الاتفاق الإطاري.. ومستقبل التحوُّل الدِّيمُقرَاطي (1-4) .. تقديم: ماهر أبوجوخ

 


 

ماهر أبوجوخ
27 January, 2023

 

مشهدٌ متصدِّع

تقديم: ماهر أبوجوخ
دار الجالية السودانية
تورونتو- كندا
15 يناير 2023م

السَّيِّدات والسَّادة الحُضُورُ الكريم،
بمُختلف مقاماتِكُم السَّامية ومع حفظ الألقاب للجميع،

السَّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

أشكُرُكُم/أشكُرُكُن على تكبُّد المشاق وتكرُّمكُم/تكرُّمكن باقتطاع ساعاتٍ من يومكم هذا بالحُضُور لهذه الندوة، التي نناقش فيها قضايا وطننا السُّودان حول “الاتفاق الإطاري” ومستقبل التحوُّل الديمقراطي، والشُّكر يمتدُّ للذين/اللائي انضموا في متابعة هذه الندوة من خلال وسائط التواصُل الاجتماعي التي جعلت من البعيد قريباً، فلكُم ولهُم الشُّكر الجَّزيل، وأتمني أن يكون محتوى هذه الندوة مفيداً وقادراً على استنهاض واستكمال روح الأمل عند السُّودانيات والسُّودانيين التي تنامت خلال ثورة ديسمبر المجيدة، ولا تزال مُتَّقدة ومُستمرَّة دون انقطاع.

اسمحوا لي وعبركم التقدُّم بالشُّكر لمُنظمي هذه الفعاليَّة، السَّيِّدات والسَّادة في منتدى (ART Forum)، الذين سارعوا في تقديم الدَّعوة لإقامة هذه الندوة ضمن مجهوداتهم المُتواصلة في تعزيز الحوار والنقاش الحُر الديمقراطي بين مختلف الآراء، وفي هذا السِّياق، من الضَّروري التأكيد على قاعدة أساسيَّة مُتعارفٌ عليها، وهي أنَّ الآراء الواردة من جانبي لا تُعبِّر عن السيدات والسادة الأفاضل بالمُنتدي، وإنْ تمَّ استعراضها في مِنصَّتهم. ولذلك، فمن الضَّروري تجديد الشُّكر لهُم مرَّة أخرى على هذه الاستضافة الكريمة.

دعوني استهلُّ هذه الفعاليَّة المُهمَّة بتحيَّة شُهداءٌ وشهيداتٍ قدَّمهم شعبنا في مشواره الطَّويل من أجل الحُريَّة والديمقراطيَّة والسَّلام، ارتقت أرواحُهُم لمعارج العُلا، وتمدَّدت جثامينهم الطَّاهرة على امتداد وطننا في السُّودان الكبير، ذو المليون ميل مربع، وما تبقى منه شمال خط 13 درجة شمال.. لقد أنارت دماء تضحياتهم/تضحياتهن تلك وعبَّدت مشوارنا الطويل صوب وطن الحُريَّة والسَّلام والعدالة، وسيظلَّ الناس يستلهمون من تضحياتهم تلك وصبر وجَلَد أُسَرِهِم أو أصدقائهم وصديقاتهم وكُلَّ من عرفوا اليقين والعزم، بأنَّ أحلامهم المشروعة تلك قد نتأخَّر أو نتعثَّر في بلوغها، لكن سنبلُغُها بإذن الله تعالي في يومٍ من ذات الأيَّام.

ستظلَّ هامتنا تنحني بكل التقدير والاحترام والعرفان والامتنان لسودانيات وسودانيين جرحى، مِمَّن وَسَموا على أجسامهم قلائد الفخر والشَّرف بجُرُوحهم في معركة الشَّرف والنضال لأجل شعبهم، ولا ننسى كذلك المُعتقلين والمُعتقلات الذين واللائى تمَّ الزج بهم في السُّجون، فخرجوا منها، ولم تزِدهُم إلا صُمُوداً وتحدي، أو حتى الموجودين داخلها الآن، يقيناً أنَّ الإجراءات والبلاغات المفتوحة في مواجهتهم ومواجهتهن إلى زوالٍ، وفي القريب العاجل ستسطع الحقيقة وتعُم أركان المكان، بأنهم أبرياء، ناضلوا من أجل الحُريَّة وينالونها لأنهم يستحقونها.

