الاتفاق الإطاري بين الحكومة والحركة: حان الأوان لتجاوز (شغل الحركات) . بقلم: د. عثمان أبوزيد
د. عثمان أبوزيد
29 June, 2011
29 June, 2011
قبل أن أغلق سيارة الليموزين في مدينة جدة، بادرني سائقها البنغالي بنظرة مرتابة قائلاً: "سودان ... حركات كثير"!
تذكرت ذلك وأنا اطلع هذا الصباح (الأربعاء) على الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه أمس الثلاثاء 28 يونيو كل من الدكتور نافع والفريق عقار وشهد عليها الرئيس ثامومبيكي في مفاوضات أديس أبابا. وهو الاتفاق الذي ضمن قانونية الحركة بالشمال ، وشمل قضايا أخرى بما فيها قضايا منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ، وتشكيل لجنة سياسية وأمنية في جنوب كردفان للتوصل لاتفاق لوقف العدائيات.
إن أي اتفاق في مصلحة الوطن؛ سلامه وتنميته واستقراره هو موضع ترحيب وحفاوة من الجميع، ولكن يبقى الشك الكبير في أن حزباً يعمل بمنطق الحركة يمكن أن يكون لائقاً سياسياً و(صحياً) للمرحلة القادمة. ما يزال حزب الثلاثي عقار وعرمان والحلو يتخذ اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو الاسم الذي وقع به عقار على هذا الاتفاق ... أيعقل هذا؟
إنهم يصرّون على الاسم التاريخي حتى بعد انفصال الجنوب ورغبة (الحركة الشعبية) في ضمان الوجود القانوني بالشمال. من أوجب مقتضيات المرحلة أن يغيروا اسمهم وشارتهم وعلمهم.
قد يقول قائل: هذا اسمهم وهم أحرار فيه، وما دخلك أنت؟
في الخبرة السياسية للحركات في العالم أن الحركة التي تصل إلى إقامة الدولة ، عليها أن تعمل بمنطق الدولة لا بمنطق الحركة وبمفهوم الدولة لا بمفهوم الحركة. وأنا أدعو أيضاً الحركة الشعبية في الجنوب أن تترك صيغة الحركة لتقيم دولة. حركة طالبان أقامت دولة في أفغانستان ولم تستطع أن تديرها إلا بصيغة الحركة وانتهت إلى ما انتهت إليه. والحركة البعثية حكمت بسياسة الحركة وآل أمرها إلى ما نشهده اليوم في العراق وسوريا.
إنها هي نظرية العمل للحركة وللدولة. وهذا ما قلناه أيضاً بوضوح لـ (الحركة الإسلامية) في السودان [ انظر مقال: ما بعد صيغة الحركة الإسلامية، نشرته مجلة أفكار جديدة الصادرة عن هيئة الأعمال الفكرية]. قلنا إن الحركة الإسلامية عندما تصل إلى طور الدولة الإسلامية أو عندما تشارك في نظام سياسي إسلامي فإنها تكون قد عبرت بنجاح إلى غايتها ، ويتعين عليها أن تنتقل إلى وضع مختلف، فمنطق الدولة غير منطق الحركة. المصير الحتمي عندئذ أن تندمج الحركة في بيئتها كلياً عبر عمل مؤسسي يضمن قيام فعاليات اجتماعية وسياسية. أما إذا تمسكت الحركة باسمها وشارتها وصيغتها وأسلوبها في العمل، فإن مصيرها أن تصير خصماً على دولتها، وتبدأ دورة جديدة من عنف (الحركات).
عندما قلنا هذا ردّ علينا البعض قائلين: الدولة الإسلامية لم تقم بعد، ولا ندري متى تقوم: يوم القيامة؟! وقال البعض: أتريدنا أن نتخلى عن التنظيم ، وكأن التنظيم غاية لا وسيلة.
صيغة الحركة تعجز عن التصدي لمهام الدولة ولمهام العمل الحزبي. هذا أشبه بالقانون الطبيعي الذي يعمل في كل مكان.
لقد تحقق في تركيا وماليزيا نجاح واضح عندما انتقلوا من الحركة الإسلامية إلى حركة الإسلام، وتمكنوا من إعادة تعريف الحركة الإسلامية، والتجربتان الماليزية والتركية في طريق الإسلام الحضاري وسبيل الولاء العام للمسلمين جديرة بأن تحتذى.
لا نستطيع أن نقول هذا لجماعة الحركة الشعبية لأن طريقهم مختلف ومتقاطع تماماً مع الطريق التركي أو الماليزي، ولكن العبرة واحدة.
يقول ناطق الحركة الشعبية تعليقاً على الاتفاق الإطاري "إن الاتفاق يجيب علي السؤال التاريخي المتمثل في كيف يحكم شمال السودان قبل من يحكم، بجانب إنصاف جميع المجموعات السكانية في الشمال والاعتراف بحق الآخرين في أن يكونوا آخرين".
لن يحدث هذا أبداً ما دمتم تتمسكون بـ "شغل الحركات" هذه، إن كنتم في حركة شعبية أم إسلامية أم حركات عجيبة مثل حركة "أركو مني مناوي"!
ولا يصح إلا الصحيح.
osman abuzaid [osman.abuzaid@gmail.com]