الاستقلال: عيد بأي حال عدت يا عيد ؟
قبل خمسة وخمسين عاما استقل السودان أي قبل أن يولد كثير ممن سيقرؤن هذا المقال مما يعني أن غالبية أهل السودان رأوا النور في وطن مستقل يحكمه أبناؤه . قدم أجدادهم كل غال ومرتخص في سبيل هذا الاستقلال تشهد على ذلك واقعة النخيلة وكرري وأم دبيكرات وثورة على عبداللطيف والماظ ووحبوبة وغير ذلك كثير .
غير أن غالبية أهل هذا البلد ممن لم يروا الاستعمار ولم يتربوا في ظله عاشوا معظم سني حياتهم في ظل حكومات عسكرية آحادية النظرة قوامها أثنان وأربعون عاما و بحسبة أخرى لم يعش السودانيون إلا ثلاثة عشر عاما في ظل الديمقراطية منها عامان انتقاليان بعد حكم الجنرال عبود برئاسة السيد سرالختم الخليفة ثم بعد حكم الجنرال الثاني نميري برئاسة جنرال ثالث هو سوارالذهب .
نال السودان استقلاله قبل كثير من الدول الأفريقية والعربية ، وعرف أهله الديمقراطية قبل كثير من الشعوب التي تفتخر بديمقراطيتها اليوم وخلف الاستعمار البريطاني خدمة مدنية لا مثيل لها لم تعرفها كثير من الدول وتمتع البلد بأول برلمان منتخب بلا تزوير ولاتجاوزات وهذا البرلمان هو الذي أعلن الاستقلال وكون أول حكومة منتخبة لتولي أمور البلاد.
ولو استمرت الديمقراطية الى اليوم لكان حالنا غير هذا ولتطور نظام الحكم ولنضجت الديمقراطية وتفتحت أعين الاجيال القادمة على وعى كامل بحقوقهم وواجباتهم .
كان وعى الناس المبكر بضرورة الحكم الديمقراطي سببا في رفضهم لحكم العسكر في أكتوبر المجيد بعد ستة أعوام فقط من قيامه , بالرغم من نزاهة المجلس الحاكم بقيادة الفريق عبود "رحمه الله".
وقد كررها الشعب العاشق للحرية في ابريل حين انتفض ضد مايو التي ظلت تقاوم وتكافح من أجل بقائها ستة عشر عاما إلى أن أجبرتها الجماهير الثائرة على التنحي عن الحكم فذهبت غير مأسوف عليها وتنسم الناس عبير الحرية من جديد .
ثار هذا الشعب الأبي ضد سلطة العسكر في أكتوبر ولم يعرف لهم فساد مالي أو أخلاقي وقدموا لهذا البلد خدمات لاتنكر وكان خطأهم الوحيد أنهم حاولوا حكم هذا ااشعب بالحديد والنار وفات عليهم أنه شعب لا يقبل أن يوضع في قفص ولو أطعمته الشهد المصفى.
وثار مرة أخرى على مايو ولم تبلغ مايو في الفساد ربع ما بلغته الإنقاذ ، وقد كان أهل مايو يظنون أنهم مخلدون فيها الى يوم يبعثون ، وظنوا أنهم مانعتهم أجهزتهم الأمنية من غضب الجماهير ، وانهم في حمى الجيش الذي عندما جد الجد اختار ان ينحاز لشعبه فكانت أبريل الغراء.
واليوم وبعد أن تقدمت علينا شعوب نّالت استقلالها بعدنا بكثير نقف على الحصاد المر من عشرين سنة من حكم أرجعنا إلى خانة الدول الأكثر فشلا وضرب المثل في الفساد وسوء الإدارة واسغلال المناصب وأشعلها حربا في جزء غال من هذا الوطن في دارفور العزيزة فقتل وحرق وشرد الناس ومهد السبيل لانفصال جزء عزيز من أرض الوطن في الجنوب فباع جهاد الناس في الحفاظ على البلد بأرخص الأثمان وارتهن بالكامل للمصالح الذاتية وتفرغ قادته لجمع المال الحرام من كل باب لاح لهم وكأنهم قد وثروا البلاد والعباد ، ونسوا في غمرة غيابهم عن الوعى أن هذا الشعب صبور ولكنه لا ينسى وانه قد يمهل و لكنه لا يغفر لجلاديه أبدا.
وتهل هذه الذكرى والوطن يمر بأصعب أيامه منذ أن توحد على يد أبنائه في ثورة المهدية التي كانت أعظم ثورة في تاريخ الشعوب الإسلامية قاطبة ضد الاستعمار الحديث ، وعلى يد فرقة ضالة من أبنائه ، قفذت على السلطة بليل وفي غيبة من الوعى المتعمد تقدمِّ للبلد أسوأ هدية في عيده الأكبر فتبتر جزءا ثمنا متوهما لبقائها في سلطة زائلة .
ولئن غفر الشعب لجنرالات نوفمبر وللمايويين فإنه لن غفر لمن ضيع وحدة البلد وسرق موارده واستباح كرامته وعزته في دارفور الأبية.
Zahd Zaid [zahdzaid@yahoo.com]