الإنقاذ في عشريتها الثالثة خاتمة مشروع اليمين السياسي في السودان. بقلم: خالد موسي دفع الله
ترحيب بعودة سودانايل
افتقد القراء لأسابيع خلت الطلعة البهية لصحيفة سودانايلالألكترونية وهي تغزل من الشتات السوداني في الجغرافيا والمعرفة والأفكار نسجا من قماشة التأمل في حال الوطن، وموقعه من الخارطة الإنسانية، واستطاعت بحكمة سياستها التحريرية بقيادة رئيس التحرير الأستاذ طارق الجزولي واستقلالها السياسي والفكري ووفائها للتقاليد المهنية العريقة أن تتجاوز أدواء الصحافة المحلية في التردد والتقييد وأن تقفز علي هتافيات الصحافة الخارجية وتهريج فش الغبائنوشخصنة الشأن العام. فأستقامتعلي الحقيقة ما وسعتها حيلة كتابها من مختلف المشارب الفكرية والتوجهات السياسية. إن عودة الصحيفة بتصميم من رئيس تحريرها وعون من اصدقائها والمهتمين برسالتها وعلي رأسهم البروفيسور والمفكر عبدالله علي إبراهيم يجدد الأمل في صحافة راشدة تستقيم علي تقاليد المهنة وتحافظ علي استقلالها وتزيل غشاوة الرمد الربيعي من عيون النخبة السودانية، وأن تظل أرض حرام علي سقاة حمل الفتنة ،وان تخفض جناح الوعي من المعرفة بجدل اللسان والجنان والوجدان والعقل من اجل الحقيقة لا بكيد السنان من حملة الشراشف والأحبار والرهبان في ساحة الهرج الكبري.
خالد موسي دفع الله
الإنقاذ في عشريتها الثالثة خاتمة مشروع اليمين السياسي في السودان
خالد موسي دفع الله
KHALIDDAFALLA@GMAIL.COM
عندما يترجل الرئيس البشير عن كرسي الرئاسة والحكم حسب مسار الاستحقاق الدستوري الراهن سيترك للمؤرخين سجلا ضخما من الأحداث والتحولات وستنوء الذاكرة الشعبية والروايات الشفوية من القفزات الهائلة وتزاحم الأضداد عبر مراحل الإنقاذ السياسية المختلفة،وسيسعى العقل الشعبي للاستزادة من تناقضات التاريخ لضرورات الانس الاجتماعي الموار بكثير من الاختلاقات الدرامية وقليل من الحقائق الموضوعية، ولكن سيجري حكم التاريخ علي انه غير وجه السياسة في السودان للأبد باعتباره اول رمز للإسلام السياسي في العالم السني وخاتمة المشروع السياسي لليمين السوداني في السياسة والحكم، بما يعني ان حكم الإنقاذ قد دفع بأجندة اليمين السياسي الي نهاياتها المنطقية ومنح تحالفات وتشكيلات اليمين المحافظ في السياسة السودانية من مجموعات دينية وأحزاب وطنية وكتل اجتماعية القوة السياسية والتجربة العملية والقاعدة الشعبية والقدرة والطاقة الحيوية للمحافظة علي السلطة ومواصلة التأثير علي تشكيلة الحكم لعقود طويلة قادمة. ولا توجد ترجيحات موضوعية لتغيير هذه المعادلة إلا بتفكيك هذا التحالف بالقوة الجبرية من غزو خارجي او نصر عسكري حاسم وهو امر مستبعد. وسيضفى التاريخ علي الرئيس البشير لقب أطول الحكام مكثا في كرسىالرئاسة، وانه حافظ علي كيان الدولة السودانية في ظروف بالغة التعقيد انهارت بأسبابها دول أشد رسوخًا في أسس الدولة والمجتمع والسياسة من السودان، وحقق انجازات ملموسة في مجال التنمية والخدمات والبنية التحتية. وربما سيزيد العقل الشعبي في رواياته الشفوية الذي يحتفي بمناقب التواضع والفروسية في تمجيد شجاعته السياسية وهو يقتحم الاخطار ويقاوم آثارالحصار الدولي علي البلاد ويتصدى لمؤامرة المحكمة الدولية ويواجه خصومه متجردا في ميدان السياسة والقتال العسكري لا سيماوقد خرج من كل معاركه التي خاضها حتي هذه اللحظة منتصرا. فقد تخلص من كل خصومه السياسيين عبر كل المراحل والحقب من حلفائه الأقربين الي عداتهالابعدين، وانتصر في جل معاركه العسكرية حيث حرم خصومه من تحقيق نصر استراتيجي يكسر شوكة الدولة عبر العنف والتمرد والغزو المباشر بمناصرة قوة خارجية. وسيأخذ عليه خصومه حقا وباطلا انه عطل مسيرة التحول الديمقراطي في البلاد وان جنوب السودان اختار الانفصال اثناء فترة حكمه وانتشر التمرد في دارفور في ذات حقبته. وشتت المعارضة بالتدابير السياسية والقوة الجبرية وانه تولدت طبقة اجتماعية جديدة ارتبطت بدواوين الحكم والسياسة.
