الإنقلابيون ومرحلة اللادولة..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

الإنقلابيون تخلّصوا من رئيس الحكومة ووزراء حكومته التابعين للمجلس المركزي للحرية والتغيير، وبقوا قابعين يديرون دولاب الدولة من وراء ستار مع وزراء (التوافق الوطني)، الحاضن المدني الجديد للإنقلاب، بعيداً عن الرقابة والمحاسبة، ذلك الإنقلاب الذي هو الآخر فشل فشلاً ذريعاً في تقديم الترياق المضمد لجراحات الوطن المثقل بالهموم والمشكلات المعقدة، ومن باب تحمل أعباء الفعل السياسي كان الإنقلابيون نائمون على فراش منسوج من الحرير كما يقول المثل، قبل الإنقلاب، لأن الحكومة التي انقلبوا عليها برئاسة حمدوك تحمّلت سوداوية أوزارهم وقبح مسلكهم، أما اليوم فقد أصبحوا مكشوفي الظهر في مواجهة مباشرة مع مشكلات الأمن والسلام ولاستقرار، خاصة نائب رئيس الإنقلاب الذي ذهب غرباً عساه أن يجد هاملة السلام داخل خياشيم الأبقار، أما رئيس الإنقلاب فقد طفق يهذي ويتأرجح ما بين العودة للجذور الجهوية والتنظيمية، وانتظار جحيم نار الثورة التي ما يزال شارعها حي يرزق، الحال الذي لا يحسد عليه، ومن المؤكد أن هؤلاء الإنقلابيين ندموا على إزاحة الرجل الذي جعلوه قماشاً يمسحون عليه أدرانهم ويوارون وراءه سوءاتهم عندما تدلهم الخطوب، وقد جاء هذا الندم صريحاً في إفصاح الرجل الثاني عن إخفاق إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، والمراقب للمشهد يرى بكل جلاء إضمحلال كينونة الدولة وإنحسار هيبتها ونزوع الناس نحو نزغ الجهويات والولاءات المناطقية.
لقد حاولت حكومة الإنقلاب حسم ملفات قضايا الشرق ودارفور وجنوب النيل الأزرق، لكن تفجّرت الأوضاع بصورة خطيرة لم يسبق لها مثيل في الدمازين والجنينة وكسلا وبورتسودان، ولم يستطع الجيشان – الدعم السريع والقوات المسلحة – حسم التناحر القبلي بهذه المناطق، فاليوم وبعد الإنقلاب لا يوجد من هو على رأس الجهاز الحكومي غير هذين الرجلين اللذين شغلا الميديا المحلية والإقليمية جيئة وذهابا، لا أحد غيرهما يتحمل مسؤولية الترهل الحكومي وانعدام الأمن والتضخم الاقتصادي وإغلاق أبواب الفرص التمويلية التي فتحها رئيس الوزراء المستقيل، والناظر لحال الإنقلابيين الذي يأسى عليه (الكافر)، يدرك مدى الفوضوية التي تعيشها الدولة (اللادولة)، ويعلم بأن الدكتاتور كان الأفضل حظاً من مساعديه اللذين طمعا في سلطة الشعب فاستحوذا عليها بغير وجه حق، وها هما الآن وفي أقل من عام يعلن أحدهما تشييع الإنقلاب ويدق على نعشه مسماراً أخيراً، هكذا يكون حال من لا يرعوي ومن لا يستبين النصح إلّا ضحى الغد، ففي مدارج السياسة لا تجدي القطعيات ولا يفيد الأصبع الذي يقول لا أريكم إلّا ما أرى، تلك المدارج التي لا يمكن السير عليها من غير استصحاب خصيصة الممكن ووضعها في الأعتبار، لقد نصح القصير الذي لا تصغي إليه الآذان وقال أن الركن الأوسط من الأركان الثلاثة للثورة – السلام – لا يمكن أن يتحقق بالتجزئة (بالقطّاعي)، فإمّا أن يكون شاملاً وإمّا أن تستعر نار الحرب مجدداً.
لا تعبير يناسب هذا العهد الحاضر من عمر الدولة السودانية غير وصف (مرحلة اللادولة)، فالقرار السيادي مفقود والجميع يقررون ما تمليه عليهم أجنداتهم، والكل يعمل على شاكلته، بلا رقيب أو حسيب، ما هكذا تساس الأمور يا إنقلابيين، لن تعبروا إلى بر الأمان وأنتم تدفنون رؤوسكم في الرمال، فمن يعاند رغبة الشعب يكون ذليلاً كثير الهم لا يفديه فاد، فالدولة لا تبقى ولا تكون في حال إصراركم على إعادة إنتاج المنظومة البائدة والحفاظ عليها وعلى مؤسسيها الذين أنتم جزء أصيل منهم، أفسحوا الطريق أمام القوى الناهضة ودعوا عجلة التغيير تدور، فهذه سنة الله التي جعلت أحوال الحياة في تجديد وتبديل وتغيير باستمرار تراتيبي ونسق كوني راتب، ولن تجدوا لسنة الله تبديلا، أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضه الآخر يا من قلتم أنكم سائرين على هديه؟، أم أنكم تأخذون من الآي الكريم ما يناسب رغائبكم ويخاطب شهواتكم غير المنضبطة، مثل تلك الآيات الداعية إلى تمكين عباد الله الصالحين في الأرض (الذين وبالضرورة ليسوا أمثالكم)، لقد طفح الكيل وانفرط عقد الأمن وما فتئت الحروب العرقية والجهوية تندلع بين الحين والحين، وأنتم تعيدون الفشل تلو الفشل بإعادة استخدام نفس المسكنات التي كان يعتمد عليها الدكتاتور في المعالجات الوقتية للمشكلات الوطنية الكبرى، الأمر الذي أورده موارد الهلاك الذي سيكون موردكم ومصيركم المحتوم، إن لم ترعووا.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
7 اغسطس 2022

///////////////////////

 

آراء