الاغتيال الاقتصادي للأمم : كتاب أثار اهتمام الرئيس

 


 

 

 

سأل الطاهر حسن التوم في قناة النيل الأزرق السيد رئيس الجمهورية: ما هو الكتاب الذي بين يديك الآن؟ فأجاب السيد الرئيس: "كتاب مهم جداً وخطير، الكتاب بعنوان الاغتيال الاقتصادي للأمم، وهو اعترافات قرصان اقتصادي اسمه جون بيركنز، ويتحدث عن أنه جزء من مجموعة كبيرة من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين، مهمتهم الأساسية بناء إمبراطورية ضخمة تسيطر عليها الشركات الأمريكية عبر إجراء دراسات لمشروعات البنيات الأساسية في الدول المستهدفة، ويعتبر نجاح الخبير على قدر المشروع وتمويله، وتقدم هذه المشروعات لمؤسسات التمويل الدولية، وتطرح العطاءات وتنالها شركات أمريكية ويتحول المال من حساب لآخر داخل الولايات المتحدة، وتصبح المشروعات ديونًا على الدول حتى تعجز الدولة عن خدمة الديون وسدادها، وتأتي عليها الضغوط لتحقيق ثلاثة أهداف: أن تدور الدولة في الفلك الأمريكي، ثانياً أن تسلم الدولة مواردها للشركات الأمريكية، والثالث أن تكون أراضي الدولة مفتوحة للقواعد والوجود العسكري الأمريكي. وضرب مثلاً بكولومبيا التي كانت ديونها حوالي 160 مليون دولار ونسبة فقر 50% فدخل عليها هؤلاء وأوصلوا ديونها إلى 16 مليار دولار، وبنوا بعض الأسر وأفقروا باقي الشعب بإجراءات صندوق النقد الدولي، وضغطوا عليها في النهاية لسداد الديون وجعلوها تبيع للشركات الأمريكية مساحات واسعة من غابات الأمازون بمواردها في ظاهر الأرض وباطنها، احتياطيات البترول في المنطقة يقدر أن تساوى احتياطات البترول في الشرق الأوسط كله، والقسمة 75% للشركات الأمريكية، و25% للحكومة الكولومبية 75% منها لتسديد القروض، والباقي فقط تستلمه لتصرف منه، و2% فقط من نصيبها للخدمات، وطبقوا ذلك في عدد من الدول ومرت علينا ذات التجربة عندما أثقلوا السودان بالديون وفرضوا لمعالجة هذه الديون شركة شيفرون ورخصوا لها كل مناطق البترول المتوقعة، واذكر الاحتفال الذي أقيم بمناسبة توقيع خط أنابيب تصدير البترول للبحر الأحمر حينها وكان من ضمن الشروط رهن كل صادرات السودان لشركة خط الأنابيب. ويقول الكتاب إن القراصنة إذا فشلوا في تحقيق هذه الأهداف تدخل المخابرات المركزية الأمريكية وتلعب أدوار اغتيالات وانقلابات وتمرد وتزوير انتخابات، فأخذ كولومبيا وبنما كنماذج، في كولومبيا أتت الانتخابات برئيس وطني فأتي ببرنامج إصلاح اقتصادي لمراجعة السياسات الأمريكية ورفضها، واقتدى الرئيس البنمي بالرئيس الكولومبي، وقتل الاثنان في حادثتي طيران كان الفارق بينهما شهران فقط، وأتوا في بنما بنورييغا الذي اقتادوه في النهاية، وكذلك إيزابيل الليندي الذي كان ضد السياسات الأمريكية فاغتالته السي آي ايه، وعندما تفشل يأتي الغزو العسكري المباشر كما رأينا في العراق وأفغانستان". انتهت إجابة الرئيس البشير.

والحقيقة أن الإجابة تنم عن مقدرة احترافية في الاستيعاب والتلخيص، سيما أن الكتاب حجمه كبير في نسختيه الأصلية والعربية (النسخة الإنجليزية يقع في 248 صفحة). غير أن الرئيس - يحفظه الله -  وقع في سهو حين تكلم عن كولومبيا وهو يقصد الإكوادور، وجلّ من لا يسهو.

وانتباه الرئيس لمثل هذا الكتاب يحمل دلالة كبيرة على الوعي بلوازم الاستقلال والتحرر الوطني، وبما يتبع ذلك من تحديات ومخاطر.

حين صدر الكتاب في 2004 في نسخته الإنجليزية، تسابقت دور النشر العالمية على ترجمته، وصدرت الترجمة العربية عن دار نشر مصرية في ديسمبر 2008 بعنوان الاغتيال الاقتصادي للأمم (اعترافات قرصان اقتصاد).