سيكتب عنه التاريخ انه اختار ان يحافظ علي كيان الدولة في ظروف حرب داخلية شرسة علي حساب الحريات المطلقة مثله مثل كل الرؤساء في العالم الذين واجهوا ذات التحديات والظروف فقد اختار الرئيس الامريكي جورج بوش بمساندة الكونغرس صك قانون الوطنية الامريكي الذي وازن بين الحريات المدنية والضرورات الأمنية التي اجازت التنصت وانتهاك الخصوصية ، لكن سيكون العقل الشعبي مشغولا بسرد إنجازات وإخفاقات الخدمات والبنيات الاساسية من صحة وتعليم وسكن وطرق وكهرباء ومياه ، فيما ستنشغل الطبقة السياسية بقضية الحريات والمشاركة السياسية واقصاء الخصوم والتنكيل بهم وكسر شوكة التمرد.
سيهتم المؤرخون بعشريات السودان الثلاث، العشرية الأولي التي حكم فيها الدكتور حسن الترابي بشرعية التغيير الثوري وولاية الحركة الاسلامية عبر التمكين في السودان وقد بسط في ذلك الشيخ الترابي كتابا عن عبرة المسير عده البعض تحللا من المسئولية السياسية والفكرية . اما العشرية الثانية فقد شاركت الرئيس البشير في الحكم مراكز قوي اخري برزت بعد المفاصلة حملت معه مسؤولية النجاحات والإخفاقات حتي نصف العشرية الثانية التي انتهت بانفصال جنوب السودان عبر استفتاء شعبي حسب احكام اتفاقية السلام الشامل.
لكن في ذات الوقت سيكتب التاريخ ان العشرية الثالثة تعتبر حكما خالصا للرئيس البشير لم تنازعه فيها مراكز قوي متعددة او مشيخة دينية قابضة، وهي الفترة التي اكتملت له فيها سمات الكاريزما السياسية الطاغية وخصائص القيادة الفردية لدرجة ان الحزب الحاكم بنى حملته الانتخابية للإستثمار في كاريزما الرئيس السياسية وقيادته الشخصية لتحقيق الفوز في الانتخابات، وهي ذات الأسباب التي قادت كثير من قيادات الحزب والحركة الاسلامية لممارسة مضاغطات سياسية واجتماعية وشعبية لإعادة ترشيحه خوفا من الانقسامات الداخلية وقيادة الدولة والمؤسسة العسكرية في ظل ظروف الحرب والحصار والمواجهات العنفية.
