الاتفاق الإطاري.. ومستقبل التحوُّل الدِّيمُقرَاطي (3-4): جرد حساب الاتفاق .. تقديم: ماهر أبوجوخ

 


 

ماهر أبوجوخ
29 January, 2023

 

دار الجالية السودانية
تورونتو- كندا
15 يناير 2023م

اتفاق إطاري أم نهائي؟!

دون الخوض في كثير من التفاصيل، حول ظروف وملابسات حواراتٍ ونقاشاتٍ دارت بين الطرفين الأساسيين في العمليَّة السياسيَّة، وهمُا الحُريَّة والتغيير والمُكون العسكري، ولحظات الصُّعُود والهُبُوط التي صاحبت هذه العمليَّة، والتعقيدات المصاحبة لها، كان أبرز ملامحها في الحُريَّة والتغيير محاولة تلافي التصدُّعات الداخليَّة بسبب ارتفاع صوت حزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل) الرَّافض لأي اتفاقٍ يتضمَّن استمرار “البُرهان” في أي موقع من المواقع السياسيَّة أو العسكريَّة، ورغم تمكن الحُريَّة والتغيير من تجاوُز واقع الانقسام في قرار المجلس المركزي المُنعقد في نوفمبر 2022م، والصَّادر بالإجماع، بإقرار مراحل العمليَّة السياسيَّة على مرحلتين: الأولي، اتفاقٌ إطاري، والثاني اتفاقٌ نهائي، لكن عند التوقيع على الاتفاق الإطاري حدثت “المُفارقة”، وغادر البعث الأصل الحُريَّة والتغيير.

خلُصَت تلك المُباحثات الطويلة للاتفاق على مسار العمليَّة السياسيَّة وتقسيمها على مرحلتين الأولى: “التوقيع على الاتفاق الإطاري”، وثانيها: “الاتفاق النهائي”، والغرض الأساسي لتقسيم الاتفاق على مرحلتين، هو تأكيد جديَّة الأطراف في إنهاء الوضع المأزوم، والانتقال لوضع جديد. وثانيهما، إشراك قطاعات أوسع في قضايا أساسيَّة تكتسب حساسيَّة وأهميَّة تتمثل في قضايا تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م، والإصلاح الأمني والعسكري والعدالة الإنتقاليَّة ومراجعة اتفاق سلام جوبا وقضايا شرق السودان، وتمَّ التوقيع على الاتفاق في الخامس من ديسمبر 2022م، وسط حُضُور إقليمي ودولي كبيرين. مع عدم إغفال مقصد آخر، يتمثل في التأكيد على التزام القُوَّات النظاميَّة والمُؤسَّسة العسكريَّة بالخُرُوج من الحياة السياسيَّة بشكلٍ نهائي، والوارد في بيان الرَّابع من يوليو 2022م، عبر النص عليه في نُصُوص اتفاقٍ سياسي مع القُوى السياسيَّة المدنيَّة، عوضاً عن جعله إعلان من طرف واحد يمكن التراجُع عنه أو تقديم تأويلات مُختلفة حول كيفيَّة تحقيقه.

تقييم الاتفاق كخارطة طريق وتمهيد لاتفاق شامل

قبل الإجابة على هذا السؤال، من الضَّروري التنبيه إلى أنَّ الاتفاق الإطاري هو فعلياً جزءٌ من كُلٍ، إذ يليه إتفاقٌ نهائي، ثمَّ إطارٌ دستوري، وبالتالي إذا قرَّرنا النظر لنتائج الاتفاق الإطاري، فمن الضَّروري استصحاب بقيَّة المرجعيَّات اللاحقة وما سينتُج بعدها.

