الحكومة الانتقالية هي حكومة مؤقتة تتشكل بعد سقوط نظام سياسي نتيجة لغزو خارجي أو انقلاب عسكري أوثورة شعبية ، وهي حكومة ذات مهام محددة. وبرغم محدودية عمرها لكنها قد تكون من أخطر الحكومات لأنها تعمل على إزالة نظام قديم زائل ووضع أسس لنظام جديد قادم. ورغم أن التكليف المناط بالحكومة الانتقالية تنفيذه مؤقت بطبيعته، لكنه تكليف صعب وخطير فى نفس الوقت، لأنه يضع أسس نظام سياسى قد يستمر لقرون. * وإذا كانت هذه الأسس معيبة أو مختلة، فقد تؤدى إلى معاناة الشعب لأجيال طويلة قادمة. فحكومات الفترات الانتقالية هى التى تضع الإطار العام للأسس الدستورية، وهى المسؤولة ليس فقط عن تقديم مقترحات للمستقبل بل هى المنوط بها تصفية ومحاسبة أسس النظام السابق.* ولذلك فإن عدم التوفيق فى اختيار الحكومة الانتقالية هو أخطر بكثير من التهاون فى حكومة تسيير الأعمال (حكومة منتهية الولاية أو سحبت منها الثقة )والتي تعمل على تصريف الأعمال لكي لا يحدث فراغ دستوري دون التصرف أو إجراء تغييرات مهمة، بل هو أخطر حتى من عدم التوفيق فى اختيار الحكومات العادية.* و الانتقال السياسي عملية سياسية متدرجة تسمح بالتحول من النظام الدكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي، يكون قائما على حرية الاختيار والشرعية الشعبية المعبر عنها بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة .* وهناك عوامل تساعد على تيسير العملية الانتقالية وتسريع وتيرتها، منها الحالة الاقتصادية للبلد ووجود تقاليد ديمقراطية سابقة يمكن أنْ يستفاد منها لإنجاز النموذج المنشود.* شهد السودان تجربتين سابقتين للانتقال السياسي كانت الأولى في اكتوبر 1964 إثر ثورة اكتوبر والثانية في ابريل 1985 بعد انتفاضة رجب /ابريل المباركة وقد كانت مدتهما سنة انتقالية واحدة، أعقبتها انتخابات نزيهة وشفافة آلت بعدها الأمور الى حكومات ديمقراطية منتخبة. ونحن اليوم نمر بتجربة الانتقال الثالثة في السودان والتي توافقت قوى الحرية والتغيير- التحالف الذي شكل الحاضنة السياسية لثورة ديسمبر، على جعلها ثلاث سنوات بدلا عن السنة الواحدة المعتادة في إرثنا السياسي. وبرغم ارثنا الديمقراطي السابق مما قد يسهم في سلاسة الانتقال مثلما ذكر أعلاه لكن خيار الثلاث سنوات يبدو خيارا معقولا وبه الكثير من الوجاهة والحكمة بالنظر للخراب الذي عاسه النظام المباد في السودان، بما يشكل العديد من التحديات والمعوقات في طريق الحكومة الانتقالية- مما كتبنا عنه من قبل وكتب كثيرون غيرنا. ففوق الحالة الاقتصادية المزرية التي تمر بها البلاد هناك حروب مستعرة في كل أرجاء الوطن الممزق، ونسيج اجتماعي مهتريء، ونعرات عنصرية عالية، وتظلمات اثنية ونوعية ودينية فاشية، اضافة لحيازة عناصر الثورة المضادة على كل وسائل التخريب من مال وسلاح وتغلقل في الخدمة المدنية والنظامية . تم الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير على مهام محددة للحكومة الانتقالية على رأسها موضوع السلام، ومعايش الناس، ومحاكمة رموز النظام السابق، واستعادة الأموال المنهوبة، وتحقيق العدالة بالنسبة للانتهاكات في 3 يونيو وما قبلها من انتهاكات،الاعداد للمؤتمر الدستوري، وكتابة مسودة دستور ليجاز بواسطة البرلمان المنتخب، وتنظيم انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة. وبهذا الفهم تكون كل مهام الفترة الانتقالية بمثابة تعبيد للطريق أمام التحول الديمقراطي الكامل عن طريق انتخابات حرة ونزيهة تفضي لحكومة