الانتخابات القادمه…دارفور خارج الحسابات

 


 

 

جدل الاستثناء

 

تقرير: خالد البلوله ازيرق

 

dolib33@hotmail.com

 اخيرا حسمت مفوضية الإنتخابات أمرها وتوكلت على تأجيل الانتخابات، متزامناً ذلك مع اعلان جدول العملية الانتخابيه التى ستنطلق في فبراير المقبل في جميع مراحلها، مع تلميح من المفوضية بإستثناء جزئى لدارفور من العملية الإنتخابية المقبلة حال استمرار النزاع المسلح وتعذر الوصول لتسوية سياسيه سلمية تمكن المفوضية من مباشرة مهامها في اجراء الانتخابات بدارفور أو جزء منها، وهو تلميح ثار حوله كثير من الجدل خاصة في اوساط القوي السياسيه المعارضة لإستثناء دارفور أو مبدأ اجراء انتخابات جزئية في البلاد.القوي السياسيه التى كانت تطالب بإجراء الانتخابات في موعدها، ومن ثم بدأت تشكك في ذلك لعدم دفع شريكي نيفاشا "الوطنى والشعبيه" لمستحقات التحول الديمقراطى من الحريات وتعديل القوانين المقيده للحريات، يبدو انها قنعت بما توصلت إليه مفوضية الانتخابات في أمر تأجيلها عسي ان يسعف الوقت المتبقي الممسكين بمفاصل الدوله على تهيئة المناخ السياسي والقانونى لإنجاز عملية التحول الديمقراطى في البلاد، ولكن برغم قناعة القوي السياسيه ومبررات المفوضية لذلك التأجيل إلا ان هذه القوي قد ثارت حفيظتها فيما يتعلق بالاستثاء لدارفور من الانتخابات القادمه، ولكن اذا صدق حدس المفوضية فيما يتعلق بتكهنات استثاء دارفور من الانتخابات القادمه فإنها لم تكن الحالة الأولى في تاريخ السودان التى تجري فيها انتخابات جزئية.فمآلات مشهد المسرح الإنتخابي فى دارفور على ضوء تضاؤل فرص التوصل لتسوية سياسيه في الاقليم بعد تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية على المسرح السياسي السودانى، إذا ما قدر للإنتخابات ان تجري فى توقيتها المعلن من المفوضية مؤخرا دون حدوث تسوية سياسيه في دارفور، فإنه سيعيد الى الأذهان ذكريات قديمة تكررت فى الجنوب إبان إنتخابات العام 1965م حيث اجلت إنتخاباته وجرت بعد عامين من ذلك بسبب التوترات الأمنية آنذاك، كما تكرر ذات مشهد الانتخابات الجزئية في الديمقراطية الثالثه "1986" بغستثناء بعض المناطق في الجنوب بسبب التمرد، قبل أن يتكرر المشهد فى فترة الإنقاذ فى إنتخابات عامي 1996-2001م ، التى كانت تنص قوانين إنتخاباتها على انه "عند تعذر إجراء إنتخابات فى مناطق لأسباب أمنية ترفع هيئة الإنتخابات مذكرة للرئيس ليقوم بتعيين نواب للمجلس الوطني بعد التشاور مع القوى السياسيه المعنيه فى المناطق التى تعذر إجراء إنتخابات فيها لأسباب أمنية. والجهة المنوط بها تقرير ما إذا كانت الأسباب الأمنية كافيه أم لا هي الأجهزة الأمنية التى تقوم بمخاطبة هيئة الإنتخابات التى تقوم بدورها بمخاطبة رئيس الجمهورية بذلك". ولكن من الاشكاليات التى تعقد من تأجيل الانتخابات القادمه في دارفور أن قانون الانتخابات والدستور الانتقالي لا مجال فيه للتعيين، كما أن دارفور موضع الأزمة أصبحت البؤرة الأكثر سخونة، وبالتالى مصدر إهتمام دولي فى كل ما يدور بشأنها، فى وقت تشكل فيه تحدياً داخلياً للقوي السياسيه بين المضي قدماً في الإستحقاق الديمقراطي وإجراء إنتخابات جزئية وبين إلغاء الإنتخابات كلية، وكان مولانا محمد أحمد سالم الخبير فى الإنتخابات قد قال لى في حديث سابق "أن الخيار الأول فى ذلك أن تحل مشكلة دارفور، وإذا تعذر ذلك فإن الخيار الثاني أن لا يؤخر الإستحقاق الديمقراطى بسبب جزء من الوطن مهما كانت مكانته، والخيار الثالث ان تبتكر مفوضية الإنتخابات وسائل لمشاركة نازحي دارفور داخل وخارج السودان، مشيراً الى ان الخيار الأفضل هو تأجيل إجراء إنتخابات فى الدوائر التى تحول الأسباب الأمنية دون إجرائها، وأن السوابق فى ذلك تعطي مبرراً لإجرائها لاحقاً فى المناطق التى يتعذر أجراؤها فيها".