الاستفتاء لم يكن حلاً … بقلم: عمر الترابي

 


 

عمر الترابي
15 January, 2011

 


خواطر أثناء الاستفتاء
alnahlan.new@hotmail.com
 
 
بدأ الاستفتاء على حق تقرير مصير جنوب السودان قبل أيام، وبدأت معه معالم حزينة تطل على تقاسيم السودان التاريخي، و انتفضت معه أو به مشاعر الكثير من أهله، فأحسو بفداحة أخطاء الماضي و تعاظمت آلام الحاضر، هم ينتابهم إحساس –ولو أنكروا- بفقدان عزيز ويعتصرهم الألم لذلك، وهو ألم لا يُتبين بسهولة، فهو يسري في جيناتهم، وهي دموع تجئ من الأجداد وتتحدر منهم إلينا، و هي حسرات تنداح مع ذكرياتهم وذكرياتنا، و إنه لحزن يرونه في النيل ويحسون بطعمه هذه الأيام في مائه، وهي أنات قامات مع الزرع فأحسوا بطعمها بما أنبته الأرض، البعض منهم يُكابر؛ كمن يريد أن يبرر تصاريف القدر، فيدَعي أن ما حدث هو خير وإن بدا شرًَا، و يحاول أن يُرضي طموحه بأن ما حدث أو سيحدث لن يهز إنسان السودان ولن يدمر الكثير من أشيائه الخاصة، ويراهن هذه الصنف على أن خصوصية السودان ستبقى كما هي، وأنه سيبقى جسرًا للتواصل بين الإفريقانية والعروبة، و سيبقى غابةً و صحراء كما كان، والكثير من التعليلات، التي لا تغني عن حزن ولا تستره عن كل العيون، ولكنهم يبذلونه تسلية و مداراة.
في الجنوب، فالجميع يعيش مع هالة الإعلام و مع نشوة "فش الغبينة"، و يتوهم البعض منهم انتصارًا اسمه الخلاص من دولة العرب، والدخول في حرز الافريقانية ودولة المواطنة المتجانسة، ويبنون على ذلك الكثير من الأحلام العراض، و الغريب أن بعض الجنوب الحبيب يحتفل ظنًا منه بأن هويته (الجديدة) توحدت على أرضية (جديدة) متجانسة، و بنفس الوتيرة فإن الشمال يُعزي نفسه؛ بأن الجنوب برحيله جعل خلطة السودان القديم "إن صح التعبير" أكثر اتساقًا، وتصلح لتشكيل هوية موحدة، والمدهش أنهما على خطأ شمالًا وجنوبًا، فلا الثقافات قلت ولا التعدد انمحى، وهو ما سيتبينه الجميع بعد حين، فكل ما سيحدث لو جاء انفصال سيقل مقدار وسيزيد مقدار و سيقل نوع و سيزيد نوع، وللأسف لن تولد دولة الجنوب مبرأة من عيوب السودان القديم، فهو مستنسخ من السودان الشمالي بنسخة معكوسة، و خرطومه الجديدة جوبا، نسخة تحمل كل عيوب السودان القديم الخلقية إن كان التعدد الإثني والديني والجغراقي عيبًا، فلم يمح الانفصال التنوع، فهو ثابت على كل المستويات، بل إن الذي جدّ هو دخول ثقافة "البتر" (أو) "الانفصال" كحل للاختلافات التي نعيشها، وهو مرض يُخشى على دولتي السودان منه، فليس السودان القديم فحسب هو ما يُهدد بنزعات انفصالية جديدة بل حتى سودان الجنوب يهدد بذلك.
يبدو أن الخوض حتى في هذا المستوى الحزين من التداعيات فيه من الترف الفكري ما فيه، فالبعض يقول إن الذين يعيشون هذه المشاعر (الوحدة والانفصال) لا يعلمون أنهم يستبقون الأحداث، وأن الكثير من المفاجآت قد يغير مجريات الأمور، وأن جميع السيناريوهات لاتزال مطروقة وبشدة، وبعضها شديد وعظيم، مل الأشياء متوقعة حتى سيناريوهات الوحدة، فالذي بين يدي الناس الآن الانفصال الخشن أو السلس، والوحدة الجاذبة أو الكاذبة، و بالإضافة أو بالتزامن مع ذلك خياري الحرب و السلام، وحرب كما أسلفنا ليست من الشمال او الجنوب فحسب، بل من المتطرفين سواء من الامتداد الإسلامي للسودان، أو الامتداد الافريقي له.
إن العاقل يتعظ، ويقف مليًا قبل أن يخطو أية خطوة إلى الأمام، و إنه إذا نظر إلى الماضي ليجد أن الذي أوصلنا إلى هذه المنطقة هو التعصب والشطط وأحادية النظر، و النماذج الاجتهادية الفردية، إن هذا الوطن هو ملك للجميع، ولا يصلح أمره إلا بالجميع، بالشورى بالديمقراطية بالمشورة بأي شئ فيه تشارك الرأي، وإن إنسانه قيم ويجب أن يُمنح قيمته بتمليكه القرار و منحه المساواة الحقيقية.
علينا أن نستعد لبناء الأهم من الدولة، والأهم من الجدران والحيطان، بناء الانسان الذي يترك بصمةً ويضيف للأمته، علينا الالتفات إلى نسق الهدى الحقيقي الذي يمنح الناس السلام، ويعينهم على حياة خالية من الكدر، إن السياسة ودهاليزها تأخذ الناس وتغرهم وتسوقهم في صراعات مخيفة، حتى يصبح الصراع غاية لذاته و الحرب غاية لذاتها، والوحدة غاية لذاتها و الانفصال غاية لذاته، وينسون أن السلام والتنمية ورفاه الإنسان وتقدمه ليقوم بمهمة الخلافة في الأرض هي المقصد، فلا مطلب أكثر من عيشة هانئة وهادئة تكفل لأهل السودان أن يعيشوا ما تبقى من زمانهم بهدوء وبدون ضنك عظيم، إلى أن يأخذ الله أمانته من أجسادنا.
إذا انفصل الجنوب بسلام وذلك صعب، فذلك أمر يجب أن نقف أمامه مليًا بحزن وأسى، ثم بتعقل، وبوفاء لتاريخنا ولنقل:
كَذا فَليَجِلَّ الخَطبُ وَليَفدَحِ الأَمرُ **** فَلَيسَ لِعَينٍ لَـم يَفِض ماؤُها عُذرُ
 
صحيفة الصحافة:التاريخ: 14-يناير-2011    العدد:6282  
نواصل،

 

آراء