وفي كل يوم سنلقي أبصارنا صوب السَّماء، نسأل الله تعالى أن يكشف لنا مصير المفقودين والمفقودات ممَّن فقدناهم خلال السَّنوات الماضية، لنعرف مصيرهم.. أهُم أمواتٌ فنذكُرهُم ضمن من قدَّمناهُم شهداء، نستكمل مشوارهم ونتوصَّل لقتلتهم، أم أحياء فنجتمع معهم بعد تحريرهم من سجنهم أو أسرهم، وإنهاء إعتقالهم أو إخفائهم القسري.. سنعمل من أجل هذه اللحظة ونؤمن أنها قادمة لا محالة، فلا أحد أو جهة يستطيعوا إخفاء الحقيقة إلى الأبد، ومهما يكُن عند المرء جريمة، وإن خالها تَخفَى على الناس.. ستُعلَم.

من المهم ألَّا يفوتنا ونحن نُعايش هذه الأيام الذكرى الـ(38) لجريمة مقتل واستشهاد المُفكِّر الأستاذ/محمود محمَّد طه في 18 يناير 1985م، والذي كان إغتياله جُرماً سياسياً مُنكراً، بعد محاكمته على أفكاره، ولذلك فإنَّ ذات العقليَّة التي استباحت دمُهُ عَمَدَت بعد استيلائها على السُّلطة في يونيو 1989م، على إراقة دماء سُودانيين وسودانيَّات، لتجرى أنهاراً منها في سُوح الجامعات والكليات والمدارس في كل إتجاهات البلاد، جنوباً وشرقاً وغرباً وشمالاً، وحتى العاصمة الخُرطوم. إنَّ السُّودانيين والسُّودانيات مُصمِّمين، رغم التضحيات الجسيمة، وبرغم رائحة الدَّم ورُكام الدَّمع على مدار عُقود، أجيال بعد أجيال، بأن يجعلوا من أحلامهم وتطلعاتهم ممكنة، وليست مستحيلة.

السيدات والسادة الحُضُور الكريم بمُختلف مقامكاتكم السَّامية، ومع حفظ الألقاب للجميع..

حسب عنوان هذه الندوة “الإتفاق الإطاري ومُستقبل التحوُّل الدِّيمُقرَاطي”، سنحاول التركيز على الإجابة على محاورها الأساسيَّة، والتي تتمثل في الآتي:

• تقييم الاتفاق الإطاري كخارطة طريق وتمهيد العمليَّة لاتفاقٍ شامل.

• إيجابيَّات وسلبيَّات الإتفاق.

• مستقبل التحوُّل الديمقراطي في ظل تعقيدات الوضع السياسي والإقتصادي والأمني.

مشهدٌ متصدِّع

من المهم النظر للواقع الذي تمخض عنه “الإتفاق الإطاري” المُوقَّع في 5 ديسمبر 2022م، فانقلاب 25 أكتوبر 2021م وصل لمرحلة الانسداد الكامل والتحلل الذاتي.. فالإنقلاب، الذي خرج للدُّنيا وهو يحمل مُتلازمات الفشل السياسي والاقتصادي والدبلوماسي، والرَّفض الشعبي، شهد تحوُّلاتٍ إضافيَّة وسط مُكوِّناته، فبات من الواضح أن كتلته الداخليَّة تتعرَّض لتحلُّلٍ عميق، وقابلة للاشتعال والصِّدام، فاقمت منها تبايُناتٍ بين قائد الإنقلاب، قائد الجيش، الفريق أوَّل رُكن عبدالفتاح البُرهان، ونائبه قائد قُوَّات الدَّعم السَّريع، الفريق أوَّل محمَّد حمدان دقلو “حميدتي”. وبشكلٍ مباشر، فإنَّ هذا التبايُن تركَّز بشكلٍ أساسي في ملفَّاتٍ أساسيَّة، يتصدَّرها الموقف من تنظيم الحركة الإسلاميَّة وأمينها العام علي كرتي، وإلغاء قرارات لجنة تفكيك التمكين الصَّادرة ضدَّ عناصرهم ومُمتلكاتهم، ويُنظرُ لموقف “حميدتي” الرَّافض لمُبادرة أهل السُّودان بقيادة الشيخ الطيِّب الجِّدْ، ومُناهضته العلنيَّة لها بشكلٍ أسهَمَ – ضمن عناصر أخرى – في إضعافها، وشكَّل أحد أشكال هذا الصِّراع والتبايُن.