للإجابة على هذا السؤال، تلازمنا بالعودة بشكلٍ أساسي لتطبيق القاعدة الرياضيَّة التي أشرتُ إليها سابقاً، بأنَّ معرفة مُحصِّلة أي عمليَّة تفاوُض يتم احتسابها رياضياً بالفارق بين حصيلة المكاسب، مخصُومٌ منها الخسائر، وهُنا قد يطرح سؤال أساسي: ما هي القاعدة التي يمكن على أساسها احتساب هذا الأمر؟ وللإجابة، سنعود للشعارات الأساسيَّة المرفوعة من الثوار المُقاومين للانقلاب، والتي ألخِّصُها في شعارين خفيفين على اللسان، ثقيلين في ميزان السياسة، أولهُما: (السُّلطة سُلطة شعب.. والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل).. أما الشعار الثاني فهو: المُنادي يشكل إجمالي بالقصاص ومُحاسبة ومُحاكمة قادة الإنقلاب على جرائمهم التي اقترفوها وسجنهم وإعدامهم.

بالنظر للشعار الأوَّل: (السُّلطة سُلطة شعب.. والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل)، فهو في تقديري يُلخِّص الهدف السياسي لمقاومة انقلاب 25 أكتوبر، ويعني تشكيل سُلطة مدنيَّة كاملة بدون وجود أي شراكة دستوريَّة مع المُكوِّن العسكري من خلال عودة الجيش والقُوَّات النظاميَّة للثكنات، وتفرُّغها لمهامها العسكريَّة والأمنيَّة، وحلَّ قُوَّات الدَّعم السَّريع المُستقلة بحيث تصبح قُوَّة خاضعة في إطار الجيش الواحد، بما يُنهي مسألة وظاهرة تعدُّد الجُيُوش والقُوَّات والمليشيات التي ورثتها البلاد من النظام المُباد.

نجد أنَّ الاتفاق الإطاري والمرجعيَّات اللاحقة نصَّت بشكلٍ لا لبس فيه على تكوين مُؤسَّسات حُكمٍ مدنيَّة كاملة، دون أن يشارك فيها العسكريين، أو يتدخَّلوا في تكوينها، وبالتالي هذا يُعتبر مساراً مُختلفاً من الاتفاق السياسي، الذي تمَّ في يوليو 2019م، والوثيقة الدستوريَّة (أغسطس 2019م)، والتي أسَّست لشراكة دستوريَّة مع المُكون العسكري، ترتب عليها وجودٌ في مجلس السيادة ومشاركة في رئاسته، واختيار وزيري الدفاع والداخليَّة وسُلطاتٌ إضافيَّة في ما يتصل بسُلطة وتعيين رئيس القضاء والنائب العام، ومشاركة في سُلطة التشريع في فترة غياب المجلس التشريعي الانتقالي، واختيار ثلث أعضاء مجلس التشريعي – تقلصت النسبة لاحقاً بعد اتفاق جوبا – ولكن بالنظر للاتفاق الإطاري ومرجعياتها اللاحقة، فإنها لا تحتوي على أي سُلطاتٍ أو مُشاركة في المُؤسَّسات الدستوريَّة، ويقتصر وجود العسكريين على عملهم العسكري.

بشكلٍ مباشر، فإنَّ النتيجة الأساسيَّة لـ“الاتفاق الإطاري” ومرجعياته تُفضي لإرجاع المُؤسَّسة العسكريَّة إلي الثكنات، وتُخرجُها من العمليَّة السياسيَّة، ووجودها الأساسي في مجلس الأمن والدفاع. وبالنسبة لحلِّ الجنجويد، فنجد أنَّ الإتفاق نصَّ بشكلٍ واضح على دمج الدَّعم السَّريع في الجيش، في حين نجدُ أنَّ نُصُوص الوثيقة الدستوريَّة لسنة 2019م أغفلت الإشارة المُباشرة لمسألة دمج الدَّعم السَّريع في الجيش.

