغة العربية ولادة وحمالة أوجه، وعفا الله عن ما سلف تجبُ ما قبلها، كما درجنا على ذلك دوماً.
إن الخاسر الوحيد في هذه المسخرة هو الشعب السوداني، شاهد الزور الذي لم يُشاهد شيئاً (شاهد ما شافش حاجة)، فأزمة الحُكم ستظل كما هي، بل سوف تزيدها مسرحية الإنتخابات تعقيداً على تعقيد، وفي أحسن الأحوال فهي ليست سوى تكريس لإنفصال صار واقعاً، وإهدار لمال ووقت وموارد يحتاج إليها المواطن الأغبش بشدة في مواقع اُخرى أكثر جدوى، ولو تم إنفاق هذه الأموال الطائلة والجُهد المُهدر في حفر مراحيض عامة لإصحاح البيئة لكان ذلك أنفع وأجدى.
عنوان هذا المقال (والجواب يُقرأ من عنوانه) مُقتبسُ من دراسة رائدة وإسهام فكري مُتميز لم ينل حظه من التدبر والحوار النابه، للراحل المُقيم/ الخاتم عدلان بعنوان (آن أوان التغيير) وفعلاً فقد آن الأوان لكي تتدارس كافة القوى التقدمية ذاك البحث القيم، خاصة بعد أن رحل صاحبه إلى الدار الآخرة، وبالتالي لم يعد أي معنى لإتهامات التآمر وغيرها من التهم الباطلة التي توجه لإغتيال شخصية كُل صاحب رأي نير وجديد، كما أن جزءاً من عنوان المقال إقتباس من إسهام آخر حديث لا يقل ثراء وموضوعية للدكتور/ الواثق كمير بعنوان (الحركة الشعبية؛ العودة لمنصة التأسيس)، وفيهما تناول الرائدان اللذان لا يكذُبان، بالتحليل قضايا التقدم والسودان الجديد، الذي نُريد.
كُنا قد توصلنا في المقال السابق إلى خُلاصة مفادها تلاقي مصلحة مثُلث الشر (إنفصاليو الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني والقوى الغربية مُمثلة في قرايشن) في فصل الجنوب كخطوة أولى في خطوات وئيدة ومدروسة جيداً لتفتيت السودان، وبالتالي تلاقي مصلحة الثالوث في إستمرار نظام البشير في الحُكم (إلى حين معلوم)، ولكن في حال من الوهن والضعف (Lame-duck).
كما أوضحنا سبب بلبال القوى السياسية شمالاً وجنوباً (الحركة الشعبية والحزبين التقليديين)، وأوجزناه في حركة التطور الإجتماعي المُتناقضة مع الأصول الفكرية والطائفية التي استندت عليها هذه القوى السياسية، ومع أن حزب مولانا قد بان أمره منذ أن بقي سيدي بإرادته وطوعه خارج البلاد لعشرين عاماً ولم يعُد إلا لتلقي العزاء في وفاة شقيقه (كأنما الملايين الذين ماتوا حرقاً جنجويدياً في دارفور وقصفاً جهادياً في الجنوب لا يستحقون عزاءاً) ، فالسودان لدى هؤلاء لا يعني أكثر مما عنى لمحمد علي باشا والدفتردار، وقد إختزلوه أكثر من مرة في استرجاع جنينة وأطيان وأراضي وأموال (لم يضربهم في الحصول عليها، حجر دُغُش)، وكما قال شيخ المُناضلين "الراجل الدوغري" المرحوم/ الحاج مضوي "ديل ناس بنوك ساكت".
وقد تكهنا بأن القوى الكُبرى سوف تقلب ظهر المجن للبشير- بعد إستنفاد غرضه وإنتهاء صلاحيته بفصل الجنوب- أو مد الحبل له ليُكمل تفتيت البلاد بإنفصال دارفور التي تسير على ذات خُطى نيفاشا "حذوك النعل بالنعل والحافر بالحافر" ولعل أوضح دليل على ذلك تهميش مناوي كما هُمش سيلفا، بغرض تنفيرهما من الوحدة، ولقد قالها مناوي "إنني كبير مُساعدي رئيس الجمهورية، ولكن أي مُساعد حلة أقل تهميشاً مني "فعلى الأقل يُعطى مُساعد الحلة بصلاً وزيتاً لسبك الطبخة"!!!.
