الاختفاء القسري …إستراتيجية الرعب !!
محمد موسى حريكة
15 June, 2022
15 June, 2022
musahak@hotmail.com
بينما كانوا يرسلون أتباعهم إلي الجنة المتوهمة في حروبهم الجهادية كانوا يرسلون المعارضين لمشروعهم المتفسخ إلي خلف الشمس .لقد شهدت سنوات حكم الجبهة الاسلامية خلال الثلاثين عاما الماضية والتي لم تنتهي فصولها بعد أقسي عمليات الاختفاء القسري لمواطنين سودانيين لم تزل عائلاتهم وأصدقائهم يحدقون في فراغ الانتظار لذلك المصير الذي يكتنف هؤلاء الذين تبخروا تحت سماء الخرطوم بتلك الغارات الامنية التي تشنها الأجهزة الامنية والعملاء السريين وتقوم باختطاف المستهدفين وإقتيادهم نحو المجهول .
وتهدف تلك العمليات لإشاعة الرعب بين السكان في محاولات يائسة لكسر شوكة المقاومةسواء كان ذلك بالاحتجاز في بيوت الأشباح وتعذيب الضحايا أو بذلك الإخفاء الذي يطال النشطاء من النساء والرجال والمحامين والصحفيين وغيرهم من الذين يشكلون هاجسا أمنيا للسلطة الغاشمة.
ليس من السهل إحصاء عمليات الإخفاء القسري الجارية حتي الان ولكنا سنقف علي ثلاث حالات تشكل رمزية إنسانية لهؤلاء الضحايا العابرون نحو المجهول .
(أويس حامد أحمد) ناشط سياسي يمثل أحدث جرائم ذلك الاختفاء ، ترك هاتفه موصولا بالشاحن حيث قضي ليلته الأخيرة بداخلية تتبع لكلية التربية جامعة الخرطوم في حي الشهداء بمدينة أمدرمان وغادر علي عجل ربما لأمر ما ،فقد شوهد لآخر مرة في صبيحة الحادي عشر من أبريل 2022 والذي يصادف ذكري سقوط الانقاذ فيما كان زملاءه يتهيؤون لإحياء تلك الذكري النضالية وعند الساعة الواحدة ظهره أفتقده زملاءه ولم يعثروا عليه رغم حملات البحث المكثف التي لم تستثن المشافي ومقرات الشرطة والأمن وأماكن الاحتجاز وكل ما يمكن أن يشكل رأس خيط في العثور عليه ولكن كل ذلك بلا جدوي وحتي كتابة هذه السطور .
(البروفيسور عمر هارون) هل طار السمبر بعيدا عن النهر ؟ تلك آهة أطلقها أحد الحزاني لاختفاء ذلك الانسان ،كان بروفيسور عمر هارون يعمل أستاذا بجامعة الخرطوم وأستاذآ زائرآ بجامعة كويتو اليابانية .
في الخامس والعشرين من سبتمبر 2012 عاد البروفيسور الي منزله من عمله بعد الظهر وخرج كعادته عصرا بملابس الرياضة ،ومنذ تلك اللحظة وحتي الان لم يعد في أغرب جرائم الإختفاء القسري لم تترك أسرته وأصدقائه بابا إلا طرقوه ،وتمضي الأيام والشهور ألي أن تم أخفاء ملف إختفائه هو الاخر من مكاتب المباحث الجنائية في عهد النظام البائد لإسدال الستار علي ذلك الإخفاء الغرائبي. ولينضم إلي رتل المئات إن لم يكن الآلاف من الذين خلفوا الغصة والانتظار الأليم واللانهائي لذويهم .
(الشاعر أبوذر الغفاري ) ولد بمدينة بحري حي المزاد عام 1958 ثم انتقلت أسرته لاحقا إلي الحاج يوسف،عرف بشاعريته العذبة وذلك الانتماء بلا حدود لقضايا المحرومين والتعساء من أبناء بلاده ،آخر ما كتبه رسالة قصيرة لاحد أصدقائه قائلا (اليوم أكملت لكم صبوتي ورضيت لكم الانسان دينا ) في التاسع من أكتوبر 1989عاد إلي منزله مساءآً وأخبرته والدته أن شخصا ما طرق الباب سائلا عنه وخرج مسرعا يقتفي ذلك الطارق ،إلا أنه لم يعد حتي كتابة هذه السطور أي بعد مضي ثلاثون عاما .