الشعار الثاني، المرتبط بتحقيق المُحاسبة والسَّجن، وحتى إعدام قادة المُكون العسكري، بسبب الجرائم التي تمَّ ارتكابها، فمن الضروري الإشارة لجزئيَّة أساسيَّة، أنَّ هذا الأمر سيُفصَلُ فيه في أعمال الورشة الخاصَّة بالعدالة الإنتقاليَّة، لكن للدقة، فإنَّ تصوُّر العدالة بهذا الشكل لن يتحقق باعتبار أنَّ جوهر العمليَّة السياسيَّة الناتجة عن ضعف الأطراف يقوم على تحقيق حدٍ أدني من المكاسب لكُلِّ الأطراف، وإذا كان هناك طرفاً سيفقد حياته، فهذا يعني خسارته للعمليَّة بشكلٍ كامل، وبالتالي سيتمسَّك بموقفه، ولن يتراجع عنه، ووقتها ستستوي في نظره كل الخيارات والسيناريوهات.

بإجراء مُقاربة بسيطة، نجد أنَّ الاتفاق يُفضي بشكلٍ مباشر إلى:
• تشكيل مؤسسات حُكم دستوريَّة مدنيَّة،

• يقود لإخراج القُوَّات النظاميَّة من العمليَّة السياسيَّة ويُعيدها إلى ثكناتها،

• ينُصُّ على دمج الدَّعم السَّريع وتكوين جيش قومي مهني واحد،

• ولا يمنع – حسب النص الحالي الموجود – أصحاب الحق الخاص من مقاضاة مرتكبي التجاوزات في حال ارتكاب الفعل المباشر.

بالتالي، وبمعاير المطالب، فهو يُحقق الأهداف السياسيَّة الأساسيَّة، ويوفر الأرضيَّة القانونيَّة لمحاكمة مرتكبي الفعل المُباشر، لكن في ذات الوقت، يُحلل القادة العسكريين من مسئوليات الفعل غير المُباشر بالتقصير وعدم اتخاذ أي إجراءات لحماية المُواطنين أو التقاعُس.. إلخ، وهو شقٌ حتى في حال عدم إثبات الفعل المُباشر، فإنَّ الإدانة بالجوانب المُرتبطة بالفعل غير المُباشر غير مُستبعدة، وفقاً لهذه الحيثيات والبيِّنات.

بخلاف القضايا التي أشرتُ إليها سابقاً، فإنَّ الاتفاق على القضايا الخمسة المُتبقية، هي التي لعبت دوراً أساسياً في تعقيد وتفجير الانتقال، ومهَّدت الطريق لانقلاب 25 أكتوبر، متمثلة في قضايا:

• تفكيك التمكين،

• شرق السودان،

• العدالة الانتقاليَّة،

• سلام جوبا،

• والإصلاح الأمني والعسكري.

ولذلك، فإنَّ الاتفاق على هذه القضايا الخمس، سيحقق نقطة مهمَّة، تتمثَّل في توطيد الاستقرار لصالح استِكمال المرحلة الانتقاليَّة، وتنفيذ القضايا الأساسيَّة المُرتبطة بها من قِبَلِ جميع الأطراف، دون اعتراضٍ أو احتجاج.

بجانب ما ذُكِرَ، فإنَّ الاتفاق ومرجعيَّاته تقود عند تنزيل النُصوص على الأرض لتحقيق الآتي:

• الدمج والتسريح والإصلاح لكل القوات النظاميَّة والمجموعات المُسلحة، وصولاً لجيش مهني قومي، خاضع للسُّلطة الدستوريَّة، وشُرطة قوميَّة مهنيَّة، وجهازٌ أمني ومُخابراتي قومي مهني، مُحدَّد المهام والصَّلاحيات، وعلى أن يكون تفكيك التمكين في هذه المُؤسَّسات شقٌ أساسي في عملية الإصلاح تلك.

