الاقتلاع من الجذور..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

أياً كانت الجهة التي تقدمت بهذا الطرح، فإنّ المخرج الأوحد من الأزمة الوطنية المستحكمة لن يكون بغير هذا التغيير الجذري المنشود، فعندما يراد الخلاص من شجرة خبيثة، لا يمسك قاطعها بفأسه ثم يبدأ مهمته بالفروع، وإنّما يستهل عمله ابتداءً بالجذع المتجذر في عمق التربة التي تتخللها الجذور، وفي بضعة دقائق تهوي الشجرة المتضخمة على الأرض محدثةً قوة ارتطام عظيمة يستشعرها كل من وقف على مقربة من موقع الحدث، هذه الشجرة تمثلها مجموعة تشعبات وتداخلات القوى السياسية التقليدية القديمة والانتهازية الملائشية الجديدة والعسكرتاريا المؤدلجة، المُخترقة من قبل هذه القوى القديمة داخل مؤسسات الأمن والشرطة والجيش، زد عليها الرأسمالية الطفيلية المداهنة لكل الأنظمة الحاكمة على اطلاقها، إنّه التحالف السرطاني الذي أقعد البلاد ستة عقود أو يزيد، ورسّخ لتوطين الفساد وحصر الامتياز الحكومي والاقتصادي الاجتماعي فيما بين قطاعات وشرائح بعينها، هذا اللوبي الاقتصادي السياسي الاجتماعي لا يشبه في خبثه ولؤمه، إلّا خلايا الداء العضال الذي أزهق حيوات الكثيرين من جنسي الانسان والحيوان، والذي لا يجدي معه إلّا دواء الكي بالنار والاستئصال، لا جرعات العسل، وحتماً لن يكون هنالك استئصال من غير اقتلاع لجذور السرطان، كما يفعل دوماً أطباء وجراحو الأورام الخبيثة، وأهلنا في حيواتهم الشعبية يقولون أن آخر أنواع العلاج هو الكي بالمرود الأحمر الملتهب بحرارة نافخ الكير.
الحالة الثورية المضمحلة الآن سيعقبها حراك ثائر منتفض لا مثيل له، تسونامي غاضب يغطي أراضي الوطن الشاسعة والواسعة ويظلل السماء، فالحراك القادم لا تخمد ناره لمجرد أن هنالك أقلية انتهازية وصولية تصارع من أجل الحصول على الفتات المتساقط من أيدي اللئام الجالسين حول موائد السلطان، فكما هُزمت القوى القديمة مرات عديدة وديس على وجهها بحذاء الجند، فانها لن تقدر على تلبية مطمح الثائرين هذه المرة أيضاً، وسترسل إلى (كوشة) أوساخ الإخفاقات الغابرة والحاضرة، والمأثور من القول في ثقافة هذا الشعب الكريم يحفّز المحبطين الهائمين تحت ضغط ظروف اليأس والقنوط والاسترخاص، لينهض المارد من قمقمه ويعيد قراءة التاريخ للمرة الرابعة والخامسة والسادسة، فالسِفر الوطني حافل بانجازات الحسم في الأوقات الفاصلة، ولا شيء في هذه الحياة يعادل غلاء معدن الموروث الحضاري للشعوب، فشعوب هذه البلاد كما وصفها الأديب الأريب والفريد العجيب الطيب صالح، أنها كريمة ومسامحة وطيبة هادئة تراقب من يتربص بها عن كثب دون ملل ولا ضجر، لكنها إن غضبت فلن يقف في وجه ثورتها العارمة غريب غازي ولا قريب خائن، وذكّرنا هذا الرجل الطيب والصالح بأن هذا الغضب النبيل قد سبق واندلع مرات ومرات من قبل وفي مناسبات مشابهة، وعليه، فإن من لا يُقر بمضاء حكمة الأجداد، لن يعي ما ينتظره من قدر محتوم وكتاب مختوم.
الاقتلاع من الجذور قاعدة كونية تتناسب مع تفاعلات المادة الجامدة وكذلك مع الحراك الانساني، كما في الانسان الفرد حينما تمتليء مواعينه بالغضب الحليم فتفيض كما النيل، ويحيض رحم أنثاه لاحتضان جنين الثورة الغاضبة والعارمة الجارفة، وهذه الغلواء المرئية والمرسومة على وجوه وجباه البؤساء الحاملين لأبريق الوضوء تحت زمهرير شمس الخرطوم الحارقة، لن تظل حبيسة أدراج الصدور ولن ترحم الذين جثموا على الصدور، قبل أن تلحقهم بضحايا بطشهم المقيمين في القبور، وعلى الجاثمين الظالمين أن لا يأمنوا شر هذه الغضبة الحليمة الحبيسة في قلوب المكلومين والمحرومين، فيا ويل من يكون حاضراً وشاهداً شاخص البصر على حدوث هذا الانفجار العظيم، ويا لسوء منقلب من تتفجر في وجهه هذه الشحنات الكهربائية العالية الفولتية، حينها فقط يدرك الذين ظلموا وبطشوا أي منقلب سينقلبون، إنّها إرهاصات الإقتلاع من الجذور، لمن أراد أن يذّكر أو من يخاف وعيد، وما زال القول المأثور المستمد من أرشيف موروثنا العتيق يخبرنا بأن الطواغيت تسحب منهم الحواس الخمس حينما يقرر مالك الملك اجتثاث رؤوسهم وضرب أعناقهم، في تلك الساعة يقسم الطغاة أنهم ما لبثوا غير ساعة لأغترارهم وتجبرهم وتغافلهم عن مأساة الكادحين، فإنّ حتمية التغيير الجذري ليست رغبة شخصية ولا نزوة فردية ولا هواية جماعية، بل هي استحقاق كوني ارتضته قوانين الطبيعة وشرائع السماء.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
11 سبتمبر 2022
///////////////////////

 

آراء