الاخوان المسلمون .. الملحدون !!

 


 

د. عمر القراي
10 October, 2018

 


omerelgarrai@gmail.com

(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا)

صدق الله العظيم

بعد المواجهة الشجاعة، التي قامت بها الإبنة وئام شوقي ل(علماء) السلطان، والتفوق الفكري، الذي ظهرت به عليهم، وعلى أشياخ الوهابية، وأئمة المساجد، الذين إكتفوا بسبابها، وسباب مقدم البرنامج، حين عجزوا عن مواجهة تساؤلات الشباب الجريئة، تواجه الحركة الإسلامية تجدياً جديداً لم يكن في الحسبان وهو ظاهرة إنتشار الإلحاد بين أبناء قادة الاخوان المسلمين !!

فقد جاء في الأخبار التي تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي (كشفت د. نوال مصطفي عضو أمانة التزكية بالمؤتمر الوطني، عن وجود ظاهرة الالحاد وسط أبناء قيادات الصف الأول للاسلاميين والتنفيذيين، في وقت اعلن فيه مدير المجلس الاعلي للدعوة بولاية الخرطوم د. جابر عويشة عن نتائج دراسة علمية حديثة حول الالحاد اجراها مركز الاستشراق الدولي في 11 جامعة بولاية الخرطوم رصدت 1200 حالة إلحاد وتمت استتابة 928 منهم .... ولفت مدير المجلس الاعلي للدعوة بولاية الخرطوم الي ان الدراسة توصلت الي ان الانحرافات الفكرية آخذة في الانتشار) !!

أول ما تجدر الإشارة اليه، حول هذا التقرير العجيب، هو: متى وأين وكيف تمت استتابة الملحدين من أبناء قادة تنظيم الاخوان المسلمين الحاكم ؟! هل هذه استتابة سريّة بسبب مكانة آبائهم وسلطتهم ؟! ولماذا لم يتم اعتقالهم، وفتح بلاغات ضدهم، وتوجيه تهمة الردّة عن الإسلام إليهم قبل أن تطلب منهم الإستتابة ؟! هل في شريعة الإخوان المسلمين (المدغمسة)، تحلل عن الردّة، مثل تحللهم من الأموال التي يسرقونها، من قوت الشعب ؟!

ومهما يكن من أمر، فإن أبناء الاخوان المسلمين ليسوا ملحدين !! وإنما هم ثائرون ورافضون مثلهم مثل الابنة وئام .. هم رافضون للدين الذي رأوه مجسداً في آبائهم. وهو دين يقوم على الخداع والغش، ونهب أموال الفقراء، واستخدام السلطة لقهرهم وإذلالهم. وهم لما كانوا ألصق بآبائهم وأمهاتهم، رأوا من سوئهم وبعدهم عن القيم، ما لا يراه الآخرون .. ولما كانوا لا يعرفون من الدين، غير الذي يتلقونه من أهلهم، أنكروا هذا الدين، الذي يبيح لأتباعه قتل مئات الطلاب، ممن هم في أعمارهم، لمجرد أنهم خرجوا في مظاهرات، تعبر عن احتجاهم على غلاء المعيشة.

ولقد حرص الاخوان المسلمون النافذون، على عزل أبنائهم عن الشعب.. فأسكنوهم في أحياء مختلفة، داخل قصور عالية مقفلة، حتى لا يشاهدوا فقر أهلهم وذويهم، وأدخلوهم مدارس خاصة، حتى لا يصادقوا غير أبناء طبقتهم، ولا يتعرفوا على ما يجري في البلد، من قضايا الإفقار والتجويع، وما يجري من فساد مالي واخلاقي أبطاله آبائهم وأمهاتهم !! ولكن مع ذلك لم يستطيعوا منعهم من وسائل التواصل الاجتماعي فدخلوا (الفيس بوك) ومروا على ( قروبات) الشباب في (الواتساب)، وعرفوا أن آباءهم وأمهاتهم هم مشكلة البلد، وأن دينهم هو سبب مشاكلهم، فخجلوا من آبائهم وأمهاتهم، ورفضوا دينهم الذي يزعمون !!