• مُؤسسات حُكمٍ مدنيَّة تنفيذيَّة وتشريعيَّة في كافة المُستويات القوميَّة والإقليميَّة والولائيَّة والمحليَّة، يتم اختيارها وتشكيلها من قبل المكونات السياسيَّة المدنيَّة.

• ولاية وزارة الماليَّة على المال العام، ويشمل ذلك الشركات التابعة لكل القُوَّات النظاميَّة، بما في ذلك الدَّعم السَّريع، أمَّا الشركات المُرتبطة بالصِّناعات الحربيَّة، فإنها رغم إدارتها الخاصَّة، فإنها تخضع في الإجراءات الماليَّة والمُحاسبيَّة لرقابة وزارة الماليَّة وفقاً لما تقتضيه الحوكمة والسياسات الماليَّة والاقتصاديَّة للدولة.

• التبعيَّة الكاملة للشرطة وجهاز الأمن والمُخابرات لرئيس الوزراء، والذي يحق له إعفاء أو تعيين مديري الشرطة وجهاز المُخابرات دون اشتراط مُوافقة أي جهة من الجهات، نظاميَّة أو سياسيَّة.

• إعادة بناء الأجهزة العدليَّة والقضائيَّة من خلال تسمية رئيس القضاء ورئيس النيابة العامة ومساعديهم، وقُضاة المحكمة الدستوريَّة من قِبَلِ مجلسٌ عدلي، وإصلاح تلك المُؤسَّسات وتفكيك التمكين بداخلها لتجنب إتهامات ولغط التدخل السياسي في عمل المُؤسَّسات القضائيَّة، كما حدث بعد قرارات لجنة التفكيك تجاه قُضاة السُّلطة القضائيَّة والنيابة العامَّة، وتجنب الفراغ القانوني بسبب غياب المحكمة الدستوريَّة منذ فبراير 2020م، بعد انتهاء أجل قُضاة المحكمة الدستوريَّة وعدم تسمية بديلٍ لهُم منذ ذلك التاريخ، وهذه الخطوة تفتح الطريق أمام استكمال المُؤسَّسات القضائيَّة والعدليَّة للإسئنافات في العديد من القضايا التي باتت في انتظار رأي المحكمة الدستوريَّة في القضايا التي صدرت فيها أحكامٌ بإدانة قتلة الثوار، وأبرزها ملفات جرائم قتل الشهيد أحمد الخير، والشهيد حسن محمَّد عُمر، ومرتكبي مجزرتي الأبُيِّض وكسلا وغيرها.

• مراجعة اتفاق سلام جوبا دون أن يترتب على ذلك انتقاصٌ من الحُقُوق التي تحققت للأقاليم والنساء، وبشكلٍ مُباشر، فإنَّ هذا الإجراء يفتح الباب لإعادة النظر في المسارات المُرتبطة في مناطق خارج دائرة الحرب (الوسط، الشرق والشمال) والتي تسبَّب بعضها في إشعال أزماتٍ في شرق السُّودان، ومن المُؤكد أنَّ الاتفاق الإطاري بمراجعة الاتفاق سيغلق الطريق أمام منهج المُحاصصات الحزبيَّة الواضح، الذي أقرَّته ونصَّت عليه اتفاقية جوبا للسلام، ولعلَّ هذه المُراجعة ستجعل مسألة تشجيع إلحاق حركات أخرى رافضة، والتي يقودها كلٌ من الرفيقين عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور أقرب من أي وقت مضى.

• تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م واعتباره إلتزامٌ مُشترك بين كل أطراف الإتفاق، والتشديد على إنشاء مُؤسَّسات الاستئناف ودائرة الطُّعُون وعدم اقتصار مهام تفكيك التمكين على الأموال بالداخل وشُمُول نشاطها للأموال الموجودة بالخارج.