لكل ذلك ستصبح فترة الخمس سنوات القادمة التي تمثل النصف الثاني من العشرية الثالثة هي الأهم في تاريخ حكم الإنقاذ وقيادة البشير السياسية للبلاد ، ولا تكمن أهميتها كما هو معلن بأنها فترة الرئيس البشير الاخيرة في الحكم فقط لكنها تمثل تتويجا لمشروعه السياسي وخاتمة أعماله في حكم البلاد والعباد،، ولأنها ستمثل خاتمة مشروعه السياسي فان إنجازات واخفاقات هذه الفترة هي التي ستمضي الي حكم التاريخ وستحيا في عروق الذاكرة والتقييم الشعبي لعقود قادمة. سينسي الناس كل إنجازات الفترات السابقة وسيتجاوزون ويصفحون عن كل إخفاقات العشريتين الأولي والثانية ، فبعد اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان بين سلفاكير ومشار او بين الدينكا و النوير ادرك الحس السياسي للشعب السوداني حكمة قرار منح اهل الجنوب حق تقرير المصير لاستحالة ان تمضي وحدة السودان كما كانت في الماضي واكدت تداعيات هذه الحرب ان اهل جنوب السودان صوتوا باغلبية لصالح الانفصال استجابة لحملة شرسة منظمة دغدغت فيهم عواطف التحرر الوطني واثارت فيهم حمية التخلص مما سموه باطلا استعمار المندكورو،حتىتستأثر النخبة السياسية بالثروة والسلطة التي انقلبت وبالا عليها جراء التنافس الأعمى،فاذا قدر لهذه الحرب ان تندلع في ظل الوحدة الرمزية السابقة كان سيحمل العالم حكومة السودان وزر تبعاتها السياسية والقانونية والدولية والأخلاقية، لذا فان احترام خيار الجنوبيين في الانفصال سيمضي في أضابير التاريخ كأحد اهم إنجازات الرئيس البشير في تاريخه السياسي ، وربما لن يجني الرئيس البشير ثمار قراره السياسي الشجاع لأنه ما يزال يواجه معضلات الآثار السالبة للانفصال خاصة في مجال الاقتصاد، لكنه مهد الطرق للمستقبل ووضع أسس الاستقرار لأنه تحمل عبء حل اكبر عقدة ومعضلة في تاريخ السودان السياسي الحديث والتي كانت سببا مباشرا في فقدان الاستقرار السياسي وسقوط كل أنظمة الحكم بطريقة مباشرة او غير مباشرة وافقار البلاد واستنزاف مواردها المادية والبشرية وسببا مباشرا لعزلته الدولية وتشويه صورته العالمية. وهي تركة سيستغرق التخلص منها عقودا من الجدية والمثابرة والعمل الدؤوب .
تم تدشين برنامج الرئيس البشير خلال فترة الاستحقاق الدستوري الأخير عبر عدة مناسبات منها خطابه في حفل التنصيب وأداء القسم في البرلمان الذي ارتكز علي الإصلاح السياسي والاقتصادي والسلام عبر الحوار الوطني. وهو برنامج واقعي تتطلع مؤسسات الحزب والدولة لإنجازه ، لكن الذي يهمنا في هذا المقال ليس تحقيق دولة الرفاه الاقتصادي رغم انها الحلم الذي يتطلع اليه الجميع ،ولا الإكتفاء بتحقيقالسلام هو مطلب عزيز وأساسي لن تستقر أركان الدولة والحكم دونه، لكن اهم عامل علي الإطلاق سيحكم علي فترة حكم الإنقاذ عامة والرئيس البشير شخصيا هو تمكنه من نقل السلطة بصورة سلسة دون عنف او دماء او فوضي الي جيل جديد. ومهما عظمت إنجازات الإنقاذ في السياسة والاقتصاد والخدمات والمجتمع لكن سيظل موئل النجاح هو نقل السلطة بصورة سلسة دون فوضي او اضطرابات الي جيل جديد. والناظر لأحوال الدول التي انفرط عقدها في سوريا الأسد وعراق صدام وليبيا القذافي سيكتشف عاملا موضوعيا مشتركا وهو ان الرفاه المادي الذي حققته هذه القيادات التاريخية في هذه الدول أصطدمت بفشل أساسي ومميت وتاريخي وهو عجزها عن نقل السلطة بصورة سلمية وسلسة الي جيل جديد، وفي ظروف السودان المعقدة يحتاج هذا الفعل الي تدابير عميقة وجراحات قاسية وسلطة مركزية قابضة ودور قيادي وطليعي وشخصي للرئيس البشير لأن موضوع نقل السلطة سيظل هو التحدي الأكبر في كل فترة حكمه رغم الانجازات الأخري. لم يخلد التاريخ المشير سوار الذهب او يمنحه الاحترام اللائق لزهده في السلطة فحسب بل لإشرافه ونجاحه في نقل السلطة بطريقة سلسلة دون فوضي وفق قواعد الحكم والدستور، رغم ملابسات اللحظة السياسية التي تلتذلك.