من بين الأزمات الصَّامتة وغير المُعلنة بين الطَّرفين، تلك المرتبطة بالتحوُّلات الإقليميَّة والدَّوليَّة في العديد من الملفات التي شهدت تبايُناً حقيقياً بين الطرفين، بداية من الموقف من أطراف الحرب الأثيوبيَّة ما بين حُكومة آبي أحمد وجبهة تحرير التقراي، وهو خلافٌ بدوره يعكس تبايُناً في توجُّهاتٍ إقليميَّة، حسب توجُّهات وعلاقات الرَّجُلين، أمَّا الموقف من الوجود الرُّوسي والتقاطعات المُتصلة به، على الصَّعيد العسكري أو الإقتصادي، ورغم تمتع الطرفين بعلاقاتٍ مع موسكو، فإنَّ محاولة ربط الحبل حول عُنُق “حميدتي” بتصويره كحليفٍ لروسيا في الخُرطوم، بغرض استخدام هذه الحُجَّة لتغطية عمليَّة الانقضاض على الرَّجُل، فإنها فاقمت وعزَّزت الشُّكُوك وعدم الثقة بين الطَّرفين.

بالنسبة للمجموعات السياسيَّة المُساندة لإنقلاب 25 أكتوبر، كان من الواضح أنها تفتقد للبُعد الجماهيري الشَّعبي، وتعتمد بشكلٍ كاملٍ على التغطية السياسيَّة المُقدَّمة من المُكوِّن العسكري – قبل تصدُّعه – وهُو ما وَضَحَ في الحشد والتنظيم وتمويل اعتصام 16 أكتوبر 2021م، أو الاستفادة من موارد الدَّولة وإمكانياتها في تدعيم أنشطتهم السياسيَّة والإعلاميَّة، لكن فعلياً، ما أثَّر على هذه المجموعة هُو تبايُن المواقف وسط أطراف إتفاق سلام جوبا، فبعضها اتخذ منذ 8 سبتمبر 2021م قراراً بالوحدة مع المجلس المركزي للحُريَّة والتغيير، وبالتالي فإنَّ استمرارهم داخل هياكل السُّلطة التي تمَّت إعادة تشكيلها بعد إنقلاب 25 أكتوبر، كان عامل مُعرقل للإنقلاب أكثر من إسهامه في توطيد أركان الانقلاب.

في ما يتصل بقُوى الثورة، فمنذ التوقيع على الإعلان السياسي (يوليو 2019م)، وضح أنَّ تلك الكتلة تُعاني من تصدُّعٍ داخلي جرَّاء الموقف من التوقيع على الإعلان السياسي (يوليو 2019م)، والوثيقة الدُّستوريَّة (أغسطس 2019م)، وتشكيل مُؤسَّسات الحُكم الدُّستوريَّة وفق الشراكة بين المدنيين والعسكريين، مع عدم إغفال تفجُّر خلافٍ آخر بسبب التبايُن ما بين قُوى الحُريَّة والتغيير والجبهة الثوريَّة، والذي إنتهى لإختيار الجبهة الثوريَّة لمسارِ آخر تمظهر في إتفاق سلام جوبا المُوقع في أكتوبر 2020م.

يُعتبر التصدُّع الأكبر والأكثر وضوحاً، عند خُروج الحزب الشيوعي السُّوداني من الحُريَّة والتغيير وقُوى الإجماع الوطني (نوفمبر 2020م)، وتبنِّيه لشعار “إسقاط حكومة المرحلة الانتقاليَّة”، بعد المُفاصلة الأيديولوجيَّة بين الحزب والمرحلة الإنتقاليَّة على خلفيَّة تبني مُؤسَّسات الحُكم الإنتقالي برنامج الإصلاح الاقتصادي مع مُؤسَّسات التمويل الدَّوليَّة، التي يناهضها الحزب الشيوعي بشكلٍ واضح، ويطلق عليها تعبير: “وصفة صندوق النقد والبنك الدَّوليين”.

