(الاتفاق الاطاري) في معركة الرأي العام

 


 

 

حرصت على متابعة وقائع توقيع (الاتفاق الاطاري) بين قائدي انقلاب ٢٥ مايو ٢٠٢١ وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني وبعض قادة الحركات المسلحة في ٥ ديسمبر ٢٠٢٢، وأعدت قراءة بنوده غير مرة ،واستمعت لكلمات ممثلي قوى اقليمية ودولية.

لم ينتابني ذلك الشعور بالفرح العميق الذي سرى وانساب في دواخلي كما حدث حينما اتفق عسكريون (قادة الانقلاب في وقت لاحق) وقوى الحرية والتغيير ،بعدما نجحت الثورة السلمية نجاحا باهرا، بارادة معظم أهل السودان، وكان الشباب الرائع من الجنسين هم الشعلة التي تنير الدورب ، وما زالوا في صدارة قوى الثورة. والتغيير .

واقع الحال بعد توقيع الاتفاق الإطاري يؤشر الى مؤيدين للاتفاق ومعارضين ومتحفظين .

لم أجد نفسي في صف المصفقين للاتفاق ،لأنه رغم تضمينه مباديء مهمة وايجابية، وأكد مجددا فشل الانقلاب ، ونص مثلا على الحكم المدني ،لكنه يبقى حتى الآن وربما الى الغد وبعده مجرد اعلان نيات،قد يجد حظه من التطبيق الكلي أو الجزئي، أو يكون مجرد انحناءة مؤقته لقادة الانقلاب أمام ضغوط فشل انقلابهم وتحديات الشارع المتعاظمة والمتنامية، هذا فضلا عن تهديدات الأصابع الاقليمية والدولية، ومخاوفهم من الملاحقة الدولية .

لم أجد نفسي أيضا في صف الرافضين للاتفاق ، رغم تفهمي واحترامي لرؤى بعضهم ممن لا يقفون ضد الثورة والحرية .

أقف في موقع المتحفظ ،المتأمل لمجريات الأحداث ، لأن المحك يكمن في اقتران الأقوال بالأفعال،وهذا يعني الى أي مدى ستنسجم الممارسات العملية لا الكلامية لقائد الجيش وقائد الدعم السريع ومن وقعوا مع مباديء الاتفاق الاطاري المبدئي، ليجد حظه من التنفيذ الشامل من دون وضع عراقيل هنا وهناك .

أرى أن قادة الانقلاب وضعوا أنفسهم في مأزق بارتكاب جريمة الانقلاب ،كما اتسعت دائرة المأزق حاليا ،اذ وضعوا أنفسهم تحت ضغط و مواجهة من وقعوا معهم الاتفاق وقوى اقليمية ودولية ساهمت في ولادة اعلان النيات .

من وقعوا من المدنيين على (الاتفاق الاطاري) يواجهون أيضا تحديات كبيرة ، قد تتحول الى مأزق كبير ، وهي تحديات التمسك بالمبادىء التي وقعوا عليها ، في سبيل التوصل الى اتفاق نهائي يلبي تطلعات الشارع الثائر، وهنا تكمن خطورة مأزق الموقعين من المدنيين،ومن معهم من بعض قادة حركات مسلحة.

أرى أن هناك مسائل ستختبر صدقية قادة الانقلاب ، أعني قائد الجيش الفريق البرهان وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان ،ويكمن بعضها في مدى التزامهما العملي بالانسحاب من الحياة السياسية.

أي هل سيعودان للثكنات وعدم الالتفاف على اتفاق المباديء ،وهل سيدعمان مساءلة أي متهم بارتكاب مجازر ضد شباب من الجنسين تظاهر سلميا أيًا كان موقعه ، وهل سيدعمان البت في قضية مجزرة الاعتصام البشعة أمام مقر قيادة الجيش في ٣ يونيو ٢٠١٩؟.

وهل سيعملان على انجاح سيطرة الحكومة المدنية - اذا شكلت في وقت قريب- على المال العام ومؤسسات عسكرية تمارس الاستثمار والتجارة؟.

هناك ملفات عدة ستبرهن على مدى التزام البرهان وحميدتي بتعهداتهما الجديدة و الوفاء بها ، اذ أن تعهداتهما الكلامية القديمة كثيرة ، ورغم ذلك نفذا انقلابا فاشلا ومدمرا بكل المقاييس.

لكن تعهداتهما الآن هي الأولى من نوعها،اذ شملت اقرارا علنيا بخيار الشعب في بناء دولة مؤسسات وحكم مدني ووضع حد لانقلابهم المشؤوم ، كي تلعب القوات العسكرية والأمنية دورها في اطار نظام مدني دستوري ،وأرى أنه دور عظيم ومطلوب وحيوي ومحترم اذا تم الالتزام به نصا وروحا في اطار دولة المؤسسات .