نأتي للمؤتمر الوطني، فبعد أن يُزمر ويُطبل ويرقُص قادته رقصة "صقرية أولاد جعل" على أشلاء الوطن المُستباح، وبعد أن يكون قد أضاع أسابيع في لُجاج الشرعية واللاشرعية، وتشكيل الحكومة المركزية وحكومات الولايات وتوزيع البنادول على الناقمين من الموعودين والمُستألفين، سوف يجد الحزب نفسه أمام معاضل إستفتاء أبيي وترسيم الحدود وإستحقاق إنتخابات ولاية جنوب كُردفان ومشورتها مع رفيقتها ولاية النيل الأزرق، وهذه كُلها قنابل موقوتة ينبغي تفكيكها قبل يوم الهول الأعظم (إستفتاء الجنوب) وليس أمام المؤتمر الوطني سوى خيارين، أما الإستمرار في مسرحية ما يُسمى بحكومة الوحدة الوطنية وجمع أحزاب الفكة (الدقير والزهاوي ونهار ومسار وعبد الظمبار) بعد إضافة حزب المير-غني (وتعني باللغة الأوردية "لغة أهل بلوشستان" السيد الغني) والتباهي بأنها حكومة مُشكلة من 26 حزباً ميكروسكوبياً؛ أما الخيار الثاني فهو محاولة جر حزب الأُمة بشتى السُبُل والإغراءات (ليس حُباً في سواد عيون الإمام) إنما لأن دهاقنة الإنقاذ يعلمون علم اليقين أنهم أعجز من حمل وزر خطيئة إنفصال الجنوب لوحدهم، ولذا سوف يحاولون توريط وتلويث أكبر عدد مُمكن من القوى السياسية في تلك الكارثة القادمة حثيثاً؛ ولنتذكر أن ذو الفقار بوتو (وهو من هو في تاريخ باكستان) عُلقت رقبته على حبل المشنقة ثمناً لخُسارته الحرب ضد الهند وإنفصال بنغلاديش، مع أنه لم يكُن مُشيراً ولا عميداً أتى إلى السلطة على ظهر دبابة، محمولاً على أجنحة الكذب والمُكر السيئ، وتُحيط به تهماً يُشيب لهولها الولدان.
أما الإتحاديين فأمامهم مُهمة عسيرة وهي تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبه الزعيم/ إسماعيل الأزهري، عندما قام بتذويب "الحزب الوطني الإتحادي" في حزب "الشعب الديمقراطي" وتكوين ما يُسمى اليوم بالحزب الإتحادي الديمقراطي (لتكبير كومه في إنتخابات رئاسة الجمهورية المُزمعة آنذاك، لمُنافسة الإمام الهادي – يرحمهما الله)، ويتعين على الشيخ الجسور/ علي محمود حسنين ورفاقه الشُرفاء، توحيد وإستعادة حزب الحركة الوطنية الأول (الحزب الوطني الإتحادي) وإعادة حزب طائفة الختمية (حزب الشعب الديمقراطي) إلى حجمه الطبيعي بقيادة الميرغنية وأتباعهم من الطائفيين، ومن ثم الإنعتاق من أسر آل الميرغني وكاتم سرهم، الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الذاتية الضيقة، غير آبهين لتمزق الحزب العريق وتشوه صورته التي كانت أنصع من الثلج ذات يوم.
يُحمد للحزب الشيوعي وضوح موقفه وثباته عليه، ولكن أمراض الشيخوخة والتكلس باتت جلية على روح وجسد الحزب الذي يحتاج إلى ضخ دم جديد وفكر جديد، فقد "آن أوان التغيير" وتكريم الحرس القديم والبحث لهم عن أدوار اُخرى غير قيادة العمل السياسي اليومي، ومرة اُخرى لا بد من الحوار الجاد بشأن المُتغيرات التي اجتاحت العالم منذ سقوط الأنظمة الشيوعية وهبوب ريح البروستريكا، وإستيعاب المُتغيرات المحلية المتمثلة في تصاعد رؤى السودان الجديد، والتحالف معها بدلاً عن إستعدائها أو محاولة الهيمنة عليها، فتكرار تجربة الجبهة الديمقراطية لا يُجدي فتيلاً.