رغم المخاطر التي باتت تحيط بثورة ديسمبر، وتنامي إرهاصاتها، وتصاعُدها بشكلٍ مُستمر منذ فبراير 2021م وحتى إعتصام 16 أكتوبر أمام القصر الجُّمهُوري، وحتى إستبانة لحظة الحقيقة فجر 25 أكتوبر، وما تلى ذلك من مقاومة الإنقلاب، فإنَّ جبهة قُوى الثورة لم تمضي صوب وحدة مُكوِّناتها، بل شَرَعَت أطرافها الأساسيَّة في محاولة حسم الجَّولة لصالحها بتشديد العُزلة والإبعاد، وتقديم خطاب “تخويني تجريمي”، مثَّل الحاضنة التي مكَّنت الأجهزة الأمنيَّة الشعبيَّة التابعة للنظام المُباد، أو بعضها الرَّسمي التابع للدَّولة، من تغذية الخطاب العدائي للأحزاب، وتغطية أنشطة العُنف المادي ضدَّ بعض مُكوِّنات الثورة (نموذجاً ندوة ميدان الرَّابطة بشمبات ديسمبر 20121م، وفضُّ ندوة الحزب الشيوعي بميدان الحارة الثامنة بأمدرمان مارس 2022، والإعتداء على موكب السُّودان الواحد وقيادات الحُريَّة والتغيير بباشدار يوليو 2022م).

أبرزت ثورة ديسمبر 2018م مُكوِّناتٍ جديدة، أبرزها تجمُّع المهنيين السُّودانيين ولجان الأحياء، فالأول – تجمُّع المهنيين – قادته الصِّراعات السياسيَّة الحزبيَّة للإنشطار، وهو صراعٌ لم يكُن بعيداً عن أجواء الإنقسام اللاحقة التي فتت تحالف قُوى الحُريَّة والتغيير بخُروج الحزب الشيوعي الرَّسمي منها، أمَّا لجان الأحياء التي تطوَّرت منذ هبَّتي يونيو 2012 وسبتمبر 2013م، وصولاً لثورة ديسمبر 2018م – إلى “لجان المقاومة”، فقد وضح أنها ستكون ساحة للاستقطاب السياسي منذ دفعها لتبني موقف مُناهض للأوضاع الدُّستوريَّة التي أنتجت مُؤسَّسات الحُكم الانتقالي، وتزايد هذا الإستقطاب بعد خروج الشيوعي رسمياً من الحُريَّة والتغيير (نوفمبر 2020م)، وعند وقوع إنقلاب 25 أكتوبر 2021م، فإنَّ لجان المقاومة تصدَّرت المشهد من خلال فعلها المُقاوم على الأرض للإنقلاب. ومن المهم الإشارة لوجود فروقاتٍ في فعاليَّة وتكوين “لجان المقاومة” من ولاية لأخرى، ومدينة لأخرى.

مرَّت “لجان المقاومة” بالعديد من المحطات خلال الفترة من 25 أكتوبر 2021م إلى ديسمبر 2022م، أهمَّها، ظُهُور مقترحات مواثيق “مايرنو/مدني”، ثمَّ التوقيع على ميثاق سُلطة الشَّعب، الصَّادر عن لجان ولاية الخُرطوم (مايو 2022م)، ومسعى وحدة المواثيق، الذي شهد شدٌ وجذب، إنتهى بالتوصُّل في أكتوبر 2022م للميثاق الثوري، والذي تسبَّب في تفجير الخلافات وسط مُكوِّنات “لجان المقاومة”، خاصة مع الإتهامات المُوجَّهة للميثاق الثوري، بأنه يُعبِّر في المضمون والفاعلين عن مُكوِّن سياسي مُعيَّن، هو الحزب الشيوعي.

خلاصة الأمر والمشهد، أنَّ داء التصدُّعات نفسه أصاب “لجان المقاومة”، وبغضِّ النظر عن الأطراف أو المُلابسات أو تحليل الوقائع، فإنَّ النتيجة النهائيَّة كانت إصابة لجان المقاومة بداء الانقسامات، أمَّا محاولة إنكار هذا الانقسام فهو بمثابة دفن الرُّؤوس في الرمال، أو محاولة إظهار الأمر وكأنَّ “لجان المقاومة” تُساند موقفاً أو توجُّهاً سياسياً مُعيَّناً، أو مُحدَّد، في حين أنَّ الحقيقة بأنَّ أطرافاً وأصواتاً من داخل “لجان المقاومة” أنفُسهم باتوا فعلياً موجودين تحت سقف “لجان المقاومة” المُوحَّد، في ما تقف أقدامهم فوق رمادٍ تمُورُ تحته وميض الخلافات والتبايُنات.