وأبناء الاخوان المسلمين، الذين يتعاطون المخدرات أكثر من غيرهم من الشباب، لأنهم يملكون ثمنها، يعرفون أن هذه المخدرات أدخلها آباؤهم، بكميات حملتها ( حاويات)، ورغم تعاطيهم لها، يرون أنها تضرهم، وتضر غيرهم من الشباب، بل تتسبب في ضياع الجيل بأكمله .. فهل يتوقع منهم أن يحترموا آباءهم بعد ذلك، أو يتبعوا دينهم ؟! فإذا تم القبض على أحدهم، فإن أباه أو أمه، يقومان باستخدام سلطة الحزب الحاكم، للإفراج عنه، كما حدث من قبل، لإبن وزيرة الدولة بوزارة العدل، التي أخرجت إبنها الذي قبض بحوزته كمية من المخدرات، وتركت زميله الذي قبض معه في السجن !! مثل هذا الشباب، قد يفرح لحظة الإفراج عنه، بسبب سلطة أهله، ولكن ضميره الحي، الذي لم يلوث بعد، سيسأله : لماذا خرجت أنا من السجن، وبقى زميلي، الذي مارس نفس عملي ؟! ألأني إبن وزيرة أو إبن نافذ في الحزب الحاكم، لا أحاكم على جريمتي، مثل باقي الناس ؟! أليس استخدام أمي أو أبي لسلطته، أو وضعه الحزبي، ليخرق القانون، ويخضع الشرطة، ويخرجني، في حد ذاته فساد، في دولة تزعم أنها تطبق الإسلام ؟! وإذا كان والدي أو والدتي يفعلون مثل هذه الاشياء، ثم يذهبون الى الصلاة في المسجد، ويحضرون حلقات التلاوة، ويسافرون كل عام الى الحج، ولم يستطع دينهم أن ينهاهم عن الفساد، وارتكاب الجرائم، فلماذا أقبل هذا الدين وأعتبره صحيحاً ؟! هذه الأسئلة قد تثور في أذهان ذوي الضمائر الحيّة، من أبناء قادة الاخوان المسلمين النافذين، بينما يظن أهلهم أنهم يحمونهم بسلطانهم، عن تحمل مسؤولية أخطائهم !! ومما يؤكد ما ذهبنا اليه، ما جاء في نفس التقرير، على لسان أحد هؤلاء الشباب، فقد جاء (حدثنى احد الشباب الملحدين بان والده القيادى الاسلامى غير متدين، و لا يصلى الصلوات فى مواقيتها، ويعاملهم كأنهم موظفين لديه، و انه اهمل والدتهم بعد زواجه الثالث، و لا يعدل بين زوجاته و ابنائه و بناته، وآخر والده "شهيد" حافظ للقرآن عن ظهر قلب، تحول الى ملحد و كانت نفسه تراوده فقرر الذهاب للحج عسى ان تطمئن نفسه للايمان، فرجع اكثر تشددآ فى الالحاد، و قال انه رأى فى قريبآ له من قيادات الاسلاميين نفاقآ لا يمكن ان يصدر عن انسان سوى رغم انه يجلس على مليارات الجنيهات وعشرات العقارات و ارصدة بالعملات الحرة فى الخارج ، رآه يزجر اقربائه طالبى المساعدة مرات عديدة، و ينتهر طالبى الحاجة من السائلين على باب سيارته او فى بيته، و لا يخرج الزكاة و يتهرب من الضرائب و"يتبرع للمؤتمر الوطنى" ).