ربما يختلف الناس حول طبيعة الدور الذي يمكن ان يلعبه الرئيس البشير في نقل السلطة بطريقة سلسة دون فوضي، وهو دور يفترض المثقفون والسياسيون ان يكون محايدا وهذا بالطبع المنشود، لكن ينطلق التحليل في هذا المقال من ان الإنقاذ في مسيرة حكمها قد حددت خارطة الصراع السياسي في السودان وربما يقول البعض انها حسمته بمعني انها رسخت في وجدان الشعب السوداني مرجعياته الاسلامية في السياسية والمجتمع خاصة احكام الشريعة وهذا قول فيه نظر ، لأن عبرة الممارسة ربما تنقص من هذا المبدأ، لكنها حسمت عنصر المزايدة فيه، ولأن هذا المقال ينطلق في تحليله من فرضية ان الإنقاذ تمثل خاتمة مشروع اليمين السياسي في السودان فهذا يعني اذا صحت هذه الفرضية في جدواها النظرية ان مشروع اليمين السياسي المحافظ في السودان بمسمياته وتجلياته المختلفة وتمثلاتهوترميزاته السياسية وقواه الاجتماعية الحية ستواصل دورها السياسي في حكم البلاد بعد انقضاء العشرية الثالثة، وذلك في مقابل مشروع الاقتلاع السياسي الذي تتشكل تحالفاته من اليسار السياسي بقواه المختلفة والكتل والنخب العلمانية و الحركات المسلحة التي تزعم تمثيل الهامش. و لا يهم مسميات الكتل التي تمثل مشروع اليمين السياسي في تحالفها الراهن فالصادق المهدي رغم انه احد الرموز التاريخية لليمين السوداني بحكم موئل قاعدته الشعبية ومصادر شرعيته الدينية والتاريخية الا ان مشروع تحالفه الراهن مع قوي اليسار والكتل العلمانية والحركات المسلحة هو تحالف سياسي طاريء وعابر لانهيتعارض مع مباديءو مصادر شرعيته التاريخية والدينية وسببه الرئيس هو الغبن السياسي من الإنقاذ. وهو كذلك عميق الوعي بخطورة مشروع هذه الحركات اذ تمكنت من الغلبة السياسية والعسكرية عبر فوهة البندقية ليس لأنها غير مؤهلة لحكم البلاد فحسب ولكن تدفعها روح الثأر والإنتقام علي اسس جهوية لا تتناسب مع حكمة من يملك زمام السلطة، هذا فضلا عن كونها لا تملك مشروعا سياسيا او فكريا لإدارة البلاد، ويتركز هدفها فقط في التخلص من مشروع الإنقاذ وبعده فلتتحول البلاد الي قاعا صفصفا. ولعل كتلة اليمين السياسي في تحالفها الراهن بامتداداتها السياسية والقبلية والدينية والصوفية قادرة علي حسم صراع التنافس السياسي عبر الانتخابات وآليات الديمقراطية البرلمانية،لأنها تملك القاعدة الشعبية المساندة، لذلك تسعي المجموعات السياسية المناوئة لهذا المشروع لتغيير أصول اللعبة السياسية ونكوصها المستمرعن خوض معركة التحول السياسي عبر التصويت الحر الديمقراطي وفي ظل هذا العجز السياسي تسعي لإحداث التغيير السياسي عبر فوهة البندقية.
تماسك كتلة اليمين المحافظ في معتركات السياسة سيعتمد في المستقبل علي قدرة المؤتمر الوطني وتشكيلات الحركة الإسلامية المختلفة علي قيادته والتخطيط لمستقبله،فإذا عجزت عن ذلك فلن يكون له اثر ملموس في ترتيبات الأجندة السياسية لعقود قادمة إذ سيعود الي سيرته القديمة ويرتد الي تشرذم سياسي وتكتل جهوي،وفي هذا الصدد يلحظ المراقب الحصيف التحول الجوهري في توجهات وتكتيكات زعيم المؤتمر الشعبي الشيخ حسن الترابي نحو بناء تكتل جديدومشروع وحدة بين الإسلاميين وقوي السودان الحية مما يعكس قلقا علي التحديات التي يواجهها السودان في ظل تحولات اقليمية مضطربة وسيناريوهات داخلية محتملة.