الأمر المُدهش، أنَّ حالة التصدُّعات تلك لم تقتصر على مُكوِّنات المشهد السياسي السُّوداني، وامتدَّ للمحيط الإقليمي، وحتى الدَّولي. فعلى المستوى الإقليمي، كان من الواضح أنَّ بعض الأطراف الإقليميَّة، كالمملكة العربيَّة السُّعُوديَّة ودولة الإمارات العربيَّة، الصَّادر عنهُما بجانب الولايات المتحدة الأمريكيَّة وبريطانيا في 3 نوفمبر 2021م بيان “الرُّباعيَّة”، الذي يطالب الجيش بإعادة السُّلطة للحُكومة المدنيَّة، وهو موقفٌ مُتباينٌ من موقف مصر تجاه تطوُّرات الأوضاع في السُّودان، ونجد مُستقبلاً أنَّ هذا التبايُن أخذ منحىً أكثر وضوحاً بعد تحرُّكات “الرُّباعيَّة” المُكوَّنة من الدُّول الأربعة المُوقِّعَة على بيان 3 نوفمبر 2022م، ودورها في العمليَّة السياسيَّة، مع مساندة القاهرة بشكلٍ رسمي لمسار “الآليَّة الثلاثيَّة” (البعثة الأمميَّة بالسُّودان والاتحاد الأفريقي والإيقاد)، ومن المُؤكَّد أنَّ هذا التصدُّع الإقليمي والدَّولي يُلقي بظلاله على مُجمل مسار العمليَّة السياسيَّة، ومواقف أطرافها المختلفة، بالنظر للمشهد الرَّاهن، بعد توقيع “الإتفاق الإطاري” في 5 ديسمبر 2021م، والذي تُعدُّ المواقف والتعقيدات الرَّاهنة تعبيرٌ في جزءٍ كبيرٍ في جوانها عن حالة التبايُن والانقسام الإقليمي والدَّولي.

ألقت الحرب الرُّوسية على أوكرانيا التي اندلعت في فبراير 2022م بظلالها السياسيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة في كل أنحاء العالم، خاصة بعد إنشاء تحالُفٍ دولي عريض في مُواجهة روسيا، ولم يكُن السُّودان بمعزلٍ عن هذا الصِّراع، بالإشارة للدور الروسي فيه منذ عهد النظام المُباد، وانطلاق حربٍ باردة على مناطق تمدُّد النفوذ الرُّوسي في القارَّة الأفريقيَّة، ومن بينها أفريقيا الوُسطى، بالتوازي مع تحرُّكاتٍ رُوسيَّة موازية تهدف لتوسعة نفوذها، إنطلاقاً من أفريقيا الوُسطى صوب تشاد، لإفقاد فرنسا ثاني أهم نقاط تمركزها بالقارة الأفريقيَّة، بعد انسحابها من مالي بغرب أفريقيا.

نخلُصُ إلى أنَّ جميع تلك التعقيدات والتصدَّعات الدَّاخليَّة بين الأطراف الفاعلة داخلياً وإقليمياً ودولياً، فاقمت من تعقيد الوضع العام بالبلاد، الذي ازداد تعقيداً بسبب مظاهر عودة عناصر النظام المُباد للواجهة من جديد، على المستوى الاقتصادي والسياسي، بسيطرة عناصر النظام المُباد على مفاصل الدَّولة والخدمة المدنيَّة والتنظيمات النقابيَّة بشكلٍ مُتزايد وملحوظ، بعد الفترة التي أعقبت استقالة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك في الثاني من يناير 2022م، ومن خلال العديد من المظاهر، كان أوضحها إلغاء جُلَّ قرارات لجنة تفكيك التمكين تجاه عناصر النظام المُباد وممتلكاتهم.

(نواصل)

 

آراء