جاء عن معنى كلمة "إلحاد" (ولحَدَ في الدِّينِ يَلْحَدُ وأَلحَدَ مالَ وعدَل وقيل لَحَدَ مالَ وجارَ وقال ابن السكيت المُلْحِدُ العادِلُ عن الحق المُدْخِلُ فيه ما ليس فيه يقال قد أَلحَدَ في الدين ولحَدَ أَي حاد عنه وقرئ لسان الذي يَلْحَدون إِليه والتَحَدَ مثله وروي عن الأَحمر لحَدْت جُرْت ومِلْت وأَلحدْت مارَيْت وجادَلْت)(لسان العرب). فالإلحاد في حقيقته هو الميل عن الحق، والجور، وأن يدخل في الدين ما ليس منه .. ولقد أصبح مؤخراً مصطلح يعني رفض الدين، أو الطعن فيه، وهو في أحسن حالاته، لا يمثل علم بحقيقة، وإنما يمثل شك فيما يؤمن به المتدينون، وصور الشك والتساؤلات والاعتراضات، هي ما ظهر في ثورة هؤلاء الشباب، من ابناء قادة الاخوان المسلمين.

أما الملحدون بالمعنى الحقيقي للكلمة، فهم الاخوان المسلمون الكبار، وليس أبنائهم !! لأنهم هم الذين حادوا عن الحق، ومالوا الى الظلم والجور، وأدخلوا في ممارستهم، ما ليس من الدين، وأدعوا أنهم يطبقون الدين، ومارسوا كافة ضروب الفساد .. فحكومة الاخوان المسلمين، هي التي قتلت آلاف المواطنين السودانيين، في الجنوب، بدعوى الجهاد في سبيل الله. وكان شيخ الجماعة د. الترابي رحمه الله، هو من أفتى للشباب، بأن من يقتل منهم في حرب الجنوب، فهو شهيد، ويزف الى سبعين من الحور العين !! ثم حين أختلف مع تلاميذه، وأبعد من الحكومة، أفتى بأن من قتلوا في الجنوب، ليسوا شهداء، وأنه ليس هناك في الجنة حور عين !! وشيخ الجماعة، هو الذي أعلن فساد تلاميذه الحاكمين، وسرقتهم للمال العام، من منبر قناة الجزيرة.. فكيف يريدون لأبنائهم أن يتبعوا دينهم بعد ذلك ؟! وحكومة الاخوان المسلمين، هي التي قتلت 250 ألف مواطن من دارفور، وشردت حوالي 2 مليون بين معسكرات اللاجئين والنازحين، وهي التي قامت قواتها النظامية باغتصاب أكثر من 200 إمرأة سودانية في قرية "تابت" بدارفور.. فكيف يدعي الإسلام، حاكم يتم إغتصاب نساء بلده، ثم لا يحاكم أحد على هذه الجريمة النكراء ؟! الملحدون هم الاخوان المسلمون الذي نهبوا أموال الشعب الفقير، وحولوها الى أرصدة في البنوك العالمية، ودمروا كافة مشاريعه التنموية، وتركوه فقيراً وجائعاً ومريضاً، وهم يسخرون من آلامه!! هذا هو الإلحاد في الحقيقة، وهذا ما يتضرر منه الناس، وليس مجرد تصورات شباب، لا علاقة لهم بالسلطة، ولم يتضرر منهم أحد.

وحين شعر الاخوان المسلمون، بخطورة أن يصبح أبناؤهم ملحدين، واقاموا تلك الندوة، لم يوفقوا الى الحل، ولم يضعوا يدهم على موطن الداء.. فقد جاء ( ومن جانبها ذكرت العضو بأمانة التزكية د. نوال مصطفي ان الالحاد ظاهرة ليست بعيدة وموجودة في فضاءات المجتمع السوداني ووسط ابناء قيادات الصف الاول من قيادات الاسلاميين والتنفيذيين، بينهم من يحفظ القرآن الكريم، واتهمت جهات – لم تسمها – بحمياتهم أو تمويلهم ،" لا اجزم بأن تلك الجهات ملتبس عليها او تفعل ذلك من غير وعي" . وانتقدت نوال الحركة الاسلامية ، وقالت " نحن كحركة تكلست وتجمدت اصبحنا لا ننتج فكراً" ، وطالبت بالتركيز علي انشاء مراكز للبناء الفكري وتكثيف الدورات الفكرية، وزادت " قضينا 5 سنوات في مركز المرأة مع هؤلاء الشباب"، في اشارة لابناء الاسلاميين الملحدين، وتابعت " عندما احضرت لهم د. أمين حسن عمر ذكر لي انه لا يحتاج للمكوث معهم ساعتين فقط وانما لدورة كاملة").