إن ما حدث منذ توقيع إتفاقية السلام الشامل (2005) وتغييب جون قرنق، ومن ثم إستقواء تيار الإنفصال داخل الحركة الشعبية، يُحتم ويُشير إلى أن "الأوان قد آن" لبروز تنظيم مُستقل لقوى السودان الجديد، فقد إستوى المولود بعد المخاض العسير واشتد عوده الأخضر وآن أوان فطامه، ولكن ينبغي أن لا يتم ذلك الفطام بالشقاق والخصام وإنما بالتراضي والإفتراق بإحسان، وسوف يظُل القابضين على جمر الوحدة مُدينين بالكثير من الفضل والتقدير للحركة الشعبية التي أكسبت رؤية السودان الجديد شحماً ولحماً، ولكن المرحلة القادمة تتطلب تنظيماً جديداً بعيداً عن هيمنة الإنفصاليين في الجنوب وبعيداً عن مُدمني الهيمنة والسيطرة وإحتكار الرؤى الجديدة في الشمال.
لا نرمي بذلك إلى نكأ الجراح وإثارة الشقاق، ولكن مواقف الحركة الشعبية منذ إنتفاضة أبريل 1985 "التي كانت بحاجة ماسة إلى تعضيد ومُساندة الحركة حتى لا تبقى مايو2" و خطيئة إستبعاد التجمع من مفاوضات نيفاشا، والتساهل في القضايا التي تهُم رفاق النضال في جبال النوبة والنيل الأزرق، ثُم المساومة على إستحقاقات التحول الديمقراطي، وأخيراً سحب المُرشح/ ياسر عرمان، من سباق الرئاسة دون توافق وتشاور مع قوى إجماع جوبا، وكُلها بينات تدل على أن الحركة يممت وجهها شطر الجنوب أولاً، مع الإدراك الكامل لمُبرراتها الموضوعية، وعلى رأسها ضغوط الغرب ونجاح المؤتمر الوطني في تنفير الجنوبيين (قيادة وشعباً) من الوحدة، ولا لوم على أحد إن اختار الحُرية على دفع الجزية وهو صاغر.
ختاماً؛ فبعد شد وجذب وبلبال، قررت أحزاب المُعارضة ذات الوزن الثقيل مُقاطعة الإنتخابات، لأسباب إتضح الآن وبعد مرور يومين فقط على مسخرة الإنتخابات، بأنها أسباباً موضوعية تماماً، مع أنني كُنت مع الرأي القائل بضرورة الإستمرار في العملية الإنتخابية (رغم عدم نزاهتها) لمُبررين: الأول هو الحفاظ على ما تحقق من مكاسب ديمقراطية والضغط بإتجاه مزيد من الحقوق، والثاني هو أن مُشاركة أحزاب المُعارضة التي تُشكل تحدياً وبُعبعاً حقيقياً للمؤتمر الوطني (أي الحركة الشعبية والأُمة)، سوف تُجبر المؤتمر الوطني على القيام بعمليات تزوير أكبر وأكثر وضوحاً وبالتالي ينكشف أمره تماماً، ولو شارك هذان الحزبان المُعارضان لكان الإقبال أكبر وبالتالي لتضاعفت الفوضى وبان سوء الإعداد بطريقة كارثية أوضح مما هو كائن الآن، وعندها لا يكون هنالك مناصُ من إعادتها، حتى ولو كره كارتر وقرايشن.
وعلى ذكر مقوضية الإنتخابات فقد أدهشني أن أعضاءها، في مؤتمرهم الصحفي (يوم الجمعة 10/04/2010) كانوا يؤكدون بأن كُل شئ على ما يُرام وأنهم يعلمون دبيب النملة وأن كُل ورقة في مكانها الصحيح، وكانوا جميعاً يتصرفون ويتحدثون كأنهم خُصماء لأحزاب المُعارضة التي طالبت بالتأجيل، وقد إتضح وبدون أي تجني، أنهم أبعد ما يكونون عن الجاهزية والمهنية التي زعموها.
آخر الكلام: التحية والإجلال للإعلاميتين المُتميزتين، رُفيدة ياسين، ودُرة كمبو، فقد كانتا أول أمس (خلال المُناظرة الإعلامية بالفضائية السودانية) "أرجل من الُرجال".