تلك مجرد نمازج ليست حصرية وليس بوسعي حصر ألاف حالات الاختفاء في طول وعرض أرض السودان. أولئك الذين تبتلعهم الثقوب السوداء للأجهزة الامنية التي تنشر استراتيجية الرعب لدي طيف المقاومة في بلد لم يزل يناضل للخروج من قبضة الديكتاتورية إلي فضاء الحرية والشفافية .
الخرطوم الآن لم تعد آمنة ومنذ سقوطها في يد الانقاذيين 1989 والبرهانيين في نسختهم الثانيةفي أكتوبر 2021في ذلك الانقلاب المشؤوم .
وهناك آلاف الجثث المتفسخة في المشارح بمدينة الخرطوم وتضيع ملامحها بالتحلل وسؤ الحفظ في درجات حرارة عالية،وتضاف الي قائمة المجهولين !
وأدخلت الحكومات العسكرية المتتالية في بلادنا قاموس إخفاء قبور حتي الذين تصدر بحقهم أحكام إعدام في تلك المحاكمات المتعجلة والتي لا تخضع لأي أسس عدلية. وعلي سبيل المثال وليس الحصر قبور شهداء يوليو 1971،قبور شهداء رمضان1991،و مقبرة شهيد الرأي محمود محمد طه.
فالأخفاء القسري طال حتي قبور الموتي .
في الثالث والعشرين من ديسمبر 2010 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدةالقرار رقم 47/133 الإتفاقية الدوليةلحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري والتي تستند علي الإعلان العالمي لحقوق الانسان وذلك نتيجة لاستشراء ظاهرة الاختفاء القسري وتمددها في عدد من بلدان العالم التي تحكمها أنظمة مستبدة كما هو الحال في السودان .
من الواضح جدا أن تعدد الجيوش والأجهزة الامنية كما هو صائر الان في السودان يفتح الباب واسعا لجريمة الاختفاء القسري ، خاصة أن البرهان نفسه قد أطلق يد تلك الجيوش السرية والعلنية ليعتمد إستراتيجية العنف التي تتيح له تمكين قبضته علي البلاد.
وما أحوجنا الان وليس الغد إلي قيام منظمات إنسانية تقف مع أسر الضحايا لتقديم العون الإنساني والقانوني لهم والعمل علي تعميق مفهوم عدم الافلات من العقاب وكشف تلك العناصر السرية التي تمتهن الإخفاء القسري في تلك الأجهزة القمعية .
بينما كانوا يرسلون أتباعهم إلي الجنة المتوهمة في حروبهم الجهادية كانوا يرسلون المعارضين لمشروعهم المتفسخ إلي خلف الشمس .لقد شهدت سنوات حكم الجبهة الاسلامية خلال الثلاثين عاما الماضية والتي لم تنتهي فصولها بعد أقسي عمليات الاختفاء القسري لمواطنين سودانيين لم تزل عائلاتهم وأصدقائهم يحدقون في فراغ الانتظار لذلك المصير الذي يكتنف هؤلاء الذين تبخروا تحت سماء الخرطوم بتلك الغارات الامنية التي تشنها الأجهزة الامنية والعملاء السريين وتقوم باختطاف المستهدفين وإقتيادهم نحو المجهول .
وتهدف تلك العمليات لإشاعة الرعب بين السكان في محاولات يائسة لكسر شوكة المقاومةسواء كان ذلك بالاحتجاز في بيوت الأشباح وتعذيب الضحايا أو بذلك الإخفاء الذي يطال النشطاء من النساء والرجال والمحامين والصحفيين وغيرهم من الذين يشكلون هاجسا أمنيا للسلطة الغاشمة.
ليس من السهل إحصاء عمليات الإخفاء القسري الجارية حتي الان ولكنا سنقف علي ثلاث حالات تشكل رمزية إنسانية لهؤلاء الضحايا العابرون نحو المجهول .
(أويس حامد أحمد) ناشط سياسي يمثل أحدث جرائم ذلك الاختفاء ، ترك هاتفه موصولا بالشاحن حيث قضي ليلته الأخيرة بداخلية تتبع لكلية التربية جامعة الخرطوم في حي الشهداء بمدينة أمدرمان وغادر علي عجل ربما لأمر ما ،فقد شوهد لآخر مرة في صبيحة الحادي عشر من أبريل 2022 والذي يصادف ذكري سقوط الانقاذ فيما كان زملاءه يتهيؤون لإحياء تلك الذكري النضالية وعند الساعة الواحدة ظهره أفتقده زملاءه ولم يعثروا عليه رغم حملات البحث المكثف التي لم تستثن المشافي ومقرات الشرطة والأمن وأماكن الاحتجاز وكل ما يمكن أن يشكل رأس خيط في العثور عليه ولكن كل ذلك بلا جدوي وحتي كتابة هذه السطور .
