الاباطرة الرؤساء ما زالوا قادرين على انتاج المحن؟!
د. على حمد إبراهيم
19 June, 2011
19 June, 2011
أعنى بالاباطرة كل الرؤساء العرب الذين تتراوح مدد مكوثهم فوق صدور شعوبهم بين ثلث القرن ونصفه ، و مع ذلك لا تفتر عزيمتهم فى استمرار استحوازهم على السلطة و التشبس بها والعض عليها بالنواجز رغم ما احدثوه من بؤس وانحدار فى حياة هذه الشعوب . و من قتل و من دمار وسط هذه الشعوب لا لسبب إلا لأنها ارادت أن تكون لها ارادتها المستقلة عن ارادة هؤلاء الاباطرة الذين يجيزون لأنفسهم أن يجبروا هذه الشعوب لكى ترى ما يرون لأنهم لا يرونها إلا سبيل الرشاد . فهؤلاء الاباطرة لا يجدون حاجة فى انفسهم او اوقاتا يسألون فيها انفسهم لماذا وكيف حدثت كل تلك الانتكاسات الكثيرة لشعوبهم والتى تحت سمعهم وبصرهم دون أن تطرف لهم أعين من حياء ، أو تثور فى افئدتهم قشعريرة من وخز الضمير. والتى تراها عيون كل العالم الا أعين هؤلاء الاباطرة الكليلة . صحيح ان هذه الشعوب لم يكن لها ناقة او جمل فى كيفية وصول هؤلاء الاباطرة الى النعيم السلطوى الذى يتمرغون فيه . فالرؤساء الاباطرة يعينون انفسهم رؤساء دائمين بوسائلهم الخاصة التى من بينها القفذ على السلطة بليل من على ظهر دبابة أو القفذ عليها من نافذة التوريث أو من نافذة تزوير الارادات الشعبية ، هذا النوع من الفن السلطوى الذى برع فيه هذا البشر الحاكم كابرا عن كابر منذ اماد سحيقة . انهم جميعا من هذه الشاكلة بدون فرز . ولكنى افرد مقال هذا الاسبوع الاسبوع لواحد فقط منهم .على ان استمر فى سلخ جلود البقية الباقية فى قادم الايام اذا كان فى العمر بقية . دعونى أطلق على هذا الرئيس الدائم لقب الامبراطور الصغير فرزا له عن سلفه الامبراطور الأب الذى أسال بحورا من ى الدماء . ومن الاحزان اخلدها . أفعل هذا لأن قلمى ليس محايدا فى قضايا الشعوب العربية المنكوبة . ولن يكون . وأبدأ الحديث من أوله وأقول إن مشكلة الشعوب العربية مع هؤلاء الاباطرة تكمن فى مقدرتهم الغير قابلة للنفاذ على مغالطة الحقائق البادىة على ظهر الارض ، والتى يراها جميع خلق الله إلا هم . دعونا نأخذ بعض الامثال من مغالطات بعض اباطرة الشعوب العربية التى نراها ونسمعها هذه الايام . وهى امثلة تثير الرئاء والسخرية والتقزز ثم الضحك أخيرا لأن شر البلية ما يضحك. فهذا امبراطور صغير ، سعت اليه السلطة عن طريق الوراثة غير الشرعية ، يريد من العالم الذى يري كل شئ بعيون زرقاء اليمامة التى تخترق الحجب والأكمات الوعرة ، يريد منه أن يصدق أن الشعب الذى ظلت اسرته جاثمة على صدره اكثر من اربعين عاما وهو فى حالة استكانة كاملة ، قد تحول فجأة الى شعب من مندسين ، و شبيحة يقتلون رجال الأمن بدم بارد . ولكن العالم الفطن تساءل بخبث كيف حصل المندسون والشبيحة على السلاح الذى يقتلون به . كيف نقلوه . وكيف تلقوا التدريب العسكرى عليه ، كل ذلك ، بعيدا عن أعين أمن النظام التى تلتقط الكحل من العيون . العالم أبى أن يستمع الى تلك الاسطوانة المشروخة لأن له عقلا راشدا يميز به بين غث القول و بين ثمينه . و هكذا لم تلج حجة نظام الامبراطور الصغير فى عقل العالم المتحفز. وباتت محاولته بيع تلك البضاعة المزجاة مستحيلة كما هى مستحيلة محاولة ولوج الجمل فى سم الخياط التى حكى عنها القرآن الكريم كمثل للاستحالة المتناهية . بل تولدت و استقرت فى ذهن العالم وعقله الجمعى قناعات جديدة مغايرة تماما لما اراد النظام ان يدخله فى عقل ووجدان عالم باتت ثورة المعلومات تحميه من الوقوع فى براثن الاستغفال . فقد انفتحت شهية محللى العالم ، وشهية ناشطيه لفتح صندوق باندورة الامبراطور الصغير ليروا ماذا يخبى من محن قادمة انطلاقا مما اخذ يتبدى لهم من كوة الاحتجاجات الثورية التى يتضاعف مداها و يتضخم حجمها مع تضخم العنف البوليسى ضدها . وتبلورت صور شتى لمحن شتى . ولم تتبلور صور مقابلة ايجابية تنبئ عن نهايات قريبة لمحنة الامبراطور الصغير الذى ظن أنه سيكون قادرا على قتل الضحية والسير فى جنازتها مثلما فعل الامبراطور الكبير بنجاح ذات يوم ، لأن ثورة المعلومات لم تكن قد اجتاحت العالم بعد . قراءات جديدة عن مصائر الصالونات الرئاسية الغافلة عن الحيوات السياسية المتجددة من حولها تعطى صورا قاتمة لما سوف تؤول اليه الاوضاع غدا فى عالم ثورات الربيع العربى الحالية . احدى الدراسات تضع عمرا افتراضيا لنظام الامبراطور الصغير لا يتعدى الستة اشهر . دراسة ثانية تبخل عليه بهذا الوقت الطويل وتختصره الى ثلاثة اشهر تنقص و لا تزيد . وتبرر الدراستان ما انتهت اليه من تصورات قد يراها مؤيدوا النظام متشائمة و متحاملة اكثر من اللازم بأن الامبراطور الصغير بدأ يفقد سيطرته على الاوضاع فى داخل حصنه لصالح العناصر المتشددة المحيطة به فى وقت اخذت فيه قواته الباطشة تعانى من التبعثر فى مواقع كثيرة و متباعدة بينما يتزايد الدعم للثورة من المثقفين والناشطين . ومن دوائر المال السورية ، التى اخذت توفر للثائرين التلفونات السيارة ووسائل الاتصال بمحطات الاقمار الصناعية والانترنت . بل و تركن الدراسات الى الاطمئنان الكامل لكى تقول أن الاسرة الدولية اخذت تتهيأ لشرق اوسط خال من الامبراطور الصغير . وهى منقسمة بين مصدق ومكذب مثلما كان حالها فى ذلك الوقت الذى كانت تعاور فيه صدام وترجو رحيله وهى بين مصدق و مكذب بامكانية حدوث ذلك الشئ . فبعد ثلاثة اشهر من الصمود امام آلة القتل التى حركها الامبراطور الصغير ضد شعبه الاعزل ، وبعد كل صنوف البطش والتعذيب والاعتقال ، يتضح ان الثورة ضد الامبراطور الصغير هى ليست ثورة جياع عابرة يمكن التصدى لها بتوزيع بعض كراتين الاغذية وبعض جوالات ة القمح والدقيق لهؤلاء الجياع . ويتضح اكثر أن الاعتقاد بوصول نظام الامبراطور الصغير الى نقطة النهاية سببه قناعة المحللين بافتقار النظام لأى استراتيجية للحل غير استراتيجية القتل الجماعى والتخويف غير المجدية التى جربها نظام الامبراطور الصغير جريا على منوال سيرة الامبراطور الاكبر التى خلفت انهارا من الدموع والدماء والحزن المقيم فى سماوات حمص لم يجففها الزمن الطويل . صحيح ان الحكومة قامت بابعاد بعض الوحدات العسكرية من قلب المدن الى الارياف فى محاولة لتهدئة الغضب والثورة . ولكن هذه الخطوة لم تجد . اذ سرعان ما عادت الثورة .وسرعان ما عاد معها عنف البندقية الباطشة الى معظم المدن التى لم تستطع أن تنسى جراحها أو أن تغفر رغم تتابع الحقب .
ويقول دبلوماسيون مقيمون فى عاصمة الحديد والنار ان نظام الامبراطور الصغير المعتمد اساسا على الوحدات التى يقودها شقيقه لن يصمد اكثر من ثلاثة او ستة اشهر قبل أن يبدأ فى التهاوى الآيل الى السقوط .
و تنقل وكالة أنباء رويترز عن اكاديمى مقيم فى لندن القول " ان هناك اجماعا وسط المراقبين على ان النظام سيتهاوى فى ظرف اشهر قليلة لأنه لا يملك أى تصور لكيفية الخروج من ازمته الحالية. و لا يبدو ان امامه مخرج منها الا السقوط على نهج احدى الطريقتين : التونسية او المصرية ، ايهما حلت به اولا .
أما الاسرة الدولية ، وبعد أن عجزت عن أن تفعل شيئا وهى تتفرج على القتل الجماعى المتصاعد ، الوتيرة ، الذى تعدى فيه عدد القتلى حاجز الالف قتيل ، و بعد هروب عشرات الالوف من ديارهم ، فلم يبق امامها الا انتظار تحرك جنرالات الجيش لكى يطيحوا بالنظام الدموى فى انقلاب عسكرى ينهى هذه الازمة الدموية. وأن يبتعد هذا الجيش من مهام القيام باعمال الشرطة وحماية النظام ، و يلتزم بالكامل بواجباته المنصوص عليها دستريا فى القيام بحماية حدود بلده القومية وأن يوجه سلاحه الى صدور أعداء الشعب والوطن . وأن يفهم أن العزل الذين اسقطهم سلاحه فى درعا وبقية المدن ليسوا اعداء للوطن وليسوا اعداءا للشعب .