• استقلالية بنك السُّودان المركزي من وزارة الماليَّة والاقتصاد الوطني وتبعيته لرئاسة مجلس الوزراء، وتحديد مهامه، وبالتالي تقليل تدخل وزارة الماليَّة والاقتصاد الوطني، وتمتُّع البنك المركزي باستقلاليَّة تمكنه من أداء ومباشرة مهامه بشكل مهني.

• تحديد مواقيت لبداية المرحلة الانتقاليَّة ونهايتها خلال 24 شهراً من أداء رئيس الوزراء لليمين الدستورية، تنتهي بعقد انتخابات عامة.

• استكمال عمليَّة السَّلام ومُفاوضاتها مع حركتي الرفيقين عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور وصولاً لاتفاق سلامٍ نهائي.

• تحقيق العدالة فيما يتصل بالقضايا المرتبطة بحقوق الشهداء في مواجهة مرتكبي الفعل المُباشر، بجانب تصميم وتأسيس تصوُّر للعدالة الإنتقاليَّة، يضع المعالجات القائمة على الاعتراف والإقرار بالأخطاء المرتكبة تاريخياً ويفتح الطريق أمام تأسيس مستقبل متعافي دون إخلال وإسقاط للحق الخاص.

• تعديل القوانين المُقيِّدة للحُريَّات خلال ستة أشهر من بداية تكوين مُؤسَّسات الحُكم الانتقالي المُنشأة بموجب كُلٍ من الاتفاق الإطاري والنهائي والإعلان الدستوري الانتقالي الحاكم.

بشكلٍ عام، فإنَّ هذه المبادئ العامة، وعند تطبيقها وتنزيلها على الأرض بشكل صادق وجاد وأمين، تصلح لتأسيس اتفاق انتقالٍ شامل، يتجاوز بالبلاد من وضعها الرَّاهن لواقع أفضل، وفي حال التطبيق الصَّادق والالتزام الأمين بتحويل النُصُوص لواقع فعلي.

مواضع إيجابيَّة وسلبيَّة للاتفاق الإطاري

بالنظر للاتفاق الإطاري ومحتوياته المُكملة في الاتفاق النهائي ومشروع الدستور المُقدَّم من نقابة المحامين، وملاحظات العسكريين على مشروع دستور نقابة المحامين والتي يجب النظر إليها باعتبار أنَّ الاتفاق الإطاري هو الشق التمهيدي لهذه العمليَّة السياسيَّة التي تتكوَّن ممَّا ذُكر سابقاً، بجانب نتائج وتوصيات الورش الخمسة المُناط بها مناقشة قضايا (تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م، العدالة الإنتقالية، شرق السودان، اتفاق سلام جوبا والإصلاح الأمني العسكري) التي ستقودنا لتأسيس الواقع السياسي الجديد، يمكننا أن نلخص أبرز الإيجابيات في الجوانب التالية:

(1) إنهاء الشراكة الدستوريَّة مع المُكون العسكري في مجلس السيادة وتقاسُم رئاسة المجلس بشكل دوري (المادة 11 الوثيقة الدستورية لسنة 2019م)، اختيار وزيري الدفاع والداخليَّة بواسطة أعضاء المكون العسكري بمجلس السيادة (المادة 15 (1) وثيقة 2019م)، المشاركة في إختيار ثلث أعضاء المجلس التشريعي القومي (المادة 24 (2) من الوثيقة) والمشاركة في أعمال التشريع في الفترة التي تسبق تكوين المجلس التشريعي (المادة 25 (3) من الوثيقة).
بجانب ما ذُكر سابقاً فإنَّ المُكون العسكري وسُلطته في المُشاركة تمدَّدت لتشمل جوانب أخرى، أهمها مُشاركته في اختيار رئيس القضاء والنائب العام قبل تكوين مجلسي القضاء العادل والنيابة العامة (المادتين 12/1 (و) و(ي) من الوثيقة)، المشاركة في إستثناء رئيس الوزراء ووزراء العدل والداخليَّة والدفاع من شرط عدم ازدواج الجنسيَّة (المادة 17 (2) وثيقة 2019م).
إلغاء هذه الشراكة الدستورية يترتب عليها إنهاء الاستفادة من الغطاء الدبلوماسي والسياسي المنصوص عليه في المادة (76) من الوثيقة الدستورية، الذي أقرَّ بارتباط مجلسي السيادة ومجلس الوزراء بمهام التمثيل الخارجي للبلاد وفقاً لصلاحيات كل من مجلس السيادة والوزراء، وهو أمرٌ استفادت منه أطرافٌ بالمُكون العسكري في كل تحرُّكاتهم الخارجيَّة نتيجة حصولهم على الصفة الدبلوماسيَّة في تلك التحرُّكات.