مؤلف كتاب Confessions of an Economic Hit Man  جون بيركنز، حكى قصته مع الكتاب، وكيف أنه حاول الشروع في كتابته أربع مرّات خلال عشرين عاماً، وفي كل مرّة كان يصرفه عن إتمامه ترهيب وترغيب. وأخيراً وجد دعماً معنوياً من ابنته الوحيدة التي غادرت مقاعد الدرس والتحقت بالعمل، فلما أشركها في مخاوفه قالت له: لا تتردد يا أبي، إذا استطاعوا أن ينالوا منك، فسوف آخذ مكانك وأستمر في إتمام رسالتك.

لقد ظل يطوي سره منذ التحاقه بشبكة القرصنة الاقتصادية في عام 1971، فلم يعرف ذلك عنه حتى زوجته أقرب الناس إليه. وحين فرغ من تسجيل قصته لم يجرؤ ناشر واحد على مساعدته، إلى أن اقتنع أحدهم أخيراً بأن يخاطر معه. 

خيوط اللعبة أن القرصنة الاقتصادية تدخل إلى الدول بمغريات كبيرة تحت عناوين خصخصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء، فتقوم الدول ببيعها للشركات الكبرى وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية، بينما عليها القبول باستمرار أمريكا وشركاتها في تقديم الدعم لقطاعات أعمالها وفرض القيود لحماية صناعاتها!

ولا تريد النخبة الأميركية بالفعل قيام الدول بسداد ديونها، لأن ذلك هو السبيل إلى تحقيق أهدافها بعد ذلك من خلال مفاوضات سياسية واقتصادية وعسكرية، ويفترض بيركنز أن حرية طبع النقد الأميركي دون أي غطاء هي التي تعطي لإستراتيجية النهب الاقتصادي قوتها، لأنها تعني الاستمرار في تقديم قروض بالدولار لن يتم سدادها.

ولما كانت الشركات الأمريكية نفسها هي من تصرف على هذه الخدمات، فإن الأموال المخصصة لهذه الشركات لا تغادر الولايات المتحدة حيث تتحول من حساب إلى حساب ، ويبقى على الدولة المتلقية سداد أصل القرض والفوائد.

ومن المثير في اعترافات المؤلف تأكيده بأن نجاح الخبير (القرصان) يتناسب طردياً مع حجم القروض التي يتورط بها المدين، فكلما كان القرض كبيراً وقع المدين في تعثر السداد، وعندئذ تفرض شروط الدائن مثل الموافقة على تصويت ما في الأمم المتحدة أو السيطرة على موارد معينة في البلد المدين أو قبول إقامة قاعدة عسكرية على أراضيه.

ويكشف المؤلف عن الجانب غير المرئي في خطة القروض والمشروعات، وهي تكوين مجموعة من العائلات الثرية ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي داخل الدولة المدينة تشكل امتدادا للنخبة الأميركية ليس بصفة التآمر، ولكن باعتناق أفكار النخبة الأمريكية ومبادئها وأهدافها ، بحيث ترتبط سعادة ورفاهية الأثرياء الجدد بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة.

ويدلل المؤلف على ذلك بأن مديونية العالم الثالث وصلت إلى 2.5 تريليون دولار، وأن خدمة هذه الديون بلغت 375 مليار دولار سنويا في عام 2004، وهو رقم يفوق ما تنفقه كل دول العالم الثالث على الصحة والتعليم، ويمثل عشرين ضعف ما تقدمه الدول المتقدمة سنوياً من مساعدات خارجية.

يسرد بيركنز كيف ارتبط عملهم في الاغتيال "الاقتصادي" بالتصفية الجسدية للرؤساء المعارضين، فعندما فشل هو وزملاؤه في استمالة الرؤساء الوطنيين في عدد من دول أمريكا اللاتينية، تدخل قراصنة آخرون لإتمام المهمة بالاغتيال السياسي أو بالقتل ، مثلما حصل لرئيسين في أمريكا اللاتينية بتدبير حوادث لهما بإسقاط الطائرات الرئاسية.

وعلى هذا النحو فإن ما يريده النظام الأميركي في حقيقة الأمر ليس التجارة الحرة، بل احتكار المستقبل لصالح شركاتها العابرة للقارات.

إنها ليست مجرد مؤامرة بسيطة - يقول بيركينز - بل هي أخطر من ذلك بكثير، إنها منظومة متكاملة للسيطرة على العالم... منظومة تنفق 87 مليار دولار لاحتلال العراق، في حين أن نصف هذا المبلغ يكفي لتوفير الغذاء والماء النظيف والصرف الصحي والتعليم الأساسي لكل المحتاجين في العالم.

 

 

 

osman abuzaid [osman.abuzaid@gmail.com]

 

آراء