(البروفيسور عمر هارون) هل طار السمبر بعيدا عن النهر ؟ تلك آهة أطلقها أحد الحزاني لاختفاء ذلك الانسان ،كان بروفيسور عمر هارون يعمل أستاذا بجامعة الخرطوم وأستاذآ زائرآ بجامعة كويتو اليابانية .
في الخامس والعشرين من سبتمبر 2012 عاد البروفيسور الي منزله من عمله بعد الظهر وخرج كعادته عصرا بملابس الرياضة ،ومنذ تلك اللحظة وحتي الان لم يعد في أغرب جرائم الإختفاء القسري لم تترك أسرته وأصدقائه بابا إلا طرقوه ،وتمضي الأيام والشهور ألي أن تم أخفاء ملف إختفائه هو الاخر من مكاتب المباحث الجنائية في عهد النظام البائد لإسدال الستار علي ذلك الإخفاء الغرائبي. ولينضم إلي رتل المئات إن لم يكن الآلاف من الذين خلفوا الغصة والانتظار الأليم واللانهائي لذويهم .
(الشاعر أبوذر الغفاري ) ولد بمدينة بحري حي المزاد عام 1958 ثم انتقلت أسرته لاحقا إلي الحاج يوسف،عرف بشاعريته العذبة وذلك الانتماء بلا حدود لقضايا المحرومين والتعساء من أبناء بلاده ،آخر ما كتبه رسالة قصيرة لاحد أصدقائه قائلا (اليوم أكملت لكم صبوتي ورضيت لكم الانسان دينا ) في التاسع من أكتوبر 1989عاد إلي منزله مساءآً وأخبرته والدته أن شخصا ما طرق الباب سائلا عنه وخرج مسرعا يقتفي ذلك الطارق ،إلا أنه لم يعد حتي كتابة هذه السطور أي بعد مضي ثلاثون عاما .
تلك مجرد نمازج ليست حصرية وليس بوسعي حصر ألاف حالات الاختفاء في طول وعرض أرض السودان. أولئك الذين تبتلعهم الثقوب السوداء للأجهزة الامنية التي تنشر استراتيجية الرعب لدي طيف المقاومة في بلد لم يزل يناضل للخروج من قبضة الديكتاتورية إلي فضاء الحرية والشفافية .
الخرطوم الآن لم تعد آمنة ومنذ سقوطها في يد الانقاذيين 1989 والبرهانيين في نسختهم الثانيةفي أكتوبر 2021في ذلك الانقلاب المشؤوم .
وهناك آلاف الجثث المتفسخة في المشارح بمدينة الخرطوم وتضيع ملامحها بالتحلل وسؤ الحفظ في درجات حرارة عالية،وتضاف الي قائمة المجهولين !
وأدخلت الحكومات العسكرية المتتالية في بلادنا قاموس إخفاء قبور حتي الذين تصدر بحقهم أحكام إعدام في تلك المحاكمات المتعجلة والتي لا تخضع لأي أسس عدلية. وعلي سبيل المثال وليس الحصر قبور شهداء يوليو 1971،قبور شهداء رمضان1991،و مقبرة شهيد الرأي محمود محمد طه.
فالأخفاء القسري طال حتي قبور الموتي .
في الثالث والعشرين من ديسمبر 2010 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدةالقرار رقم 47/133 الإتفاقية الدوليةلحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري والتي تستند علي الإعلان العالمي لحقوق الانسان وذلك نتيجة لاستشراء ظاهرة الاختفاء القسري وتمددها في عدد من بلدان العالم التي تحكمها أنظمة مستبدة كما هو الحال في السودان .
من الواضح جدا أن تعدد الجيوش والأجهزة الامنية كما هو صائر الان في السودان يفتح الباب واسعا لجريمة الاختفاء القسري ، خاصة أن البرهان نفسه قد أطلق يد تلك الجيوش السرية والعلنية ليعتمد إستراتيجية العنف التي تتيح له تمكين قبضته علي البلاد.
وما أحوجنا الان وليس الغد إلي قيام منظمات إنسانية تقف مع أسر الضحايا لتقديم العون الإنساني والقانوني لهم والعمل علي تعميق مفهوم عدم الافلات من العقاب وكشف تلك العناصر السرية التي تمتهن الإخفاء القسري في تلك الأجهزة القمعية .