وسبق للدكتور كمال عبيد وزير الدولة بوزارة الاعلام والاتصالات القيادي بالمؤتمر الوطنى قد قال في تصريحات صحافيه مطلع العام الماضي "ان أزمة دارفور لن تؤثر على الإنتخابات، وانه ليس هناك أسباب يمكن ان تؤخرها" وقد أثارت تصريحاته حينها موجة من الاحتجاج وسط القوي السياسيه. ويصف مراقبون إستثناء دارفور من الانتخابات القادمه بأنه كارثة لأنها منطقة ملتهبة وفى حالة شد وجذب مع المركز، وبعض حركاتها المسلحه تطالب بأن تدار كإقليم كونفيدرالي، لذا فإن إستثناءها يعطي مدخلاً كبيراً لدعاة الإنفصال وأصحاب الأجندة فى دارفور، فهذا الاستثاء من إنتخابات برلمانية وانتخاب رئيس الجمهورية والولاة، فإذا لم تشارك دارفور فى إنتخاب رئيس الجمهورية فهذا مدعاة ومبرر بان يقولوا أن الرئيس المنتخب ليس رئيسهم، وبالتالى لن نكون جزءاً من هذا الوضع.فيما يشير آخرون الى ان استثناء دارفور سيؤثر بشكل كبير على عملية التحول الديمقراطي بشكل عام، لأن الإحصاءات تشير الى أن دارفور تأتي فى المرتبة الثانية بعد الجزيرة من حيث الثقل السكاني، ويقدر سكانها بحوالى ثمانية ملايين نسمة، وهى نسبة ربما تشكل ربع مقاعد البرلمان إذا ما جاءت نتائج الإحصاء السكاني، الذي ستعلن نتائجه في شهر ابريل المقبل، مقارباً لتلك التقديرات، ما يعني من الناحية السياسيه أنها ستكون ذات تأثير كبير على نتائج الإنتخابات، وبالتالى تظل مسرحا تصطرع فيه القوي السياسيه بتقاطعاتها المختلفه. وكان الأستاذ عبد الله آدم خاطر، قد قال لى سابقاً ان تجاوز دارفور فى الإنتخابات القادمة هذا مجرد حلم، ذلك لأن مستقبل العلاقة السودانية فى إطار التراضي الديمقراطي لن يكتمل إلا بوجود دارفور فى داخل دائرة الحل، واضاف ان أي خطة سليمه للإنتخابات ينبغي أن تبني على إستمرار العملية السلمية من خلال التفاوض وحل الأزمة، وفتح المجال لتحول ديمقراطي تنافسي فى دارفور لكل الأحزاب كما هو فى معظم السودان.وان كان استثناء دارفور أو جزء منها من الانتخابات القادمه قد أثار تساؤلات الكثيرين، فإن تأجيل العملية الإنتخابية نفسها لشهر فبراير المقبل برزت حوله مزيد من الاستفهامات، حيث يتخوف البعض من حدوث فراغ دستورى نتيجة لهذا التأجيل الذي سيعني ان الدولة ستكون قرابة العام بدون هيئة تشريعية بعد انتهاء دورتها في يوليو القادم، وربما قاد هذا الوضع لإجراء تعديل على الدستور لتمديد دورة البرلمان الى مطلع العام القادم، وكان الأستاذ أتيم قرنق نائب رئيس البرلمان قال لـ"الصحافه" إن تأجيل الإنتخابات لا يدعو لتعديل الدستور أو الاتفاقيه، لأن تاجيل الانتخابات قرار فنى ستوضحه مفوضية الانتخابات وغالباً ما تكون اسباب قاهرة لا تدعو لتعديل الدستور، فتأجيل الانتخابات يجب أن لا يؤثر على أى شئ، وقال هناك من يريدون أن يدفعوا البلد لحالة فراغ دستورى وهذا يمكن التغلب عليه بتمديد عمر المجلس الوطنى لأن عدم المتديد له ربما يخلق حالة فراغ دستورى، لأن الدستور ينص على أنه إذا حدث مكروه لرئيس الجمهورية فإن رئيس المجلس الوطنى سيكون الرئيس لحين انتخاب رئيس جديد فإذا حدث ذلك وكان المجلس قد تم حله من سيكون الرئيس؟، كما ان البعض يسعي الى أن لا يكون هناك مجلس وطنى حتى يحكم الرئيس بقرارات جمهورية. قرار مفوضية الانتخابات بتأجليها لفبراير المقبل وتلميحها لإمكانية استثناء اجزاء من دارفور، فتح الباب واسعاً أمام القوي السياسيه لمزيد من الجدل حول قرار المفوضية، فهل ستفلح الحكومة ووسطاء التفاوض في طي ملف دارفور قبل الموعد المضروب للانتخابات، وتغلق بالتالي الجدل حول الاستثناء، أم ان الوضع هناك سيكون كما هو عليه الآن الى حين موعد الإنتخابات وبالتالي سيفتح الباب لمزيد من الجدل!!. 

 

آراء