من الملفات التي ستكشف مدى التزام قائدي الجيش والدعم السريع. بالاتفاق الاطاري مدى جديتهما بشأن دمج قوات الدعم السريع وحركات مسلحة في الجيش ومنع وجود مليشيات .

هناك ملف السلام الذي اختطفه العسكريون برضا وموافقة أو سكوت الحكومة الانتقالية السابقة التي تتحمل مسؤوليات الكثير من الأخطاء مع قوى سياسية كانت مشاركة في الحكم الانتقالي وكنت كتبت مقالات عدة في هذا الشأن.

ملف العلاقات الخارجية من ملفات الاختبار لقادة الانقلاب ولموقعي اتفاق النيات، في مرحلة ما قبل وبعد تشكيل الحكومة المدنية اذا تم ذلك في وقت قريب،.

سادت علاقات خارجية غير متوازنة في فترتي الحكومتين الانتقالية التي اطاحها الانقلاب، وهكذا الحال بعد الانقلاب وحاليا ،وأعتقد بأن ملف العلاقات الخارجية المستقلة المتوازنة التي تخدم مصالح وأولويات أهل السودان تشكل اختبارا كبيرا لرئيس الحكومة المدنية في حال الوصول الى اتفاق قريبا بشأن اختياره والوزراء.

في ضوء حدث الساعة في السودان تبدو أهمية وحيوية حراك الشباب السلمي الذي يشكل ضغط مهما وحيويا لتحقيق أهداف الشعب ، لكنه يحتاج الى درس التحديا ت الجديدة في ضوء الاتفاق الاطاري،وكيفيات التعامل الواعي مع مستجدات محلية واقليمية ودولية وضرورات كسب الرأي العام الاقليمي والدولي الذي كان وما زال مناصرا لحقوق الشعب السوداني المشروعة في الحرية والعدالة والسلام .

حراك الشباب السلمي سيختبر صدقية البرهان وحميدتي وكل موقعي الاتفاق الاطاري ،ومدى احترامهم لحق التظاهر السلمي، من دون أن يتعرض المتظاهرون السلميون للقتل بدم بارد، والقمع .

أرى في هذا السياق أن ميدان المعركة الكبرى التي تفرضها تطورات الساعة على مؤيدي ومعارضي الاتفاق الاطاري ينبغي أن يركز على مخاطبة السودانيين في الداخل والخارج.

سودان الثورة السلمية الباهرة طار وحلق في فضاء العالم باجنحة بناته وأبنائه في الداخل والخارج ،وواهم من يظن أنه قادر أن يهمش أو يتجاهل دور. بنات وأبناء الوطن في المهاجر، فقد كانوا وما زالوا. عناصر فاعلة ومؤثرة في ترجيح كفة الانتصار على الديكتاتوريات، والطاغين ،الظالمين، وسيلعبون دورا رياديا في بناء سودان يواكب روح العصر .

هذا معناه أن ميادين العمل الأهم الآن أمام القوى السياسية والمهنيةً المؤيدة والمعارضة للاتفاق الاطاري موجودة في ساحات التواصل مع الشعب وكوادرها ، ممن يؤيدون أو يعارضون أو يتحفظون على الاتفاق الاطاري .

مهم وضروري أن تستمد الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني قوتها من جماهيرها، اذ لن ينفعها التوقيع على أي اتفاق اذا فقدت الشارع أو عزلت نفسها عن سندها الحقيقي كما حدث حينما ركضت بعض قيادات الأحزاب الى كراسي الحكم في فترة حكومة دكتور عبد الله حمدوك الثانية ، وكنت دعوت في مقال الى اعطاء الاولوية لعقد مؤتمرات لكل الأحزاب لتجدد التفويض وتختار قيادات منتخبة لمرحلة جديدة .

المعركة الآن معركة الرأي العام ..

من يخاطب الشعب بوعي وخطاب مدروس ورصين ،بعيدا عن التصريحات العشوائية والخطب الجوفاء سيشكل رأيا عاما يدعمه .. وسينتصر..

من يتجاهل تطوير كيانه الحزبي أو النقابي في سبيل بناء أحزاب ونقابات عصرية أو لا يهتم بتشكيل الرأي العام أو يلجأ الى أساليب الضجيج ولا يحترم حق الشعب في الحكم على الناس والأشياء سيفقد اليوم وغدا احترام الشارع الواعي بشبابه ، وسيخسر سنده الأول والأخير .

ومن بلجأ الى استخدام بندقية الشعب لتنفيذ انقلاب عسكري في أي وقت ، لقهر المواطن وقتله وذبح تطلعاته وأحلامه الجميلة هو أكبر الخاسرين في معركة الرأي العام .
لندن -٦ ديسمبر ٢٠٢٢

modalmakki@hotmail.com
/////////////////////////

//////////////////////////

 

 

آراء