منتخبة تمثل الشعب ومطالب الثورة وباختياره الحر. ومع الاعتراف المتيقن بأن الانتخابات النزيهة هي وسيلة تحقيق ذلكم الهدف لكن توقيت قيامها في زمن مناسب بعد تعبيد الطريق أمامها كذلك من الأهمية بمكان. الدعوة لحكومة انتقالية عمرها عام واحد ولانتخابات مبكرة قبل تحقيق هذه الأهداف دعوة انطلقت أول مرة على لسان المجلس العسكري في نسخته منتهية الصلاحية التي كان من أهدافها كتابة عمر جديد للنظام القديم بتغييرات طفيفة. وانطلقت كذلك من حزب المؤتمر الشعبي، الحزب الذي يريد تمديد عمر النظام الذي أوجده. وكذلك انطلقت من كثير من الكتاب وقادة الرأي الممالئين لنظام المؤتمر الوطني المباد بأمل أن يكون المؤتمر الوطني هو الحزب الوحيد الذي يتمتع بجاهزية تمكنه من الفوز فيعودوا! وينسون أن الانتخابات لا تكسب بالمال وحده. ومع كل ذلك الشنئان لمثل هذه الدعوات المريبة علينا أن ننتبه للتفريق بينها وبين ما يقوله حزب الأمة ورئيسه حكيم الأمة الذين هم جزء من الحرية والتغيير لذلك ليس خبرا أنهم يعملون جاهدين على انجاح الحكومة الانتقالية وحلحلة كافة العقبات ومن ضمن وسائل العمل على انجاح الانتقالية كامل الاستعداد لمعالجة الاحتمال الآخر في حال أعاقتها العقبات الخمس التي عددها الامام في خطبة الجمعة 11 اكتوبر المنصرم :عثرات موضوعية بسبب الحالة الاقتصادي، عثرات غير موضوعية بسبب مناورات السلام، تدخلات خارجية انتهازية، مؤامرات السدنة بهدف الردة السياسية، اختلالات داخل قوى التغيير. إذن الذهاب لخيار الانتخابات هو الحل (ب) اذا انصرفت (ذهنية بعض الفئات المؤدلجة بلا سند شعبي حقيقي، وذهنية بعض السدنة لاستغلال هذا الانسداد إذا حدث للتآمر الانقلابي).قالها الامام وهو يؤكد: (إن الشعب السوداني بعد التجارب الظالمة الفاشلة مصفح ضد الدكتاتورية، بل تجربة النظام المباد سوف تكون مرجعية لما قد يفعل التيار الإسلاموي إذا انفرد بالسلطة تشويهاً للإسلام، وتدميراً للوطن). ومثلما ذكر أيضا في تلك الخطبة العصماء (سواء بفراسة المؤمن أو بقراءة العقل للمستقبل، فقد قلنا في عام 1990م مقولات نشرت أمرين: الديمقراطية راجحة وعائدة، إن سقوط حائط برلين يأذن بانتقال التوتر من معسكري الشرق والغرب إلى شمال العالم وجنوبه. وإن عوامل ذكرناها سوف تؤدي حتماً لانتشار الغلو والإرهاب المصاحب له، وللهجرات غير القانونية نحو دول الشمال، ولتسيب حركة السلاح والأوبئة، والانفجار السكاني، وقد كان). ويحضرني الكثير من أمثال تلك الأمثلة الألمعية لكني اكتفي في هذه المساحة فقط بقراءته الحصيفة لنيفاشا اتفاقية السلام الذي سمي الشامل العادل دون أن يحمل من الصفتين شيئا مذكورا، و التي كان مجرد الاقتراب من نقدها يعد كفرا في عرف موقعيها وخلق كثير، لكنه بثقة العارف أصدر كتاب (نيفاشا ومشروع الدستور الانتقالي في الميزان) بعد شهرين فقط من توقيعها وقد تحقق كل ما رآه عنها وعنه كأنه رأي العين، وحتى يوم الناس هذا ولبكرة نعاني من رمادية نيفاشا وقلة عقلها. آخر الكلام :الحرص على نجاح الحكومة الانتقالية هو حرص على خروج السودان آمنا مستقرا لذلك لابد من التحسب لكل الاحتمالات ووضع بدائل لكل الظروف وفي حال لأي سبب لا قدر الله فشلت الانتقالية وتكالبت عليها الاحن علينا الاستعداد لخيار الانتخابات كحل يجنبنا شرور الانقلابات. هذه الانتخابات اذا اضطررنا لخوضها يمكنها أن تكون امتدادا رائعا لتحالف الحرية والتغيير بخوضها معا في قائمة واحدة . وسلمتم *منقولات بتصرف من مظانها على الشبكة العنكبوتية