الإنقاذ , الذكري ومحاسبة الذات ؟ …. بقلم: د. زاهد زايد
14 July, 2010
مرت الذكرى الحادية والعشرون للإنقاذ كما تمر الأيام في صيف الخرطوم الغائظ لم يحتفل بها أهلها ولم يحفل بها أحد , لم نسمع ولم نشاهد الكرنفالات ولا العروض العسكرية ولا الاحتفالات الشعبية كما كان في أوج سطوتها وقوتها كما لم اسمع ببرقية تهنئة واحدة لرئيسها حتى من رئيس جزر القمر .
هكذا كان يوم ثلاثين يونيو هذا العام . وحسنا فعلوا فلا شيئ يستحق الاحتفال وهذه القناعة اصبحت حقيقة فحتى لو ارادوا ذلك فبأي شيئ سيحتفلون بسلام الجنوب ونحن على شفا انفصال الجنوب أم بحرب دارفور وتقرير شهر يونيو يقول ان اقل بقليل من ثلاثمائة شخص فقط قتلوا في دارفور في هذا الشهر ويقولون إنه أقل عدد من بقية الشهور , أما حال الاقتصاد فيكفي الغلاء وفلتان السوق بدرجة لم يسبق لها مثيل في معظم دول العالم ان لم يكن في كلها .
لم يكن ممكنا أن يتجاوز الإنقاذيون الاحتقان الذي يلف كامل البلد وهو احتقان مخيف وملئ بكثير من الصعاب التي هي من صنع أيديهم فقد بدأوا يشعرون بالعزلة الداخلية بعد العزلة الخارجية المضروبة عليهم وعلى رئيسهم الذي لا يستطيع إلا التحرك في الخارج بحزر وخشية شديدة في ظل اتهمات قديمة وجديدة من الجنائية الدولية له بالابادة الجماعية وهي تهم ستحاصره وتقلل من نشاطه وستبقي سيفا مسلطا عليه مهما حاولوا التخفيف منها ومن آثارها, وقريبا جدا سينسحب الجنوبيون من كامل مؤسسات الدولة في دولتهم الوليدة ولن تجد الإنقاذ من ترتكز عليه وستكون وحدها في مواجهة شعب الشمال الذي أذاقته المر طوال سنواتها العجاف .
من الواضح جدا أن السنوات القليلة القادمة ستكون من أصعب الحقب على الإنقاذيين ولا يبدو في الأفق أن عقلية القوم ستتغير وفقا للمرحلة الصعبة التي هي قادمة لا شك فيها فاستشعارهم لخطورة ما سيأتى لا شك فيه لكن التعامل معه يبدو بعيدا جدا عن الطريق الصحيح فقد بدأوا بما هو أسولأ وذلك بتضييق هامش الحرية وبالاعتماد علي التحالفات الهشة والانصراف عن هموم المواطن المعيشية والمناكفات مع دولة مثل ليبيا بدلا عن السعى الجاد لحل مشكلة دارفور وانجاح مفاوضات الدوحة.
يخطئ الإنقاذيون إذا ظنوا أن الأمور ستحل نفسها بنفسها ويخطئون أكثر لو ظنوا أن التعامل بنهجهم القديم سينقذهم مما هم فيه , والتعامل المبني على تجاهل الحقائق لن يفيدهم في شيئ فلا المرحلة تتحمل ولا الشعب سيصبر أكثر مما صبر.
كان المفروض أن يعي القوم أن المرحلة القادمة تتطلب الصدق مع النفس ومع الآخريين الذين هم جزء من الحل الذي لن يكون إلا بهم ولن يكون الصدق واقعا إلا اذا اعترفوا بأخطائهم في حق البلاد والعباد وذلك بتعديهم وسلبهم للسلطة قبل واحد وعشرين عاما وما تبع ذلك من قتل واعتقال وتعذيب للمعارضين الشرفاء وبتشريدهم وفصلهم للناس من وظائفهم وباسغلالهم للمال العام والثراء من وراء ذلك ثم بتزويرهم للانتخابات وباعترافهم بمسئوليتهم في اشعال نار الفتنة في دارفور ومحاسبة كل من تثبت ادانتة في كل هذا . بهذا وحده ينفتح الطريق أمام الجميع لمواجهة المرحلة الخطرة التي بدأت نذرها تلوح في الافق.
الكثير مما ذكرت ليس صعبا ولا مستحيلا فقد سبقهم عرابهم ومخطط ثورتهم للاعتراف بخطأ قيامهم بالانقلاب ومعه الكثير من قيادات حزبهم السابق واللاحق وهي قناعة تترسخ يوما بعد يوم بين البعض من النافذين منهم أما تشريدهم للناس وقطع ارزاقهم فقد اعترفوا بالمظالم التي ألحقوها بالناس وحاولوا تدارك ذلك الخطأ بتكوين لجنة لاعادة المفصولين , وتتبقى مسائل ثلاثة ليست سهلة على من اقترفوا الجرائم في حق البلاد والعباد وهي المحاسبة لمن تثبت ادانتهم في تجاوزات في دارفور ومسألة الثراء الحرام وكذلك تجاوزات البعض بشأن المعارضين وهي مسائل قانونية يحكم فيها القضاء , إن من يتجاهل ويرفض هذه الاساسيات إما جاهل بما هو قادم أو متورط يخشى على نفسه مغبة المحاسبة فالشرفاء أيا كانوا لن يقلقهم الحق والرجوع إليه الذي هو خير من التمادي في باطل سيطالهم هم قبل المجرمين .
الشجاعة والمسئولية أمام الله ثم أمام الناس تفرض على الشرفاء من منسوبي الإنقاذ ممن يدعون بأنهم لم يتلوثوا بأي شيئ يمسهم في عقيدتهم وفي شرفهم وامانتهم أن يتحركوا باتجاه المصالحة مع الذات ومع الآخريين , اما سكونهم وصمتهم فإن من شأنه أن يعزز قناعة البعض بأن الكل في الإنقاذ سواء .
Zahd Zaid [zahdzaid@yahoo.com]