(2) جعل مهمَّة الإصلاح الأمني والعسكري واجب لا يقتصر على المؤسسة العسكريَّة فقط كما ورد في الوثيقة الدستورية لسنة 2019 [المادة 8 (12)]، ولكن جعلتها شأنٌ من شؤون مُؤسسات الحكم ومن بين القضايا الخمسة التي سيتم نقاشها من خلال الورش. وخلال هذه العملية، يمنح العسكريين فرصة للابتدار في ما يتصل بالتشريعات، دون أن يعني ذلك (احتكار) عمليَّة الإصلاح الأمني والعسكري.

(3) النُصُوص الواضحة في ما يتصل بالدمج والتسريح ضمن إجراءات الإصلاح الأمني العسكري لقوات الحركات المسلحة والدَّعم السَّريع في جيش قومي مهني وتبعيَّة هذه القوات بحيث تصبح القُوَّات المُسلحة والدَّعم السَّريع خاضعة لقيادة مجلس السيادة المدني وتخضع الشرطة وجهاز المخابرات العامة للحكومة المدنيَّة.

(4) تضمين تبعيَّة وأيلولة الشركات التابعة لكل القوات النظاميَّة لوزارة الماليَّة والاقتصاد الوطني، ومنع القوات النظاميَّة من ممارسة أي أنشطة تجاريَّة أو استثماريَّة.

(5) تكوين مُؤسَّسات حُكم تشريعيَّة وتنفيذيَّة على المستوى القومي وفي مستويات الحكم المختلفة، الإقليميَّة/الولائيَّة والمحليَّة بما يعزز من المشاركة والرقابة الشعبيَّة في كل مستويات الحُكم.

(6) معالجة القضايا التي أثارت اعتراضات وخلافات وشدٌ وجذب قبل الانقلاب، عبر نقاشها والوصول لتوصيات حولها، بما يجعل تنفيذها أمرٌ مُلزم لجميع الأطراف المشاركة في الاتفاق، ولا يجعل الإيفاء بها مرتبط بطرف واحد دون بقية الأطراف، ويُغلق الباب في ذات الوقت من أمام أي محاولة للتنصُّل منها.

(7) تحديد الاتفاق الإطاري لأطرافه وأدوار وصلاحيات الأطراف بحيث تحظى قوى الثورة بوضعيَّة متميزة مختلفة من بقيَّة الأطراف، وفي ذات الوقت فإنَّ تحديد هذه الأطراف ومراحل انخراطها أغلق الباب أمام أي مساعي ومحاولات إغراق للعمليَّة السياسيَّة وتقويضها عبر توجيه العمليَّة السياسيَّة والتأثير على مُحصِّلتها النهائيَّة.

(8) استكمال مؤسسة العدالة بتشكيل المحكمة الدستوريَّة وتعيين رئيس القضاء ونوابه والنائب العام ومساعديه، وتنفيذهم لمهام إصلاح القضاء والنيابة العامة، وتفكيك التمكين فيهما.

(9) إعادة الاستقلاليَّة لبنك السودان المركزي، وإلغاء تبعيته لوزارة الماليَّة والاقتصاد الوطني وتبعيَّة البنك المركزي لرئيس الوزراء.