ومن سخرية اقدار الشعب المقتول كمدا أن اغنى اغنياء بلد الامبراطور الصغير ، وهو ابن عم الامبراطور فى ذات الوقت ، من سخرية الاقدار أن غنى زمانه وزمان الامبراطور الصغير هذا ، قد تذكر فجأة محنة الفقر والفقراء فى البلد المنكوب ، فقرر أن يركن نشاطه الاقتصادى الربحى جانبا مؤقتا لصالح اعمال البر و الخير لأن اقتصاد البلد المنكوب بقيادتهم قد تعرض الى شلل خطير ، الامر الذى حدا لأن يودع فى حساب البنك المركزى مبلغ بليون دولار لدعم الاقتصاد المتداعى حتى لا ينقد ضرع البقرة الحلوب فيتوقف عن مواعينه الحليب الصافى الذى كان يترع المواعين . ويقول محللون ان الحكومة أياها سوف تفشل خلال اشهر قليلة قادمة فى دفع مرتبات الجيش والشرطة واجهزة الامن ومرتبات المليشيا العلوية . وعندما يحدث هذا فلن يكون امام النظام الا الرحيل . و لابد ان مرتبات هذه الكيانات الاخطبوطية وامتيازاتها تستأثر بجل المال العام ، شأنها فى ذلك شأن كل انظمة البطش الشمولى التى تغرى بالمال وتخوف به . اذاا عطت المال ، فذلك اغراء كبير . واذا منعته ، فذلك ضرر اكبر .
ويتعرض نظام الامبراطور الصغير الى تبخيس شديد هذه الايام فيما يختص بمصداقيته امام العالم. فالعالم يسخر من ادعاءاته القائلة أنه يتعرض الى هجومات مسلحة من مندسين وارهابيين وشبيحة يقتلون اعدادا متزائدة من العسكريين السوريين بدم بارد . ويقول شهود على المحنة ان القتلى العسكريين الذين يتحدث عنهم النظام هم فى حقيقة الامر عسكريون مهنيون تمردوا على الاوامر العسكرية الحكومية ورفضوا اطلاق النار على شعبهم . فاهتاج ضدهم النظام . وحرض عليهم زملاءهم فقتلوهم قتل الفئران .
ويقول دبلوماسى اجنبى يعيش فى العاصمة القاسى قلبها ان هؤلاء القتلى هم فى غالبيتهم جنود وضباط من الرتب الوسطى والصغرى . و يقول ايضا ان هذه الثورة ، التى صمدت حتى الآن على مدى ثلاثة اشهر رغم العنف الشديد الذى ووجهت به من قبل الحكومة ، هى ليست ثورة مجرد جياع يطالبون باصلاحات عابرة هنا واسعافات معيشية هناك . انها ثورة حقيقية من أجل الحريات السياسية تسندها طبقة رجال الاعمال والمثقفون والطبقات العليا الذين يسهلون لها مجتمعين وسائل الاتصال الخارجى ، من قنوات فضائية وانترنت و تلفونات محمولة و كاميرات فاضحة للمدسوس المخفى . جنبا الى جنب مع العلاج والمال الضرورى .
لقد احدثت الثورة فزعا وهلعا وسط الجماعات الملتصقة بنظام الحكم الباطش مثلما يحدث فى كل البلدان للجماعات الانتهازية التى تبيع شرفها الوطنى وضميرها واخلاقها مقابل حفنة من منافع الدنيا الزائلة . الجماعت الموالية للنظام اخذت تتصرف بتخبط شديد . مثلا اخرج ضباط النظام ابناءهم من المدارس التى تقع فى مناطق سكن الاكثرية غير الموالية للنظام وتلك دائما هى علامات دنو الأجل المحتوم . ومعروف ان الاكثرية فى الجيش الذى وظف توظيفا امنيا هذه الايام ليس على مذهب أهل الحكم من الطائفى . و يأمل كثيرون وسط الشعب ان تتحرك الاغلبية العسكرية غير المتماهية طائفيا مع النظام . وتطيح به فى انقلاب عسكرى انقاذا لارواح كثيرة تنتظر دورها فى الهلاك اذا استمرت الانتفاضة الحالية وقتا اطول .
دبلوماسى اجنبى مقيم فى البلد المنكوب يصف نظام الامبراطور الصغير بجملة واحدة بليغة . ويقول تحديدا إنه يمر " بحالة من الضعف المهلك " . أن تصدق هذه التنبؤات ، فتلك هى اغلى الامانى والمنى . وإن تخيب اليوم او غدا ، فان أمل و عشم الشعب المنكوب فى الخلاص القريب يظل قائما . وقديما قال السشاعر :
ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل .
Ali Hamad [alihamad45@hotmail.com]