يتفق معظم المحللين والمهتمين بالشأن السياسي في مختلف عواصم الغرب وأوروبا ان السودان غير قابل للحكم في ظروفه الراهنة دون استمرار تحالف اليمين السياسي في الحكم عبر تحالفاته وامتداداته المختلفة شريطة تغيير سلوكه السياسي بمشاركة مقدرة عبر اتفاقية سلام عادلة مع القوي العلمانية المناوئة، وذلك لأن قاعدة اليمين السياسي تمثل العمود الفقري للإستقرار السياسي والإجتماعي في السودان علي الأقل في الوقت الراهن، وقد اظهرتالتشكيلة الراهنة للسلطة صورة مصغرة لشكل التحالف اليميني المنظور إذ تضم في تشكيلاتها الممتدة القبائل والقوي الاجتماعية الحية والمجموعات الدينية بما فيها طرفي النقيض الديني في السودان وهما اهل التصوف وانصار السنة وكذلك الأحزاب اليمينية التاريخية، ولعل اكبر اختراق سياسي في تشكيلة الحكم بعد فصل الجنوب هو ادخال دارفور في بنية السلطة المركزية في منصب نائب الرئيس وهو المنصب الذي كان في السابق حكرا لجنوب السودان. وبالتالي نزعت هذه الخطوة اي شرعية للحركات المسلحة ومزاعم تمثيل الهامش. والناظر لتشكيلة مجلس الوزراء الراهنة يلحظ بوضوح تحول ميزان التمثيل السياسي للريف وقلة تمثيل نخب المدن والحواضر مما يعني عمليا نهاية حكومة ام درمانالتاريخية ونخب البنادر في السياسة السودانية التي كانت تمثل حكومة مايو اظهر تجلياتها. فإذا كانت الحركات المسلحة والجبهة الثورية تزعم تمثيل اهل الهامش فان أغلبية تشكيلة السلطة الراهنة ريفية المنزع ولكنه ريف يميني محافظ غيرمتحالف مع العلمانية المتعسكرة. هذا التكتل والإصطفاف اليميني الجديد في السياسة السودانية سيرفع الحرج عن اتهامات الوسط النيلي في احتكار السلطة والثروة، لأنه سيمثل تحالفا لقوي اليمين الثقافي والفكري والإجتماعي في مختلف ارياف السودان وحواضره خارج جغرافية الوسط النيلي، كما سيذيب أحتقانات الصراع التاريخية مع قوي الإسلام السياسي.
خلاصة القول ان التاريخ سيحكم علي نهاية حقبة العشرية الثالثة التي تمثل تتويجا لحكم الرئيس البشير حسب الاستحقاق الدستوري الراهن ليس بما سيحققه من إنجازات في مجال الإصلاح والاقتصاد رغم أهميتهمافحسب، بل في نجاحه المطلق في نقل السلطة بصورة سلسة دون فوضي او دماء وفق احكام الدستور لتجنب سيناريو ليبيا وسوريا والعراق ، ولعل مناط الاستقرار السياسي يكمن في ان تنتقل السلطة الي جيل جديد داخل منظومة اليمين السياسي في السودان وفق تحالفاته الراهنة لأن اليسار بتحالفاته المعروفة وعلاقاته الخارجية المشبوهة ودعمه للحركات المسلحة وطرحه العلماني غير مؤهل ديمقراطيا ليكون البديل الا ان تحدث حركة اصلاحية عميقة داخله تعيد ترتيب اجندته وبرامجه وطرحه الأيدلوجي ، ليكون اكثر جذبا للجماهير وأقرب لمعتقداتها وثقافتها حتي يستطيع ان ينافس في الإطار الديمقراطي الحر، بعيدا عن الاستقواء بالخارج ماديا وسياسيا وعسكريا. ولعل البديل الموضوعي في حالة فشل هذا السيناريو هو الفوضى الخلاقة لكن يدرك الجميع ان الرهان علي الحكمة السياسية التي ظل يتحلي بها الرئيس البشير في كل المنعطفات الهامة في تاريخ حكمه ووعيه بحكم التاريخ ومسئولياته الوطنية والدستورية وحسه الاخلاقي والديني العميق سيتوج نهاية فترة حكمه بتحقيق الإنجازات والإصلاحات المطلوبة وهو يقود شعبه في طريق التحديات والمخاطر بثقةنحو المستقبل ولديه الفرصة ليصبح بحق الرئيس المؤسس للجمهورية الثالثة في تاريخ السودان الحديث.