(10) تفضي النتائج المذكورة سابقاً وعند تطبيقها لتحقيق هدف مقاومة انقلاب 25 أكتوبر وتؤدي لإنهائه واستعادة الانتقال الديمقراطي والمحافظة على المكاسب التي حققتها ثورة ديسمبر المجيدة وحكومتها المدنية على الصعيدين المحلي والدولي، وإنهاء وتقويض آخر مساعي النظام المُباد للعودة للحكم مجدداً.

رغم الإيجابيات التي أشرنا إليها بخصوص الاتفاق الإطاري سابقاً، ونظراً لكونه جهداً بشرياً غير كامل، فإن هذا الاتفاق الإطاري حوى جوانب سلبية أعتقد أنَّ أبرزها يتمثل في الآتي:

(1) عدم تمتع هذا الاتفاق الإطاري ومرجعياته المتمثلة في الاتفاق النهائي والإعلان الدستوري المُؤقت بموافقة وقبول كل قوى الثورة والمقاومة، وقاد التوقيع عليه لتصدُّعٍ وسط قوى الحُريَّة والتغيير بإعلان حزب البعث العربي الاشتراكي عن مفارقته لقوى الحُريَّة والتغيير.
من المهم الإشارة إلى أنَّ حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) قد أعلنت قبل ساعات من انعقاد هذه الندوة سحب تحفظاتها على الاتفاق الإطاري، وقرارها بالتوقيع عليه والعمل مع قوى الحُريَّة والتغيير، وهو تطورٌ إيجابي لصالح الاتفاق، إلا أن حالة التشرذم الناتجة عن الخلافات بين مكونات الثورة قبل التوقيع على الاتفاق الإطاري لا تزال سائدة ولا يتوقع انتهاءها في القريب العاجل.

(2) غياب سقف زمني ومواقيت تحدد مراحل العمليَّة السياسيَّة، حيث استغرق تنظيم أوَّل ورشة من الورش الخمسة ما يزيد عن الشهر من تاريخ التوقيع على الاتفاق الإطاري، وبالتالي فإنَّ هذا التأخير قد يكون أحد المُهددات المستقبليَّة للاتفاق بسبب أجواء القلق وعدم الثقة والإشاعات والتوتر العام، والمساعي الحثيثة المبذولة لإعاقة وتقويض الإتفاق للحيلولة دون وصوله محطته النهائيَّة.

(3) تجنب الاتفاق تضمين أي إجراءات أو التزامات تهدئة تحد أو تمنع الخُطوات التصعيديَّة بين الأطراف، والتأثير السلبي المُتوقع لأي تصعيدٍ ناتج عن أي من الأطراف، خاصة في التعاطي مع المواكب والتظاهُرات السلميَّة المُناهضة للانقلاب، التي ينظر لأي قمع تجاهها وكأنه تحريضٌ من المُوقعين عليه تجاه المُتظاهرين السلميين، وفي ذات الوقت فإن استمرار المُواجهات والحرب الإعلاميَّة بين الأطراف الفاعلة في الاتفاق، خاصة الدعاية السوداء والإشاعات، يساعد في تعميق هوة عدم الثقة بين الأطرف المهترئة في الأساس بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م.
من المهم في هذا السياق، الإشارة لملاحظة خلال الأسبوع أو الأيام العشرة الماضية بتراجُع انخراط منصَّاتٍ إعلاميَّة ذات صلة بالقُوَّات النظاميَّة في حملات الدعاية السَّوداء والإشاعات واغتيال الشخصيَّة المُوجَّهة ضدَّ الحُريَّة والتغيير وقياداتها، وشروع أجهزة الإعلام الرسميَّة في استضافة قيادات الحُريَّة والتغيير في برامج حواريَّة مباشرة، أو مقابلات، أو نشر أخبار للمرَّة الأولى منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م.
(نواصل)

 

آراء