إن ظاهرة جنوح الشباب وغيرهم الى الإلحاد، ظاهرة جديدة على الشعب السوداني، وهي تعد منتج بإمتياز لحكم الاخوان المسلمين، مثلها مثل ظواهر أغتصاب الاطفال، والتحرش الجنسي في الشارع بالنساء، وكافة أوجه الفساد، التي ما عرفناها إلا حين حكمنا هؤلاء الفاسدين .. ومن بؤس التصور، أن ترى هذه الاخت المسلمة أن حركة الاخوان المسلمين أصبحت لا تنتج فكرا !! والحق أنها منذ نشأتها، لا تملك أي فكر، بل كانت تدعو للتمسك بآراء السلف من الفقهاء، تجترها، وتكررها، في واقع مختلف، لا يمكن تطبيقها عليه .. وحين إنتقد د. محمد محي الدين الجميعابي، وهو من قدامى أبناء حركة الاخوان المسلمين، وأولى بها، من كثير ممن يهاجمونه، من الذين لحقوا بركبها عن طريق المؤتمر الوطني بآخرة، حين انتقد علماء السودان، ودعاهم الى تحمل أبنائهم، المشاركين في برنامج "شباب توك"، لم يجد في فكر البنا أو المودودي أو سيد قطب، ما يسعفه، فدعاهم الى كلمة الشيخ العبيد ودبدر ( أنا ابو العاصي والمجنون)!! وهي مأخوذة في التصوف من الشيخ عبدالقادر الجيلاني، حيث قال ( البر لي والفاجر أنا له )!! و د. نوال حين أرادت هداية أبناء الاخوان المسلمين الملحدين، جاءت لهم بدكتور أمين حسن عمر، وهو بطبيعة حاله، من أفشل النماذج في هداية الناس، لأنه متعال، ولأنه ينضح بالغرور، ويتسم بالتنطع والتكلف في حديثه، ثم هو من الاسلاميين الذين بدأوا فقراء، ثم أثروا بسبب تمكنهم من السلطة، واصبح يملك المؤسسات التعليمية الضخمة، والعربات الفارهة، فهل هذه قدوة لينظر اليها الشباب، ويرجع بسببها عن الإلحاد ؟!

إن ظاهرة إنتشار الإلحاد، بين أبناء قادة الاخوان المسلمين النافذين، ظاهرة صحة، لأنها كشفت حقيقة التنظيم.. وقد قال السيد المسيح ( وضعت الفأس على أصل الشجرة .. كل شجرة لا تعطي ثمر تقطع وتطرح في النار) وهذه الشجرة الملعونة كان ثمرتها إلحاد أبنائها !! وهذه الثمرة أظهرت الفشل المريع لفكر الاخوان المسلمين، من داخل بنيته الاجتماعية، بعد أن زكمت ريحة فساده الانوف على مستوى الدولة. من هنا نعتبرها ظاهرة محمودة، مع أن الظاهرة الإلحادية عموماً ليست محمودة (ولكنها، إنما حمدت في هذا المقام، لأنها تمثل ثورة على الجمود الفكري، والعقم العاطفي الذي ضربه، حول الدين، من يطيب لهم أن يسموا أنفسهم رجال الدين .. فلقد جمد هؤلاء الدين، وحجروه، في عصر اتسم بالسيولة، واحتشد بالحركة، والحيوية، والتجديد .. فلم يبق سبيل إلى الإنعتاق من أسر جمودهم غير الثورة .. ولا تملك الثورة أن تعتدل، وإنما هو الشطط .. ) كما قال الاستاذ محمود محمد طه.

د. عمر القراي

 

آراء